الأربعاء، 2 يوليو 2014

نحن بصدد إفراغ الدين من روحانيته



نحن بصدد إفراغ الدين من روحانيته

نزل الشيخ خالد بن تونس ضيفا على قناة "أمة تي في" الرقمية، و شارك في برنامج "روح الواقع" من تنشيط سعيد برنين.

الصحفي: مرحبا بكم في برنامج "روح الواقع"، و حوار مع الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلاوية.
    مرحبا أيها الشيخ خالد بن تونس.

الشيخ خالد بن تونس: شكرا.

الصحفي: سنتكلم عن التصوف، و في التصوف لا يوجد لا عقَدية (دغماتية) و لا تشريع و لا حَرفية.

الشيخ خالد بن تونس: نعم، بالفعل، علينا أن نرجع إلى الأصل. إن المرجعية في الإسلام، هي رجل و رسالة. نرى أن الإسلام لم يظهر في مسجد، و عندما ظهر كرسالة، لم يكن القرآن موجودا، سوى بعض الآيات، و لم يكن هناك الحديث، و لا وجود للمذاهب و لا للتشيع أو التسنن. إذن فيماذا يلخص هذا؟ يلخص في التوحيد. تلقى الرسول صلى الله عليه و سلم الوحي في كهف، و ليس بمسجد، ظهرت المساجد فيما بعد، و كذا المؤسسات و العلماء و الفتاوى. إذن هو الرجوع إلى هذه البداية. على أي حال ليس فقط الإسلام. انظروا إلى المسيح، فالمسيحية لم تُعمد في كاتيدرائية و اليهودية لم تنشأ في معبد، إلخ... لقد كانوا رجال يسعون إلى الحقيقة، و يبحثون عن المطلق، و يبحثون عن المحبة، و كذا المناجاة مع الحي الأبدي، الرحم الإلهي، الرحمن. كانوا متعطشين للحقيقة، و تواقين لقدوة يستندون إليها و تلهم شعورهم. بالفعل، عندما نتكلم عن التصوف، لا نبقى نستدل عن وجود الله من عدمه. حقا، إن المذاهب هي مفاتيح، تسمح لنا بإيجاد العلاقة فيما هو خارج عن الدين، لتمييز المسيحية من اليهودية و من البوذية. للإسلام أيضا كتاب و شريعة، حيث قام بتسهيل الطريق، فعندما يقول الرسول صلى الله عليه و سلم "يسروا و لا تعسروا"، فإنه عندما تزور شخص متعلم، سيساعدك على تسهيل علاقتك بالدين و لا يعقده عليك، أما اليوم، فإن الذي يحدث هو العكس، صار الأمر بالمقلوب. أصبح الدين أكثر تعقدا، و خصوصا أنه يلهم نفسنا. لا ننسى شيئ مهم، و هو أن الصالح و القاتل يلهمان من نفس المنبع. إن الذي يقتل اليوم، و الذي يتقرب من الله، يلهمان من نفس الآية و نفس السورة، و من نفس القرآن و الحديث، أحدهما يلهم نفسه النرجسية، التي ستجعل منه إنسانا عنيفا، و الآخر، بالعكس سيلهم شعوره، و يجعل منه إنسانا خيّرا و محبا و أخويا.

الصحفي: غالبا ما ذكّرت بوجود تحدي يجب رفعه، و هو أن يكون هناك إنسجام بين الروحانية و العالم المعاصر، بدون الوقوع في روحانية معسلة.

الشيخ خالد بن تونس: بكل تأكيد، إذا لم نكن حذرين سنقع في دروب مجتمع الإستهلاك. النزعة الإستهلاكية. لقد جُعل من الروحانية منتوج تجاري، كما فُعل بالدين، حتى هم أصبحوا تجار. يبيعونك على أشرطة و في كتب و على الأنترنيت كل ما تريده. ترتكز الروحانية فقط على التجربة الشخصية، لا يمكن أبدا بيعها في كتاب أو تعاليم، هي شيئ يعاش في حميمية، في قلب كل كائن، و موجودة في كل العصور، السابقة منها و العصر الحالي و المستقبل، لأنها الصلة التي تربط فيما وراء كل الثقافات. عندما يولد طفل، يولد على الفطرة، لا يتكلم أي لغة، و ليست له عقيدة، المرجعية الوحيدة التي يملكها هي أمه، و المحبة التي تربطه بأمه و أبيه. إن الفطرة هي مفهوم هذه النفس الأولية و الطاهرة، التي جاء كل واحد منا بها إلى هذا العالم. إن إلى هذه الحالة الباطنية يجب العودة، و لكن بسعينا و ببحثنا و بتصفية بواطننا، و نقوم بذلك إما منفردين، أو بمرافقة إخوان و أخوات، لنشاطرهم أوقات الصلاة و التأمل، و أوقات التفكير و البحث.

 الصحفي: نتكلم حاليا كثيرا عن كلمة الجهاد، و بالأخص الوضع في العراق.ما هي نظرتك لمفهوم الجهاد؟

الشيخ خالد بن تونس: منذ 11 سبتمبر 2011، أصبح الإسلام يساوي العنف، هذا ما نسمعه و نراه كل يوم. لا يمر يوما سواء في التليفزيون أو في الراديو، لا يُتكلم فيه عن الإعتداء و العنف، و خصوصا في كل دول الشرق الأوسط، و قد بدأ هذا مع حرب العراق، مع ما حدث في الجزائر في السنوات السوداء. هذا يعني، أن من يومها و حتى الآن، فإن المجتمعات و ليس الإسلام، المجتمعات العربية الإسلامية، تعرف تيارات، و هي تيارات عابرة لها، مُطالبة و تتبنى العنف، و تدفع غالبية الناس إلى الإعتقاد أن الإسلام هو دين يغذي العنف، كالذي يحدث بالعراق و يحدث في سوريا، و ما يحدث في ليبيا، و ما قد يحدث في لبنان، أو في أماكن أخرى. نحضر اليوم تقويضا للإستقرار بكل المنطقة بهذا العنف، الذي يستند لسوء الحظ على نصوص، و لهذا قلت سابقا، يلهم الصالح و القاتل من نفس المنبع. اتُخذ من الإسلام وسيلة، و هو اليوم الجلاد، و ربما غدا سيكون الضحية.
    اُنزل الكتاب المبين كي يوحد و يؤاخي، من خلال تلك الرحمة، عندما يقول الله سبحانه و تعالى "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". سورة الأنبياء، الآية 107. و ما أرسلناك يا محمد إلا رحمة للعالمين. الإسلام هو دين الأنسية، بكل ما تعنيه هذه الكلمة. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم "لا تفعل بالغير ما لا تريد أن يفعل بك" و أيضا "أحب لأخيك ما تحب لنفسك". هي مفاهيم بسيطة. علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى الإنخراط في الحوار. لقد كانت أوروبا ممزقة لمدة طويلة، و خاضت الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، و تقاتلوا فيما بينهم، كل من الألمان و الفرنسيين و الإنجليز و آخرين. ثم فهموا أن بالحوار، يمكننا أن نعيش في سلام، و السلام هو الإزدهار، و هو أيضا سلام القلوب الذي يصلنا بالله. لا يمكن أن تكون أيدينا ملطخة بالدماء، و نقول أننا مسلمين و أننا في سلام مع الله.

الصحفي: تهتم كثيرا بالمسائل المتعلقة بالبيئة. ماذا يمكن أن يقدم الإسلام إلى علم البيئة؟

الشيخ خالد بن تونس: إن الإيكولوجيا هي العودة إلى المفهوم الذي جاءت منه أصولنا، أصولنا الفيزيائية. خلصوا من جوهر، نتجوا عن مادة، و هذه المادة مرتبطة بالأرض. إن تقديم الرعاية لهذه الأرض، الأم، هو تقديم الرعاية لأنفسنا و للأجيال المقبلة. كان الإسلام دائما طريق الوسط، الذي يوصي الإنسان بأن لا يكون مفترسا،  ويكون خليفة الله في أرضه، لأن هذه الأرض جنة استودعها الله لنا، و إلى اليوم مع ما نملكه من معارف و تكنولوجية، لم نكتشف بعد، مكان ما، و كوكب شبيه بالأرض، توجد به الحياة و الماء و نباتات خضراء، و به كذلك حيوانات و عصافير تغرد و أسماك في الماء و خيرات الخليقة. إن العودة إلى هذا المفهوم هو من ثقافة السلام، و الإسلام يعلم ثقافة السلام. إذا وجدت ضرورة لأكل لحم الحيوانات، فالرسول صلى الله عليه و سلم يقول "إذا قتلتم... ليحد أحدكم شفرته" (1). قوموا به بالطريقة التي لا يتعذب بها. نعيش اليوم في وضع، حيث ينبغي علينا العودة إلى أصول ثقافة السلام، و السلام ليس فقط غياب النزاع. أن نكون في سلام، هو أن نكون في سلام مع ذواتنا و مع الآخر و مع البيئة التي ولدنا و نعيش فيها، هذه الأرض التي تلهمنا و تحملنا و تستقبلنا، عندما لا يرغب أحد بنا، عندما يعود هذا الجسد النتن إلى الأرض، و تقبل بنا. "منها خلقناكم و فيها نعيدكم ثم إلينا ترجعون". سورة العنكبوت، الآية 57.

الصحفي: شكرا الشيخ خالد بن تونس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى صلى الله عليه و سلم قال "إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته". أخرجه ابن ماجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق