الخميس، 28 مارس 2019

ملتقى فالينسيا، طريق الحرير

ملتقى فالينسيا، طريق الحرير

    شارك الشيخ خالد بن تونس، الرئيس الشرفي لجمعية عيسى، المنظمة الدولية، غير الحكومية، في النسخة 15 للملتقى الدولي المتوسطي، ملتقى الثقافات الثلاث، الذي عقد بمدينة فالينسيا (إسبانيا) أيام 22 و 23 و 24 مارس 2019، والذي اختير شعارا له هذه السنة "طريق الحرير: طريق المعرفة والتجارة والسياحة والتعاون"(1). نظمته منظمة اليونيسكو، بالتعاون مع عدة منظمات دولية، بما فيها منظمة عيسى .
                              الشيخ خالد بن تونس في الملتقى.
    جاء في نشرية تقديم الملتقى "ستجمع هذه الطبعة الجديدة من المؤتمر الدولي حول البحر المتوسط في مدينة فالينسيا، لمدة ثلاثة أيام، شخصيات دولية وخبراء، وكذلك الزعماء الدينيين، من خمس مجتمعات، للمناقشة والتفكير في أركان ثقافة السلام: الحضارة والأنسية والأخلاق، قبل الإنزلاق والأزمة، الذين طالا قيم مجتمعنا، في عصر العولمة والثورة الرقمية، التي بدأت الآن، وجعلت منا مواطنين، لأول حضارة كوكبية في تاريخ البشرية"(2).

    "طورت هذه المبادرة من طريق الحرير الجديد، الناتجة عن برنامج طرق الحوار، الذي وضعته اليونسكو في عام 1988، من أجل حوض البحرالمتوسط؛ من أجل تعزيز التنوع والتنمية المستدامة، التي جلبت زخما جديدا لاجتماعنا الودي لـ"ملتقى" الثقافات الثلاث، الذي يهدف إلى تعزيز الصداقة والتعاون ورفع التحدي، أن هذا البحر، الذي يقوم بتوحيدنا على ضفة واحدة، يمكن أن يُسمِع صوته في العالم، ويواجه تحديات السلام والتنمية في مجتمعنا المعولم"(2).

    وتضيف المقدمة، بعدما مجريات الأحداث، إذ تم في المقام الأول، افتتاح مركز الثقافة والأعمال الخيرية، "في المقام الثاني، سيتم تقديم العناصر الفاعلة إلى الشباب، في الأول من خلال ندوة الحرير، الشباب والمستقبل، بمشاركة ممثلين مختلفين من الأوساط الأكاديمية، ثم من خلال توزيع كتاب قصصي للشباب، وتمثيله، وهو "المولى نصر الدين: شخصية صوفية عالمية"، متوفر بلغات عديدة، مصمم لتقريب شباب بلدان البحر الأبيض المتوسط ​​وطريق الحرير. سيقدم لهذا المنشور الشيخ خالد بن تونس، القائد الديني المسلم، (الذي تعتبر منظمته) عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة، حيث رعى اليوم الدولي للعيش معا في سلام، والذي سيتم الاحتفال به كل16 مايو، وأيضا أسس في الجزائر، جائزة الأمير عبد القادر للتنمية والتعايش السلمي في البحر الأبيض المتوسط وفي العالم.

    وسيكون لدينا أيضًا عروض تقديمية متنوعة، مثل العروض المقدمة من  طرف فيسنتي غراسيا، صاحب جائزة الحرف الوطنية، وأبراهام حاييم، رئيس جماعة السفارديم للشرق والقدس، وسهى عبود حجار، أستاذة الدراسات العربية والإسلامية، في جامعة كومبلوتنسي بمدريد.

     سينتهي اليوم الأول بقصة شعرية: الشعر العربي الأندلسي، للشاعر إيلينا إسكريبانو، وحفل موسيقي برفقة سوبرانو من جوقة الوئام البولفونية"(2). وتبرز هذه الشخصيات ونوعية المداخلات، بعض الجوانب ممن يخوض معهم الشيخ خالد بن تونس حواراته وتبادلاته.



     بالفعل قدم الشيخ خالد بن تونس، موضوعه الأول "المولى نصر الدين: شخصية صوفية عالمية"(3)، في صبيحة اليوم الأول من الملتقى، فسر فيه مجموعة من الحكم، تم استخلاصها من قصص الشيخ نصر الدين، المشهور عند الأمة العربية، باسم جحا، الذي يعتمد في تعاليمه، على أسلوب يناقض العقل والتقاليد، ليوقظ فينا المبادئ والأخلاق الإنسانية. كما قام الشيخ خالد بن تونس بتقديم كتاب حول نكت هذه الشخصية، والذي نشرته منظمة اليونيسكو، منسوخ بعدة لغات، ووزع على الحاضرين. وفي حصة المساء من نفس اليوم، ندوة الحرير، الحكمة والوئام، ألقى محاضرة بعنوان "اليوم الدولي للعيش معا في سلام"، حيث دعا للاحتفال به كل 16 ماي، عبر عقد لقاءات تغذي التعايش، وتهدف لمد جسر التواصل مع الآخر، من أجل السلام.

    من جهة أخرى، حضر الشيخ بن تونس، صلاة جماعية للديانات بكاتدرائية فالينسيا، يوم 24 مارس، عرفت باسم حفل الثقافات للسلام والوئام. أعطيت له الكلمة، فنهض وقال:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سيداتي سادتي. في هذا المكان المقدس، مكان للصلاة، مكان تاريخي، الذي صلى فيه الكثير من الرجال والنساء، أتمنى شكر من رحبوا بنا اليوم، منظمي الملتقى، الذي سمح لنا بالإلتقاء والبناء معا، طريق السلام. فضلتٌ التقاسم معكم شعر حول السلام، ترجم إلى الإسبانية، من طرف صديقي سعيد. إنه الصلاة العميقة بالنسبة لي، التي تناسب هذا اللقاء. شكرا جزيلا.
    وتمت قراءة الأبيات الشعرية لقصيدة الشيخ "السلام"، من طرف السيد سعيد بن سلام.
                                 خارج كاتدرائية فالينسيا.

    وتعرض المؤتمر لمجموعة مواضيع تم طرحها، مثل أهمية مدينة فالينسا كميراث غير مادي للإنسانية، وذلك عبر لعبها دورا هاما في طريق الحرير. من جهة أخرى تطرق الملتقى للعلاقة بين الأجيال، عبر التربية والتعليم ومد جسر التواصل بينها. كما تم الحديث عن الدور الذي لعبه العلماء المسلمون واليهود، في الإرث الحضاري للأندلس.

    وقد حظي البحر الأبيض المتوسط باهتمام واسع عند مجموعة من المحاضرين، الذين أبدوا قلقهم حول تأزم هذه المنطقة، عبر تفاقم ظاهرة الهجرة، بفعل الحروب، والدور الذي يمكن أن تلعبه إسبانيا وأوروبا في مواجهة ذلك. وتطرق الملتقى أيضا، لظاهرة العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا الحديثة والعالم الافتراضي والذكاء الاصطناعي.
    على هامش المحاورات، كان للشيخ خالد بن تونس لقاء صحفي قصير، مع قناة آبونت الإسبانية، فأجاب على سؤال الصحفية، ماذا يعني لك هذا اللقاء؟ قائلا: إنه التأكيد، أننا خرجنا من وضع، كانت فيه الإنسانية منقسمة بين ديانات وحضارات، إلى حضارة شاملة دولية عالمية. ينبغي علينا اليوم، تبني نظرتنا حول هذه الحضارة الجديدة، التي هي بصدد الظهور، وإعطاء فرص أكبر لأبنائنا، لكي يعيشوا معا في سلام، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر.
          الشيخ خالد بن تونس في حوار مع مع قناة آبونت الإسبانية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). يقصد بـ"طريق الحرير"، خط المواصلات البرية القديمة، الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها، إلى المناطق القريبة من أفريقيا وأوروبا. وبواسطة هذا الطريق كانت تجري التبادلات الواسعة النطاق، من حيث السياسة والاقتصاد والثقافة، بين مختلف المناطق والقوميات. امتاز الصينيون في القديم بالانفراد بمعرفة سر صناعة الحرير، فكانت تجلب من هناك، والحرير مصدر أبهة وافتخار لمالكه واعتزاز، فكانت تشق الطرق لجلبه وبيعه. اعتبرت هذه المجموعة من المسالك في التجارة، أساس  التطور، حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث. أطلق عليها اسم "طريق الحرير"، الجغرافي الألماني "فرديناند فون ريتشهوفن". كان المسلك مصدر لقاء وتعارف ووسيلة ممتازة للتآخي، ويعتبر اليوم من أهم منافذ الحوار في العالم.  


(2). مقدمة النسخة 15 للملتقى الدولي المتوسطي. توقيع السيد "رفائيل موزو غيمينز"، رئيس مركز اليونسكو فالينسيا- المتوسط.

(3). عاش الشيخ نصر الدين خوجة بتركيا، خلال القرن 13 الميلادي، ولد بمدينة سيواري حصار، وتلقى علومه بمدينة  آق شهر، وبها توفي، وتنقل في قونية وبورصة وأنقرة، ومدن أخرى. ولي القضاء، وعين في التدريس وإماما للمسلمين، وبها جاء لقبه خوجة، وتعني المعلم. فقد عاصر بداية الحكم العثماني، ونهاية الحكم المغولي للأناضول.
    تعتبر شخصية شعبية ومشهورة جدا، في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وبعض المناطق من القارة الأوروبية، حيث يتم تداول قصصه وحكاياته، على طول منطقة جغرافية واسعة، تمتد من هنغاريا عبورا بالهند، وصولا إلى الصين، ومن جنوب سيبيريا إلى شمال أفريقيا، وخلال قرون كاملة، كبر الملايين من الأطفال، وهم يستمعون لقصص نصر الدين خوجة الأسطورية، وإلى عجائبه وحيله وحنكته.

    كل شعب وكل أمة صمّمت لها (جحا) خاصاً بها، بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة، وظروف الحياة الاجتماعية فيها. ومع أن الأسماء تختلف، وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً، ولكن شخصية (جحا) وحماره لم تتغيّر، وهكذا تجد شخصية نصر الدين خوجه في تركيا. ومن الشخصيات التي شابهت جحا بالشخصية إلا أنها لم تكنى به، فنذكر غابروفو بلغاريا المحبوب، وأرتين أرمينيا صاحب اللسان السليط، وآرو يوغسلافيا المغفل.

    في الأمة العربية، نجد أول ذكر لاسم جحا، يعود لدُجين بن ثابت الفزاري، الذي عاش في القرن الأول الهجري، ونسبت إليه طرائف، قال الشيرازي عنه "جُحا لقب له، وكان ظريفاً، والذي يقال فيه مكذوب عليه". وذكر ابن النديم المؤلف والأديب في كتابه "الفهرست"، الذي أحصى فيه، كل ما صدر من كتب ومقالات في زمانه، الذي فاق عددها ثمانية آلاف كتاب، وأكثر من ألفي مؤلِف، عنوان كتاب "نوادر جحا". عاش المؤلف في القرن الرابع الهجري. وحتى الأمة الفارسية، امتازت بنكت جحا، ونجد أثارا له في الشعر الفارسي الغابر.

    تبقى شخصية الشيخ  نصر الدين خوجة التركية، أكثر تأثيرا وواقعية، وتم تصويره على أنه شخص حكيم ومغفل في آن واحد، ففي كل حكاياته ومغامراته، دائما ما يعثر جحا على وسيلة ذكية يخرج بها من الأوضاع الصعبة والحرجة التي يجد نفسه فيها، من خلال حنكته وحكمته وخفة دمه، كما أنه دائما ما يربك محدثيه بخطاباته التي تبدو غبية، إلا أنها في غاية الحكمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق