الأربعاء، 12 يونيو 2019

الوساطة

الوساطة



    أمام إلحاحية الوضع، فمن الضروري اليوم، اللجوء إلى وسطاء ضامنين في المجتمع، وإلى فهم أهمية الوساطة، بوصفها وسيلة، لضمير جديد، يعمل على تحويل إشكالياتنا المحلية إلى تفكير جماعي وشامل. يظهر قِدم الوساطة على أنها مفهوم رئيسي في تاريخ الحضارة الإنسانية. كانت وسيلة هامة للتنظيم في المجتمعات التقليدية، مارسها كبار الأعيان والحكماء، من أجل التهدئة في إدارة الصراعات. تلك الأساليب الطبيعية للوساطة، كانت مستخلصة طبيعيا من قبل الجماعة، عكس الوساطة المعاصرة، المتميزة بوساطتها المتعمدة ودون سلطة. لا يمكن تصور ثقافة السلام، من دون وساطة، فهي ممارسة أو تخصص، يهدف إلى تدخل طرف ثالث، من أجل تسهيل تدفق المعلومات أو تقديم توضيح أو إعادة بناء العلاقات. يفصل الوسطاء المتخصصون حاليا الوساطة عن التحكيم أو التوفيق بين الأطراف المتنازعة، فلأن كلا الأسلوبين يستوجبان إما الأخلاق أو القانون.

    إن الوساطة أداة ضرورية لمرافقة التحور والتغيير، الذي يحدث في عالمنا المعاصر. في الواقع، فأي وسائل أخرى نملكها، تجعلنا قادرين على بناء الصلات بين الأجيال، في مجتمع معولم متعدد الثقافات؟

    إن المصالحة بين الأسرة البشرية، والعمل من أجل الرفاهة، تعود بالرفاهة على الفرد نفسه وعلى أسرته. تدلنا الوساطة على حالة من الكينونة، ومواطنة عالمية ومدرسة، وطريقة تغذي ثقافة السلام، التي بات عالمنا بحاجة ماسة إليها. إنه ملاذ وطموح إلى توليد الحقائق، وضمير متنامي من أجل الحوار، وخروج من الضبابية التي نتواجد فيها.

       الشيخ خالد بن تونس.


فصل في الوساطة
    جاء في صفحة التواصل الإجتماعي الرسمية، الفايسبوك، للشيخ خالد بن تونس، بتاريخ 05 03 2019، "في وقت تعاني فيه الجهات الفاعلة، الاقتصادية منها والاجتماعية والدولية، من عجز شديد في الثقة، مرتبط بنقص التواصل الأخلاقي، أضحى من الضروري، أن ينبني تفكير، حول أساليب للاتصال.

    الوساطة، إجراء غير إلزامي. وستنظم الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة غير الحكومية، عيسى، أول تدريب لها، تحت إشراف البروفيسور ميشيل غويلوم-هوفنونغ، مؤسس ومدير معهد غيوم-هوفنونج للوساطة...

    يهدف هذا التدريب إلى تعليم أساسيات الوساطة، لتطبيق ملموس، بغض النظر عن قطاع النشاط الذي تنتمون إليه. وهي تُعرِّف الوساطة على أنها عملية تواصل أخلاقي وتوليدي، تسمح للأشخاص/ الجهات الفاعلة، بالتعبير عن أنفسهم بكرامة على قدم المساواة، وتمنحهم الفرصة ليكونوا أحراراً ومسؤولين"(1).

أهمية الوساطة
    قال الله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". سورة البقرة، الآية 143. كثيرا ما ينبه الشيخ خالد بن تونس، أننا جعلنا وسطاء، نتحلى بوصف "الوسيط"، وشهودا وليس حكاما، كما يحلو للبعض.

    أصبحت الوساطة إختصاصا علميا، تقام بشأنه دورات علمية، أو حتى أنه صار شعب تخصصية في بعض الجامعات، تخرج وسطاء متمكنين، لهم دراية بهذا الفن، ويتدارسونه ويلقنونه لطلابه. اعتبرها البعض صورة من صور الصلح، واعتبرها آخرين بديل عن الدعوى الجنائية. ولفهم بعض الشيئ مناهجها، نورد بعض الإيضاحات.

    الوساطة هي ممارسة أو تصرف يجرى بين طرفين لإيصالهم إلى اتفاق. رغم عراقتها في التاريخ وسيرورتها بين الشعوب لفض الخلافات، إلا أنها في العصر المعاصر، أصبحت تعد من الوسائل القانونية الحديثة لفض المنازعات، مثلها مثل "التحكيم"، وتم اللجوء إليها بحثا عن حلول عملية للعدالة البطيئة، وتوفيرا للمال. تعد الوساطة إحدى وسائل التوفيق بين متخاصمين، عن طريق تدخل طرف ثالث، يعد قريبا لكلا الطرفين، يحاول التقريب بينهما، تمهيداً لتسوية ودية.
   
    الصلح وسيلة تقتصر على دعوة أطراف النزاع، للتفاوض فيما بينها، دون أن يتدخل طرف ثالث في هذه المفاوضات، للتقريب بين وجهات النظر، أو يبدي رأيه في الموضوع، وهذا ما يميزه عن الوساطة خاصة في هذه النقطة، بحيث لا تتم عملية الوساطة الا بتدخل طرف ثالث محايد بين الطرفين ويطلق عليه اسم ''الوسيط''. ومصطلح الوسيط دقيق، والمتحلي به أكثر فاعلية وإيجابية مما قد يوصف به المصلح، فالوسيط يتوسط طرفي النزاع، مخول له استعمال شتى الوسائل، لتقريب وجهات النظر، بعكس المصلح الذي يكون له دور جانبي، محتشم أحيانا، وليس لأطراف النزاع أن ينصاعوا له. وتتجلى أكثر في المنهج القضائي في المجال الإقتصادي، إذ يلجأ إليها في فض الخلافات.

    "ويلعب الوسيط خلال عملية الوساطة دوراً جوهرياً، يتمثل في توفير جوا مناسبا لمناقشة طرفي النزاع، ومن أبرز ما يقوم به الوسيط، تنمية الشعور بالمسئولية في نفوس طرفي الخلاف، وتشجيعهم على تبادل وجهات النظر والحلول الفعالة، بسهولة شديدة دون تعقيد، ومن أهم ما يجب توافره في الوسيط السمعة الطيبة، وعدم التحيز لطرف ما على حساب الطرف الآخر، ومن الضروري أن تكون الإجراءات التي سيتم اتخاذها فيما يتعلق بعملية الوساطة متفقة تماماً بشأن موضوع الخلاف أو النزاع، وبعد ذلك يتم تحديد الطرق المناسبة التي سيعتمد عليها في انهاء ذلك الخلاف، وحصر البيانات والمعلومات الخاصة بالموضوع، مع الحرص التام على الإلتزام بالمحافظة على هذه المعلومات، وضمان عدم تسربها لجهات آخرى"(2).

    "إن ثقافة الوساطة شائعة في بعض البلاد العربية، مثل المغرب وتونس، أكثر مما هي حالياً في لبنان. فتلك الشعوب بطبيعتها، تؤمن بوجود طرفٍ ثالثٍ، يعمل على تلطيف الأجواء بين المتنازعين على قضيةٍ ما. في المغرب على سبيل المثال، تمت إحالة 2124 حالة خلاف إلى الوساطة، بين 2011 و2014، 1729 منها حُلّت عبر الوساطة، وعليه جرى إنقاذ أكثر من 236 مليون دولار مجمّدة. وقد شهدت مصر بين عامي 2010 و2014، 1242 حالة نزاع لجأت للوساطة، 265 منها وجدت حلاً، وقد حرر ذلك حوالي 27 مليون دولار مجمدة"(3).

    في الجزائر صدر القانون رقم 15-02، والمعدل والمتمم لقانون رقم 66-155، المؤرخ في 18 صفر عام 1386هـ، الموافق لـ 8 يوليو 1966، المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الصادر بالجريدة الرسمية، بتاريخ 23 يوليو 2015. وهذا القانون استحدث مهمة الوساطة في مضمونه وأقرّ بإجرائها.

    وتتميز الوساطة عن نهج "المساعي الحميدة"، المتخذ في تسوية النزاعات وديا، في كون الطرف الآخر في المساعي الحميدة، ينتهي دوره ببدء المفاوضات بين الطرفين، أما "الوسيط" فلا تنتهي مهمته، إلا في حالة رفض أحد الطرفين هذه الوساطة، أو عند التوصل إلى حل للنزاع.

    أما في حالة "التحكيم"، فهو إجراء توفيقي وإصلاحي بين طرفين، يتخذ لكليهما حكم أو أكثر، والنتيجة المتوصل إليها ملزمة لكلا الطرفين، ويستحكم أمره في الإصلاح بين الزوجين، كما ورد في الآية الكريمة "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها". سورة النساء، الآية 35. والتحكيم مسار خاص مستثنى عن القضاء، إذ يتيح إمكانية مباشرة الفصل في النازعات يبن الأفراد، من قبل أفراد عاديين، لا يعدّون من الجسم القضائي. ويتميز بسرعة الفصل في القضايا، وعدم التقيد بتطبيق قانون معين أو اجراءات معينية، وتخفيف أعباء القضاء، ويفسح المجال في امكانية اختيار الأشخاص المحكمين، الأمر الذي سيؤدي إلى الإطمئنان. مثال على ذلك محكمة "التحكيم" الدائمة بلاهاي (هولندا)، كانت في البدء محكمة، ثم تغير منهجها، لتصبح منظمة دولية، تقدم للمجتمع الدولي خدمات متنوعة في مجال حل النزاعات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). صفحة التواصل الإجتماعي الرسمية، الفايسبوك، للشيخ خالد بن تونس، بتاريخ 05 03 2019
(2). موقع www.almrsal.com، في 27 12 2016
(3). موقعhttps://raseef22.com ، في 28 07 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق