الخميس، 15 نوفمبر 2018

القرآن جوهرة لا نستخدمها


الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة الصوفية العلاوية، والباعث لليوم الدولي للعيش معاً في سلام.


القرآن جوهرة لا نستخدمها


  إسماعيل برصالي
08 11 2018.  ، فيEL WATAN جريدة

الصحفي: لقد قلت مؤخرًا أن هناك مشكلة في التعريف والمفهوم ...
الشيخ خالد بن تونس: بالطبع. لدينا مشكلة حقيقية في المفاهيم، التي نورثها من جيل إلى جيل. ينبغي على مؤرخينا إعادة النظر في التعابير التي يستخدمونها. لكل شيء اسمه. إن الحرب والجهاد غير مترادفين. فأما الحرب عدوانية، وتقوم على مبدأ سلب حقوق وحريات الآخرين. وأما الجهاد ليس سوى المضاد. على عكس الحرب، فإن الجهاد شرعي. يمكن أن يكون جهادا مسلحا، أو نقابيا، أو بالمراسلات أو باستعمال وسائل أخرى كثيرة. كما يقوم شعب مضطهد بخوض جهاد من أجل كرامته وحقوقه، ولكنهم لا يشنون الحرب. ونتيجة لذلك، في عام 1954، لم نشن حرب تحرير، ولكن كفاح وجهاد تحرري. لقد فقدنا أيضًا حسنا النقدي.
    سوف أذكر في هذا الجانب الفتوحات الإسلامية. إن القول بأن الإسلام انتشر بحد السيف، هو تهجم كبير على التاريخ والإسلام، الذي يستمد جذره من كلمة السلام. لطالما كانت فكرة الإنسانية في قلب هذا الدين، الذي جاء لنشر العدالة، ورد للضعيف حقه.

الصحفي: بين الإسلام والإسلاموية، يوجد فقط ثلاثة أحرف، وانحراف كبير عن مبادئ سلام الدين. ما هو تفسيرك؟
الشيخ خالد بن تونس: هذه هي نتيجة أدلجة الدين. وهذا يغير تماما معناه. إن الإسلام هو فوق كل شيء، رسالة عالمية. وفجأة، يصبح إيديولوجية تغذي الأحزاب السياسية. هما شيئان مختلفان تمامًا، ونُبقي بشكل متعمد، على هذا الغموض وهذا الجانب المظلم.
    تم الإستيلاء على الإسلام لخدمة مصالح خاصة، لجماعة أو سلالة أو سلطة أو لغرض. وهي غاية أفقية بشكل كلي، ليس لها أي عمودية، ولا تصبو إلى السمو. بمجرد أن تفقد الرسالة سموها وقيمها، يتم التلاعب بها. يستحوذ عليها الجميع، للتوصل إلى أهدافهم الشخصية. لقد حولت الإسلاموية الدين إلى برتوكول من الأفعال تؤدي إلى نتائج. كما هو الحال في القاعدة الرياضية 1 + 1 = 2. يبقى بدون روح، وبدون عمودية، وليس هذا الذي يوصل إلى مقام الإحسان، ويعطي للحياة معنى، ولا يتم تحقيقه إلا مع الآخرين. عندما يستوطن المثل القائل، كل شخص لنفسه، ينهار المجتمع بأكمله، أو يصبح تابعا لقبيلة أو تيار أو نظام ...

الصحفي: ماذا عن الوهابية والسلفية؟
الشيخ خالد بن تونس: عندما ظهر محمد بن عبد الوهاب، في شبه الجزيرة العربية، في القرن الثامن عشر، كان العالم الإسلامي يرقد في سبات. كان يمكن أن نستفيق من خلال الوهابية. هو تيار صدمنا، وصدم أيضا عاداتنا في ذلك الوقت، بسبب تعنته، ورفضه حرية الفكر. وضع نظامًا يكون فيه رجل الدين، عنصرًا وسيطًا بين المجتمع المسلم والتنزيل. لقد أنشأنا وسطاء، قام الإسلام بحظرهم.
    فشلت نهضة القرنين التاسع عشر والعشرين في إعادة تنشيط التفكير الإبداعي. ربما كانت تتمركز على الغرب، مثال النجاح، وسارت على خطاه. كان أهل المعرفة في ذلك الوقت مهووسين بالنموذج الغربي، ونسوا نموذجنا الخاص، نموذج التوحيد. لقد حجبناه تمامًا. ولأن هذا النموذج الغربي لا يمكن أن يناسبنا، فقد كنا كمن أصابه الضمور. لقد أنجزنا أشياء، ولكن في اختلال كبير، بالنظر إلى أحوالنا، والرسالة التي تلقيناها، والميراث الذي كان بين أيدينا. لم نعرف كيف نعيد ونحفز هذه الفلسفة القائمة على الدائرة وليس الهرم. يقدم النظام الهرمي للنخبة في القمة إمتيازات، على حساب القاعدة التي هي الشعب. وهو عكس نظام الدائرة، حيث يتواصل الجميع في تآزر، ولا يوجد الأول والآخر. فلسفة تجعل كل فرد في هذه الدائرة مسؤولًا عن حمل الآخرين. فلسفة الروابط، التي لا مكان لها بين الوهابيين أو السلفيين. في المفهوم ذاته، قامت الوهابية والسلفيون ببتر المجتمع الإسلامي من ذاكرته الجماعية، من تاريخه. وبالتالي فقد قوضت أسس المبنى الذي  بدلا من أن يرتفع، بدأ شيئا فشيئا في الإنهيار.

الصحفي: يشهد بلدنا موجة من العنف بجميع أشكاله في السنوات الأخيرة. لماذا؟
الشيخ خالد بن تونس: كلنا نسعى للسلام، وإننا نعرف كيف نصنعه. ويعود السبب إلى أننا جعلناه أمرا خارجا عنا، وليس في بواطننا. بادئ ذي بدء، ينبغي أن نصنع السلام مع أنفسنا، باستعادة الثقة بالذات، والطمأنينة في عائلته، ومع جيرانه، والكيفية في أداء صلاته، وخصوصا في نظرته. كل إنسان بحاجة إلى نظرة واضحة، تحفزه للقيام بالعمل. كما جاء في الحديث النبوي الشريف "إنما الأعمال بالنيات". فمن بواطننا يصدر النور، الذي يرشدنا إلى العمل. بالإضافة إلى ذلك، عندما نجعل السلام شأنا باطنيا، فإننا نؤكد على إسم من أسماء الله الحسنى. فأسماء الله الحسنى و منها السلام، هي طاقات. وبفصله عنّا سيتحول السلام إلى علاقة بين طرفين. ويصبح تحقيق السلام بعد ذلك، في أن لا نتواجد في الحرب، ولكن يبقى الحذر من الآخر قائما. ليست حربا معلنة، وليس سلاما أيضا. نكون راكدين في تلك العدوانية وذلك العنف، فلأننا غادرتنا السكينة. وحتى عندما نتحقق بالكامل، و نتحصل على الوسائل المادية وعمل مجزي، نبقى نفتقر إلى عنصر أساسي، هو السلام.
    عندما نختلط مع الآخرين، نكون في موقف دفاعي. إنه ضغط دائم. ولا-سلام هو الشعور بالضيق. نشعر بالإبتئاس. والشيء الذي يسمح لنا بالقيام بهذا العلاج ضد هذا الشر الداخلي، تم استبعاده، واعتبر جانبيا. ونقوم على تأنيب الآخر. إنه دائما خطأ شخص آخر، فمهما حدث، هو المذنب. والمدرسة هي السبب، والمجتمع، والغرب، والمسيحيين، واليهود، والإله. إنها القدرية. نحن لا نتساؤل أبداً، ومع ذلك فأفقيتنا هي في موضع التساؤل دائم، الذي يعيد إلينا توازننا. في غياب العلاج التحليلي الذاتي، يتم تقييدنا في نظام مهين. نفقد هويتنا، وفخرنا في أنفسنا، وثقتنا في أنفسنا. سنقوم فقط بالسباحة عكس التيار. كالملاكم الذي لا يوجد أمامه خصم، سوى كيس اللكم.

الصحفي: تطالب بعض الأصوات بتطوير القرآن. هل من الممكن؟
الشيخ خالد بن تونس: دائما، لقد يقم القرآن إلا بالتطور. كان يكشف أسراره في كل لحظة، لأولئك الذين يقرؤونه ويعيشونه من خلال آياته. لا نكون نفس الشخص، في سن 20 أو 30 أو 50 أو 70 سنة. تتغيّر قراءتنا وفهمنا للآيات القرآنية، تزامنا مع تطورنا في الحياة. القرآن حي. تتغير الرسالة التي ينقلها إلينا، من خلال التجربة التي يتلقاها منا. من بين أكثر من 6600 آية في القرآن الكريم، توجد 300 آية فقط، تتكلم عن الشريعة. لم نعتبر إلا هذا الجزء من الكتاب المنزل، لنحصره في العبادة. لقد نسينا أن القرآن جاء ليقدم أجوبة، على تساؤلات الإنسانية .تساؤلٌ وردٌّ حقيقي. في القرآن كل شيء حيوي. توجد العديد من السور تحمل أسماء كائنات حية، مثل سورة الفيل، والنمل، والنحل، والبقرة، والشمس، والقمر، والنجم، والنساء. كل شيء يتكلم في القرآن. حتى الوحي الإلهي لم يقتصر على الرجال.
    حتى النساء تلقت الوحي، كالسيدة مريم، وأيضا أم موسى، التي كانت امرأة عادية في عصرها. وحتى الحشرات، مثل النحل، وأيضا الأرض قد أوحي إليها. إن القرآن كله وحي، قمنا بتقديسه، عن طريق جعل مسافة بيننا وبينه، وبين ما يحويه. إن القرآن الكريم جوهرة، لا نستخدمها.

الصحفي: في مبدأ الوحدة والتطور، ما هي المكانة التي ينبغي أن تحتلها المرأة اليوم؟
الشيخ خالد بن تونس: إن مكانة المرأة في المجتمع أمر أساسي. فهي تحمل الحياة وتتطور في سياق اجتماعي مهني، حيث تتنافس مع الرجل، الذي يمتلك السلطة السياسية والمالية والاجتماعية والأسرية. فمكانة المرأة حاسمة في إدارة مجتمع اليوم. يجب عليها أن تحرس على توازنه، وتطالب بمكانتها وليست مكانة الرجل. تطالب بحقها الشرعي، بصفتها حاملة الأنوثة والخصوبة، وأمل الحياة الذي تحمله. إن حمل الحياة، هو حمل أمل التغيير.
    على مر التاريخ، يمر مستقبل الإسلام، بعودة إلى الكرامة والشرعية، من خلال العودة إلى الحقوق الأساسية، التي ينبغي أن يمنحها الرجل للمرأة، كي تحتل تلك المكانة الأساسية، حقها الشرعي في المجتمع، بحيث هي السبب الرئيسي، في تطوره أو انحطاطه. لذلك، ينبغي، أن تبحث وتطالب بنفسها، بحقوقها التي منحها إياها الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقامت الأفكار المتخلفة للرجل بحرمانها منها..

الصحفي: ماذا تقصد بتسويق الإسلام، وهو مصطلح جديد، كنت تتحدث عنه مؤخرًا؟
الشيخ خالد بن تونس: إن تسويق الإسلام هو مصطلح مذهل. نعتقد بأننا نفعل الصواب، بقولنا أن الإسلام هو أفضل دين، وشعارات أخرى، في حين أننا نسيء بدون قصد، إلى هذا الدين. ننسى أن الإسلام ليس هو الهدف، بل التوحيد. هذا الدين ليس سوى طريق، نحو هذا الهدف الأسمى. لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أبداً أنه أعاد ديناً جديداً. حتى القرآن لم يذكره في أي من آياته. إنه دين جميع العصور وجميع الأنبياء. إن رسولنا صلى الله عليه وسلم هو الدائرة التي تربط وتكمل جميع الرسائل التي جاءت قبله، والتي غرضها هو التوحيد. لذا فإن التسويق والتمجيد هو خطأ، وفي حالة عدم فهم معنى هذا الدين، يعد انتهاكًا خطيرًا.
    إن قول "الله أكبر"، قبل ارتكاب الهجمات، هو مجرد انحراف. إن اقحام الله عز وجل في صراعاتنا، ونجعل منه شعار حرب، هو مجرد حماقة. هذا التسويق الخطير أوقع في شباكه الكثير من شبابنا. ويستند على قاعدة "لا تفكر، نحن نفكر في مكانك"، وتطور هذا التسويق، من خلال كتب حررت لهذا الغرض دينا مفهرسا. تفكير جاهز وصلاة جاهزة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق