الأحد، 20 ديسمبر 2020

الأديان في مواجهة الأزمة العالمية

 

الأديان في مواجهة الأزمة العالمية

هل هي مشكلة أم حل؟

 

    جرى يوم الخميس 10 ديسمبر ملتقى إفتراضي عبر الأنترنيت، نظمه منتدى 104، وهو فضاء ثقافي وروحي، يقع مقره في قلب باريس، ويهدف إلى إعادة الشأن الروحي إلى قلب الإنسان والجماعات والمجتمعات.

    انضم الشيخ خالد بن تونس إلى اللقاء، رفقة مجموعة من رجال الدين والمختصين في الشأن الديني، فقد شاركت فيرونيك فرانكو، مؤلفة كتاب "معًا نحو السلام"، الذي ضمن شهادات حول السلام، من ضمنها شهادة الشيخ خالد بن تونس، وتفاعل في الحوار كل من الحاخام غابريال هغاي، والقس البروتستاني الفرنسي بيير لاكوست، الذي خدم مدة زمنية معينة في بيروت، والقس والأسقف جان بول فيسكو، أسقف وهران. نشط اللقاء السيد فريدريك روشي.




    درس اللقاء موضوع الأديان ودورها في مواجهة هذه الجائحة التي تلم بالإنسانية قاطبة، وكذا الأزمة المتعددة الجوانب، حيث يشك الكثيرون في تأثير الأديان وأهميتها. حتى أن البعض يعتقد أنهم هم الذين يولدون الصراعات والحروب. هذا ما هو رائج. ماذا يمكن أن نرجو منها، ونتوقع منهم؟ ما هي الأدوار التي يمكن أن يلعبوها بشكل منفصل وجماعي؟ ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبوه في بناء العالم الآتي، وتحقيق الصالح العام الشامل؟

    طرح السيد فريدريك روشي السؤال حول "الأزمة الصحية التي لم تكن منتظرة وغير مبرمجة، وأتساءل عن الكيفية التي عشتم بها هذه الأزمة، حيثما توجدون. كيف تمر بكم الأزمة، وكيف تعيشونها في مجتمعكم"؟

    عبر السادة والسيدة الحضور عن آرائهم، وكلٌ أبدى تفسيرا بما جادت به قريحته. من جهته قال الحاخام بيير هغاي "بصفتنا رجال الدين، يتمثل دورنا أولا في تقديم تفسير، لأن لكل شيء معنى، فكلما طرأ طارئ، فلذلك معنى وتعليما، وكثيرا من أتباعنا تساءلوا عن المعنى والدرس، وأنا أعتقد أن السباق الجنوني مع العصرنة، وبدون تفكير لسعي المجتمعات، فقد جاءت هذه الأزمة لتضع حدا لهذا السباق الجنوني.. إنه امتحان، وصدمة امتحان أتت لتوقظنا.. وهذا بمثابة اقتراح لخلوة للإنسانية فرضها الله تعالى، وكمؤمن نسمي هذا أصغر جند الله، فيما سبق بعث الله بعوضة لإمبراطور روماني، وهنا ظهر كائن أصغر وهو فيروس ليوقف الإنسانية عن سباقها الجنوني، وبطريقة ما يقوم بتنبيهنا".

    توجه المنشط للشيخ خالد بن تونس قائلا "ماهي قراءتكم للأحداث، وكيف تواجهون الأزمة أو كيف تتخطونها"؟

    قال الشيخ خالد بن تونس "في البداية أشكركم على جمعنا، وقد قلت لكَ سابقا أن هذا النور يهدينا لبعضنا البعض. بالنسبة لي كان الأمر استثنائيا بما يكفي، منذ أكثر من سنة دخلت في حلقة من الإمتحانات، من خلال مرض زوجتي، وقد توفيت، في فترة كانت الجائحة قد عمت العالم، والإنسانية جمعاء مسها الأمر، وما أستخلصته في هذا الإمتحان، إن كان يمكن تسميته إمتحان بالنسبة للجميع، وهو تذكر محدوديتنا. وهل أدرك إنسان القرن الواحد والعشرين ماهيته وأن الزمن محدود؟ ما هو استثمارنا فيما يوفر سكينتنا، ويكون أيضا بالنسبة للغير وكل الغير لحظة سلام؟ كيف يمكن مشاركة الجميع، وكيف ننشر هذه الرسالة التي تعزز الصلات بين الناس، مهما اختلفت أجناسهم ودياناتهم ومشاربهم؟  كيف يمكن كسب قلوب الجميع؟ حتى يستطيع كل واحد أن يقول أنا جزء من هذه النفس الشاملة، التي هي الإنسانية.

    هل للإنسانية معنى بالنسبة لنا؟ وإذا كان لها معنى، فما هو جوهرها؟ معنىَ وجوهر. هذا يمنح عمقا. حقا أنها أصابت الجميع، بما فيهم الأقوياء ورؤساء الدول وشخصيات، والفقراء والأغنياء، مست الجميع، ونحن على متن نفس السفينة. أي إدراك تم؟ لما جاءت تدعوننا؟ لتبين هشاشتنا، وفي نفس الوقت لتذكرنا، جاءت كرحمة وتيقظ. وأقول أكثر من ذلك، أنها ثورة ضمير، حتى نستطيع أن نقدم أفضل ما لدينا، ونتقاسمه مع الغير، وأرى أن الدائرة يمكن أن تشرح ذلك. هذه الدائرة هي النفس البشرية، دائرة الرحمة ودائرة الأخوة ودائرة العلم والمعرفة. ماذا نفعل حتى بطريقة ما، تتمكن كل نقطة أن تصل إلى الوحدة، التي هي المركز نفسه. واتجاه الدائرة هو الحركة. إن الوقت يداهمنا. إن العصرنة والتكنولوجية، والنفس النرجسية وحبها للسلطة والمال والظهور وغيره، كل ذلك، أتاه اليوم فيروس بسيط، نعم حقا كان هنا قبلنا، لأن الفيروسات تواجدت قبل الإنسان، كما هو عليه الآن، ونقصد به الإنسان البيولوجي. جاء يسألنا عن هذا، ويذكرنا بحقيقة المحدودية. ماذا سنفعل بهذه الهبة التي أعطيت لنا، التي هي الحياة؟ هل سنستخدمها ضد الغير، لنشر الفتنة ونشر الموت وزرع اليأس وبث الظلم؟ أو على العكس، سنقوم بما بوسعنا، وكل واحد بين أحضان ذويه، في أمته، حيثما يتواجد، وفيما يمثل، في عمله، مهما امتلك من سلطة، ولو كانت ضئيلة، نقوم ببناء دار السلام هذه، بناء حقيقة هذه الإنسانية، التي تتصالح مع نفسها، التي أصبحت تعي نفسها، مهما كان الشخص، إذا كان مستعدا للمساهمة، وجلب لبنته، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، لبناء دائرة التوحيد، التي تجمعنا حول أسوة. هذا العالم التي نعيش فيه، هو عالم يقبع فقط في الأفقية. نقطع سباق جنوني، يسخّر أدوات أكثر فأكثر، والمزيد من التقنيات والمعارف، ولكن فيما يفيدنا كل هذا، إذا لم توجد صلة بالأفقية، صلة بالقيم وبالقيم الإنسانية؟.

    ثم أسندت له الكلمة مرة ثانية، بعدما عبر بقية المتدخلين عن آراءهم، فقال:

   أنا سعيد لمشاركة هذه اللحظة، وأرى كل الثراء، وشعور كل لون الذي يصنع قوس قزح هذا، لأننا كلٌ  في لونه سيعطي لقوس قزح هذا، للشمولية هذه لونه الخاص، وذلك ما يبرز الإمكانية الهائلة للألوهية، الإمكانية الهائلة للحكمة. للعودة إلى الديانات، فما مصير الديانات اليوم؟ حقا ينبغي طرح هذا السؤال. هل هي ديانات وراثية، ورثناها عن آباءنا، أو أنها ديانات إيديولوجية، أصبحت وسيلة وكإيديولوجية سياسية، للحصول على السلطة، وللسيطرة على الغير وإخضاعه للمراقبة والسيطرة عليه.؟

    عندما جاءت كل ديانة جلبت معها شعائر وجلبت ثقافة، وبطريقة ما تقوم بتوجيهنا نحو الروحانية، نحو الإحسان. لأنه، ما هي الروحانية إذا لم تكن سوى الإحسان. لا يختص الإحسان بمعارفنا والقريب، والذي يشبهنا، وينتمي إلى طائفتنا أو يعتنق ديننا أو الذي هو من بلدنا، بل يختص بالإنسانية، الوجه الآخر لله تعالى. عندما أراه، فهو يؤكد حقيقتي، فمن خلاله أجد نفسي، لأنني أتواجد أمام شخص يشكل لي مشكلة حول هويتي. لا أستطيع الإجابة على هذا التساؤل بدون الغير. وبالعودة إلى هذا الفيروس، فقد مس ماذا؟ لقد مسّ النفَس، التنفس، الجزء الأكثر أساسا في الإنسان، إنه تنفسنا. أصبح الناس عاجزين عن التنفس، فهو يمس الرئتين، وإنه نفَس الحياة. حان الوقت بأن نتعلم التنفس بشكل آخر، والإنتقال من ثقافة النفس النرجسية، من أنا إلى نحن... ربما أننا لا نتعارف بالقدر الكافي، وعندما نتعارف، والحمد لله، نكتشف أننا إخوة، وأننا من نفس العائلة. ففي هذا الشأن تعتبر الديانات نوعا ما متأخرة. أثبت العلم حاليا، أننا جميعا منحدرين من نفس السلالة، ولا وجود لفوقية بشرية. جميعنا بشر، نحن حرْف نفس الأبجدية، يوجد الألف والباء ويوجد الياء، وإذا أسقطنا حرفا من الأبجدية لا نستطيع الكتابة، وإذا نسينا نوتة صولفيج لا نستطيع تأليف موسيقى، نحن مثل المسبحة، كلٌ يلمع بنوره، كلٌ يلمع بما حواه من لمعان. من يكون هو في نفسه؟ ماذا الذي سيقدمه لنا؟ سيقدم الليونة أو القساوة أو المعرفة أو يمنحنا الأمل؟ كلٌ وما أعطى. بماذا يرتبط حرفه؟ لأن في ربط الحروف تنكشف الحقائق. لكي نقول كلمة يجب تجميع حروف الميم والحاء والباء والتاء. لتحديد وإعطاء معنى لشيء ما.

    ثم توجه المنشط بسؤال آخر للجميع "أريد أن أسألكم جميعكم حول هذه الأزمة وما تسببه، حيث أنتم وفي مجتمعاتكم، الذي ترونه وما تسمعون. كنا سابقا قد تكلمنا عن سمو الضمائر، وعن أحسن الطرق لتخطي هذه الإمتحانات. هل في رأيكم في هذه الأزمة التي تدوم منذ سنة وستدوم، هل برزت عندكم أمور، حيث تتواجدون في العلاقات بين الأشخاص وفي العلاقات مع السلطات، في هذا البعد، الذي هو أفقي وعمودي"؟

    كان رد الشيخ خالد بن تونس كما يلي:

    أستطيع أن أتكلم عن أشياء ملموسة. طوال هذه السنة ولد مشروعا هائلا، لم أكن أنتظره على الإطلاق، وأعطى حركية. وما هو هذا المشروع؟

    ثم أخذ الشيخ يشرح في كيفية بداية فكرة مشروع إقامة دار السلام في معرض البستنة، المزمع إقامته عام 2022 في مدينة ألميريا الهولندية، الذي سيدوم ستة أشهر.

    هل تعلمون أن كل أربع سنوات يقام معرض عالمي في بلد ما، كان مرة في اليابان، ومرة أخرى في كندا، وفي سنة 2022 ستحتضنه هولندا، وشاءت الصدف أن في هذا المعرض الدولي الذي يعني المستقبل، ومدن المستقبل، وكيفية بناء مدينة الغد بيئيا، إن شئتم، مع طاقات جديدة، ومع طريقة أخرى للتنقل والعيش وغير ذلك.. منذ سنتين جرى سباق المدن، وتمت دعوتي إلى هولندا، حيث ألقيتُ محاضرة بمدينة أمستردام، وبمساهمة عدة جامعات، أجرت مسابقة، ودعيتٌ لأعطي وجهة نظري، كيف أرى مدن المستقبل؟ تذكرونني وهذه المحاضرة، واقترحوا علي المشاركة في هذا المعرض. وقلت كيف يمكننا أن نشارك في هذا المعرض؟ قالوا لي لكم مكانكم، إن أردتم المشاركة، نحن مستعدين لمنحكم أحد الأجنحة. ستشارك 60 دولة، ومنحوني قطعة أرض صغيرة في هذا الفضاء، وهذا المشروع هو جناح دار السلام.

    تخيلوا معرض دولي، حيث ستتواجد الصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وأندونيسيا والقرية الأفريقية، هي 60 دولة، ستأتي وتجلب معها تكنولوجيات المستقبل ومعمار المستقبل وآلات المستقبل، ونحن سنذهب لبناء جناح السلام. انظروا إلى الصدفة إذا يمكننا أن نسميها الصدفة، وجرى طوال العام عمل دؤوب لدراسة ووضع تخطيطات لبناء جناح السلام، وهذا ضمن معمار، حتى رسالة ثقافة السلام، ورسالة تربية السلام، تجد مكانها في قلب معرض التكنولوجيا المتقدمة. وهذا لأقول لكم كيف مكنت الصدفة فعليا. ففي كل أسبوع وأحيانا عدة مرات في الأسبوع نتواصل مع المنظمين والمعماريين الذين يعملون، ومنسقي الحدائق والمعارض، ونتصل بالعديد من معارفنا، وتوجد مرسيليا، ومتحفها سيشارك، وتوجد جامعات، والألمان سيشاركون معنا على مستوى ثقافة السلام، وأربع جامعات بهولندا شريكة معنا، وجامعة سرجي بونتواز الفرنسية ستشارك. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد.

                                                                                             يتبع..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    يقول منظمو المعرض:

    ابتداءً من ربيع عام 2022، سيُقام المعرض الدولي السابع للبستنة فلورياد إكسبو 2022 في ألمير. تحت شعار "تنمية المدن الخضراء"، وسيركز المعرض على مدينة المستقبل الخضراء، ولمدة ستة أشهر. سيكون موقع Floriade بمثابة مختبر حي، مع معارض ملهمة من قبل البلدان والمدن والشركات المبتكرة. ولكن أيضًا مع عوامل الجذب المثيرة للإعجاب، والكثير من الفن والثقافة، ومجموعة فريدة من الأشجار والشجيرات والزهور.

    "تنمية المدن الخضراء". هذا هو موضوع معرض Floriade Expo 2022. وهو موضوع ذو أهمية كبيرة، أكثر من أي وقت مضى. في هذه اللحظة، يبلغ عدد سكان الأرض 7 مليارات نسمة. يعيش أكثر من 50 في المائة من هؤلاء السكان في المدن. بحلول عام 2050، سيبلغ هذا الرقم حوالي 70 في المائة. لكي تظل المدن آمنة وصحية وجذابة، يجب أن تجد حلولًا إبداعية وخضراء ومستدامة، والتي سنعرضها في إكسبو 2022 في ألمير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق