الخميس، 30 مايو 2019

إن حصر تفسير القرآن في الأوائل هو عائق حقيقي

الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلاوية، وباعث اليوم الدولي للعيش معا في سلام


إن حصر تفسير القرآن في الأوائل هو عائق حقيقي



  
    نحن من نفس الماء. بهذه العبارة أدخل الشيخ خالد بن تونس للبشرية، اليوم الدولي للعيش معاً، الذي يحتفل به في 16 مايو من كل عام. في هذه المقابلة، يتحدث إلينا هذا الزعيم الروحي، والشيخ الرابع والأربعون للطريقة الصوفية العلاوية الدرقاوية الشاذلية، وهي سلسلة روحية غير منقطعة، تصل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ طويلا عن علاقتنا مع الله والقرآن.

- من خلال الأفكار المروجة اليوم، فإن صورة الإسلام والله عز وجل، قد طرأ عليها تغيير. إن الله يخيف. هل هو غرض الدين والقرآن أن نعيش في خوف؟

    بالتأكيد لا. فالعلاقة التي ينبغي أن تنبني بيننا وبين الله عز وجل، عليها أن تكون قائمة على التعبد وليس على الخوف. إنه لأمر خطير، أن تنقل هذه الأفكار من خلال الاعتماد على الآيات التي تتحدث عن الجحيم. لسوء الحظ، يقاد الناس الآن، من خلال الخوف. لقد أُجبروا على الاعتقاد بأن الله، بإسمه تعالى الصبور، ينتظر أدنى خطأ للناس، حتى يرسلهم إلى الجحيم. وقائمة الأخطاء والخطايا التي يذكرونها لا حصر لها. مع ذلك، جاء في القرآن الكريم، أن الله قد زيّن لنا بحب، الأشياء التي نرغب فيها (الآية 14 من سورة آل عمران)، وسمح لنا أن نأكل الطيبات، التي رزقنا إياها (الآية 81 من سورة طه).

    إن معنى الأكل هنا، أوسع بكثير من معناه الحرْفي. الشيء المحرم هو الطغيان. وضع الله فينا كل الاحتمالات والمعارف، وجعلنا مسؤولين، حتى نعيش في توازن. كل من يحمل الآن، صورة مظلمة عن الله والإسلام، فهو يعاني من مشكلة نفسية. إنه في غاية البعد. لو كان يعيش في توازن، لكان واثقًا ومطمئنا. المحبة ليست ذنبا. والمال أيضا. لماذا نخاف الله وهو خالقنا. لقد منحنا الله كل الحريات، لاستخدامها في هذه الحياة، ولكن كل شيء يكمن في الميزان، في مفهوم الإنصاف الدائم والتوازن.

- من الشائع اليوم، أن الأجيال الحالية، لا تملك القدرة على تفسير القرآن. لذا، من الأفضل أن يواصلوا باجتهادات علماء القرون السابقة. ماذا تقول؟

    و لكن لماذا؟ إنه عائق حقيقي في حصر تفسير القرآن وفهمه، على الأجيال السابقة. كيف يمكن للمرء أن يقول، أن إنسان اليوم، غير قادر على فهم رسائل القرآن، واستعمالها في صالح حياته وروحانية، بينما كان قادرا على الصعود على القمر؟ فيما تتفوق علينا الأجيال السابقة؟ هل كانوا يملكون عقلين؟ علاوة على ذلك، لم يزعم أي من هؤلاء العلماء والأئمة أن الحقيقة محصورة عندهم.  فالنص القرآني أبدي، وليس تفسيره.

    سيقضى عليه، إن قيدناه في الإجتهادات التفسيرية لفلان أو فلتان. وإن جهود هؤلاء الأشخاص هي نفسها جهودنا. تساءلوا. ونحن أيضا تساءلنا. حاولوا إيجاد إجابات. إجاباتهم ليست من القرآن. إن استشارتها جيدة، بل وموصى بها، ولكن بعين ناقدة، تأخذ في الاعتبار، السياق الحالي للأشياء. إذا لم نستخدم نهجنا التحليلي، فما الفائدة من الذهاب إلى المدرسة ومن ثم إلى الجامعة؟ إذا وجد هؤلاء الأئمة والعلماء أجوبة غير قابلة للنقد، ولا تعوض، فليس من المجدي أن نحاول تعلم القراءة والكتابة، ونعكف على إعادة حرفيا، ما قالوه بالضبط.

- هل لدينا الحق في انتقاد هذا التراث، الذي بُجل بالتقريب، بنفس القدر الذي بُجل به الكتاب الكريم، وتقديم رؤيتنا الخاصة وتفسيرنا الخاص للقرآن؟

    تماما! نحن في القرن الحادي والعشرين، وكلما ابتعدنا في الزمن، كلما أصبح هذا التبجيل هو القاعدة. كلما اقتربنا من المنبع، كلما لاحظنا روح الإنفتاح، لدى مفسري القرآن الأوائل، التابعين.

    لقد أجرى هؤلاء تحقيقا حول القرآن، لا يمكننا اليوم، الإتيان بمثله. هناك استثناءات، لكنها تظل مهمشة. لقد فقدنا حسنا النقدي، وأصبحنا مجرد منتجين لأفكار الآخرين. الآخرين الذين قد يكونون أشخاصًا غريبين عن الدين، لكنهم يبذلون جهودًا في حدود التفاهم، أو أصوليين ضد أي تغيير، حتى الإيجابي. وإن قبول هذا التيار الأخير، أمر لا يمكن تصوره. إنه شبه إنكار لعقلنا البشري. وإلا، لماذا أعطانا الله وظيفة التفكير.

- ماهي العلاقة التي ينبغي أن تكون بيننا وبين الكتاب الكريم؟

    هناك طريقتان لرؤية القرآن. إما أنه نص يرجع تاريخه إلى القرن السابع، موجه إلى أهل تلك الفترة، وبالتالي يصبح نصًا تاريخيًا يهدف جيل ذلك العصر. وإما أنه نص إلهي أبدي، موجه إلى جميع الأجيال، في جميع العصور. الأمر متروك لنا لاختيار طريقة النظر في الكتاب الكريم. إما نبجله إلى درجة عدم الاقتراب منه، ونتيجة ذلك، نبتعد عنه. أو على العكس من ذلك، نقربه منا ونعتبره حوارًا ودعوة أبدية ومستمرة، تأتي مباشرة من عند الله سبحانه وتعالى.

    الله حي، وكلمته ورسالته أيضا. القرآن نور، وهدفه الأساسي تنويرنا، ويكون لنا دعما، في التمييز بين الخير والشر. علاوة على ذلك، نجد من بين أسماءه "الفرقان". يدفعنا القرآن دائمًا إلى التساؤل عن أنفسنا وعن الخلق. في القرآن، يكلمنا الله، ويجعل الكثير من المخلوقات تتكلم، مثل الأرض والطيور والسماء والنملة. جميع الجهات الفاعلة في الكتاب الكريم تتكلم، حتى التي لا تتفوه بالطريقة العادية.

    القرآن لا يحتاج إلينا، ولكنه بالأحرى نحن الذين يحتاجون إليه كنبع للنور. نور للروح والقريحة والعقل. القرآن ليس كتابًا مخصصًا فقط، للشعائر العقدية والدينية. من بين 6236 آية يحتويها، هناك 350 آية فقط، مكرسة لهذا الجزء من الدين. دعونا ندرك الغباء الذي نصنعه. إذا ضمنا جميع القرآن في جزء واحد، لم يبلغ العشر، ماذا نفعل بالباقي؟ القرآن ليس كتاب تاريخ. انه لا يعطي التواريخ، ونادرا ما، أسماءا. هذا يعني أنه يعطي المثال فقط.

    قصة أهل الكهف، بعيدة عن كونها قصة بسيطة. تتحدث عن القيامة نعم، ولكن أيضًا عن شيء آخر أكثر عمقًا. إنه بالضبط عندما ندرك الحقيقة، نقبل بأن نعيش حتى معزولين عن ذوينا، وحتى محبوسين، حتى اليوم الذي يتعرف فيه الجميع على هذه الحقيقة. ليس لهؤلاء الأشخاص أسماء، وهناك شك حول عددهم. لماذا؟ لأن هذه التفاصيل ليست مهمة، بل هي الرسالة التي وراء القصة، وليس القصة نفسها.

    هذا هو الحال، بالنسبة للقصص الأخرى المذكورة في القرآن، مثل قصص الأنبياء والمرسلين. في سورة يوسف، لم تذكر أسماء إخوان نبي الله يوسف عليه السلام. لم يثر مكان محدد، كانوا يعيشون فيه. القرآن لا يهتم بالمكان. هذه التفاصيل التي لدينا اليوم حول هذه القصة، تأتي من جهة أخرى، وليس من القرآن. يهتم القرآن بجوهر الأشياء. بالفعل، فإن كلمة آية تعني مثال. من خلال الكتاب الكريم، يدعونا الله سبحانه وتعالى إلى استخلاص جوهر ما نقرأه، لدمجه في حياتنا.

- في النهاية، ما هو المطلوب لفهم القرآن؟

    قبل كل شيء، نحن بحاجة إلى سبب منطقي، وليس سببًا غير معقول، الذي يأخذنا إلى طريق خاطئ. بعد ذلك، يجب على المرء أن يفهم السياق التاريخي الذي جاء فيه القرآن. بمجرد الانتهاء من ذلك، تتضح ثلاث طرق لمقاربة الكتاب الكريم.

    في الأولى، هو جعل الأمر مقدسًا، إلى درجة قراءته بأحسن طريقة ممكنة، ولكن دون محاولة فهم الرسائل. في الثانية، أنا مؤمن، مثل الذي يقرأ القرآن بدون فهم. ومع ذلك، أعتبره نبعا غير منتهيا، يغذي ضميري، ويدعمني في سعيي وتطوري، في اليومي. في هذه الطريقة، لا أقرأ القرآن في الماضي، ولكن في الوقت الحاضر، كما لو كان موجها إلي. يصبح كتابًا شخصيًا يتحدث إلى القارئ. يصبح مثل الماء والغذاء للجسم، ويمثل القرآن جوعا وعطشا آخر للروح. روح تحتاج إلى غذاء من نبع مقدس يروي الإيمان. والطريقة الثالثة، هي للأشخاص الذين نالوا معرفة زمانهم. رؤيتهم للقرآن هي شيء آخر، وتأخذ في الاعتبار المعرفة المكتسبة. عندما يقرأونه، يقومون بمراجعة تاريخ البشرية، باستخدام سيناريوهات تتبع مراحل تكوين الضمير الإنساني. موسى وفرعون وجميع الجهات الفاعلة الأخرى، تعرض تأسيس جزء من الإنسانية.

    هذا النوع من القُراء، يستخرج من القرآن شيئًا آخر، غير مواصفات القارئَين الآخَرَين. نحن نحترم المواصفات الثلاث، ولا يُسمح بأي حال من الأحوال، أن تمنع مواصفة الأول الآخرَين، من اعتبار القرآن منبعا للنور في أرواحهم. القرآن هو تنزيل إلهي. ينبغي اعتباره كذلك، بالطبع، هو هنا لأجلنا، وبشكل يومي. ليس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، سوى رسول هذا الوحي، ولكن المتلقي هو كل واحد منا. إنه حوار مستمر بين الخالق ومخلوقاته.

- إذا كان القرآن منبعا للنور، فكيف تفسر ظلامية المتطرفين؟

    السبب الوحيد هو التفسير الحَرْفي. مثل قول، أن الله لا يحب المرحين. غير صحيح على الإطلاق. في القرآن، هناك العديد من الكلمات والآيات التي تحفز القارئ على النظر في معناه المجازي. إن البقاء في التفسير الحرفي، يعني عدم الانتقال من خطوة القراءة الأولى، التي تعتبر هذا الكتاب مبجلا، إلى الحد، أنه يتلقى كما هو، دون التكلف بفهمه.

    قال صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، لو شئت لأوقرت أربعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب. كان الأصوليون والمتطرفون موجودين دائما. يجب أن نأخذ هؤلاء الأشخاص كنقطة إيجابية، ونعتبرهم دافعًا يدفعنا إلى التعارض مع تفكيرهم. يجب اعتبارهم بمثابة تنبيه، لنهج لا ينبغي سلوكه.

- وصل مؤخرًا ما يسمى بـ "الدينيين"، على استوديو تلفزيوني، إلى حظر استخدام التقنيات الجديدة، بما في ذلك "يو توب"، والشبكات الاجتماعية، عن الشباب. بالنسبة له، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، سيمنع ذلك لو كان بيننا. ماذا تقول؟

    هل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم تكن هناك ثغرات صغيرة يمكن للمسلمين أن يفوتونها؟ بالنسبة لي، فإن ذلك النوع من الأشخاص ينكرون أنفسهم، ويعانون من مشكلة خطيرة. إن التحدث نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مجرد حماقة. من يعلم ما إذا كان محمد صلى الله عليه وسلم، كان سيستخدم هذه التقنيات الجديدة أم لا؟ لماذا الإنحشار في قضية مثل هذه؟

    استخدم النبي صلى الله عليه وسلم، الوسائل التي كان يمتلكها في ذلك الوقت. ارتدى ثياب تلك الفترة، وأكل ما كان موجودا أيضًا. ونفس الشيئ بالنسبة للعلاج. كل شيء مرتبط مع وقته. في قانون الأفقية، نحن مقيدون بعصرنا ولحظتنا، بكل ما يوفره من إمكانيات. لكن السؤال الرئيسي، ليس هذا.

    هدفنا الرئيسي هو التوجه نحو العمودية والبقاء فيها، والحفاظ على القيم التي جلبها لنا القرآن. إن الكتاب الكريم مختلف اليوم، عما كان عليه قبل 14 قرناً. لكن الرسالة هي نفسها: إنها تقريب الإنسان من الله عز وجل، وبالتالي تقريب الإنسان من الإنسان. إن التوجه نحو التسامح، وقبول الآخر، ونشر الخير في البشرية جمعاء، هي الرسالة الأساسية للقرآن الكريم.

- ماذا عن هذه الآية التي تقول أن الله لا يحب المرحين؟

    عند قراءة القرآن، يجب ملاحظة من تكلم. إذا كان هو الله عز وجل أو أحد الممثلين المذكورين في الكتاب. وإلا فإن الله يحب أن يرانا سعداء. ومع ذلك، ينبغي أن نبقى دائما في تواصل معه في جميع أحياننا. يقودنا هذا التواصل العمودي مع خالقنا إلى التدبير في مشاعرنا، واجتناب الإفراط. إنه يعطينا استقرارا ونسبية، تسمح لنا بتجاوز جميع مراحل الحياة، الطيبة أو الضنكة.

    إنه هذا التحكم في الأحداث، التي جاء بها القرآن ليغرسه فينا. بالنسبة لي، من الخطأ بمكان، التوجه للبحث عن أدلة علمية في القرآن الكريم. بالنسبة لي، من غير المفيد البحث عن إعجاز في القرآن، لأنه هو في حد ذاته معجزة. أي محاولة للبحث عن معجزات، لإثبات أنه كتاب مبجل وإلهي، يوحي أن لدينا شكوك، نريد تبديدها.

    من ناحية أخرى، فإن الشيء المفيد، هو تقديم عرض للقصص المقتبسة في القرآن، حول عصرنا. سأذكر على سبيل المثال، قصة النملة وجيش سليمان. هذا الأخير توقف وغير اتجاه جيشه بأكمله، فقط من أجل نملة. ماهو الجوهر الذي نستخلصه؟ الحفاظ على الحقوق حتى الصغيرة منها، ولو في حالة الحرب.

    لكل شخص الحق في أن يتكلم ويستمع إليه، وأن يُحمى. يكفي أن تقرأ، حتى تكتشف رسائل مذهلة. وإن منع الناس من فهم واستخلاص استنتاجاتهم وقراءاتهم الخاصة من الكتاب الكريم، يعني قطع الروابط بين الله عز وجل وبيننا، وتقييدنا بالرسائل التي فهمتها الأجيال القديمة. هؤلاء الناس، مثل ابن كثير الشهير، مدينون لنا، لكن اجتهاداتهم لا يمكن أن تكون المرجع الوحيد. هي مرجع من الآلاف من المراجع، بما فيها مرجعي. لقد وهبنا الله هؤلاء العلماء والمفكرين حتى تتواجد علاقة تبادل، وليست علاقة التابع والمتبوع.

- من خلال تبجيل كتب أسلافنا، لدرجة الخوف من إعادة النظر فيها، ألم نقع في نوع من الشرك؟

    لسوء الحظ. يدعونا القرآن إلى الإنفتاح أمام العالم، من خلال هذه الآيات وقصص الإنسانية. لم يكن هناك أي مقصود في حبسنا في أقوال وأفكار العلماء وأئمة القرون الماضية. حتى أن هؤلاء لم يقولوا أن اجتهادهم لا رجعة فيه.

    على العكس من ذلك. كان لدى الأجيال الماضية هذا الشعور بالنقد والبحث. في هذا المعنى بالتحديد، وجدنا في مدينة تلمسان مخطوطات مكتوبة في القرن الثالث عشر، تقول أنه كان يدرس في المسجد القديم للمدينة 17 مذهبا، من بينها مذهب لإمرأة. 17 مذهبا كان يدرس، في حين ينتشر اليوم سوى أربعة، ولا يعطى حقها في التدريس. وهذا يعني أن التفكير النقدي قد اختفى في الوقت الحاضر فقط. لا أتكلم على أساس القصص التي تم سردها، بل بالأدلة. هذه مخطوطات موجودة، وتتحدث عن تيقظ الأجيال التي سبقتنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق