الجمعة، 18 يناير 2019

مذاكرة الشيخ خالد بن تونس لنهاية العام 2018

مذاكرة الشيخ خالد بن تونس
 لنهاية العام 2018 

    بعد بسم الله الرحمن الرحيم.  
 

    أستسمح ضيوفنا بأن أبدأ باللغة العربية في هذه الحصة، حصة الذكر، وندعوا لكل الذين واللواتي  غادرونا في هذا الشهر، شهر ديسمبر.

    إخواننا في الله، قبل كل شيئ، أدعوا الله سبحانه وتعالى، على نعمته علينا، حيث جمعنا وساعدنا، ووهبنا هذه الأيام المباركة، في هذه الأرض المباركة. كلنا يعرف تاريخ الأندلس، منذ سن الصغر. كان يعيش الإسلام في هذه الأرض. ومن هذه الأرض المباركة، وهذا البلد المبارك، نشأ رجال ذاكرين وذاكرات، لا زال يشهد لهم التاريخ إلى يومنا هذا، بما وصلوا إليه، من محبة وعلوم، وتغلغل في الحضرة الإلهية. ونحن الآن، بعد قرون من الزمن، نذكر الله ونحتفل. هذه نعمة من نِعم الله، على من يحبه ويرضاه، ولكن هل نحن حقيقة، على قدم من سبقونا في هذا الطريق المبارك، أو نحن مقلدين فقط؟

    إن الطريق مبنية على ثلاث، العلم والعمل، والبقية وهبة من الله. ما هو عملنا؟ إن ما يوهب بيد الله. ترك لنا السادات في هذه الأرض، خير كثير، وتبقى منه إلى يومنا هذا، رائحته الطيبة. فهل نحن قادرين على أن نتحسسها ونشمها، ونعمل بما فيها، بما حوته من حكمة وموعظة ومحبة وعبودية وخدمة الحضرة المحمدية. بعدما كان التوفيق من الله، والأمر يرجع كله إليه، في أن يهدينا ويرشدنا إلى ما فيه الخير، وأن يجمع قلوبنا على محبته، وعلى أنسه، بحقه ورعايته ولطفه، و(ندعوا) بأن يجعل في شبابنا ذكورة وأنوثة خير، موصول من جيل إلى جيل، حتى تبقى لا إله إلا الله حية، بعلمها وعملها وسرها ونورها وكل ما فيها.

    الآن نتوجه إلى ضيوفنا. (وتحدث باللغة الفرنسية).

    أصدقائي الأعزاء، نحن في نهاية ليلة نهاية العام. وهي هدية كبرى بأن نحتفل، كَوني معكم، هذا المساء. أقولها من صميم فؤادي، وربما أكثر شيئا ما، فمن الناذر في أيامنا، التمكن من الإجتماع، في سلام وصداقة، وعلى الخصوص، إذا كان لم يمضي على تعارفنا إلا زمن قصير. وعلى ما أعتقد، ربما يعود هذا الفضل، إلى أناس مضوا، عمّروا هذه القارة، منهم آل مرسي، وابن العربي، وآل القرطبي... هم هنا، ويعدون بالآلاف. حملت هذه الأرض أناس متميزين، ذوي مستويات راقية ومحبة كبيرة، يبالغون في تلبية متطلبات خدمة الإنسان. تركوا لنا شهاداتهم وشعرهم، الذي نلقيه حتى اليوم، وتركوا موسيقاهم. وهل نفهم حقا ما قالوه لنا؟

    (نعم) مثل فوح شذى فقط، وهل نعرف حقا، الكنز الذي تركوه لنا؟ كنز لإنسانية سعيدة، (تعيش) في سلام مع نفسها، وتناغمٍ مع بعضها البعض. لا نطلب من الناس جوازات سفرهم، لنعلم من أي بلد همُ، ولا إلى أي جنسية ينتمون، وأي دين يعتنقون، وأي لغة يتكلمون، ولا من أي قارة همُ. من عالم تقوم فيه الأخوة بتقريب الناس. بالطبع هو حلم وطوباوية، هذا أمر أكيد، وربما لم يتواجد هذا العالم أبدا. على كل حال، عندما نقرأ ما تركوه لنا، نجد شذى خفيف، مما يجعلنا نعتقد، أن الحلم يمكن تحقيقه، وأن ذلك العالم ممكنا، حتى ولو يكن لصالحنا، وغدا ربما سيكون لصالح آخرين. ينبغي أن نعتقد فيه، وأن نأمله، والعمل له. عند الروحانيين تبقى الحقيقة فوق كل شيئ. فوق الجنس، وفوق الدين والعقيدة والسلطة والثروة والتشريفات، كانت هذه الروحانية فوق كل شيئ، ما دامت في نظرهم، هي الصلة الأساسية لذلك التوحيد السماوي، الذي يربط كل شيئ، يربط الخير والشر، وقد تعدوا حاجز الإزدواجية، حاجز التفرقة، وقسرا منحوا أكثر المزايا للروح، على حساب النفس الأمارة والنرجسية، انجذبوا وسمَوا، بالقيم لتي تجسدها الروح، عندما يرقون بنا نحو قمم تسمح برؤية أبعد. ومن يرى أبعد يدرك أن الشمس لا تغرب أبدا. والحققة هي أن هذه الشمس لا تغرب أبدا. اطلبوا ذلك من الفلكيين، الذين ارتفعوا قليلا عن سطح الأرض، فبالنسبة لهم، لا تغرب الشمس أبدا. هاهما حقيقتان متناقضتان، حقيقة أرضية نراها رأي العين، في النهار والليل، وحقيقة لا أقول عنها سماوية، بل هي من الأرض، فهم ارتفعوا واستنتجوا أن الشمس لا تغرب. في هذا التناقض الذي خُلقنا فيه، بين النهار والليل، وبين الشك من جهة، والثقة من الجهة الأخرى، والشجاعة من جهة، والخوف من الجهة الأخرى، يُرى فيه ازدواجية، تضفى في التحدي، وهي معركة دائمة، تعلو فوق الجميع. ربما لا يمكننا أن نكون مثلهم، ولكن يمكننا التقدم أكثر، وعلى كل حال، يطرأ علينا تحسن، ونستطيع أن نتبادل بتضامن وثقة وعدالة وأخوة، وهي مصطلحات في متناول كل إنسان، بشرط أن يكتسبها في تربيته، وبشرط أن يعمل بها، ويعي القيمة المضافة، ما نسميها القيمة المضافة(1). أنتم تعلمون أن كل التجار يعرفون معنى القيمة المضافة، وهي عندما يكون لكم منتوج، وبعتموه خاما أو استخدمتموه، يجلب لكم أكثر، هذه هي القيمة المضافة.

     ماهي القيمة المضافة للمنتوج؟ نحن نعرف كيف نقوم به مع البطاطا، ونستطيع العمل بها في صناعة الصلب، ونستطيع العمل بها مع العديد من الأشياء، وكيف أن مع القيمة المضافة، نستخلص في كل مرة، منتوجات عالية. أما بالنسبة للإنسان، فماهي القيمة المضافة الخاصة به؟ إذا لم تكن هي القيم التي يحملها، والقيم التي يمثلها، وهي القيم التي تصيغ كلامه وأفعاله وفكره. هذه هي القيمة المضافة، لكل واحد منا. إن فقدناها، نصبح منتوجا خاما، ويوما ما، يكون مصيرنا إلى المقبرة.

     انظروا إلى هؤلاء الناس، فنحن نحيي الذكرى ال800 لواحد منهم، حيث لا تزال الذاكرة حاضرة، وتجمع لحد اليوم، رجالا ونساءا، من عدة أقطار وبلدان. هذه هي القيمة المضافة لشخص ما. ترك أثرا في التاريخ، وظرفا من التاريخ الذي عاشه. إن ما نتمناه، هو أن يكون هذا اللقاء، جزءا من التاريخ، ويوما ما سيتذكر آخرون هذا اللقاء، وآخرون يأتون إلى هذا المكان، في هذا البلد، ويجتمعون بكل أخوة، وكل سلام، بلا تخوف من بعضهم البعض، وبدون إستعلاء وأنانية. فقط، بكل أخوة يتم إجتماعهم، ويتبادلون ويتقاسمون وينسجمون "للحظة". أتمنى أن يكون هذا ممكنا، وعلى الخصوص بالنسبة لشبابنا، الذين سافروا وأقاموا هذا الملتقى، وأن يبقى بكل عمق، مرسخا في ذاكرتهم ويتذكرون. وربما غدا، مع شباب آخرين، من هنا وهناك، يكونون قادرين على العمل أفضل مما عملنا، فالناس يجتمعون بشكل أفضل، لأمور أقل شأنا، فكرة القدم تجمع اليوم أكبر قدر من الناس، مما قد يجمعه أفضل الأفاضل، سواءا كان بابا أو شيخا. كرة بسيطة تجمع ملايين الناس. ربما سيأتي يوم، وتجتمع حول هذه القيم، ملايين الناس، شاعرين في تلك الأوقات، ومجموعين في الوحدة بالسلام.

     هكذا لإنهاء هذه السنة. شكرا لكم جميعا، نساءا ورجالا، كبارا وصغارا، شبابا وأحداثا، لاستجابتكم لهذا النداء، ومقاسمة هذا الوقت معنا، وللمؤمنين آملين أن يجازيهم الله برحمته وبركته. أما بالنسبة للبقية، الذين لم يبلغوا بعد هذا المستوى، الذين لم ينضج مسعاهم بعد، نتمنى لهم، إن شاء الله، أن تكون هذه السنة الآتية لنا جميعا، سنة السلام، سنة المصالحة بين العائلة البشرية، سنة الأمل والتوقعات، بالنسبة لكل أولئك الذين يعانون اليوم على وجه الأرض، وفقدَ عائلته وبيته وبلده وعمله، وكل أولئك الذين يبكون اليوم موتاهم وحرمانهم، أن تُمد لهم يد العون، وتتنزل عليهم الرحمة الإلهية، وتبدد مخاوفهم، ويتمكنون من إيجاد مخرجا، في هذه السنة الجديدة، ووسيلة للعيش في كرامة على هذه الأرض. وبلّغوا تحياتنا وتمنياتنا، لكل عائلاتكم وأقاربكم، وماذا أتمنى لكم أيضا؟ إلا السعادة والإزدهار لكم جميعا، ولعائلاتكم إن شاء الله. شكرا لكم.

    فقط، سننهي هذا الجمع الروحي، وتوجد مفاجأة صغيرة.. ليست جوائز، وليس الأب نوال من مرّ، ومع ذلك هي مفاجأة جميلة، أريد تقاسمها معكم جميعا. لا يوجد مفهوم البقايا المقدسة في الإسلام. رغم ذلك هي رموز قوية جدا، لا أستطيع تسميتها، هي أردية ضريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورداء الكعبة التي يطوف حولها الحجاج والمعتمرين. لسوء الحظ، لم نجلب كل شيئ، جلبنا البعض منها، حتى تتمكنون من مشاهدتها، وتفهمون أن هذا الدين، دين سلام وجمال. إذا كان اليوم، يدّعي البعض أنهم أبطال الإسلام، بقطع رؤوس إخوانهم، ورؤوس آخرين بدون تمييز، باسم هذا الإسلام. واعلموا أن كسوة الكعبة، وستارة ضريح النبي صلى الله عليه وسلم، وما سترونه كان موجود قبل أن تسقط مكة في يد الوهابية. أثر تاريخي لماض وذاكرة، تكافح من أجل البقاء، وهي من ذاكرة الإنسانية. إذا خسرنا هذا، فكل الإنسانية ستخسر، وإذا نسيت هذه الذاكرة وضيعت وقضي عليها، وإن الذي يحدث الآن هو تخريب، وصل إلى مستوى غير متوقع، ونقوم بمحاولة إنقاذ هذا التراث، لتركه للذين يأتون من بعدنا، كشهادة لهذا إسلام السلام. هذه المفاجأة التي أردت أن أشارككم فيها. شكرا جزيلا.  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*). في ختام الـملتقى والمؤتمر الدولي الذي جرى بمرسية بإسبانيا، االمعنون بـ "الأندلس أرض العيش معا، بين الخيال والحقيقة"، في الفترة الممتدة من 26 إلى 31 ديسمبر2018، ألقى الشيخ خالد بن تونس المذاكرة المنتظرة، وهي كلمات روحية، من عادتها تكون عميقة ومركزة، تبدو للظاهر غير المتمرس في علاقة الشيخ بمريده، أنها في الكثير من مناحيها غير موجهة، وفي الحقيقة، هي رسائل و إجابات و إرشادات صائبة تعني من يحتاج إليها.

(1). في مجال الأعمال التجارية، يكون الفرق بين سعر البيع، وتكلفة إنتاج المنتج، هو وحدة الربح. وفي علم الاقتصاد، يكون مجموع ربح الوحدة، وتكلفة استهلاك الوحدة، وتكلفة وحدة العمل، هي القيمة المضافة للوحدة.
     وفي ما يعرف بالإقتصاد الكلي، يعود معنى القيمة المضافة، على مساهمة عناصر الإنتاج (العمالة والأرض ورأس المال) لزيادة قيمة منتج معين. ولإنتاج سلعة ما، فإن عناصر الإنتاج، تقوم بخدمة معينة، تقوم بزيادة سعر الوحدة، من هذه السلعة، بشكل يتناسب مع التكلفة لهذه السلعة.
    القيمة المضافة في عملية البيع هي، تقديم البائع للزبون، مجموعة من الأرباح المادية، مثل الخدمة والصيانة المجانية أو هدية تزيد من سعر المنتج الحقيقي، بشكل يسمح للبائع من رفع السعر، على أساس القيم المضافة عليها. وتتجلى عندما تقوم إحدى الشركات المرموقة، بوضع علامتها على سلعة، فتزيد قيمتها، رغم أن تكلفتها تساوي تكلفة الشركات الأخرى. وعليه جاء القانون المشهور في العالم "الرسم على القيمة المضافة". قال كارل ماكس في كتابه رأس المال، بأن التبادل التجاري لا يؤدي إلى الربح. انما يأتي الربح من قيمة تعب العامل، ويحللها ماركس تاريخيا بان المجتمع المشاعي عندما يقوم بالتبادل التجاري، فاذا قام أحد المنتجين برفع سعره، فسيقوم الكل برفع السعر، لكن يكون هناك فائض قيمة عمل، عندما يقوم أحد الأشخاص باستعباد أحد الأسرى، فيحصل على فائض إنتاج ناتج عن قيمة عمل العبد، وسمى ماركس هذه القيمة بالقيمة المضافة أو اصطلاحا فائض قيمة العمل، فيعتبر ماركس أن العملة هي سلعة، وكذلك عمل العامل سلعة، والربح دائما يأتي من سلعة عمل العامل، أي من فائض قيمة العمل، التي كلما تطور العلم والتكنولوجيا، ازداد العرض عليها وقل الطلب، وبالتالي أصبحت السلعة الأكثر ربحا، فهي تنتج منتوجات عليها الطلب، وأرباحها هائلة وهذه الأرباح الهائلة نتيجة الربح من القيمة المضافة، حيث أنك تشتري سلعة زهيدة وتبيعها بسعر مرتفع، وتعتبر القيمة المضافة أحد أعمدة الاقتصاد السياسي الماركسي". المصدر ويكيبيديا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق