السبت، 25 ديسمبر 2021

نهج التصوف وتحديات زماننا

نهج التصوف وتحديات زماننا

الجزء الأول

 



 
    حصلت Zeteo على فرصة محاورة الشيخ خالد بن تونس، وتم اللقاء في بيت الشيخ، حيث رصد لنا مؤسسها السيد غيوم دوفو معلومات غزيرة، جاد بها الشيخ خالد بن تونس. زيتيو هي منصة بث إذاعي رقمي، وتهتم بنشر وبث تسجيلات صوتية مستوحاة من المسيحية. لأول مرة يحاور صاحبها شخصية غير مسيحية، وقد كتب عبر موقع البث:

    فرحة كبيرة وسابقة عظيمة لـ "زيتيو" في لقاء مع رجل، يمثل ديانة غير مسيحية. رجل يقدم نظرة حكيمة ومسالمة للغاية حول ما يوحّد، بدل ما يفرق. إن رؤيته المتشبعة بثراء التصوف، هي رؤية تعبر بأمانة عن الإسلام الشرعي التقليدي: دين الأخوة والسلام، واحترام الغير، والليونة، وكذلك احترام الطبيعة والحي. دين يتضمن أيضًا بُعدًا شعريًا وصوفيًا وروحيًا لا جدال فيه، حيث غالبًا ما تجتمع أدياننا وتتشارك.

     ما يوحدنا أقوى مما يفرقنا. مع الشيخ بن تونس، تختفي المخاوف والجهل، الذي غالبًا ما يعارض المسيحيين والمسلمين. دائمًا معه، أصبحت الروابط الروحية التي تقربنا أكثر وضوحًا...

    تم تسجيل اللقاء في بيت الشيخ خالد بن تونس، وبث يوم 12 12 2021.

 الصحفي: للحديث، إنه من دواعي اعتزازي وسروري أن يكون أمامي الشيخ، أمام ميكروفون زيتيو. الشيخ بن تونس صباح الخير.

الشيخ: صباح الخير.

الصحفي: الشيخ بن تونس، إن الفرنسيين متعودين على كلمة "شيك"، ولكننا ننطقها شيخ.

الشيخ: بالضبط.

الصحفي: إن الشيخ تعني المعلم.

الشيخ: له عدة دلالات. إن المعنى الحقيقي للشيخ هو المسن، بشكل ما.

الصحفي: الرجل المسن الحكيم.

الشيخ: هكذا، بشكل ما. من هو مسن حكيم، ولكن اليوم ننعت به مشائخ البترول، ولكنه لفظ يعني الشخص الذي هو في الوسط ووسيط القبيلة والمجتمع، ويوجد السن أيضا الذي يحدد الشخص الذي نتوجه إليه لنحصل منه على نصائح أو المصالحة.

الصحفي: إذن، أريد أن أشكرك من كل قلبي على قبول دعوتنا، للمشاركة في هذه الحلقة من البث الإذاعي المسيحي لزيتيو. وكلمة زيتيو إغريقية، تعني البحث للعثور، وموجهة لكل من يبحث. أنا معتنق، وأرى أنني استنتجت بعد عدة سنوات، أننا نبحث عن نفس الشيء.

الشيخ: بالتأكيد، كل الناس تبحث عن نفس الشيء، وكلُّ حسب نهجه.

الصحفي: أنت رجل حوار وانفتاح وتقارب وليس تنافر، تعمل خصيصا من أجل الحوار البيديني، سنتكلم عن ذلك أثناء اللقاء، إن شئتَ، وتستقبلني هنا في بيتك، على مرتفعات المناطق الداخلية لِكان، حيث تقود جميع نشاطاتك، التي سنتحدث عنها طيلة لقائنا. لتقديمك في بضع كلمات، ولدت بالجزائر، وأنت الوريث لسلسلة روحية غير منقطعة تصل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنت المرشد الروحي 44 للطريقة الصوفية العلاوية، لا أدري إن نطقتها بالشكل الصحيح.

الشيخ: هذا صحيح.

الصحفي: وبعدها كلمات أخرى تبدو لي معقدة النطق.

الشيخ: نعم، إنها فرع الشاذلية للإمام الشاذلي من القرن 12، والدرقاوية بالمغرب، لشيخ هو أيضا مغربي، من القرن 19.

الصحفي: وأنت وريث هذه السلسلة الروحية، ليست وراثة عائلية، حتى ولو كان أبوك بنفسه شيخا. يتم ذلك بالتعيين؟

الشيخ: بالتأكيد. إنه مجلس حكماء الطريقة، الذي يعين الشخص، بعد وفاة الشيخ السابق، ويحدد الشخص الذي ينبغي عليه أن يواصل المسيرة.

الصحفي: إنك أحد مؤسسي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ومؤسس المنظمة الدولية الصوفية العلاوية، المعترف بها كمنظمة غير حكومية دولية، سنتكلم عنها، معترف بها لدى الأمم المتحدة.

الشيخ: لدى المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة.

الصحفي: أنت مؤلف لـ 15 كتاب، يعالج مواضيع التصوف والبيئة والإسلام، والعلاقات بين الإسلام والغرب، والقرآن والسلام والسمو. أنت نشط جدا في كان وفي العالم بأسره، ولكنك في كان، في حضن جمعية، تكلمنا عنها، في هذا البث عندما استقبلنا فيرونيك فرنكو، منذ بضعة أشهر، الذي تكلم عن جمعية العيش معا هذه. ما هو العيش معا في كان؟

الشيخ: كان العيش معا في كان التجربة الأولى لهذه المبادرة، التي هي اليوم معترف بها من طرف الأمم المتحدة، وأعطت ميلاد اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي صُوّت عليه بالإجماع، من طرف 193 دولة.

الصحفي: سنتكلم عنه.

الشيخ: وكان هذا مختبر طيلة عشر سنين، احتفلنا بمرور العشر سنين منذ مدة قصيرة، في شهر أكتوبر الماضي. إنها عشر سنين في هذا المختبر.

الصحفي: من هذا الحوار البيديني.

الشيخ: من الحوار البيديني بين المسلمين والمسيحيين، واليهود والبوذيين، وتمكين بطريقة ما المجتمع، فهذه الجمعية تريد أن تمس، إن شئتَ، القاعدة، لأنه محكوم علينا أن نعيش معا، ولكنه اختيار العيش معا في سلام، حتى يخفف التوتر، وتجد العلاقات بين الناس، من مختلف الديانات والثقافات، تجد ميدان ومركز للتبادل، وإزالة المخاوف والمسافات التي قد تؤدي بنا أحيانا، حيث عدم تعارفنا وجهل بعضنا بعضا، قد يؤدي إلى صعوبات.

الصحفي: وهي التوترات التي نعرفها.

الشيخ: هذه هي.         

الصحفي: سنتكلم حتما طيلة هذا التبادل، إن شئتَ. منذ أكثر من 40 سنة أنت تجوب العالم، لتعزيز الحوار البيديني والمساواة بين الرجل والمرأة، وحماية البيئة وإحلال السلام، وأنت تعمل من أجل تبليغ ثقافة السلام والعيش معا. تكلمنا للتو عن هذا الأمر، وأنت الباعث، كما قلنا لهذا اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي تم تبنيه بالإجماع من طرف 193 دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة، ويحتفل به في 16 من مايو.

الشيخ: 16 مايو من كل سنة، ويجري منذ خمس سنين، والقادم في سنة 2022 ستكون سنته الخامسة.

الصحفي: مرحى.

الشيخ: مرحى! لست الوحيد الذي حمل المشروع، هو مشروع منظمة غير حكومية دولية، وتتطلب حوالي أربع سنوات من العمل، والإلتماس من الدول لإقناعهم أن هذا قد يكون وسيلة لنا جميعا، حتى نتمكن من استعادة معنىَ لِما نسميه الإنسانية، وإعطاء معنى لإنسانيتنا، وننظر إليها كالجسد الواحد، حيث كل خلية فيه جزء لا يتجزأ.

الصحفي: إن شئتم الشيخ بن تونس، أودّ الكلام شيئا ما، وأطرح عليك أسئلة حول التصوف، الذي لا نعرف عنه سوى القليل، ومستمعي زيتيو أغلبيتهم مسيحيين، ويمثل التصوف 300 مليون متصوف، من ضمن حوالي 1.7 مليار مسلم، ومتواجدين في جميع أنحاء العالم.

الشيخ: إن التصوف مدرسة قديمة في الفكر، وقد كتبتُ كتابا، سميته "التصوف قلب الإسلام"، ذلك يعني، أن هذا التقليد الروحي، الذي جمع كل هذا التعليم، الذي لم يكن موجّه إلى عامة الناس، ولكنه كان موجّه للذين يرغبون الذهاب أبعد بعض الشيء من الشريعة، وذلك بالإنتقال من الشريعة إلى الإيمان، ومن الإيمان إلى الإحسان، في هذا الإحسان، يحاول التصوف بتعليمه أن يجعل المرء في سلام مع نفسه،   وفي سلام مع الغير، وأيضا مع بيئته، أي مع الطبيعة. ولماذا؟ لأن بالنسبة للتصوف، فإن الخلق مرآة الألوهية، توجب الإحترام، وعلى الخصوص الحياة، لأن الحياة شيء محرّم، أُعطيت لنا، لمْ نرغبها، ولا أحد طلب بأن يأتي إلى هذا العالم، أو اختار والديه، أو اختار لون بشرته، ولا أحد اختار لغته، ولا حتى إسمه. بمأننا تلقينا هبة الحياة هذه، فما الذي فعلناه بها، وماذا سنفعل، نسبة إلى أنفسنا، ونسبة إلى الغير، سواء كنا أناس إيجابيين، أناس يتحلون بالأخوة، ويتحلون بالصدق.

الصحفي: يمكننا أن نقول أنه يوجد بشكل ما، بعدٌ أفقي وبعدٌ عمودي.

الشيخ: بالتأكيد.

الصحفي: يوجد بعد أفقي لهذا البعد الأخوي، الذي تكلمتَ عنه، وكذا بُعد عمودي، وهو بُعد أكثر باطنية، سنتكلم عنه بعد قليل، ومعرفتنا قليلة، على كل حال نحن المسيحيين، بوجود هذا البعد الأخوي في قلب الإسلام.

الشيخ: نعم، ولكن ليس فقط المسيحيين، أعتقد أن الكثير من المسلمين يجهلونه. نحن في عصر، أصبحت فيه الروحانية أقل بروزا، في حين أننا نسعى في بحث عنها، فالكثير من الباحثين المتدينين أو غير المتدينين يبحثون عن شيء يشبع رغباتهم الباطنية، ويجلب لهم هذا الرفاه، هذا الرفاه الباطني، وفرحة القدرة على العيش بكل اطمئنان، والإغداق بالشكر الأبدي، والتمتع الكامل بالحياة التي أعطيت لنا.

الصحفي: يقال أن التصوف يقوم على القيم الأنسية الشاملة، كالأخوة والإيثار والكرم. نحن دائما مع هذا البعد الأفقي، الذي أتكلم عنه، ويتجاوز كثيرا نطاق المسلمين، ويتعلق بجميع الناس.

الشيخ: بالطبع، لا يمكن للروحانية أن تكون محتواة في أي معتقد أو دين روحاني معين، فهي توجد في كل مكان، وحتى لدى الطفل. أريد القول أنها باطنية كل فرد.

الصحفي: قرأت وأنا أحضّر هذه الحلقة أن التصوف بشكل ما هو قلب الإسلام، يستمد مورده وطاقته من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يُعرّف المسلم أنه من سلِم الناس من لسانه ويده.

الشيخ: بكل تأكيد.

الصحفي: نحن بعيدون عندما ننظر إلى الإسلام اليوم، وما يقوله الكثيرون عن الإسلام وانحرافاته. نحن بعيدون عن هذه الفكرة.

الشيخ: إنه هذا الجهل ببعضنا البعض، إننا نجهل هذا الجانب الكامن في الرسائل، سواء كان ذلك في اليهودية أو المسيحية أو حتى في الديانات الأخرى، هذا الجانب لبُعد تلك العمودية، وما تتضمنه من قيم منقولة، والدين قبل كل شيء عبادة وثقافة وأيضا روحانية، وإذا أبعدنا أحد هذه الأسس، سنعيش في شقاء وعدم استقرار.

- الصحفي: في هذا السلوك الصوفي يوجد الطيبة والمودة نحو الإخوان، والعدل والإحسان الذي ذكرته، إنها حقا أساسيات السلوك الإجتماعي، بشكل ما.

الشيخ: بالتأكيد، كما قلتَ، إنه السلوك الإجتماعي، لأن التصوف ليس انعزال عن المجتمع، ينبغي البقاء في قلب المجتمع، ولا يوجد انعزال عن المجتمع، والتصوف يعاش أيضا في الحياة اليومية. يمارس تعاليم الصوفية الأستاذ والمشرع ورجل الدين والعامل من خلال أحسن ما يستطيع أن يقدمه للآخرين فيما هم بحاجة إليه.

الصحفي: مما جلب إنتباهي وأنا أحضّر هذه الحلقة، أنني تعلمت أن التصوف غذاء روحي، وتكلمنا آنفا عن البعد الأكثر روحانية، الذي يستهدف إيقاظ الضمير الإنساني، وهي طريقة تيقظ. أنا الذي أعرف بعض الشيء البوذية، ذكّرني بما تقوله البوذية دوما عن التيقظ. هل توجد صلات؟

الشيخ: بالطبع. هذا ما قلته، أنها موجودة في كل رسالة دينية، إنها تلك اللؤلؤة الموجودة في المحار، وهي أساسية في كل الرسائل. إذا نظرنا وإذا تحلينا بالصبر في البحث، سنجدها في جميع الأبعاد. في الإسلام إذا نظرنا من هي مسّت ومَن كان حامليها وممثليها، سنرى أناس مِن جميع المستويات، ذوي أبعاد روحية، وأيضا كان منهم شعراء كبار ومشاهير الفلاسفة، ومنهم ممن امتهن الفن، وأناس ذوي إحساس مرهف.

الصحفي: المهم هو الممارسة الدينية كالصلاة والذكر والسماع، وإنها معالجة النفس، وهذا شيء مهم، بتذكير جميع الناس أن الممارسة الدينية واجبة.

الشيخ: نعم، ولكنها الممارسة الدينية التي تتجاوز الشريعة، الذي يعنيه، أن في كل ممارسة نتذكر تلك الحضرة الإلهية في الأفعال والحركات والتصرفات، وفي العلاقة مع الغير.

الصحفي: نعم، إن التصوف والإعتقادية لا يمتان بصلة، لا يوجد اعتقادية في التصوف.

الشيخ: لا يمكننا حجزه فيها. ليست مسألة كمية، فهي مسألة نوعية.

الصحفي: لا اعتقادية ولا حَرْفية. يقال أن التصوف يعتبر أن لا أحد يستحوذ على الحقيقة.

الشيخ: نعم بالتأكيد. يقول الصوفية إن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.

الصحفي: أذكر واحدة، من كتيب قرأته، فيه أن التنوع الديني ثراء، والغير مرآتي، وضروريّ بالنسبة لي.

الشيخ: بالفعل. الغير يستفهمني، والغير هو الغريب والأجنبي، والذي لا أفهمه، ولا أعرفه، ويستفهمني عن أعماق نفسي، من أنا؟

الصحفي: أذكر لك الشيخ بن تونس ما قلته أنت بنفسك، أن التصوف ليس بإيديولوجية وليس معرفة كما هي عليه، ولكنه شذى.

الشيخ: بشكل ما، هو الجوهر، لأنه فما معنى الشذى؟ إنه خلاصة الوردة وخلاصة الزهرة، وهو الجوهر المخفي الذي ينكشف، ولشدة خفته، لا نستطيع تقنينه، ولا الإستحواذ عليه، فنحن لا نملكه.

الصحفي: تعود المدارس الصوفية الأولى إلى القرن 12.

الشيخ: لا. قبل ذلك بكثير. إن المدارس الأولى، على كل حال، عند تأريخ التصوف، ترجع إلى أهل الصُفة، وهم أناس كانوا بالمدينة المنورة، وكانوا يعكفون على العبادة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويوجد مكان في مقابلة ضريحه صلى الله عليه وسلم، يدعى أهل الصفة، وهو دكة ترتفع عن باقي المسجد، وفي هذا المكان كان يلتقي هؤلاء للعبادة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

الصحفي: طيب. كيف يمكن وصف الروحانية والباطنية الصوفية في بضع كلمات؟

الشيخ: إذن، في بضع كلمات، علينا أن نفهم معنى كلمة إسلام، التي تعني التسليم لإرادة الله. لنرى في التسليم، تلك المحبة الفياضة، التي تجعل من الطائر الذي يطير بجناحية، لا يسأل كيف يطير، ولكنه التسليم لذلك المفهوم، بأن تتخلله كلية الألوهية، ويحمل على محمل التسليم من طرفه هو، كما أنا أجلس على هذا الكرسي، وأنا متيقن ومتأكد أن هذا الكرسي سيحملني، وإنه ذلك اليقين الباطني الذي يثبت لي أن الألوهية حاضرة فيّ، ومن خلالي في كل شيء، لا تنتهي عندي أو فيما أعتقده، ولكنها في كل شيء، كالحروف في المداد، والمداد سائل، وبه تكتب جميع حروف الأبجدية في تنوعها، المستقيمة منها والمنحنية. إذا لم يعجبني حرف لن أستطيع الكتابة، إذا رفضت أحد الحروف من هذه الأبجدية، من هذه الكيمياء الكونية، لن يكون هناك كون، كل شيء كائن في مكانه.

الصحفي: إذن، إن الباطنية تعني وجود ممارسة، وينبغي أن تكون هناك ممارسة الذكر.

الشيخ: بلى.

الصحفي: أعتقد أن الدراويش الدوارة الذين نعرفهم، بالوجه السياحي، تلك أيضا ممارسة.

الشيخ: إنها ممارسة، لأن المشائخ عبر مختلف العصور، حاول كل شيخ في هذا الجانب أن يصطحب المريد، حتى يتمكن من الحصول على أدوات يستطيع بها العمل على نفسه، فالبعض اتخذ السماع وآخرين الرقص، ومنهم من اعتمد الذكر، وتطورت مع الأزمنة مناهج مختلفة، فمع الفن..

الصحفي: ومع الفن أيضا..

الشيخ: طرق مختلفة، ولكن الذكر هو الأكثر أهمية في الممارسة الصوفية، وبطبيعة الحال كل ما هو فرض في الإسلام، كالصوم والصلاة والعبادات، ولكن فوق ذلك عليه أن يذكر.

الصحفي: فيما يتمثل الذكر، إذا نظرنا إلى التأمل المسيحي أو الذكر البوذي؟ هل نستطيع المقارنة؟

الشيخ: إنها أسماء الله الحسنى. لدينا 99 إسم، وهذه الصفات الإلهية، يقدمها الشيخ للمريد، ويوصيه بذكر بعض أسماء الله الحسنى، وهذه الأسماء تذكر من خلال النفَس، مما يعنيه أنه توجد طريقة للتنفس.

الصحفي: يدفعنا للتفكير إلى صلاة القلب الممارسة في الكنيسة الشرقية.

الشيخ: ها هو. إننا نتحدث عن نفس الشيء بلغات متعددة، وفي هذه الممارسات، تبقى الأسماء الإلهية بالنسبة للصوفية طاقات. فلو أخذنا على سبيل المثال كلمة السلام، التي هو من أسماء الله الحسنى. كيف يتخللني هذا السلام الباطني؟

الصحفي: مثل تصويت المانترا بشكل ما.

الشيخ: تقريبا مثل المانترا. نستطيع أن نقول أنه مثل المانترا "كلمات أو أصوات يتم ترديدها للمساعدة في التركيز خلال ممارسة التأمل". لكل تقليد تعريفه، ولكن عندنا هي طاقات، هذه الأسماء طاقات، نقوم بترتيلها، ولهذا ينبغي بعض الحذر، لا نذكرها بأي حال، ولا في أي مكان. يوجد تحضير، ويجب أن نذكرها باتباع طريقة أو كيفية حتى يكون نفَسنا، حيث أن كلمة نفْس تشبه كلمة نفَس، من تنفس. فالكلمة تعني نفْسي وتعني نفَسي، نفَس حياتي، الذي بدونه لا أستطيع التنفس.

الصحفي: هذا جميل ومُطمئِّن، ونحن نميل إلى أن لا نحب، ونعتقد أنه ينبغي له أن لا يحب نفسه؟ وهذا ضروري.

الشيخ: مسالمتها وليس محبتها، لا ننبذها، والشيخ العلاوي، جدي الأكبر، مجدد هذا التقليد كان يقول دائما:

      لا تترك نفسك وتعاديها، بل اصحبها وابحث عمّا فيها.

الصحفي: جميل. عند النظر إلى كبار شخصيات التصوف في التاريخ، يتواجد أحدهم، بلغنا أمره حديثا، بفضل الترجمات، وإني أفكر في الرومي، الذي كان شاعرا باطنيا فارسيا، ترك تأثيره في التصوف، كتب الآلاف من القصائد، وترك مجموعة من المواعظ وتفسير الأحلام. هل الرومي ذو أهمية؟

الشيخ: تتمثل أهميته في أنه بعد مضي قرون من الزمن، يبقى واحدا من أشهر شعراء العالم، ولا أقصد به فقط العالم الإسلامي، ولكنه عبر العالم بأسره. ترجمات كتبه وجميع أعماله التي تركها لنا، وتعد بمئات الآلاف من الأبيات الشعرية، واعتبار ما كتبه، كما لو أنه لا يزال حيا في زماننا، وإنه لا يزال يغذي الضمائر. وهذا من الأهمية بمكان.

الصحفي: قرأتُ له منذ بضع سنين، وإن الذي أذهلني هو ذلك الحنين للأصل الإلهي، وكتبَ، كل روح بعد تنزله في الوجود، يميل للرجوع إلى الله، ولديه ذلك الحنين، وهي حركة إرتقائية تدريجية.

الشيخ: بالتأكيد، مستمرة، غير منقطعة، وإنه احتياج، كما قلتُ، إنه مرتبط بالشهيق والزفير، فإننا نستنشقه وننفره، وإذا توصلنا إلى القيام بما هو آلي وحسي ويتخلل الروحانية، إذن فهو التيقظ والسعادة الباطنية، وهو رؤية أن الذي أستنشقه وأنفره ليس سوى هو. يقول بعض الصوفية أنا الظل وهو الشمس. إنها تلك الشمس التي تسطع علينا، والشمس التي تجعل منا ذلك الكائن الذي يتصرف ويتكلم ويساهم في سعادة الغير. والمشكلة ليست ذاتية فقط، في المقابل، فإن كبار المشائخ يسمونه الغيث، الذي يغيث الغير.

الصحفي: إذن، بالضبط، أنت واحد من زعماء التصوف العالميين.

الشيخ: يا إلهي، لا يجب المبالغة.

الصحفي: أرى أنك أنت الذي يجوب العالم، ليس من السهل أن تكون صوفيا، لأنك لا تملك دورا سياسيا، ولكنه أحيانا، بعض السلطات لبعض الدول الإسلامية تعتبر التصوف اعتبارا سيئا إلى حد ما.

الشيخ: هناك تناقض. يرون التصوف خارج عن الجانب، إن شئتَ، الحَرْفي، وهذا يزعجهم، لأن الدين غالبا ما أصبح اليوم إيديولوجية، وبين يديّ البعض، الذين يسخرونه من خلال سياساتهم وتحكم زعمائهم، الذين يحبذون الظهور، فيحوّلون الدين إلى إيديولوجية، في حين أن الصوفي، وذلك هو المزعج، لا يرى الدين مثل إيديولوجية، ولكنه وسيلة تحقيق، أتحقق بالدين، ولا أصبح أسير المظهر التديني، وهنا يكمن الإختلاف. ويقولون أن التصوف ليس أصلا من الإسلام، أقصوه، وهو شيء جاء من الهند، ويوجد من يدعي أنه أتى من عند الإغريق، وبعضهم ينسبه للفرس. يريدون إقصاءه من الإرث الإسلامي. ولكنه متجذر للغاية، بوجود مشائخ لعبوا دورا معتبرا، وتركوا كتابات سقت مشارب الدين الإسلامي، وخصوصا في الأوقات الصعبة التي مرّ بها.

الصحفي: هذه الأوقات الصعبة هي أيضا أحداث الساعة، يوجد تراجع للتصوف اليوم. أنت أيضا تشد الرحال، وكنت حاضرا في لقاء أسيزي في 1986، وإلتقيت بيوحنا بولس الثاني حينها.

الشيخ: نعم، وحتى أنه عدة مرات.

الصحفي: عدة مرات، ولكن أسيزي كانت المرة الأولى.

الشيخ: نعم، بروما.

الصحفي: من ناحية ما، إنه العيش معا لكان.

الشيخ: كان ذلك في الثمانينيات.

 

                                                              يتبع...                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق