الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

تربية السلام واقتصاد الطبيعة

 

تربية السلام واقتصاد الطبيعة

 

    قدم الشيخ خالد بن تونس يوم الإثنين 14 ديسمبر 2020 مداخلة قيمة عبر الأنترنيت، في لقاء نظمته MEDAFCO(1)، وهي منظمة غير ربحية تعمل على تقوية الجهات الفاعلة في التنمية المستدامة في بلدان البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا، واهتم اللقاء بموضوع "التعليم كعامل لتعزيز السلام والتنمية المستدامة". شارك الشيخ خالد بن تونس في الفقرة الثالثة من اللقاء، التي خصصت للتدريب حول "تعليم القيم الاجتماعية والعيش معا في سلام".


    قال الشيخ خالد بن تونس:

 


     صباح الخير الجميع

    في البداية أود أن أشكر MEDAFCO على اللقاء، وأريد أيضا أن أشكر جميع من مرّ قبلي. هذا مهم جدا. إذن فيما يتعلق بـ AISA. إن AISA هي منظمة غير حكومية دولية لدى المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC). بالفعل كنا الحاملين لهذا القرار، حول العيش معا في سلام، الذي تم اعتماده من طرف الأمم المتحدة، ، يوم 8 ديسمبر 2017 بالإجماع، من طرف 193 دولة العضو فيها. إن الهدف من هذا العمل وهذه الرؤية، وهو إذا كنتم تريدون مشاهدة الإنسانية كجسد واحد، وفيها كل المجتمعات، وتنوع اللغات، واختلاف الأديان والفلسفات، وتشارك كأعضاء الجسد الواحد في رفاه الجميع، فمن هنا ولدت هذه المبادرة، وأطلقت تربية السلام وتربية ثقافة السلام، ونحن نعمل من أجلها منذ سنين عديدة، مع شركاء، هم أوروبيين ومن شمال أفريقيا، وخصوصا من الجزائر والمغرب وتركيا، ونحن بصدد إعداد دليل حول ثقافة السلام هذه. كيف يتم تدريسها؟ ماذا الذي سنفعله كي يتم إدماجها؟ تكمن المشكلة في السلام، وهي أنكم ستجدون في مختلف التخصصات أكاديميات، فمنها للرياضيات وللعلوم ولعبة البلياردو، ولا وجود لأي أكاديمية لحد اليوم، تُدرس السلام، في حين أن السلام شيء أساسي في تطور إنسانيتنا، وخاصة مع جميع التحديات التي ينبغي رفعها اليوم وغدا، ونحن نلاحظ وضعية الحجر الصحي التي نعيشها اليوم، وفي ظل هذا الجائحة، فإنه يكفي أن يظهر فيروس بسيط حتى تتعطل كل الأجهزة، وتتوقف السياحة والرحلات، وتتعطل التجارة، وحتى العوائل فرقت، وكذا الدول والقارات عزلت. إذن، ينبغي اليوم تغيير النموذج المتبع، تغيير الأسلوب  المتبع لرؤيتنا للعالم، وتصور وإحداث ضمير جديد، أريد القول على مستوى العلاقة، وهذا لن يتم إلا بالتعليم، ومن هنا جاء المشروع، الذي بعثنا إليكم حوله فيلم قصير، يقدم لحدث سيقام في سنة 2022، بحيث سيجري لقاء دولي في هولندا، وجرت العادة أن ينظم كل أربع سنوات بلدا معرضا دوليا يتصور المستقبل، ويتصور كيفية بناء مجتمع الغد ومدينة الغد. وفي المعرض الذي سيدوم ستة أشهر، وهذا ما نتمناه جميعا، لأننا لا نعلم حتى 2022، كيف سيكون الوضع، وهذا لا يمنع، من أن العديد من الأشخاص ينتظر قدومهم.

    سيكون لـ AISA جناح داخل هذا المعرض، تقدر مساحته بحوالي ألف متر مربع، لتسليط الضوء على تربية السلام هذه، والتمكن من تكوين المكونين، وإقامة معارض، والتمكن من حمل هذه الرسالة، إن شئتم، رسالة السلام، والتبيين العلاقة الموجودة بين تربية ثقافة السلام ومعنى وحقيقة مدينة الغد. إننا نتكلم بكثرة عن التكنولوجية، ونتكلم بكثرة عن العلوم المعرفية، وننسى العلوم السلوكية، وتكمن المشكلة اليوم في العلاقة بين الأفراد وبين الدول، التي تزداد سوءا، يوم بعد يوم، ونحن نرى أن دولا برمتها تنهار. لو نظرنا إلى الشرق الأوسط، سيتمثل أمامنا مثال سوريا ولبنان والعراق وأفغانستان، ويظهر أمامه القرن الأفريقي ودول الساحل الأفريقي، وإننا نرى أن الوضع لا يزداد إلا سوءا، بشعوب وهجرات، حيث تغادر الملايين بلدانها، وتعبر البحر الأبيض المتوسط، الذي أصبح مقبرة للعديد من الناس، التي ترحل من أفريقيا نحو أوروبا، ويتلقون استقبالا سيئا، ويتعرضون لمساءلة من طرف مستغيثيهم. تطرأ هذه المسألة اليوم بسبب الإفتقار إلى التربية السلوكية، الإفتقار إلى التربية لهذا المفهوم الأنَسي والقيَمي، وهذا أساسي، ويتعلق بالأخلاق والعلاقة بين الأفراد. نعلم جميعا أننا لا نشكل جزيرة منعزلة، ومنعزلين عن بعضنا البعض. كيف ندمج تربية القِيم والأخلاق هذه في البرامج المدرسية؟

    سأقدم الخطوط العريضة. في الحقيقة الإجتماعية نحن جميعا أفرادا إجتماعيين، ونعترف أن الغير موجود ويلعب دورا في حياتنا. إن هذا المنظور يثمن التنوع والإختلاف. والإشادة أن التنوع والإختلاف ثراءا للبعض حيال البعض الآخر. نعلم جميعا أننا لسنا سوى حقيقة متقاسَمة، وجزء من حقيقتنا المتقاسَمة مع الغير، ونحن في الآن نفسه مفرَدين، ننتمي إلى جماعات إجتماعية متميزة ومختلفة، تطبعها الثقافة واللغة والمناخ، ومترابطين مع بعضنا البعض. إذن كيف نجعل كل هذا في التربية شيء من منظور الأمور؟ مما يعنيه الإنتقال من ثقافة أنا الأنانية، دعوانا فيها هذا بلدي هذا وطني، إلى ثقافة نحن، التي دعوانا فيها هذه أرضي. وهذا تغير قد طرأ على مستوى السلوك وعلى مستوى أخلاقنا. كيف نُحوّل النزاعات الموجودة اليوم إلى شيء إيجابي؟ إدارة النزاع اليوم ينبغي أن تقودنا إلى الإدراك أنه لا يجب أن يفك النزاع بقرار فقط، بل بطروء تحوّل يُرى من خلاله بأنه شيء إيجابي. بجعله إيجابي، سيقودنا النزاع إلى إعادة النظر في تربيتنا وسلوكنا الإجتماعي ونظرتنا حول الغير، بحيث حينما يقع نزاع، فهذا ينبئ أننا قد نسينا شيء ما، فالنزاع حدث في مكان ما، بسبب حدوث نسيان، بوعي أو بدون وعي. كيف نصلح الأضرار، للذي لم يتم إنجازه بالأمس، حتى يصبح النزاع إيجابيا؟ وهذا ما سيؤدي بنا إلى الخضوع لتغيير جذري في طريقة رؤيتنا، وطريقة عيشنا، وطريقة تبادلنا، وطريقة ارتباطنا مع بعضنا البعض، في حضن التكامل والتآزر. ومن ثم تبني نظام، حيث يتم استبدال النظام الهرمي، الذي هو نظام أنا نفسي، ويتميز بهرم ذو قمة، تعتليها نخبة، تمتلك السلطات والاصول والوسائل، وقاعدة تعيش تحت الوطأة؛ والإنتقال إلى ثقافة نحن هذه، وهي ثقافة الدائرة، حيث كل نقطة في الدائرة، تربطها علاقة بالنقاط الأخرى، وتتواجد على مسافة متساوية من المركز. مركز الصالح العام. هذا هو تحدي الغد. كيف يمكننا جميعا ما دمنا متواصلين بالغير، أن نتواصل مع مركز الصالح العام، لإنسانية متصالحة مع بعضها البعض، ونعمل جنبا إلى جنب؟ لأن الأمر لا يتعلق فقط بتدريس العلوم المعرفية، يجب يتعدى إلى تدريس السلوكيات الإجتماعية. حاليا يرتكز نظامنا حول المنافسة. كيف ننتقل من نظام تربوي يعتمد على المنافسة إلى نظام قِيَم يُؤثِر التآزر؟ هذا هو تحد اليوم والغد.

    إن من النقاط المتبقية، توجد نقطة مهمة جدا في المشروع الذي نحن بصدد بناءه منذ سنة من أجل سنة 2022. هذا أيضا من سلوكنا، والقاعدة هي ثقافة السلام. والشيء الثاني البالغ الأهمية هو اقتصاد الطبيعة، وما هو اقتصاد الطبيعة؟ فلحد اليوم، يبقى الإقتصاد إلا شأن مالي وتجاري، وينبغي علينا التمكين من تدريس أطفالنا اقتصاد الطبيعة، وإن اقتصاد الطبيعة حافظ منذ ملايين السنين على سلسلة الحي، أنتج موارد تموينية، بدون تخليف نفايات. لا تجدون مخلفات في اقتصاد الطبيعة، كل شيء يتم تحويله، وكل شيء يعاد تدويره طبيعيا. تؤدي بنا ثقافة السلام إلى ادراك اقتصاد الطبيعة واعتبار التنوع البيئي، ليس فقط كمورد لا ينضب مخصص لهذا العمل، ولكن يؤدي إلى استعادة صلة الإنسان مع الطبيعة والبيئة، وهذا أحد المظاهر البالغة الاهمية، لأن إنسان اليوم وأكثر إنسان الغد سيكون في مواجهة هذه المعضلة، ويكون الباعث لإشكالية تمتد على مستوى عالمي وشامل، تمس الحي. توجد حيوانات انقرضت وحشرات انقرضت وعصافير انقرضت ومحيطات ملوثة. إلى أي مدى نبقى مستمرين في هذا النظام الإستهلاكي الجامح، الذي يقودنا إلى كسر سلسلة الحي، التي نستمد منها غذاءنا وحياتنا، ويفضي هذا النظام إلى نجوم تلوث وارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون والإحتباس الحراري وتلوث المحيطات. نعلم جميعا، أننا بحاجة اليوم إلى ضمير جديد، ضمير شامل، ضمير عالمي، يجعل من أبنائنا كائنات تتحلى بإدراك أنها خلية في جسد. إن الإنسانية تشكل جسدا، وهم خلايا في هذا الجسد، تصلح جسورا تسهر على رفاه الغير. وهذا الغير ليس هو الإنسان أو أقرانه فقط، ولكنه أيضا الطبيعة في كليتها، وإنه الحي في كليته. وهذا هو بصورة تقريبية على ماذا يرتكز كل من تربية السلام واقتصاد الطبيعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   MEDAFCO-Développement (Méditerranée- Afrique Co-développement)  هي منظمة غير ربحية تعمل منذ إنشائها في عام 2007 على تقوية الجهات الفاعلة في التنمية المستدامة في بلدان البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا. على مدار 12 عامًا، أقامت MEDAFCO-Développement العديد من البرامج الدولية بما في ذلك برنامج ALINOV وأكاديمية القيادة والابتكار.

 

    أما Alinov فهو مفهوم يطلق على شركة تدريب، تقدم دورات تدريبية وتحديثات معرفية، تسمح للأشخاص الذين يمرون بمرحلة انتقالية في الحياة المهنية باكتساب خبرة ملموسة وحديثة في بيئة عمل حقيقية، مع تطوير مهاراتهم والاستفادة من خدمات الدعم في البحث عن عمل.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق