الخميس، 9 نوفمبر 2017

مقابلته مع جريدة الوطن

مقابلته مع جريدة الوطن


   في هذه المقابلة، يصف الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلاوية، التي يرفع رايتها منذ سنة 1975، بكل وضوح؛ الجروح الكبيرة، التي وصِبت في عصرنا، ويصف العنف والصراعات، والعولمة بدون روح، وأزمة اللاجئين وصعود المتطرفين. كما أنه تساءل عن المجتمعات الإسلامية، التي تقيّد معظمها في تديّن ضيق، وجاف روحيا، مُرجعة الإسلام إلى "قائمة من الوصفات" والمحرمات. الشيخ بن تونس، المخلص لقناعاته الإنسانية، يدعو إلى ثقافة "العيش معا"، التي هي حجر الزاوية، في "ثقافة السلام". فبالنسبة له، ليس السلام أملا بعيد المنال، وإنما هو، برنامج عمل. و يُلح "إنه البرنامج الأكثر إلحاحا".


-        إنكم تناضلون بحماسة، منذ بضع سنوات، من أجل تقرير "اليوم الدولي للعيش معا"، تحت رعاية الأمم المتحدة. أين أنتم من هذه المبادرة؟

    انها تتقدم إلى الأمام، و لكن مع وجود صعوبات. كما تعلمون، مع موضوع وهدف من هذا القبيل، فإن الناس لا يعتقدون فيه، من البداية. لذلك، علينا أن نقنعهم. أحيانا، نقول ... علينا بالتفكير، لأننا نتعامل مع الدول. هناك أشخاص ينضمون. ولكن جلب دول، فليست تلك بالمهمة السهلة.

    نحن نعلم أن العالم مبني على مصالح أنانية. لذلك، علينا أن نقنع الجميع، أنه في مصلحة الجميع، وأن لا أحد لديه كل شيء، وأن الجميع لديه شيئ ما، وأنه لا بد من وضع هذه الأجزاء في التآزر، مع بعضنا البعض، حتى نتمكن من التحضير للمستقبل. نحن لا ندعي تغيير العالم، و لكن نمنح على الأقل، معنى للأجيال المقبلة.
    كيف سيعيشون في عالم يتقاتل فيه المجتمع البشري؟ بحيث لا يوجد مكان للفقراء، و قوة الأقوياء إلا في ازدياد، وتعيش شعوبا بأكملها، سواء، في الشمال أو في الجنوب، في محنة؟ الجميع يركب نفس القارب. نحن نحاول أن نزرع الأمل، بذرة أمل، للفتيات والفتيان الصغار. نحرص على أن يحدوهم الأمل، في أن أحفادهم سوف لن يعيشوا في عالم من الدماء. عالم من العنف، و عدم التفهم و السيطرة.

   قد تكون مثالية، ولكن ليس لدينا ما نخسره. لقد جربنا جميع الأنظمة، وكل الشيوعيات، وكل الاشتراكيات، وكل الرأسماليات. كل ما نريد. ولم نبرح مكاننا. وقد فشلنا في فهم أنفسنا، وعجزنا عن تقديم معنىٌ، فينا، للإنسانية. تبقى الإنسانية سوى مصطلحا فلسفيا، مجردا، ميتافيزيقيا، ليست ملموسة. فهي ليست قانونية، وليست شخصا، أو شيئا يمكنه أن يتكلم، أو يدافع عن نفسه، إذ أننا نستبعد بعضنا البعض، بينما نحن أعضاء هذه الهيئة المسماة "الإنسانية".

    كيف يكمن أن نمنحها سببا للوجود؟ وكيف يمكننا أن نتشارك في المعرفة، والعلوم، والأصول الضخمة، التي هي في يد البعض، ولا يعرفون كيف ينفقونها، سوى أنهم يشرون بها الأسلحة، ليواصلوا القتال؟ وآخرين، بدلا أن يستخدموا هذه التكنولوجية لرفاهية البشرية، يستخدمونها لصنع أسلحة أكثر تطورا، و آلات الموت الأكثر فتكا.

    توجد لحظة، ينبغي فيها، أن يسأل كل واحد منا هذا السؤال: إلى أي جانب أنتمي؟ هل أنا واحد من هؤلاء البشر، الذين يسعون بأنانية للعيش في سلام، وفي بيئة من السلام، ويتقاسمون الهواء والماء والأرض، وكل ما تعطينا من ثمار، وطاقة، ومنتجات، على نحو عادل، قدر الإمكان؟ ومن الضروري وضع  تربية السلام، كأساس لبناء الشخصية الإنسانية.

    يجب أن تكون مندرجة في مدارسنا، في بيداغوجيتنا، حتى يكبر أطفالنا، و في ثوابتهم، أننا واحد. وأننا نُشكل إنسانية، على الرغم من إختلافاتنا، وعلى الرغم من تعدد فلسفاتنا وأدياننا ولغاتنا وألواننا. ولا أحد منا يمكنه أن يعيش، فارضا سيطرته على الآخر. دعونا ننتقل من نظام هرمي، حيث هناك نخبة، تملك جميع الأصول وجميع القوى؛ إلى نظام آخر: له مفهوم الدائرة، حيث نكون على مسافة متساوية من المركز.
    وهذا يعني، أننا نكون على قدم المساواة، من حيث الكرامة. لا يوجد جنس متفوق، ولا يوجد عبيد و سادة. لذلك، دعونا نفهم أنه من مصلحتنا، العمل من أجل هذا "العيش معا" على أحسن وجه، وغرسه من خلال ثقافة السلام. لماذا توجد أكاديميات الحرب، وأكاديميات كرة القدم، وأكاديميات البلياردو، وأكاديميات لكل ما نريد، إلا أكاديمية السلام مفقودة؟


-        بعيد عن البعد الرمزي والرسمي، بخصوص ترسيم، يوم دولي للعيش معا، ما هو، على نحو ملموس، "محتوى" هذا العيش- معا؟ كيف تنظرون إليه، من وجهة نظر، نقول، إجرائية؟

    إن الجانب الإجرائي هو ببساطة، طفولي تقريبا. يجب أن نبدأ بإرساء أسس هذا العيش معا. ما الذي سننشئه؟ أولا، احتساب كرامة واحترام، كل كائن. هذا هو أول الأشياء. النقطة الثانية، هي أننا نرى أن الدين أصبح ذريعة، لمعارضة البعض ضد البعض الآخر. وعلى وجه الخصوص الإسلام، الذي أصبح اليوم، يشار إليه بالبنان.

    ماهي مسؤولية رجال الدين في السلام؟ ينبغي علينا أن نقول ذلك، وينبغي أن نسمع منهم جميعا، أيا كان معتقدهم، بما في ذلك أولئك الذين يقولون، انهم ليس لديهم دين. ما هي مسؤوليتهم تجاه السلام؟ النقطة الثالثة، هي التعليم. ومن الضروري بمكان، إدخال تربية السلام إلى المدارس، وإلا فإننا لن نمضي قدما.

    حددت الأمم المتحدة 17 هدفا، بحلول عام 2030. أهداف التنمية المستدامة الشهيرة. نريد أن نربط كل هدف من هذه الأهداف، بالعيش معا. هناك أولئك الذين لديهم التكنولوجية، وأولئك الذين لديهم المعرفة، وأولئك الذين لديهم الوسائل المالية، وأولئك الذين ينضخون بالشباب، وأولئك الذين تتوفر لهم أراضي ممدودة ... كيف نجمع هذه الإمكانات؟

    وأفريقيا أغنى قارة. كيف أصبحت الأفقر؟ مع كل الموارد المتاحة لها: الثروات الطاقوية والمنجمية والخشب والمحيطات وصيد الأسماك ... الأفارقة يغادرون بالألاف، فارين من قارتهم، لجوءا إلى الشمال، الذي لم يعد يقبل بهم، ولا يرغب فيهم. ويموتون بالآلاف. لقد أصبح البحر الأبيض المتوسط، ​​أكبر مقبرة في عصرنا.

    أمر لا يصدق! ومن ثم، كيف يمكن وضع حد لجميع هذه الصراعات، التي تكلف البشرية 13٪ من الاقتصاد العالمي؟ التي بلغت 1400 مليار دولار في عام 2015! أتتخيلون ذلك؟ هذه هي أرقام الأمم المتحدة. لماذا نستثمر في الحرب، ولا نستثمر في السلام؟


-        بالنسبة لك، يجب ألا يكون السلام تمنيات، بل برنامجا وعملا ...

    وكيف! بل إنه أكثر البرامج إلحاحا. لدينا تحديات من جميع الأنواع، تحديات مناخية، وتحديات سكانية ... ينبغي أن يؤدي تفكيرنا تجاه ضميرنا، على الأقل إلى تحديد وجهة، ومعنى للإنسانية. ما معنى حياتنا؟ امتلاك المال؟ المليارات؟ أن تفعل بها ماذا؟ الذين يمتلكونها، انظروا ماذا يفعلون بها. أصبحت مصدر إزعاج. أصبحت بلدان تستثمر في مجموعات من أجل التسليح؛ يستغلون ضعف بعض الدول، و يقومون بتدميرها.

    وقد دمرت بلدان بأكملها. ليبيا دمرت، سوريا دمرت، العراق دمر، اليمن دمر، أفغانستان دمرت. وفي أفريقيا، يزعزع استقرار منطقة الساحل بأسرها. أين نحن ذاهبون مع ذلك؟ ناهيك عن محنة اللاجئين، هؤلاء الناس الذين تلحقهم إدانة العالم، بسبب تدمير بلادهم، وتدمير منازلهم، وتدمير محاصيلهم.

    إنها بلدان تم تدميرها عمليا. يوجد مانحين سخاء، ولكنه يبقى، كما لو أننا نسكب الماء في بئر، بدون قاع. مع مشكلة المناخ، الأمور سوف تزداد سوءا. وسوف يدفع الجفاف شعوبا بأكملها إلى خارج أراضيها. وبالنسبة لآخرين، يطالهم خطر تهديد الفيضانات. وستختفي بلدان بأسرها تحت الماء.


-    وفي الوقت نفسه، نواجه عولمة ساخرة، مع آثار ضارة ...

    لقد وقعنا في الفخ: عولمة بدون روح. وماذا لو منحناها قليلا من الروح؟ من يستطيع اليوم أن يتراجع؟ المشكلة قائمة. إن الهروب من عولمة العالم، والاقتصاد، والتمويل، أصبح مستحيلا عمليا. إذن، كيف نعطي روحا لهذه العولمة؟ وكيف نضفي الطابع الإنساني عليها؟ كيف نجعل الإنساني يسود على اللاإنساني؟ هذا هو التحدي الحقيقي في عصرنا.

    إن التحدي هو إذا ما كنا قادرين على إيجاد حلول عاجلة، أو إذا ما كنا سنقبل، بأن البلدان القوية يحكمها أناس لا ضمير لهم، ولا تزال يؤمنون بأن امتلاكهم مليارات الدولارات، لصالحهم الخاص، أو لصالح بلداهم، من خلال اغتصابها من بقية العالم، من المعوزين؛ لا يزال يعمل. لقد انتهى هذا، لأنه مع الترابط من خلال شبكة الإنترنت، ومن خلال الشبكات، كل شيء أصبح معروفا، لا يمكن إخفاء أي شيء. ويمكن لأي شخص، أن يصبح بنفسه، سلاحا للحرب. هناك أشخاص يركبون سيارتهم، ويصبحون أداة للحرب. انظر ما حدث في نيس، يوم 14 يوليو من العام الماضي.


-        بحسبك، لماذا التشبت بطوباويات هدامة؟

    انظروا إلى العالم، أصبح هلوسة. نحن نفقد جذورنا. ومن هنا، نرجع إلى الثقافة، والتعليم. تلعب الثقافة دورا أساسيا. فقد الإنسان كل الإحساس بالواقع، الذي صنع تاريخه. نحن لا نتذكر أي شيء عن تاريخنا. لقد احتفلنا للتو، بالذكرى الـ 55 لاستقلالنا.

    أين نحن فيما يتعلق بجذورنا، فيما يتعلق بثقافتنا، وشخصيتنا، وهويتنا؟ ما هي هويتنا، هي متكونة من ماذا؟ من الصعاب والغايات. كل ما يجده الجزائري أو الجزائرية، هو العودة إلى الإسلام. وهناك، ماالذي سنراه؟ أصبح الدين نوعا ما، قائمة من الوصفات: ماالذي أكله، وماالذي لا أكله، ماالذي ينبغي أن ألباسه، وكيف أنظف أسناني، وأتنظف؟ ناسين معنى و مغزى كل ذلك.


-        ألا تعتقد، أننا نعيش تأليه الديني؟

    تماما. وقد نقلنا الوجود إلى مكان آخر، هو الجنة، وننسى أن الله عز وجل، قد أعطانا كل الوسائل لخلق هذه الجنة هنا والآن. قال النبي صلى الله عليه وسلم "موتوا قبل أن تموتوا". هو موت النفس، من نعني.

    لنكون في خدمة بعضنا البعض. فمن يقوم بالتدريس، يُدرس بتحلٍ بالوعي. ومن يقود، يقود باستحضار الضمير، ومن يمارس العدالة، يستحضر ضميره في عمله. كل شيء يغذي ضميره، الذي يصبح هو الصلة، التي تربطه بحضرة الإطلاق. هذا ليس سلوكا آليا. وليس الركوع خمس أو عشر مرة في اليوم، أو القيام بمائة حجة، هو الأكثر أهمية.

    والسؤال هو ما إذا كان، يغذي هذا بواطننا، وبالتالي ضميرنا. وفي ماذا يُحسّن، من صفاتنا الإنسانية؟ وكيف يؤدي بنا إلى الإحسان، السلوك الحسن، في علاقتنا مع الآخر، و مع عائلاتنا، في علاقة الرجل مع المرأة، و المرأة مع الرجل، والأب والأم مع الأطفال، والأسر فيما بينها، في الحي، والبلد، والأمم، وهلم جرا... إنه قدْر من العمل.

    انظروا حولكم. فقدنا الشعور بالجمال. ومع ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "إن الله جميل ويحب الجمال". إن الله تعالى كائن في خلقه. إنهم مرآة الألوهية. نحن لا نُعلم أطفالنا حرمة الحياة، في حين شُرع الحج، على وجه التحديد، من أجل ذلك. لماذا هذا المكان يسمى "بيت الله الحرام"؟ ما هو مُحرم (ممنوع) هناك؟ لا تضر بالحياة. لا بحياة الإنسان، ولا بحياة الحيوان، ولا النبات. حتى المعدني هو محمي. لقد كانت أعمالنا في الحرم، على النقيض.


-          لدرجة أن الهجمات قد ارتكبت في الحرم المكي. لقد دمر ضريح السيدة خديجة، زوجة النبي صلى الله عليه و سلم  ...

    نعم، ولم يبق منه شيء، ولا حتى من بيت النبي صلى الله عليه و سلم نفسه. أزيل كل شيء. اليوم، بدلا من ذلك، لدينا أبراج من الصلب والزجاج، وأصبح الحج، شكلا من أشكال منتزه ديزني لاند. يذهب الناس إلى هناك، لالتقاط صور سيلفي، والبعض يزورها لأن الأحجار الكريمة، هي الأقل تكلفة في العالم.

    انتقلت بورصة الأحجار الكريمة، من مدينة أنتويرب (بلجيكا)، للإستقرار في مكة المكرمة. يزورها الناس للبحث عن المعرفة، وفهمْ مبدأ التوحيد، أثناء الحج. حاليا، نذهبب إلى هناك، لتناول الهمبرغر الحلال، وكوكا الحلال، ومكة كولا ... انه المجتمع الإستهلاكي الإسلاموي.


-          ويذهب البعض هناك، كما يقال لـ "غسل عظامهم"، لاستعادة عذرية أخلاقية ...

    لماذا الذهاب إلى هناك لـ "غسل العظام"؟ لقد أعطانا الله الوضوء، للانتقال من العالم الدنيوي إلى العالم المقدس. ماذا يعني أن نغسل الفم، إذا لم يكن تطهيره، من الكلمات البذيئة التي نلقيها؟ وجاءت عرى الشريعة، لتعليم الإنسان، و إعطاءه ضمير.

    جميع حواسنا تحتاج إلى تحلي بالوعي: الأذن من أجل سماع الخير، ورفض سماع الشر. أما عندما نتوضأ، فإننا نشطف آذاننا. هل تعتقدون أنها مسألة نظافة؟ من المسلّم به، أن النظافة مهمة، ولكن قبل كل شيء، فمن أجل التيقظ الذاتي، وتحسين سلوك المرء. أين نحن فيما يتعلق بهذا التعليم، وفيما يتعلق بالثقافة المحمدية؟


-        غابت الروح...

    غابت الروح، فلأننا لا نفقهها، في أي مكان.


-        هل تشعر، على وجه التحديد، أن الحرفية هي التي تهيمن في الممارسة العقدية؟

    لأن الذين أُلقيت على عاتقهم مسؤولية تعليمها، يعلمونها بهذا الشكل.


-        هل ينبغي أن تتم مراجعة، تدريس الدين؟

    يجب مراجعة كل شيء. الإسلام ليس قائمة من الوصفات. الإسلام هو تربية يقظة. إنه يعلمنا قبل كل شيء، فعل الخير، تجاه الآخرين. المسلم من سلم الناس من لسانه ويده. دعونا نتوقف عن لعب هذه اللعبة، إنه انتحار جماعي. نحن نتعرض لانتحار أخلاقي، روحي. الإسلام يموت فينا.


-        قمنا بتجفيفه روحيا؟

    تماما. فقد أصبح إسلام الميراث. في الأساس، فإن الإسلام هو الطريق، وجاءت كلمة الشريعة من الشارع، وهو ما يعني الطريق. الطريق الذي يؤدي إلى المنبع. لقد كتب الإمام مالك كتابه الشهير، "الموطأ"، الذي يعني "ما وطئ"، و تطأه القدم، أي "ما يخفف من الصعوبات".

    لقد جعلناه إلا صعبا. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "يسروا و لا تعسروا، بشروا و لا تنفروا". أين نحن من كل هذا؟ أصبحنا نعلم أبناءنا عذاب القبر في المدرسة ...


-   هل أصبحت العقيدة عائقا في انشراح النفس؟

    نحن الذين جعلنا منه عائقا، في حين جاءنا الإسلام ليحررنا، ويجعلنا أكثر إنسانية، وأكثر جمالا. جعلناه قبيح. وجدتُ مخطوطة، كتبت في تلمسان، تعود إلى القرن الثالث عشر، تفيد أنه كانت تدرس 15 مدرسة مذهبية في تلمسان. ليست أربعة، و لكن خمسة عشرة، منها مذهب نسائي، صاحبته إمرأة(). لما لا نقول ذلك؟ وكانت جميع الآراء صالحة في ذلك الوقت. ماذا فعلنا بكل هذا؟ لقد ابتعدنا عنه، وأوقعنا بأنفسنا في الإنغلاق.


-        في الحديث عن هذه التعددية العقائدية التي كانت حاضرة في تلمسان، فإن التباين يثير الدهشة بما نشهده اليوم. ما رأيك في اضطهاد الأحمديين، على سبيل المثال؟

    علاوة على ذلك، أنا لا أعرف حتى لماذا. وعلى ماذا تستند هذه القضية؟ وما هي الطائفة الأحمدية؟ وهل نعلم قصتهم؟ قلت لكم أنه كان يوجد 15 مذهبا في بلادنا، يُدرس في الجامع الكبير، في تلمسان، في القرن الثالث عشر. كان ذلك في زمن، حكم فيه الإسلام العالم.

    كان العالم يتكلم العربية. كنا نتحكم في كل معارف ذلك العصر: الطب، علم الفلك، الجغرافية ... تواجدت حينها أولى المستشفيات، وأجريت الجراحات الأولى للعين. كان الأمر عجيبا. مقارنة بهؤلاء الناس، من نحن؟ البعض يسمي نفسه "السلف الصالح". حسنا، كيف عاش المسلمون الأوائل؟ ماهي عقيدة، من شهد غزوة بدر؟

    لم يكن القرآن قد أكمل وحيه، والحديث لم يكن موجودا، والمذاهب والمدارس الفقهية لم تكن موجودة، والفقه لم يكن موجودا، فما الذي كان موجودا؟ بما كانوا أفاضل؟ فما الشيئ الذي كانوا يملكونه، بشكل حصري، حتى امتازوا بالصفوة؟ والآن، يسعى البعض إلى فرض طريقة وحيدة للصلاة. نعيش استباق نحو الحضيض، الذي يلغي كل الإختلافات.


-          يجب أن نعترف بأنه لديك خطاب جذاب للغاية. الشيخ بن تونس. كيف يمكن إيصال هذا التعليم إلى أكبر عدد؟ هل ينجذب الشباب نحو التصوف؟

    لا، لا أعتقد ذلك. الشباب اليوم يبحثون عن كلمة، تتوافق مع الحاجة الملحة لفهم الأشياء. لا أعتقد أنهم ينجذبون إلى التصوف، فلأنه يفرض الكثير من الأذكار... الصوفية أنفسهم، نظرا للبيئة التي نعيش فيها، يبتعدون عن هذه الثقافة، التي أصبحت ممارستها، صعبة أكثر فأكثر.


-        هو تعليم باطني، مقصور على صفوة؟

    استمعوا، لأقول لكم الحقيقة، في أوروبا، يبلغ عدد الذاكرين عشرة أضعاف، أكرر عشرة أضعاف، مما هو عليه في بلداننا الإسلامية. يحضر الكثيرون مجالس الذكر، و يسعون في الخلوات الروحية. وفي آسيا، يمثل التصوف، مئات الملايين من الناس، وخاصة في إندونيسيا والهند وباكستان.


-        هل أنت مدعو للمشاركة، في دورات تدريبية، لصالح الأئمة الشباب لدينا؟

    أتلقى دعوات للمشاركة في المؤتمرات، وفي الجامعات، ولكن بصفة أقل، في العالم العربي. أنا أكثر طلبا في العالم الغربي، بما في ذلك كندا. أتلقى دعوات بانتظام للمشاركة في آسيا: اندونيسيا، وماليزيا. وأيضا اليابانيون يدعونني، في كثير من الأحيان. ومع ذلك، أعتقد أن شتاتنا يبدأ، حتى مع أئمتنا، لتغيير النظرة. ويسرني أن أرى ذلك في حياتي: الأئمة الشباب، في سن 30، 35 سنة، بدأوا في اكتساب خطابا، يحفز التفكير.


-        هم حساسون لهذه الكلمة؟

    إنهم بدأوا حقا، في اكتساب الحس النقدي. و لا يخوضون خطابات، مثل الببغاوات. ولا يقومون بتكرير القول مرارا، وينتهي بهم الأمر، إلى قتل الضمير، ويسأم الناس منهم. كثير من الناس يذهبون إلى المسجد لأداء صلاتهم، لأنها بالنسبة لهم، واجب، ويشعرون بالذنب إذا لم يؤدونها.


-        ليست لها إثارة؟

    كيف تريدون أن يستمر شبابنا في هذا الطريق؟ فهي بدون مخرج. لقد آن الأوان للتغيير. ويمر مرة أخرى، من خلال التعليم. في الأندلس، كان يحظر تعليم القرآن للأطفال. كان على الطفل أن يبدأ بتعلم الشعر. عندما يقرأ القرآن، ينبغي أن يكون قادرا على فهمه، ومن أجل ذلك، يجب أن يفهم المرء دقة اللغة.

    ولذلك كان من الضروري، أن نبدأ بتعليمه اللغة، والتدقيق فيها. هناك شيء خاطئ في عقلنا الآن. إننا نفكر في التراجع. إننا نسبح عكس تيار الحياة. إننا نعد شبابنا للموت، بطريقة أو بأخرى. فالبعض مقتنع، بأنه عندما يُقتل، أويَقتل آخرين، سيموت شهيدا، ويكفل مكانه في الجنة.


-        ما الذي يجعل العديد من الشباب، يفتتن بالتطرف الديني؟

    قال أحد الفلاسفة "أعطيني أسوة للعيش، أعطيني أسوة للموت". هؤلاء الناس (دعاة التطرف)، وجدوا أشخاصا مجثاتين من الجذور، ونجح الأمر معهم. لأن شخصا منغمس في الجهل، يمكننا أن نغرس فيه، أي كذبة، ويتقبلها كحقيقة منزلة.


-        يمكننا أن نرى أن المزيد من المؤمنين، يبحثون عن فتاوى في المواقع الوهابية، أو من خلال العديد من القنوات التلفزيونية الدينية في الشرق الأوسط ...

    وسوف يسممون عقولهم بها، مثل الطعام المغلف، الذي لا نعرف تركيبته. نذهب إلى السوق، ونشتري المنتج، دون معرفة، كيف تمت صناعته. يؤخذ فقط، لأنه مكتوب عليه "حلال". الشيء المهم، أن يكون الحيوان مذبوحا. ولكن، كيف تم تعليفها وتربيتها؟

    نحن لا نأخذ ذلك بعين الاعتبار. يبدأ الإيمان الحقيقي مع وجود الفهم. تلي الطاعة، الاستماع الجيد. ماالذي نسمعه في عصرنا؟ ماذا نسمع عندما نذهب إلى مساجدنا، عندما نشاهد التلفزيون، أو عندما نبحر على شبكة الانترنت؟ علينا أن نرفض أن نسمع الأشياء، التي تشوه الإسلام، والتي تؤلبنا على بعضنا البعض. في القرن الواحد والعشرين، أُخرج لنا أيضا، هذا التاريخ، السنة ضد الشيعة؟ فخ وقح؟ ما هذا !


-        لقد شاركت مؤخرا في مؤتمر دولي كبير، حول "مسؤولية الأديان تجاه ثقافة السلام"، الذي انعقد في برلين، و حتى أنك التقت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل في هذه المناسبة. أنت تشارك بانتظام، في الكثير من الاجتماعات، التي تندرج في الحوار بين الأديان. هل هذه التبادلات مثمرة؟ هل تحقق تقدم في عملية السلام؟

    طبعا! من خلال الحوار، نتعلم أكثر عن بعضنا البعض. ولكن الواقع، هو أننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق الهدف. كنتُ مؤخرا في الفاتيكان، حيث دعيتُ، بمناسبة ترسيم أول كاردينال أفريقي (المطران جان زيربو، رئيس أساقفة باماكو). لقد تبادلتُ مع الأساقفة وشخصيات قريبة من البابا، والأساقفة من مختلف البلدان ... هذا لأقول لكم، أن الحوار هو بالنسبة لي، ضرورة حتمية، للتحدث، و التعارف. أنا أتكلم مع الجميع. إنه مبدئي.


-        هل يساندون اليوم الدولي للعيش معا؟

    نعم، يوجد اهتمام كبير بهذه القضية، وخاصة في أفريقيا. ويوجد أيضا الإكوادور، فإنها تؤيدنا، وكوستاريكا، و أيضا الكنديون ... وأود أن أشير في هذا الصدد إلى دور الدبلوماسية الجزائرية، وأشيد بالسيد صبري بوقادوم، ممثلنا لدى الأمم المتحدة، الذي كان مستمعا منذ البداية، ومتحسسا للشؤون الخارجية، بشأن هذه المسألة.


-        وأخيرا، كيف يمكن تشييد العيش معا، في عهد داعش ودونالد ترامب، الشيخ بن تونس؟ هل أنت واثق في المستقبل القريب، مع هذا الاستقطاب للأطراف؟

    على العكس من ذلك، فإنه يعطينا طاقة استثنائية. نقول للناس: انظروا و اختاروا، خذوا الألوان، وانظروا، كيف يفصل الأبيض مع الأسود. لا ينبغي أن نرحل، مكتفين بطاقة سلبية. لا يمكننا أن نرى شخص مريض، ونقول لا نستطيع أن نفعل له شيء. على الأقل ناوله كوب من الماء.

    الإنسان مريض، الإسلام مريض، جعلناه مريضا. وبما أن الإسلام جزء من الإنسانية، فبدون الإسلام، لا يوجد حل. هناك 1.5 مليار مسلم في العالم، بينهم 35 مليون في أوروبا. ماهو مصيرهم؟ إذا لم يكن العيش معا، ما الذي سنفعله؟

    إني أناضل من أجل أبنائي وأحفادي، ومن أجل الجيل القادم. عندما أرى رضيعا، أقول في نفسي، إني أعمل من أجله. أسلافنا بذروا من أجلنا، ونحن بدورنا نزرع لخلفائنا. هذا الذي تعلمناه. لا أستطيع فعل غير ذلك، و لا أعرف ممارسة السياسة.


-        ولكنك مع ذلك، تمارس السياسة، على طريقتك....
    نعم، على طريقتي. في يوم من الأيام، احتفلنا بالمولد النبوي الشريف، في أولترخت، بهولندا. دعونا السلطات. وكان هناك مسؤول كبير في وزارة الداخلية، يرصد كل ما يحدث في الأوساط الإسلامية. قال لي: الشيخ بن تونس، أود أن أسألك سؤالا، ولكن رجاءا لا تجبني بالقرآن أو الحديث. أعطني إجابة مباشرة: ما هي سياستكم؟ قلت: إننا لسنا حزبا سياسيا.

    واعترض: لا، الجميع يمارس السياسة. ما هي سياستك؟ كان هناك طبق من الكسكس. وهبني الله إلهاما مبشرا. قلت له: هل ترى هذا الطبق؟ انظر، أنت هولندي، وهذا مغربي، والآخر جزائري، ومن بينهم فرنسي، وألماني، وهكذا.. نحن نجلس معا في دائرة، كلّ بملعقة، ونأكل جميعا من نفس الطبق، في جو ملؤه الثقة و الصداقة. هذه هي سياستنا.


    حاوره مصطفى بن فوضيل. جريدة El watan، في 03 08 2017.


(). هو مذهب السيدة عائشة، زوجة النبي صلى الله عليه و سلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق