السبت، 21 يوليو 2018

كلمة الشيخ خالد بن تونس في افتتاح ملتقى الرياضيات والعيش معا

كلمة الشيخ خالد بن تونس
في افتتاح ملتقى الرياضيات والعيش معا

    بعد بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    معالي الوزير، السيد الوالي، ضيوفنا الكرام، وجميع الحضور، وعلى الخصوص، الذين أتونا من مكان بعيد، أذكر منهم بعض السفراء، الذين شرفونا بقدومهم إلى هذا الحفل الكريم.

    سيداتي سادتي، الجمع الكريم، أصحاب السعادة. نحن سعداء، لاستقبالكم عند افتتاح هذا الملتقى الفريد. إنه فرصة إستثنائية، من أجل إنشاء علاقات بين مختلف دول العالم، بهدف تضافر جهودنا، وتبادل وتقاسم العلوم والتجارب، بغية ترقية مجتمع العيش معا والعمل معا، الذي نحن في حاجة ماسة إليه.

    تجري فعاليات هذا الملتقى، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي نثني عليه، لما قدمه لنا من تشجيع منذ البداية، وساعدنا معنويا، حتى يجري هذا اللقاء. لنا كل الشرف، أن يكون من بيننا، الأستاذ طاهر حجار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الذي قدِم من أجل افتتاحه. نشكر السيد (جيل ألدو)، رئيس اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات، وكذا أعضائها الذين استجابوا لدعوتنا. هذا الملتقى، الذي يجري تحت عنوان الرياضيات والعيش معا: عملية إجتماعية ومبدأ التعليم، يدعونا إلى التساؤل، عن العلاقة بين الرياضيات والعيش معا. قال الرياضي الفرنسي الكبير، في القرن التاسع عشر، السيد هنري بوانكاري(1) "العمل بالرياضيات معناه، إعطاء نفس الإسم، لشيئين مختلفين". كيف لا يمكن طرح هذا السؤال، والرياضيات تشغل اليوم وتنظم حياتنا بشكل يومي. إنها حاضرة ومتواجدة عندما يستعمل أحدنا هاتفه النقال، أو يرسل رسالة أو يطلع عبر لوحته الإلكترونية، أو جهاز حاسوبه، وعندما يستعمل نظام تحديد المواقع العالمي لسيارته (GPS)، للإتصال عبر الأقمار الإصطناعية، من أجل تحديد مسلكه، وغير ذلك. وأيضا في طائراتنا وبواخرنا، وفي نظام المالية والتجارة الدولية، وفي دراسة المناخ والطب  والرمز الشريطي والمصانع، وفي المدن والمنازل، وفي شبكة التواصل الإجتماعي، وأكثر من ذلك. لكون الرياضيات شديدة الحضور في حياتنا، فهي لا ترى.

    بين الرياضيات والإنسان تاريخ طويل، بدأ مع عد أولى الخطوات، التي قام بها الإنسان، واكتشاف العالم، واستمرت عبر مختلف الحضارات: الصينية، والهندية، وبلاد ما بين النهرين، والمصرية، واليونانية، والرومانية، والعربية الإسلامية، والهندية الأمريكية، والحضارة الغربية، جميعها قدمت مساهماتها، حتى تستفيد منها اليوم جميع البشرية، ويتجلى ذلك في التطور الكبير للتكنولوجيات، والنمو التصاعدي الخارق. لم تبقى الرياضيات في الحقيقة، سوى علم، جاء ليشرح ويفسر، ومن ثم التفاعل مع العالم، على شكل خط أفقي، ينطلق من المبدأ، نحو اللانهاية، ونحو اللامعرف. كيف نصالح هذا العلم المجرد ذو المتطلبات الكثيرة، والأكثر عقلانية، حيث أن الأسس، هي الحجج، واستخدام المنطق، وتبادل الأدلة، ومراجعة النظراء(2)؛ مع العيش معا في سلام، مثلما وصفه السيد هنري بوانكاري، بأنه معادلة رياضية. وهو تحدي هذا الملتقى. أما بالنسبة للعيش معا، فإنه حلم ورهان، بل هو أعز ما عند الإنسان، وإنه خلق حياة، ورؤية تُوحِد وتصالح، وبيداغوجية الغيرية، مادام أن الأشياء محتواة في أضدادها، ومادام أن العناصر، هي نتيجة تسلسل المسببات والظواهر، وتتجاسر وتجيز لطبيعة الإنسان، أن تنتهز وتدرك، ما يعرّفه كَونه إنسان. إذا واصلنا أعمالنا ضد الطبيعة، وإخضاعها لنزواتنا، فماهي الروابط والعلاقات، التي تجمع الأعضاء، الذين يُشكّلون ويُكونون هذه الإنسانية؟ ألم يحن الوقت، كي ننشئ تقاطع بين أفقية العالم، وعمودية الفضائل الإنسانية. أليس الفن والموسيقى والشعر، وهندسة البناء، واللغة العالمية، وتشارك المعارف، أليس كلها مرتبطة بالرياضيات، وألا تدعوننا جميع هذه التواصلات، من خلال هذا الملتقى، إلى البحث في بيداغوجية العيش معا، عن طريق الدقة والضبط، والحجج المقدمة والإقناع، التي تفضي إلى الرؤية، وإيجاد الإلهام، بغية إثبات نموذج العيش معا والعمل، كما قال ديكارت، في القواعد الذهبية لتوجيه العقل(3) "لا يوجد علم إلا بوجود الحدس و الإستدلال". وعندها يفتح لنا أفق جديد، من أجل بناء المستقبل، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر.

    شكرا لكل الذين واللواتي ساهموا في جعل هذه اللحظة وهذا اللقاء، لحظة تقاسم وتبادل. كما تعلمون أكتب خطبا ولا أحترمها. أريد على الخصوص، الطلب من الرياضيين الحاضرين معنا، مساعدتنا على نشر هذه الرسالة، رسالة العيش معا في سلام، وستكون حججهم، حسبما أرى، أكبر من حججنا، لست رياضيا، ولكنني أوجه إليهم هذه الكلمة: ساعدونا على نشر رسالة السلام والأمل هذه، كونوا من الذين يحملون من خلال هذا اللقاء، الحوار إلى جامعاتكم. توجد أكثر من 25 جامعة، من الأركان الأربعة للعالم، ممثلة معنا اليوم. أتمنى أن عند عودتكم، تعطونها دفعة في أماكن عيشكم، وأماكن عملكم، وتعطون ديناميكية للعيش معا، ووجه جديد، وتعملون على ترقية هذه الفكرة الجديدة، لكي ترى النور، يوما ما.
    شكرا جزيلا، والسلام عليكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جوليس هنري بوانكاريه (1854 1912). هو أحد أمهر العلماء الفرنسيين في مجال الرياضيات  والفيزياء النظرية..
 (2). مراجعة الأقران أو مراجعة النظراء، بالانجليزية "peer review"، والفرنسية "evaluation par les paires"، هي عملية تقييم عمل أو نشاط، يقوم بها شخص ذو اختصاص وكفاءة، في مجال العمل أو النشاط. وعادة ما تقوم مهنة ما، أو جمعية اختصاص، في جعل مراجعة الأقران، في صلب عمليات التقييم التي تقوم بها، من أجل التأكد من الجودة ومصداقية أعمالها أو منشوراتها. في مجال الأكاديمي، يتبع أسلوب مراجعة الأقران، لاتخاذ قرار في مدى صحة ومصداقية رسالة أكاديمية، لنشرها. (المصدر: ويكيبيديا).
(3). رينيه ديكارت (15961650). هو رياضي وفيلسوف وفيزيائي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق