الجمعة، 6 يوليو 2018

لقاء بجنيف

لقاء بجنيف


    تم الإفتتاح يوم "الإثنين بمقر الأمم المتحدة بجنيف، المؤتمر العالمي حول 'الأديان والمعتقدات ونظم القيم الأخرى: تضافر الجهود من أجل تعزيز حقوق المواطنة المتساوية'، ويهدف إلى تعزيز المزيد من التفاهم والتسامح المتبادلين، فضلًا عن الشروع في تنظيم حوار منظم، هدفه الحدّ من المحن، الّتي تعاني منها الأقليات والشعوب المتنقلين، في جميع أنحاء العالم، والحدّ من الشواغل الّتي تؤرّقهم، وذلك من خلال تعزيز نموذج لحقوق المواطنة الشاملة والمتساوية"(1) .جاء تنظيم اللقاء من طرف مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، وهو ذو مركز استشاري خاص، لدى المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة(2).

    كان الشيخ خالد بن تونس من المدعووين إلى هذه الندوة، التي جرت يوم 25 06 2018، بمكتب الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية. ألقى مداخلة موجزة إرتجالية، لخص فيها، بعض مضامين رسالته والمشاريع السارية المفعول، وبدأ قوله "أتمنى أن أكون مبشرا، لشيئ ما، سيحاول أن يحملنا إلى الأمام، ويعطينا الطاقة اللازمة، لأنني أرى في هذا المجلس المشرف، وجود العديد من الكفاءات، والعديد من النوايا، تنضخ بالإنسانية والروحانية، من أجل أن يجد الإنسان، مفاتيح تسمح لنا، بأن نخوض هذا الرهان.. لا نعلم إذا كنا سنفوز به، ولكنه رهان عظيم، في أن نتغلب على اللاإنسانية". وأكد في كلمته على أهمية السلام، مشيراً إلى أن "'السلام ينبغي أن يكون وسيلة لتحويل ضمائرنا، من أجل إضفاء الطابع الإنساني، على العالم الذي نعيش فيه ومواءمته. لا نحظى بمستقبل، ما لم نصبح، نحن المتدينين وغير المتدينين والمؤمنين وغير المؤمنين، جميعا شهودا وحملة السلام'. وشدد على ضرورة البدء في التعليم من أجل السلام، في وقت مبكر، وفي سن مبكرة جدا، بالتأكيد مجددا، على أهمية التعليم لبناء مستقبل مسالم"(3).

كلمة الشيخ خالد بن تونس
    سيداتي سادتي، سيدي الرئيس والمنظمون. أشكر صديقي، فخامته السفير، الجزائري(4)، لدعوته إياي إلى هذا اللقاء. أتمنى أن أكون مبشرا، لشيئ ما، سيحاول أن يحملنا إلى الأمام، ويعطينا الطاقة اللازمة، لأنني أرى في هذا المجلس المشرف، وجود العديد من الكفاءات، والعديد من النوايا، تنضخ بالإنسانية والروحانية، من أجل أن يجد الإنسان، مفاتيح تسمح لنا، بأن نخوض هذا الرهان. فلأنه رهان. لا نعلم إذا كنا سنفوز به، ولكنه رهان عظيم، في أن نتغلب على اللاإنسانية. وتتغلب إنسانيتنا على لاإنسانيتنا.

    أنا آسف، كنت قد حررت نصا، ولكن أعتقد، أني لن أقرأ نصي، وسأتوجه صوب ما أرى أنه يمكنه، أن يشجعني، ويساعد كل من يرغب في التقدم. سأتكلم أولا، عن اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي صودق عليه، في السنة الماضية، في الثامن من ديسمبر، ليحتفل بـ 16 مايو من كل سنة، عبر العالم. هذا اليوم، ننشد أن يكون يوم الجميع، من أجل أن نجتمع بدون أن نتشابه، من أجل محاولة بناء مستقبلنا، مع بعضنا البعض، وليس ضد بعضنا البعض.

    أريد على الخصوص، الكلام عن الأجيال المقبلة، لأنني أرى، أننا لم نتكلم عن شيئ أساسي، وهو الشبيبة، فهي غائبة هنا. لم نتكلم عن الشباب، وهم رأسمالنا، فلهم سنترك عالم الغد. أعتقد هنا، أن كل ما قيل اليوم، ومنذ بعض الوقت، يقودنا إلى التفكير، أن الثقافة عاملا رئيسيا، في هذا التحوّل للضمائر، نحو عالم جديد، نحو التغيّر. إن العالم القديم، في طور الممات، وجميعنا شهود، وإذا أتممنا بهذا الشكل، فإننا نتجه جميعنا نحو الخراب والدمار. لا يستطيع أي بلد اليوم، الخروج من الورطة.

    هل تعلمون كم يكلفنا العنف والنزاعات في العالم؟ تكلف، حسب الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، الذي قال، في سنة 2016 بإسطنبول، في القمة الأولى للعمل الإنساني؛ أن العنف والنزاعات، تكلف الإنسانية، 14300 بليار دولار، ما نسبته 13،4 %من الإقتصاد العالمي. مبلغ ضخم. إذن ما الذي نكرسه للسلام، وهاهي الميزانية المخصصة للسلام؟ إن الدول بكاملها، تخصص ميزانية للأمم المتحدة فقط، للتصدي لكل ما ذكرناه. يوجد أكثر من 65 مليون لاجئ، ونزاعات تتزايد باستمرار، بدل أن تتقلص، ففي عام 2007، كان يوجد 4 نزاعات كبيرة في العالم، وفي عام 2014، وصل الأمر إلى إحصاء 11 نزاعا، وكم بلغنا اليوم؟ وغذا كم ستبلغ؟ إذن سنقوم بعدّ نزاعات ومصائب العالم، وكوارث العالم، محاولين دائما الحد منها، وسنحاول وضع ضمادة على جرح، هو في اتساع مستمر، ورقعته تزداد. ينبغي علينا تغيير الثقافة، والإنتقال من ثقافة "الأنا" - أنا الأمريكي، أنا الروسي، أنا العربي، أنا اليهودي، أنا الأفريقي، أنا الصيني- إلى شيئ آخر، إلى "النحن"، ضمير جديد، فنحن بحاجة إلى ضمير جديد، ضمير يكلمنا، كونه جسد، وجميع الدول أعضاءه. علينا أن نتخيل هذه الإنسانية، كحقيقة جديدة، تشكل جسدا، وكل واحد منا هو خلية.

    إذا ما قمت بحمل ما سمعته هنا، إلى المئات والألاف من الشباب الكشفي، ما الذي يمكنني أن أقوله لهم عن لقاء اليوم؟ بكل صدق. أقول لهم يوجد 65 مليون نازح، وأننا نتجه صوب الكارثة، أو أقول لهم أن أباءكم وأسلافكم، هم بصدد العمل، من أجل عالم ملؤه الأمل، عالم تجديد، عالم سلام. ولكن للسلام ثمن، وهذا الثمن، عاجلا أو آجلا يجب تسديده. إذن، فبواسطة ثقافة السلام، ينبغي علينا جميعا، وضع طاقاتنا من أجل ترسيخ تربية للسلام في مدارسنا، وهذا هو الأمر الأول، لا توجد طريقة أخرى. نعم يمكن، وأنا مسرور لما سمعته في التو، عن القرآن والدراسات والمبادرات المتخذة... ينبغي علينا العمل على ثقافة السلام، وتقريرها في المدارس. هذا هو الأمر الأول، والأمر الثاني، هو لماذا توجد أكاديميات الحروب، وأكاديمية البلياردو، وأكاديميات لكل ما تريدونه، إلا أكاديمية السلام(5)، لا وجود لها، لماذا؟ هل السلام لا يستحق. لماذا لا توجد كراسي في أكبر جامعات العالم(6)، تعني ثقافة العيش معا. لماذا؟ ولا بلد تجرأ لحد اليوم، لفتح كرسي، يتكلم عن حقوق الإنسان، ونعلم اليوم، أن الضرر قد استوطن العمق. ينبغي أن يكون السلام، بالنسبة لنا، واقعا محسوسا وملموسا، في حياتنا اليومية، ويصبح حالة من الكينونة. نحن نبني العالم في الأفقية، نقوم بإضافة أكثر، إلى كل ما أنشأناه، على سبيل المثال، من القوانين والمراسيم، وكل ما تريدونه، نضيف شيئ آخر، ونبني العالم في الأفقية، ونحن مدعوون للتوجه نحو العمودية، والعمودية هي القيم، وهذه القيم، في التعليم يمكن الحصول عليها. إذن ينبغي، من فضلكم، الخروج بهذا الأمل، أن من هاهنا، يمكن لطاقة جديدة أن تسكننا، من أجل بناء ثقافة السلام معا، بدون تمييز، بصفتنا آدميين. فالآدمي هو المركزي، وليس المسلم، وليس المسيحي، وليس اليهودي، وليس البوذي، وليس الهندوسي. إنه الإنسان، "ولقد كرمنا بني آدم". سورة الإسراء، الآية 70. بدون إستثناء. لنعد إلى هذا المبدأ الأول "كلكم من آدم وآدم من تراب"(7). شكرا جزيلا.

بغية السلام (8)
    نظم مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، بالتعاون مع اللجنة الدولية الكاثوليكية للهجرة، والمجلس المسكوني للكنائس، ومنتدى الفكر العربي، والمجلس العالمي للقادة الدينيين، وجمعية "جسور نحو أرضية مشتركة" من الولايات المتحدة، والمركز الأوروبي للسلام والتنمية، نظموا مؤتمرا عالميًا حول "الأديان والمعتقدات وأنظمة القيم: تظافر الجهود من أجل تعزيز حقوق المواطنة المتساوية للجميع"، في 25 يونيو 2018، في مكتب الأمم المتحدة في جنيف.

    وقد عقد المؤتمر العالمي، تحت رعاية صاحب السمو الملكي، الأمير الحسن بن طلال، من المملكة الأردنية الهاشمية، واستضاف أكثر من 35 قائد من القادة الدينيين والسياسيين والعلمانيين، قدموا من المناطق الرئيسية في العالم.

    وأعاد الشيخ خالد بن تونس، رئيس الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، التأكيد على أهمية السلام، مشيراً إلى أن "السلام ينبغي أن يكون وسيلة لتحويل ضمائرنا، من أجل إضفاء الطابع الإنساني، على العالم الذي نعيش فيه ومواءمته. لا نحظى بمستقبل، ما لم نصبح، نحن المتدينين وغير المتدينين والمؤمنين وغير المؤمنين، جميعا شهودا وحملة السلام". وشدد على ضرورة البدء في التعليم من أجل السلام، في وقت مبكر، وفي سن مبكرة جدا، بالتأكيد مجددا، على أهمية التعليم لبناء مستقبل مسالم.

    في هذا الإتجاه، قال الشيخ بن تونس، الذي هو أيضا صاحب مبادرة اليوم الدولي للعيش معا في سلام "قمنا بإنشاء أكاديميات عسكرية، ولكن ليس أكاديميات السلام. نقوم بتدريس فن الحرب، والاستراتيجية العسكرية، ولكن هل نقوم بتدريس السلام"؟

    واختتم كلمته، بالتشديد على أهمية الاعتراف، بأهمية العيش معا في سلام، على المستوى العالمي. وأشار إلى أن "السلام ليس مجرد غياب الحرب. هو واقع حساس، يؤثر على الآخرين والبيئة على السواء. إنه في قلب التفكير والعمل والتأمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جريدة الخبر، في 24 06 2018.
(2). مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، منظمة غير حكومية، لا تستهدف الربح المادّي، تعمل بالتعاون مع المفوّضيّة السّامية لحقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان، التابعين للأمم المتحدة، من أجل تعزيز حقوق الإنسان، عن طريق الحوار العالمي. والمركز مستقل لا ارتباط له بأي حكومة أو أيديولوجية سياسية أو مصالح اقتصادية. ويهدف إلى توجيه البحث والتوعية العامة، وبناء القدرات، وتعزيز الحوار العالمي.
(3). موقع مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، في 28 06 2018.
(4). هو ادريس الجزائري، السفير الجزائري الأسبق لدى الأمم المتحدة، والمدير التنفيذي الحالي، لمركز جنيف، لتعزيز حقوق الإنسان والحوار العالمي، ويعتبر "المحرك الرئيسي" لهذا الحدث العالمي، المخطط له لأكثر من عام، وقام بجولة في العواصم الأوروبية والآسيوية والأمريكية اللاتينية والأفريقية، للترويج لهذه الفكرة الطموحة، من التقارب الروحي، بين الديانتين الإبراهيمية، الإسلام والمسيحية، دون نسيان المعتقدات والأنظمة الأخرى.
(5). تعود أصول تسمية أكاديمية، إلى مدرسة فلسفية أسسها أفلاطون، في مكان يدعى أكاديميا، بالقرب من أثينا، مستوحاة من إسم بطل إغريقي يسمى أكاديموس. و حديثا في العالم الغربي، والأوساط العلمية، يستخدم مصطلح الأكاديمية، عادة لوصف مجموعة مؤسسات التعليم العالي، أو ما يعرف أيضاً باسم الجامعة.

    ظلت كلمة أكاديمية، ترادف مصطلح جامعة علمية، وترتبط بكلمة العلم، وتعتبر معقله، من حيث المدارسة والتكوين.
    عبر الأزمنة، بدأ ظهور مؤسسات، تهتم بمختلف أشكال الحياة، لها هدف تعليمي، فبرزت أكاديميات وطنية، وهي عبارة عن منظمات، تعمل عادة ً بتمويل ودعم من الدولة، وتقوم بتنسيق الأنشطة البحثية ومعايير الفروع الأكاديمية، وينحصر مجال عملها في الإطار القطري. ثم ظهرت الحاجة إلى تأسيس أكاديميات دولية، ويزخر العالم بأنواع منها، تهتم بشتى متطلبات الحياة. من هذا الإطار اقترح الشيخ خالد بن تونس، تأسيس أكاديمية للسلام، التي يفتقد العالم إلى واحدة من هذا القبيل، تهتم بالسلم، وتعلم أسسه وتروج لتدابيره، وتفشي محاسنه. يرى الشيخ خالد بن تونس، في دُور السلام التي بدأ بتشييدها، عبر الأنحاء العالم، أنها العرى التي تشكل أكاديمية السلام، التي يصبو إلى تأسيسها.  
 (6). إن كرسي الجامعة أو الأستاذية، هو في الأصل، مركز تعليم جامعي دائم، يمنح لشخص ما؛ أستاذ أو أستاذ في جامعة أو مدرسة كبيرة، لتدريس موضوع يخضع لدورة تدريبية. أما اليوم، هناك ما يسمى بالكراسي "الدولية"، المسمى "كرسي اليونسكو" أو "الكراسي الأوروبية".
    تساعد الكراسي الجامعية، منظمة اليونسكو في تنفيذ برنامجها. قد ينشأ الكرسي الجامعي، ضمن إحدى كليات الجامعة، من خلال تعزيز أي برنامج تعليمي، وإعطائه بعد دولي. وتم تأسيس كراسي اليونسكو، داخل الجامعات، كجزء من برنامج "توأمة الجامعات والكراسي الجامعية لليونسكو"، الذي يُختصر باللغة الإنجليزية بـ "UNITWINالذي تم إطلاقه في عام 1992. ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز البحث والتدريب والتطوير، في جميع مجالات اختصاص اليونسكو، مع تعزيز التعاون بين الشمال والجنوب، والتعاون فيما بين بلدان الجنوب. المستفيدون الرئيسيون من هذا البرنامج، هم مؤسسات التعليم العالي، في البلدان النامية، والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية.
    تم تأسيس عدد من كراسي اليونسكو، على مر السنين، على مجموعة متنوعة من الموضوعات الثقافية، مثل حماية التراث الثقافي المادي و اللامادي، والسياحة المستدامة، وعلم الآثار، وإدارة المخاطر للتراث الحضري، وعلم الآثار، والحفاظ المعماري، وغيرها من المجالات.
(7). أخرجه أبو داوود وأحمد والبيهقي وابن البزار، بألفاظ مختلفة متقاربة.
(8). منشورة مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، بتاريخ 28 06 2018، تحت عنوان "الشيخ خالد بن تونس: ينبغي أن يكون السلام وسيلة لأنسنة ومناغمة العالم الذي نعيش فيه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق