الأحد، 12 ديسمبر 2021

ميزة العمل بنظام الدائرة

ميزة العمل بنظام الدائرة

 

    جاء في تغريدة صفحة الفايسبوك للشيخ خالد بن تونس، يوم 28 11 2021.

    أصدقائي الأعزاء، بدعوة من الأسابيع الاجتماعية لفرنسا (SSF)، سألقي مداخلة هذا الأحد، 28 نوفمبر 2021، على المباشر من فرساي، بالضواحي الباريسية، حول موضوع "لنستسقي من مواردنا الداخلية والشخصية"

    بالفعل، انعقد الاجتماع الخامس والتسعون للأسابيع الاجتماعية في فرنسا (SSF) أيام 26 و 27 و 28 نوفمبر عبر الإنترنت، واليوم الأخير جرى في قصر المؤتمرات في فرساي(1).

    شارك الشيخ خالد بن تونس، بعد الظهيرة في اجتماع شاركه فيه كل من السيد جان غيلام كزيري، طبيب نفساني وكاتب، والسيدة أليس ديسبيولز، طبيبة الصحة العامة، واستضافت اللقاء الصحفية باتريسيا دو سالف. رصد الحوار موضوع "الموارد الداخلية والشخصية"، الذي أفاض فيه المشاركون، وكشفوا عن جوانب وأدوات لتعبئة مواردنا النفسية.

    فيما يلي مساهمة الشيخ خالد بن تونس الفكرية في الحوار، وما جاد به قدس الله سره في اللقاء.

 

 


    قالت المنشطة باتريسيا دو سالف:

  يشكل الصوفية 300 مليون مسلم في العالم، وأنت تمارس إسلام روحي منفتح حول الرفاه العام والسلام، وأنت الباعث ليوم دولي حول السلام، الذي أنشئ سنة 2017، وإن لم أخطئ، أنت تجوب العالم منذ أكثر من 40 سنة لتعزيز الحوار البيديني. ما الذي تقوم به لتستبقي على الإيمان، وأنت الذي يعمل من أجل السلام، وهو هدف بعيد للغاية. ماذا تفعل حتى تبقى نشطا لأكثر من 40 سنة؟

    قال الشيخ خالد بن تونس:

    بادئ ذي بدء، أنعم صباحكم، وأشكر المنظمين الذي دعوني مرة أخرى لهذا اللقاء، وأن أكون الشخص الذي بشكل ما، سيمكن للإسلام الروحي من أن يقدم مساهمته البسيطة، ونتقاسم معا لحظة، ونحاول أن نجد علاج لهذه الأمراض، بحيث أننا جميعا، والعالم بأسره، يطرح نفس السؤال، ما هو مصير المستقبل؟ كيف سيكون مستقبلنا، وعلى الخصوص مستقبل الأجيال، ومستقبل أبنائنا وأحفادنا؟

    للعودة إلى شخصي أنا، أنا لا أرتئي هذا الأنا. في التصوف ينبغي أن تتم مسالمة هذا الأنا. إن إحلال السلام في النفس هو في قلب التقليد الروحي، وفي تربية التقليد الروحي. إنها طمأنينة النفس. ومن يتكلم عن طمأنينة النفس فهو يتكلم عن السلام الذاتي، حتى نتمكن دوما في أفعالنا وعلاقاتنا ونياتنا المتحلية من إعطاء ذلك المنظور السامح بإيجاد دائما الطريق الوسط، الذي يتيح الحوار مع الناس وأيضا مع الخليقة. إن الحواس هي البصر والسمع والذوق واللمس والشم، وأضاف الإسلام إثنتين. من خلال الحواس نكتشف العالم الذي نستشعره، وتتشارك جميع الحواس في أفعالنا التيقظية، حتى تعطي لضميرنا امكانية اقتناص السلام. إن السلام الذي أتكلم عنه هنا، هو إسم من أسمائه تعالى الحسنى، ويدل ذلك على أن السلام مصدر كل التزامنا، ويصبح طاقة نستسقي منها، حتى تنسج علاقات مع أقراننا ومع الطبيعة. هذا السلام يُقتطف، وهو ثقافة. ومن ثم نحن نقتطف في الضمير، مثل جنة ينبغي الإعتناء بها، حتى لا تتحول إلى أدغال، وإذا أهملناها تحولت قطوفها إلى أدغال، ويتم ذلك بالذكر، الكامن في أعماق ضميرنا. وينطلق الصوفية من مبدأ، كميلاد إنسان خرج للحياة، والحياة هبة، ولا واحد منا طلبها، ولا واحد منا اختار والديه، أو اختار لون بشرته أو الشعب أو القبيلة أو التقليد الذي يولد فيه، فالحياة هبة. في المقابل، فأما في التواجد، ما الذي سنفعله بهذه الهبة التي تلقيناها؟ كيف سنتصرف في تواجدنا حيال أنفسنا، وحيال أقراننا والقاصي والداني، وحيال المخلوقات الأخرى، فما هو تصرفنا؟ وهذا السلوك، ينبغي أن يكون ملاحظ، وحيويته وقوته وطاقته ينبغي أن تكون راسخة في السلام، والسلام يكون مع النفس، والسلام مع الغير، والسلام في البيئة.  

    إنه عمل شخصي وتيقظي ووجداني، كما لو أننا في كل مرة، يكون بوسعنا القول ماهي حدودي؟ حتى لا يغرّنا الغرور، ماهي حدودي؟ يجب أن أخطّ حدودي حتى لا يتمكن منا العجب والغيرة والطمع. كل واحد منا يصبح منظم أموره، يحرص في نفسه، وجهة من ضميره ستنظم سلوكه إزاء الغير، وهذا الغير، سواء أكان هو الإنسان أو المخلوقات الأخرى.

    نقدم مثالا، حتى نجلي بعض الشيء هذه الحقيقة الروحية حول الصوفية. إنها حروف الأبجدية، مادام أنها تمثلنا جميعا. نحن حروف كحروف الأبجدية 26 (اللاتنية). كل حرف منفصل، حسنا، سيعطي صوتا، وله شكل. فالألف لا يشبه الباء، والباء لا يشبه السين، إلخ.. لديها صوت وتُنطق ولها شكل، ومن ثم تمثيل. بصفتها حروف ذاتية لديها حقيقة، وإذا بقيت منفصلة، لن يكون لحقيقتها أي معنى، وعندما تتقبل بأن ترتبط، فمثلا، يتقبل الميم الإرتباط بالحاء والباء والتاء المربوطة، فيعطون معنى، وتصبح محبة، وهنا تأخذ معنى، لأن ذاتيات الحروف تقبلت الإشتراك وأصبحت حقيقة، وبمجرد أن تظهر هذه الحقيقة، يصدع مضادها ويقول، احذروا توجد المحبة، ويوجد أيضا نقيضها، وهي الكراهية. فلأننا نتواجد في عالم الثنائية. يوجد الفرح وتوجد الحرب ويوجد السلام، ويوجد اليوم والليل. إذن لنكون حذرين لوجود (صراع) مستمر، عِلما بأننا قادرين على الإنتقال من حال إلى آخر، وأننا متواجدين في الآن نفسه في التعددية،  وفي كل ما يحيط بنا، وكل ما يتوجه إلينا، وكل ما يمكننا إنتاجه، وكل ما يجيئ منا ويتوجه للغير، وما نتلقاه من الغير، وما نمنحه نحن بأنفسنا للغير، وإذا ذهبنا أبعد، ونرى أننا إذا أخذنا عشرة أشخاص أو خمسة عشر من الذين هم متواجدين هنا، ونطلب منهم كتابة أسمائهم: جان، بول، بيار، ألكسندر وعلي، ولا أعلم من، ونطلب منهم أن يروا إن كان لهم حروف مشتركة في أسمائهم مثل جارهم، سوف نرى أن لدينا بالنسبة للعشرة أو خمسة عشر شخص حروفا نشترك فيها، مثل الألف والباء واللام والكاف، وسنرى أن جزءا في الغير هو موجود لديّ حتى أتكمن أنا من أن أتواجد، وأنه ينبغي عليّ أن أقترض حرفا وربما حرفين. لذلك، فنحن نرى الصِلات. وإذا ذهبنا مرة أخرى أبعد، باتخاذ إسمي أو ألقابي، وقمنا بتبادل الحروف مع بعضنا البعض، سيكون بمقدورنا كتابة كلمة شمس أو قمر أو شجرة أو بحر أو قط أو كلب، بالفعل، نحن جميعا من نفس الأبجدية، الكون كله من 26 حرف. نكتب كل المعرفة المحتواة في جميع الكتب وجميع مكتبات العالم بـ 26 حرف، لأن هذه الحروف قبلت بأن ترتبط، لتعطي معنى وكلمة وجملة وفصلا وكتابا، إلخ.. ولكن إلى رجعنا إلى البداية، وعندما نمحُوَ جميع الحروف، ما الذي يتبقى؟ تبقى النقطة. كل شيء بدأ بالنقطة. وهذا هو.

 

    بعد تدخّل الشيخ خالد بن تونس ومن اشترك معه في تلك الجلسة، جاءت فترة الاسئلة، وتوجهت باتريسيا دو سلف بالسؤال قائلة:

    تكلمتم عن المنابع الباطنية، وبالفعل، فهذه المنابع الباطنية يتم تنشيطها بشكل يومي، وهذه سيرة حقيقية. أكثر من الأبجدية يوجد شيئين يربطوننا الشيخ بن تونس والسيد جان غيلان كزيري، إنه الذكر الذي تكلمتم عنه سالفا. لا نستطيع العمل بدون صلاة وبدون ذكر، أينبغي حتما اقتطاف كل يوم هذا الذكر؟

    قال الشيخ خالد بن تونس: إذن. مما يعنيه، أننا إذا رجعنا إلى التقليد والتربية الروحية التي تلقيناها، فنعَم، ويوميا. بشكل يومي، للإحتفاظ بلحظة ارتباط، لأنه تذكير يومي، فالعالم يمتصنا، والعالم يجرنا، ويجعلنا ننسى أنفسنا، وهذا التذكير في الصباح الباكر أو في وقت متأخر من الليل يؤدي بنا إلى حقيقتنا. ما الذي جنيته في يومي، ماهي لحظة الحضرة التي وسمت بها يومي. بابتسامة، وليس فقط بالصلاة، بإيماءة ونية، فهذا يذهب بي بعيدا، وحتى حسن نية، بدون الإقدام على عمل يغذي ضميري، يقوم بتغذية هذه الحضرة التي تصلني.

    إذا كان العالم متواجد في الأفقية. فنحن نسير في الحياة ونستهلك الحياة يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر، وعام بعد عام. إن العمودية تسكن ضميري وتصلني بهذه الحضرة الأبدية، وأعتقد أن العالم المادي، شيئا فشيئا تغلب على العالم، ونقول أنه العالم الديني بصفة عامة، وعلى الخصوص العالم الروحي، الذي أزيح شيئا فشيئا، في خصوصية وانعزالية، وغير ذلك، إلى حد أنه نُسي فعليا، حيث أن في تربية أولادنا اليوم، ليس لهم أي عمودية، ونعالج مشاكلنا سوى في الأفقية، والأفقية حتما تقودنا في كل مرة عندما نجد حلا، نجد أننا خلقنا مشكلا إضافيا.

     كما تم إلقاء أسئلة من بعض الحاضرين في القاعة، ومن المتصلين عبر الخطوط. طُرح هذا التساؤل، هل عليّ أولا أن أتغير، ليتغير العالم في نهاية المطاف؟

    رد الشيخ خالد بن تونس: في البداية، هل أتغير أو العالم يتغير؟ على سبيل المثال، قدِمتُ من جزيرة، يقطنها 12000 نسمة، في منطقة بها المياه شحيحة، ومنطقة يقصدها سواح كثر(2). في الجانب يوجد هذه الجزيرة، جزيرة صغيرة، فبدل أن يعتمدوا على السياحة، قالوا نحن نريد أن نحافظ على نظافة جزيرتنا، لا مجال للكراهية، وحافظوا على جزيرتهم من تأثير السياحة، واختاروا الفلاحة. للفلاحة يتوجب الماء، وإذا نظروا إلى الماء فلديهم المحيط الأطلسي. قاموا بضخ الماء من المحيط، وبنوا خزانات في الأعلى، على الجبل، فوق البركان، وسكبت المياه لإنتاج الكهرباء، وفي نفس الوقت لسقي مجمل الزراعة، وحاليا هذه الجزيرة مكتفية ذاتيا، وتسمى إلهييرو، يوجد بها فندق واحد، يحتوي على 15 غرفة، وإذا ذهبتم هناك، يفرض عليكم المبيت عند أحد السكان، وأجمل ما في ذلك، أن الأمر يجري بغير رضى الحكومة الإسبانية، أي الحكومة المركزية، وكان عليهم بأن يقوموا بشراكة، كي يؤسسوا شركة إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر، وهم مساهمين فيها، ولا تمتلك الدولة سوى 3 % من الأسهم. إنهم يدفعون مصاريف الكهرباء، وهم مساهمين في هذه الشركة. هذا الأمر موجود. يقومون اليوم بالتصدير، ليس فقط أنهم مكتفين ذاتيا، بل يزودون كل جزر الكناري الأخرى، الستة المتبقية، التي تعاني اليوم من صعوبات، لأنهم بنوا الفنادق، الواحد بجانب الأخر، وأفسدوا بشكل كلي طبيعة جزرهم، وبعد تفشي أزمة السياحة، أغلب الفنادق أعلنت إفلاسها. هذا، للإجابة على السؤال المطروح.

    إنه اختيار، واختيار مجتمعي. فاليوم لم تعد صياغة القرار في النظام الهرمي، ليس الهرمي من سينقذنا، إنها الدائرة. الفرق كبير.

     في الهرم، توجد حتما نخبة، التي تتموضع من فوق، تملك السلطة والأصول، وتوزعها بمنهجية مبنية حتما على المصلحة المتوخاة مع البعض إزاء البعض الآخر، ولكن في الدائرة، حسنا، إنها القاعدة، إنه نحن، وكل واحد منا يمكنه أن يغير العالم بكيفيته، وإذا ما تكلمت عن السلام، لأنني متأكد أننا نملك اليوم الأدوات التي تمكننا من بلوغه. إنها التربية. القيام بتعليم في مدارسنا التربية بالسلام، لأنه يجب الإدخال في المناهج المدرسية التربية بثقافة السلام.

    ثم وجّه سارج لوفر، أحد القائمين باللقاء إلى الشيخ خالد بن تونس خصيصا سؤالين، قائلا:

    يكون السؤال الأول حول التصوف الذي يقتبس السلام، فماهي العلاقة وأي تأثير كائن مع بقية المسلمين؟ سؤال آخر، وهو، ما الذي يمنحه إيمانك المسلم الصوفي، حتى يستعمل كبوصلة، من أجل مستقبل عالمنا؟ وأخيرا، ينبغي أن نسالم أنفسنا حتى نسالم العالم، حقا، ولكن أليس العكس صحيح؟ أي، بانفتاحنا على الغير ننفتح على العالم، فيمكننا أن نسالم أنفسنا وأيضا أن نعرف أنفسنا بشكل أفضل.

    قال الشيخ خالد بن تونس: إن الأسئلة مترابطة.  

    فقالت باتريسيا دو سالف: الحوار بين المسلمين.

    الشيخ خالد بن تونس: الحوار بين المسلمين. تعرض التصوف خلال القرن العشرين، أقول، لضغط، لنتكلم بحكمة، ضغط من طرف الأصولية، التي تم تمويلها وحمايتها من طرف دول قوية جدا، وكلٌ هنا يعرف جليا أن في الغرب، يجب قول ذلك أيضا، تلقى طعنات، وهذه حقيقة. وينبغي التذكير على كل حال، أنه يوجد 350 مليون صوفي في العالم، وهذا ليس بالعدد القليل. لهذا وزنه. ولكن الصوفي لا يبتغي أن يشتهر، لا يهمش نفسه، ولكنه مثل الجميع، يعيش في العالم، لا هو منعزل عنه، ولا هو يريد أن يظهر. يقطف كل شيء من باطنيته، ويحرص على هذه الباطنية. أما إسهامه في العالم، فالدليل هو اليوم الدولي للعيش معا في سلام. على كل حال، إنها منظمة غير حكومية صوفية من استطاع بعد ثلاث سنوات من الجهد لدى الأمم المتحدة ومجلسها الإقتصادي والإجتماعي من التوصل، نوعا ما، من إيجاد يوم، يحتفل به في يوم 16 مايو من السنة المقبلة. يوجد فيلم عنوانه "نحن جميعا"، يوثّق للعيش معا في مناطق النزاع، حيث تقاتل الناس مع بعضهم بعضا، عند المسلمين، وعند المسيحيين فيما بينهم، أو عند آخرين، وأردنا أن نعرف ما الذي يقدمه العيش معا عندما يضطلع به أناس عاشوا في نزاع، وكيف أن المجتمع أو جمعيات بسيطة في الميدان، يمكنها أن تعيد العمل وتنسج من جديد العلاقات وتعيد خياطة الجرح، والضحية والجلاد يلتقيان، ويواصلان المسار معا، ويتحاوران ويعيشان جنب إلى جنب من جديد. وبالنسبة لهذا الفيلم، توجد 54 عاصمة في العالم ستبرمجه يوم 16 مايو، وبعض المدن في فرنسا، وهنا، وفي أفريقيا وآسيا، ويتواجد بعدة لغات. بالنسبة للذين فيكم أو اللواتي فيكن يرغبن، إذا كان لديكم جمعية أو تعاونية، أو أي شيء، سنقترحه عليكم يوم 16 مايو، وهو جد تربوي، لأنه يتكلم عن الدول، ويتكلم عن المشاكل، وكيف استطاع العيش معا من إصلاح ذات البين بين أناس عاشوا في نزاع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1). يعد "les Semaines sociales de France(SSF)" مرصدًا للحياة الاجتماعية ومكانًا للتفكير والاقتراح من بين الأقدم في فرنسا. الهدف من الأسابيع الاجتماعية - التي تعرف نفسها على أنها "جمعية علمانية للبحث والتدريب"- لا يزال حتى يومنا هذا هو التعريف بالفكر الاجتماعي المسيحي وللمساهمة في النقاش الاجتماعي. اشتهروا بالدورة السنوية التي ينظمونها في نوفمبر، والتي تجمع أكثر من 3000 شخص كل عام.

(2). تعتبر جزيرة إل هيرو أصغر جزر الكناري السبعة الإسبانية مساحة وأقلهن سكانا وأعزلهن بقعة، وتقع في المحيط الأطلسي، غرب القارة الأفريقية. وتتميز ببركانها التي شهد آخر نشاط له في العصر الحديث سنة 2011. الأرض فيها قاحلة والمياه العذبة شحيحة. بلغ عدد سكانها عشرة آلاف سنة في تعداد 2015، وتقدر مساحتها أقل من 300 كيلومتر مربع.

    واعترفت اليونسكو بجزيرة إل هيرو باعتبارها "محمية حيوية" عام 2000، وحققت سياسة حماية الساحل نجاحا ملحوظا، وأثبت قدرة على الحفاظ على التنوع البيئي، وكذا عرفت كيف تصالح بين الطبيعة والنشاط البشري، وتضع موضع التنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

    ولكن أهم ما يميز أصغر جزر أرخبيل الكناري، هو استقلالها الطقوي، بفضل استخدامها الطاقات المتجددة بدون احتباس حراري، وأصبحت بفضل إنجازها يضرب بها المثل، وجلبت إليها عددا من المحققين والمعجبين وكذا الفضوليين، الذين أرادوا أن يقفوا عن قرب، ويتعرفون على التجربة المتميزة.

    دفعت شحاحة المياه وطبيعة تضاريس الجزيرة مسؤوليها إلى التفكير في مشروع ينهض بالمنطقة، مع المحافظة على المقومات المحلية، فأنشأت إلهيرو محطة لتحلية مياه البحر، ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، وهي أول محطة لتوليد الكهرباء في العالم، تجمع بين توربينات الرياح ومحطة تحلية المياه والخزانات الهيدروليكية للتخزين والمولدات الكهرومائية.

المياه والرياح في خدمة جزيرة إلهييرو

    تولد جميع توربينات الرياح الخمسة طاقة إجمالية تبلغ 11.5 ميغاوات. يتم استخدام الكهرباء المنتجة في المقام الأول لتزويد المنازل ومحطة تحلية مياه البحر مباشرة. ويتيح الفائض، بفضل نظام الضخ، نقل المياه من حوض اصطناعي بمساحة 150 ألف متر مكعب، يقع بالقرب من العاصمة فالفيردي، يصل إلى حوض ثانٍ بمساحة 550،000 متر مكعب يقع على ارتفاع 700 متر، في موضع فوهة بركان. وبالتالي، في حالة عدم وجود رياح كافية، يكفي إطلاق المياه من البحيرة العليا لتزويد ستة توربينات هيدروليكية بطاقة إجمالية تبلغ 11.3 ميغاوات.

    حققت جزيرة إلهيرو إكتفاءا ذاتيا طاقويا ومع ذلك، فإن المشروع لا ينتهي عند هذا الحد، فقد كان في الأساس جهدًا جماعيًا تم تكريسه من خلال تصنيف الجزيرة بأكملها في عام 2000 كمحمية للمحيط الحيوي من قبل اليونسكو، في ضوء النجاحات التالية:

    تم تغيير جميع قطاعات الإنتاج. يتعلق الأمر بالزراعة والثروة الحيوانية بشكل أساسي: فقد حلت الأغنام والماعز محل الأبقار التي دمرت التربة. يتم تصدير منتجات حليب الماعز أو الأغنام ذات النوعية الجيدة.

    تم تعزيز الأنشطة التقليدية على مدى عقود بالفواكه (الموز والأناناس) ومنتجات الألبان والنبيذ والجبن وتربية النحل وصيد الأسماك؛ إعادة التحريج بالأنواع المحلية، وزرع أشجار الينابيع، وتركيب شبكات لالتقاط الضباب. وغيرها من الأعمال والإنجازات التي تستعمل الأساليب المحافظة على البيئة.

    ولذلك فإن جزيرة إلهييرو هي نموذج للتنمية المستدامة الفعالة، دفعت سيدنا الشيخ خالد بن تونس لزيارة المكان، وينقل إلينا تجربة عملية متميزة، ودفعنا لإجراء بحث، يجلي نوعا ما هذه التجربة.

   في الأسفل شكل توضيحي باللغة الفرنسية. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق