الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

رابطة الأخوة

رابطة الأخوة

أجرى الشيخ خالد بن تونس  يوم 03 11 2011 حوارا صحفيا باستوديوهات "ميديا مغرب" بإذاعة الشرق الوسط بمدينة مونتريال الكندية، نشطه صحفي القناة برفقة الدكتور مولود كباش، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة مونتريال.

بعد الترحيب بالضيف الشيخ خالد بن تونس، قام الدكتور مولود كباش بتقديم نبذة قيمة عن حياته مبرزا أهم أعماله و نشاطاته و ذكر مؤلفاته. ثم بدئ الحوار.

مولود كباش: أولا نريد أن تحدثنا عن لقاءك صباح اليوم بالرهبان الترابيين لـ "سان جان دوـ ماتا"، و عن رباط السلام الذي جرى هناك.

الشيخ خالد بن تونس: السلام عليكم. جزاكم الله عنا خيرا. لقد كان هذا اللقاء، لقاء ذكريات. لا ننسى أن الحوار الإسلامي المسيحي عندنا في التقليد الصوفي و خاصة في تقليد الطريقة العلاوية بدأ منذ زمن. كان الشيخ العلاوي أحد رواده، و هو أول شيخ عبر البحر الأبيض المتوسط، و قد كان حاضرا عند افتتاح مسجد باريس في جويلية 1926. و منذ ذلك الوقت و الشيخ العلاوي دائما في اتصال مع الغربيين و خاصة مع مشاهيرمثل رينيه غينون و شخصيات أخرى صنعت الإسلام الغربي. كان فكره دائما مرتبط بالعلاقة بين العالم الشرقي و العالم الغربي، و يكون قد تبنى هذا الإرث من الأمير عبد القادر الذي كان تكوين الرابطة بين الغرب و الشرق إحدى أمنياته، دعى و عمل من أجلها كثيرا، خاصة في كتابه المواقف. إحتفلنا بثلاثين سنة من اللقاءات مع الرهبان الترابيين، و قمنا بذلك على ذكرى رهبان تيبحرين الذين اغتيلوا بالجزائر، لنبين ثمرة الذي شرعنا فيه منذ مدة، هذا البحث عن الله، عبر مرايا بعضنا البعض، و عبر هذه الحقيقة، لأنه لا يمكن للمسلم معرفة دينه إلا بالذي ليس مسلما، الذي يقوم بامتحانه و يقول له أن الإسلام دين لاتسامح، و دين لا يساير العصر، و ليس للمرأة فيه مكانها، إلخ... أي إلا أمورسلبية، ما يدفع المسلم عندها للبحث إذا كانت هذه الصورة السلبية المروجة بواسطة وسائل الإعلام العالمية واقعية، مقارنة بالإسلام الصحيح و الأصلي و المحمدي. لا ننسى أن الرهبان نخبة العالم الغربي و المسيحي، هم أناس سخروا أنفسهم للصلاة، و الأكثر تهيأ في الحياة المسيحية، أي طريق سيدنا عيسى عليه السلام. على كل حال، يجري الحوار بينا و بين الرهبان، و نتواجد هنا بين واقعين و متطلبين، لأشخاص يعيشون الرسالة في الآن نفسه على المستوى الظاهري، و خاصة في بحث باطني عن الحقيقة الإلهية. قسرا يكون الإتصال على مستوى عالي، و قسرا لا نتكلم عندما نلتقي عن الطقس و المطر، لا يكون حوارنا ذو نقاش عقيم نتساءل فيه من على حق و من يملك الحقيقة، و لكن بالعكس يكون كمرآة يعكس هذه الحقيقة. لديهم نظرة عن الألوهية و الإرث و المشروع المحمدي الروحي برسالته التي حملها في عالم الملك، عالم الثنائية، فيه كل واحد يستبق ليكون له المكان الأفضل و الأعلى. مقتضى هذا اللقاء هو ذكريات أول اللقاءات الذي كان يوم 01 نوفمبر 1980 بتيبحرين بالقرب من مدينة المدية، و هي مستمرة إلى اليوم، عابرة للقارات و المحيطات و البحار إلى هذا البلد كندا بمقاطعة كيوبك. هي ذكرى و اعتراف و شكر لله، الذي أذن لرجال القرن الواحد و العشرين، رجال الدين المغمرين بمحبة الله، أن يلتقوا و يتبادلوا في سلام بدون أن يحوّلوا  بعضهم البعض عن أديانهم أو إقناعهم، بل بالعكس يتعاونون على المعرفة و الإعتراف بالرحمة الإلهية التي تحوي الإنسانية جمعاء في تنوعها كعقد جميل بلآلئ مختلفة، كل واحدة بلونها و بريقها، مربوطة بخيط غير مرئي، هو خيط الروح.

مولود كباش: شكرا على هذا التوضيح. مثلما ذكرت جدك الأول الشيخ العلاوي، سأذكر جدك المباشر الشيخ عدة بن تونس... في ديسمبر 1952 ورد له نص إجابة على سؤال لصحفي يذهب في هذا الإتجاه  و هذا الإرث الذي تدافع عنه و مستمر في تبليغه، و سأله ماهي نظرتك؟ فأجابه الشيخ عدة بن تونس: " نعتمد في توجيهاتنا على الحث على عودة الإنسانية عامة إلى الأخوة و السلام عبر ثقافة العبرة الحسنة و التعاليم الدينية لتقويم الأخلاق من أجل معايشة الأخوة الصادقة و إحيائها لأنها موجودة نائمة في قلوبنا ككمون الزبد، و إذا تكلف كل الناس أن يجعلوا نصب أعينهم هذه الأخوة عليهم من الله أزكى سلام، لاضمحلت كل الفوارق و النزاعات و لعاشوا جميعا في وئام لا تعرقله أي مشكلة. تلك هي نظرتنا ". و أظن أنها نظرتك الشيخ خالد بن تونس. هل لرسالة الإسلام مكان في عالم اليوم خاصة بعد أحداث العشرين سنة الأخيرة؟ لأن الرسالة التي تحملها هي رسالة أخوة ، و الحال أن عالم اليوم هو في صورة مضادة للأخوة. ماذا تقول لنا في هذا؟

الشيخ خالد بن تونس: إذا نظرنا إلى صورة العالم اليوم فهو عالم مليئ بالأوهام. قدمت لنا العصرنة الكثير بلاشك على المستوى المادي، و حتى أنها دللتنا إلى حد أصبحت بالنسبة لنا حمل و ثقل لا يخيل. في الوقت الذي تقدم لنا أشياء و سيارات جميلة و إلكترونيات، و كل ما هو من قبيل الإمتلاك و الظهور، لا تقدم لنا شيئا على المستوى الباطني. أفقرتنا داخليا و جعلتنا معاقين. اليوم، فقدَ الإنسان المعاصر السمع، الإستماع إلى نفسه، الإستماع إلى الصوت الأصلي " ألست بربكم". القرآن الكريم. عندما جمع الله كل أرواح الإنسانية سألهم "ألست بربكم"، الكل أجابوا "بلى شهدنا". القرآن الكريم. كانت هذه الإجابة في العالم الأزلي، و حتى قبل الزمن و الفضاء، فهي تستفسرنا عن السمع، سماع علاقتنا بالله. الأرواح تستمع حتى قبل التكوين البيولوجي. إن الإقرار به تعالى هو ما جعل من الإنسانية حقيقة. فإن لم يكن لها سمع، و لم تسمع السؤال، و عرفت تقديم إجابة، فلم يكن لتتواجد أبدا. هذا الصوت الذي يأتي من بعيد، هو الذي يحرك الإنسان ليجد صوته الأول عندما ذاقت الروح الصوت الأصلي، و منه الوحي، ما هو إلا صوت نزل على الرسل عليهم الصلاة و السلام. و كان الرسول صلى الله عليه و سلم يسمعه مثل صوت الجرس، و مرات يسمع صوت سلاسل. إذن له خاصية. هو صوت يأتي من أعماق شعور الإنسان.

     نعود إلى الأخوة، فإن لم يكن لها أي واقعية، فلماذا بلد معاصر مثل فرنسا يسجلها في كل جبهياته: حرية، مساواة، أخوة. لماذا نؤسس إحدى الجمهوريات بنموذج سياسي، إذا لم تكن الأخوة حقيقة واقعية. بالعكس الأخوة حالة من الشعور. يمكن الحصول على الحرية و المساواة بقوانين و تشريعات و غرف تسنها، و تضع قوانين تسمح لكل واحد  الحصول على الحقوق التي تعود إليه، و يكون مساو للآخر. الأخوة حالة من الشعور صادرة من أنفسنا. أحب أو لا أحب. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، إذن فهناك معنى أعمق للأخوة، تكون حتى بالتمني، إنه القصد ( النية ) و السريرة. المشروع المحمدي مبني أولا على الشعور الباطني، هذا ما يجعل للأخوة وزنا. يقول الشيخ عدة بن تونس الزبد في الحليب موجود في قلب كل إنسان. يجب ضخ الحليب لاستخراج الزبد، بالإمتحان و العمل على النفس. يحتم علينا عالم اليوم و الغد مسؤولية. الأخوة هي السبيل الأضمن و الأنفع للكل، لأنها تفرض علينا التآزر و التنسيق فيما بيننا، و أن نعيش في الدائرة، و يكون كل واحد فينا نقطة منها، و بمسافة متساوية من المركز، بالإحترام و الكرامة و تقبل الآخر، حتى تتم حركية العالم و تدورهذه الدائرة. كل منا في لحظة ما من حياته سيحمل على كتفيه ثقل بقية كل الدائرة. حسابيا عندما تدور الدائرة، كل نقاطها ستحمل بالتناوب بقية الدائرة، بمعني سيلزم كل واحد بمسؤولية. لا ننسى أن كل نقطة في الدائرة هي الأولى و الآخرة، و لكل منها محاسن و عيوب. يعيش العالم إمتحانا، على كل شخص أن يعي و يفهم أن الحل في طاقة الأخوة الموجودة في قلب كل إنسان، و إلا لن تحمل أي إمرأة ولدا، و يعم الحياة اليأس و العقم. هذه الأخوة إلزامية. يجب الإنتقال من ثقافة أنا إلى ثقافة نحن. هذه متطلباتها. 

الصحفي: لدي سؤال أستاذنا و شيخنا الفاضل. نتكلم عن الصوفية، و سنخص المغرب العربي. لقد كانت هي الإسمنت الإجتماعي في شمال أفريقيا و المنبع الروحي و العلمي لقرون للمجتمع، مادام لعبت دور في الحفاظ على الفن الأندلسي، و كانت محرك المقاومة ضد الطغيان و الظلم في شمال أفريقيا. سؤالي إليك شيخي و أستاذي، في المرحلة الحالية، مرحلة البناء، ما هو الدور الذي قد تلعبه الطرق الصوفية في النهضة الحضارية في إطار بعث فكر التسامح، و نحن نعلم بوجود إشكالية عدم التسامح حقيقية في مجتمعاتنا، بين المرأة و الرجل، و داخل العائلة، و بين الذين لا يحملون نفس الأفكار؟ 

الشيخ خالد بن تونس: على كل حال ستكون إجابتي كممثل عن الطريقة العلاوية، لا أستطيع الإجابة نيابة عن بقية الطرق. دور التصوف في نظري يجب أن يكون حضاريا، لأن كل حضارة بدأت بالتربية الأخلاقية، و التصوف قبل كل شيئ آداب، يرفع همة و فكر الإنسان، و يرقي شعوره إلى مقام الإحسان، حتى تصير أقواله تصدق أفعاله. لذلك علينا في المجتمع الإسلامي و العربي و المغاربي أن نبتكر أفكارا تساير العصر، و تفتح قلوب الخلق، و توقظ شعورهم بتربية أدبية و أخلاقية و روحية. ينبغي القيام ببحث في الماضي و ليس رجوع، كما قال تعالى " كل يوم هو في شأن". القرآن الكريم. لا يمكن للإنسان أن يعود للوراء. 
             ليس الفتى من يقول كان أبي     و إنما الفتى من يقول ها أن ذا
    المشكلة عندنا في العالم الإسلامي أن التدين صار هو الهدف، و عند القوم الصوفية، الدين وسيلة و طريق لمعرفة الله. و قولنا معرفة الله هو معرفة النفس. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: " من عرف نفسه عرف ربه ". فهي معرفة النفس. آية أخرى تثبت هذا " و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها ". القرآن الكريم. فالإنسان الذي يفتش و يبحث عن جانب الفجور و جانب التقوى فيه  يطمئن. بالتربية و الآداب تصل نفسه إلى رقة و شعور، و تتحول من نفس أمارة بالسوء لا تعرف كمون الفجور بها، بل تفتخر به، و تعتدي على الغير،  إلى نفس لوامة، تارة تعصي و تارة تتوب، و تندم على فعلها. يصبح للإنسان ضمير يحاسبه على أفعاله و أعماله، باتباع ذلك الطريق، طريق الصفاء، و يعبر عنه الصوفية بـ: الشريعة أنت و أنا، و الطريقة أنت أنا ، و أنا أنت، و الحقيقة لا أنت و لا أنا و لكن هو – سبحانه و تعالى-. إذا وصل الإنسان إلى تلك الدرجة يكون في مقام الإحسان، و سيرى غيره مثلما يرى نفسه، إذا مس الآخر سوء أو عذاب أو رحمة، يشعر بذلك، و تكون هناك مبادلة فيما بينهم. سبق و أن تكلمنا عن العائلة و الأولاد و الأزواج، كيف يجب أن تكون المعاملة فيما بينهم، و تعامل العائلة  يكون وسط الحي، و الحي في وسط البلد، و البلد وسط الكرة الأرضية. كلنا عائلة تربطنا أصالة واحدة أكرم الله بها بني آدم " و لقد كرمنا بني آدم ". القرآن الكريم. ينبغي أن تكون للمرء نية حسنة في الغير مهما كانت أفكاره و أفعاله و دينه، فهذه اختلافات لا تهم، فكل امرء مسؤول عن نفسه و أفعاله، و كل نفس تحاسب على أفعالها، و لا على أفعال غيرها. سيؤدي هذا إلى تجديد التصوف، و ليس هذا إلا روح جديد في الإسلام نفسه.
    حاليا انحصر الدين في الشكليات و طريقة الأكل و اللبس، أي المظاهر، و استترت البواطن و اختفت المعاملات و الشعور في رفع الهمة، و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: " إن للمرء همة لو تعلقت بالكون لجذبته "، لم يسمي مسلما أو مؤمنا، بل عمّ بالمرء. إذا سمت همة الإنسان و بلغت درجة، و لن يكون هذا إلا بالروحانيات التي تملك قلب و فكر الإنسان، فستفتح له باب السماوات و الأرض.

الصحفي: شكرا يا شيخ على هذا التنوير.

مولود كباش: نعود إلى المناقشة الأولى التي دارت بيننا. ألخص ما ذكرت. قلت أن المستقبل يكون بالرجوع إلى القيم الكونية للعالم، ليس العالم الإسلامي، بل عالم الأخوة التي تكلمت عنها، و هي مبدئك للوصول إلى تجديد فكره و وحدته و إشعاعه. تكلمت عن الطريقة الصوفية، و سيكون سؤالي أكثر دقة يخص شمولية هذه الرسالة. هل طريق التصوف هو المرجو لتكريس هذا الرجوع إلى القيم الكونية؟ و نلاحظ اليوم وجود العديد من مدارس الفكر في الإسلام، ليس فقط مدارس بل مناهج لتفسير النص. هناك فرق بين من يحترف التفسير و من يحترف التأويل، لا يبحث الصوفي عن حرفية النص و لو كانت مهمة بالنسبة إليه، بل يذهب إلى أبعد من الحرف، إلى المعنى، و في هذا المعنى نحصل على كونية الرسالة القرآنية و الرسالات التوحيدية و المشركة كذلك. هل للطريق الصوفي القدرة لتكريس العودة إلى القيم الكونية؟ و إذا كان الأمر كذلك، فماهي الوسائل الواجب اتخاذها لإيقاظ الناس لهذا الشعور، و هو الشعور (الضمير) الباطني أو الروحاني؟

الشيخ خالد بن تونس: بمأنني في طريقة صوفية لا أقول لك أن السلام في التصوف، ليس كلامي، بعيدا عن ذلك. ما أستطيع قوله هو أننا اليوم نتعلم بموضوعية و عقلانية قراءة القرآن الكريم حتى في جانبه الحرفي بدون التدقيق أو الخوض في عمقه. هناك الكثير من الأمور متواجدة أمام أعيننا. تكلمتَ عن الكونية و رسالة  الإسلام، فالأمر جلي، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة، بعد بسم الله الرحمن الرحيم " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". القرآن الكريم. الأمر واضح و صريح، إذا لم تكن إلا هذه الآية لمن توهم... فلا نحتاج ذكر أخر للذين يشكون في هذه الرسالة الكونية. عندما يتكلم القرآن مع أهل الكتاب أحيانا يكون بكلام يُقوّم الحقيقة " لقد أخطأ الذين.."، ينبغي الرجوع إلى الحق. قالها للمسيحيين و المسلمين و للكل. القرآن متوجه إلى الإنسان قبل كل شيئ. و قد جعلنا من القرآن كتابا خاصا بنا. القرآن جزء من التراث الإنساني، يكلم الإنسان، أيّ كان، و كيف كانت درجته. لنقرأ القرآن بأعين متفتحة، و ليس بأعين مغمضة، بتكييف بسيكولوجي منغلق في عقيدة إسلامية تثير الشعور بالذنب، يعيش المسلم شاعرا بالجرم. التعليم الإسلامي الذي كان  في بدايته معاصر إلى أبعد حد و منفتح للغاية، شيئا فشيئا أُغلق، و نستعمل وسائل القرن العاشر لقراءة و تحليل الشريعة و القرآن. كل التراث الإسلامي يقرأ بمفاهيم و وسائل القرن العاشر بعدما أغلق الإجتهاد، و لا يجترئ أحد اليوم حقيقة، على الإستثمار لإعادة القراءة، و تكريس هذه العلاقة التي لنا مع السلف الصالح. عندما نتكلم اليوم عن السلفية، ليس في الإتجاه الذي نصل به إلى الروحانية الأصيلة و الإنفتاح و الإسلام الحي، الذين كانوا لهم، و لكن إلى إسلام هزئي، خارجي، مفتقر، و منتقص. للأسف، هذا هو الإسلام المروج له من طرف دول لها إمكانيات مادية ضخمة، يطبعون ملايين الكتب، و يدفعون في العالم لأئمة و علماء، و يرممون المساجد، إلخ.. مما جعل اليوم فكر الإسلام ينتقص شيئا فشيئا كشجرة لا تعطي ثمارا، لديها أوراق و أخشاب و حركات عديدة. نحن مليار و نصف مليار مسلم على الأرض، ماذا نفعل حقيقة في مصير العالم، و صياغة فكره، و الإستثمار في علومه و تقنياته و ماليته، و أغلبية الدول غنية. ما الذي يجعل اليوم قيمة إسلامنا، لا نتكلم عن الرسالة، نتكلم عن المجتمع. كان المشروع المحمدي الرجوع إلى الروحانية ، لم يكن للرسول صلى الله عليه و سلم مشروع سياسي، و إلا قاله لنا، و لكان قد آثر الملكية، أو اختار الجمهورية، أو ترك لنا آثرا نسير عليه. ترك المجتمع الإنساني حرا في اختيار مصيره. الشيئ الوحيد الذي اشترطه هو الشورى. أليس مفهوم الشورى هو الديمقراطية الحقيقية، عندما يكون لكل واحد الحق في الكلام. عندما نقول أهل السنة و الجماعة، فجماعة تعني عدة أشخاص، و عدة آراء، و مَن سيسود هو الذي يُوَحِد، فيد الله مع الجماعة. ما رمزية هذا، طبعا له خمسة عشر قرنا، لا يمكن أن تكون له لغة العصر، و نستطيع فهمها. حتى القراءة السطحية يمكن أن تفتح أعيننا إن كنا صادقين. أما إذا قمنا بالترويج لدين المتاجرة أو الإيديولوجية أو للوصول إلى السلطة، فهذا شيئ آخر.

مولود كباش: إذا فهمت جيدا، فأنت تردنا إلى موضوع مهم، المسألة السياسية، و العلاقة بين السياسي و الديني. هذا يعود إلى وقت بعيد في العالم الإسلامي، إلى القرن الأول للإسلام عندما وقع نزاع بين الجماعات كما ذكره المؤرخون. إن الذي أخذته عنك هو أن الثقافة المحمدية من ناحية ما، تدعونا إلى الغيرية، لأننا لا نكتشف أنفسنا حقيقة إلا إذا تقبلنا علاقة الغيرية مع الآخر، سواءا كان صديق أو عدو، فهذا الأخير يثير فينا التساءل. هذه القيم الكونية التي تكلمت عنها آنفا، و تشرحها جيدا، لم تطبق في الحقيقة، لأن السياسة سطت على الديني، و هذا الأخير لم يفكر في مشروع سياسي. لنكن دقيقين، لم يترك الرسول صلى الله عليه و سلم مشروع سياسي، و سمح بحرية إختيار صيرورتنا. الإلزام الوحيد الذي قرره هو الشورى، التي نستطيع تسميتها بالديمقراطية كما شرحت ذلك. إن الذي حدث أن هذه الديمقراطية تخلى عنها العالم الإسلامي منذ القرن الأول، و الذين جاهدوا من أجلها لم تكن لهم الكلمة الأخيرة. أليس الروحانية ما سيعطينا إعادة القراءة؟

الشيخ خالد بن تونس: لديك خلط مع الذي حدث مع الخليفة الرابع سيدنا علي، و الخلفاء الراشدين أربعة، سيدنا أبو بكر، و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان ، و علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. و نرى الصدمة التي حدثت منذ ذلك الوقت، وغزت السيايسة الرسالة، و اخفيت الرسالة الروحانية للإسلام، و لهذا وجدت سلسلات روحية حافظت عليها حية. أخفيت عن العامة و ليس عن الصفوة. بقيت هنا، و ما زالت هنا، و أتمنى إن شاء الله أن يجدها أولادنا و أحفادنا  ما زالت حية. 

الصحفي: شكرا لك...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق