الأربعاء، 8 يناير 2020

المؤتمر الدولي التراث الإسلامي معنى وجوهر

المؤتمر الدولي
التراث الإسلامي معنى وجوهر



الملتقى السنوي للطريقة العلاوية

    منذ زمن أسس الشيخ خالد بن تونس لمؤتمر يقام نهاية كل سنة بأوروبا، يختار له موضوع معين، ويجتمع له منتسبو الطريقة العلاوية من مختلف بقاع العالم، يعكفون على تدارس مادته ويتناقشون، ويخرجون منه بنتائج وتوجيهات عملية، تفيد في الحياة العملية واليومية. ومنذ تأسيس الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، أصبح ذات اللقاء يجري باسمها، وفي كل عام تستقبله مدينة أوروبية، تقام على أرضها مجريات اللقاء. وظلت مدينة بروكسيل البلجيكية لمدة طويلة تحتكر التنظيم، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت تتداول عليه مدن أوروبية عدة، فمثلا في السنة الماضية نظمته مدينة مرسية بإسبانيا، واختير له موضوع "الأندلس أرض العيش معا، بين الخيال والحقيقة"، وفي السنة التي قبلها، كانت مدينة "كان" الفرنسية التي استقبلت وفود المشاركين، في مؤتمر نهاية السنة للطريقة العلاوية. ولأول مرة في تاريخه، يخرج هذا المؤتمر من الديار الأوروبية، وكان الحظ لمدينة الحمامات التونسية، كي تتشرف بتنظيمه.



    جرى في الفترة الممتدة من 27 ديسمبر 2019 إلى الفاتح يناير من عام 2020، بالضبط في فندق "غولدن توليب" بمدينة الحمامات التونسية، المؤتمر السنوي، التي نظمته الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة غير الحكومية الدولية "عيسى". جمع اللقاء أكثر من 500 مشارك، قدموا من قارات أوروبا وأمريكا وأفريقيا، وحتى من آسيا وأمريكا الشمالية، ليشهدوا منافع لهم، ويشيدوا لبنة تاريخية من لبن مشروع أريد له، أن يساهم في إحياء التراث الإسلامي بنمط ونهج تجديديين، وتراث يبرز معناه وجوهره للإنسانية في حلة متجددة، بعدما اعتراه التحريف والتغييب القسري، وما يتعرض له من تهجم وتدمير. جرى اللقاء في شكل ملتقى خصص للشباب في سن (18 ـ 25) سنة، انظم إليه حوالي 200 شاب، ومؤتمر يحضره جميع المشاركين. يسمى هذا المشروع "أَحد"، واختير هذه السنة العنوان "التراث الإسلامي، معنى وجوهر"، ليبرز أساسات هذا المشروع، الذي ستظهر نتائجه على المدى المتوسط والطويل، وهو عمل ضخم، أريد أن يكون هذا الملتقى انطلاقته الفعلية.


انطلاقة المؤتمر


مشروع أحد: التراث الإسلامي، معنى وجوهر




    في أعقاب هذا المشروع "أحد"، وكمرحلة من مراحله، تم عقد هذا الملتقى للشباب، الذي يمثل استمرارية للعمل الذي جرى في الصيف الفائت في فرنسا والجزائر، حيث تم تنظيم جامعتين صيفيتين، نقبت في معالم هذا البحث. فما الداعي إلى هذا المشروع؟

    يسعى مشروع "أحد" إلى تسليط الضوء على ثراء ووحدة التراث الإسلامي، كما يعمل على إتاحة المجال للجمهور العريض للإطلاع على المصادر والتعاليم غير المعروفة أحيانا في التقاليد والثقافة الإسلامية. والهدف من ذلك هو تبليغ رسالة ثقافة السلم للأجيال الجديدة، حتى يتسنى لهم العيش وبناء مستقبلهم الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر. وهل هو ضرورة ملحة؟

    في عالم متأزم في أوج تحوره، يطمح مشروع "أحد" في المساهمة في بزوغ أمل جديد، من خلال الأهداف التالية:

  إظهار الإمكانيات المكمونة في التراث الروحي في تقديم إجابات على التساؤلات والإهتمامات المعاصرة.
  إعادة الإعتبار لصورة الإسلام الحر والمسؤول.
  تغيير مقاربتنا للمشاكل السلبية ليستنبط منها الجانب الإيجابي.
  تثبيت مبدأ التوحيد كوسيلة لخلق صلات  بين بني الإنسان والمخلوقات الأخرى.

     ولكن كيف يمكن التقريب بين أوجه قوتنا وسلطاتنا ومعارفنا وأصولنا وإراداتنا؟ إن لم يكن عن طريق الاستثمار معا في مشروع: بناء دار السلام، التي أساسها في المقام الأول، هو ثقافة السلام تحت أسوار التوحيد.

    هو حلم، كما يقول البعض، وطوباوية، ولكن، ألا يكمن التحدي في تحويل هذا الحلم إلى حقيقة؟ إنها مهمة برهانات كونية، وضرورة بالنسبة لنا وللأجيال القادمة. إنها التزام مواطنة ورؤية مشتركة وإرادة للعيش معا بشكل أفضل، وأن نعرف بعضنا، ونعترف ببعضنا البعض بشكل أفضل، في مدننا وبلداننا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا.

    إن العيش معا يقصد تعزيز رؤية مشتركة لمجتمعنا المصيري، وتمكين مؤسساتنا من الإنخراط في حركة معترف بها محليا ووطنيا ودوليا. وإنه تعزيز للقيم الجوهرية، التي يطمح إليها جزء كبير من البشرية: التعددية، والإنصاف، والعدالة، وقدسية الحياة، واحترام البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي.

    إنه العمل بالتآزر بإجراءات ملموسة، من أجل ازدهار كل فرد، مع الإحترام الأخوي للإختلافات.

    إنه الوقاية من التطرف والإرهاب الذي يزدهر على مرتع الظلم واللامساواة. والتعامل مع هذه المسألة برؤية أخرى غير المقاربة الأمنية.

    إنه إعطاء روح للعولمة والسهر على الحفاظ على جوهر الكائن البشري: فضائله وجوده وأخلاقه. فمستقبله يعتمد على ذلك.

    إنه في النهاية توفير تعليم يحفظ ثراء التنوع الثقافي للصلات الإجتماعية، من أجل "عيش معا أفضل"، الذي يصالح بين مجموع الحي.


فعاليات الملتقى

    انطلق المؤتمر الدولي في موعده، وأخذ الكلمة في البداية السيد حميد دمو، رئيس الجمعية الدولية الصوفية العلاوية "عيسى"، والسيد اسماعيل سلمى، عضو جنة العارف، اللذين رحبا بالحاضرين، وأبرزا أهم محاور اللقاء على مدى أيام المؤتمر. جرى هذا اللقاء في شكل ملتقى يحضره الشباب، وهم المكلفين بإعداد بيانات الورش العملية، حيث يدخلون شبه تربص مغلق، يعكفون فيه على الدراسة والبحث والتنقيب، وتلك هي متطلبات مشروع أحد، الذي أطلقه الشيخ خالد بن تونس. كما اتخذت باقي فعاليات اللقاء شكل مؤتمر، حضره عموم الحاضرين، الذين فاق عددهم 500 مشارك، قدموا من مناطق شتى من العالم.

    خلال هذه الأيام الأربعة، تعرف الشباب المشارك في الملتقى على منهجية البحث والإنتاج في مشروع "أحد"، من خلال ورشات عمل موضوعاتية مشتركة وتفاعلية، وتم مرافقتهم أثناء القيام ببحوثهم. كما أتيحت لهم فرصة تقاسم وتبادل أعمالهم وتجاربهم ونتائج بحوثهم في جلسات علنية مع جميع المشاركين. في الأخير تم إطلاق نداء لكل الراغبين المزودين بثراء هذا اللقاء، وبرؤية ومنهجية مشروع "أحد"، للمشاركة في المشروع والإنضمام إلى الفِرق المشكلة.


    بالإضافة إلى تلك الورش، تأسست في الملتقى ورشة تربية للسلام، التي نظم أصحابها مائدة مستديرة، أسهبوا فيها في الكلام عن علاج النفس، ودَور دُور السلام. لم ينسى صغار السن، فعملت  ورشة علاج النفس لصالح الأطفال في سن (3 -6) سنوات، وورشة لسن (6 -12) سنة، وأخرى خاصة بالمراهقين، مع لعبة جزيرة السلام. كانت تكمن بيداغوجية هذه الورش في التربية عن طريق اللعب للأطفال. توزع الشباب المشارك في الملتقى على خمس ورش علمية وهي:

    ورشة العمل الأولى، أسباب النزول: في ثمانينيات القرن الماضي، وفي إطار نشاطات معهد ألف، الذي أسسه الشيخ خالد بن تونس في فرنسا، أطلقت مجموعة من الشباب، تقنيي الحاسوب، مشروعا يتمثل في تجميع وتصنيف كل السنة النبوية المتعلقة بأسباب النزول في شكل بطاقات، والتي كانت تهدف إلى فهم الأسباب والسياقات التي نزلت بها بعض الآيات القرآنية. إن الهدف من ورشة العمل هذه هو تصنيف هذه البطاقات ورقمنتها وفقا لمنهجية، تتيح لنا اكتشاف هذا العلم، الذي يبين أن الوحي القرآني كان ينزل تبعا لتساؤلات الناس. للعلم فقد تم إحياء موضوع أسباب النزول في الجامعة الصيفية في أوت 2019 بمدينة مستغانم، وعكف الشباب في المنتدى الصيفي على البحث والتنقيب في جميع الآيات والسور القرآنية، التي تعني بأسباب النزول، ونفس الشبيبة تنقلت إلى تونس لاستكمال دراستها في الموضوع، والتحمت معها شبيبة من بقاع أخرى من العالم. في الجلسة العامة بتونس أثارت البنات الآية الكريمة "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا". تفاعل الجمهور مع هذا الطرح، وحاول إيجاد مقاربات، تسقط هذه الآية على زماننا.


    ورشة العمل الثانية، المشايخ الصوفية: فهي تسلط الضوء على مساهمة المشايخ الصوفية، ومدى تأثيرهم على المجتمع، ونطاق إسهامات تعاليمهم إلى اليوم، وذلك من خلال سيرهم الذاتية والسياق الجغرافي والتاريخي لزمانهم. إن الهدف منها هو توضيح العلاقة بين الرجال الذين بلّغوا هذا الميراث الروحي، وبين بيئتهم الدينية والروحية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية والعلمية والفنية.. سيوضع تحت تصرف الشباب جدول زمني، بهدف إثراءه، ويمكنهم من خلاله تحديد تاريخ كل شيخ في محيط زمانه. في عرضهم أمام الجمهور اختار الطلبة شخصية الحلاج، وأثاروا مواقف من حياته، حتى بلغوا لحظة إعدامه.


    ورشة العمل الثالثة، الأماكن المقدسة: ورشة العمل هذه هي دعوة لاكتشاف جغرافيا وتاريخ وقدسية الأماكن المقدسة: مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف ومختلف المعالم المرتبطة بها. إن  الهدف هو تسليط الضوء على الدور الذي لعبته هذه الأماكن المقدسة حتى يومنا هذا، في نقل القيم العالمية للسلم والتقاسم والأخوة وقدسية الحياة. وكانت أم القرى مكة المكرمة من أجلى الباحثين بعض مناحي تاريخها، في الجلسة العلنية، أمام الجمهور.


    ورشة العمل الرابعة، أعلام النساء المسلمات: تقترح هذه الورشة إعادة النظر في تاريخ النساء البارزات اللائي لعبن دورا مهما في تبليغ الميراث الإسلامي. ويكمن الهدف وراء ذلك في التعريف بالنساء المسلمات المغيبات، وإسقاط "الحقائق الزائفة" المتراكمة حول موضوع المرأة حتى تتمكن من استعادة تاريخها وحقوقها وكرامتها. في الجلسة العلنية قدم الطلبة نموذج لحياة السيدة فاطمة الفهرية بانية جامع القرويين بفاس، وتعتبر إمرأة مغمورة، رغم ما لهذا الصرح من شهرة عظيمة، والعدد الباهض من العلماء الذين تخرج منه، خلال قرون.

    ورشة العمل الخامسة، إنتاج الوسائط المتعددة: تقترح هذه الورشة إنتاج أغراض وسائطية متعددة (صور وخرائط تفاعلية، التسلسل الزمني،..) لتوضيح الجوانب التاريخية للشخصيات. كما تقترح أيضا الإستمرار في دمج أغراض الوسائط المتعددة )التعليق، الصوت، الفيديو، البطاقات البريدية، الخرائط، الأغراض) التي توضح استكشاف حياة الشخصيات من خلال معاجلة سيرتها وعملها وفكرها وإساهاماتها في الإنسانية، وكذلك السياق السياسي والإجتماعي والإقتصادي للزمان والمكان الذي عاشوا فيه. وأيضا يتمثل الهدف في إنشاء نموذج وسائط متعدد وظيفي لاستكشاف شخصية الشيخ العلاوي، تم عرض التجربة في الجلسة العلنية يوم 31 ديسمبر 2019. تتوجه هذه الورشة إلى تقنيي الإعلام الآلي ومصممي الغرافيك ومصممي الويب ورسامي الكاريكاتير أو المهتمين بالصورة أو الصوت أو مقاطع الفيديو، وغيرهم بهدف تدعيم موقع تفاعلي "أحد"، سيتيح للجمهور التعرف على ثراء التراث الروحي الإسلامي. تتميز هذه الورشة بأنها تتلقى مختلف أعمال الورشات الأخرى، وتدخل برنامجها في الحاسوب، وتضبط تنظيمها.

    في مساء كل ليلة، كانت الشبيبة تعرض نتائج بحثها على العموم، وتليه أسئلة وأجوبة، واستفسارات، وفي عشية اليوم الأخير، يوم 31 ديسمبر 2019، عرضت نتائج بحوث جميع الورش، وختم اللقاء بسهرة روحية، طبعتها، كما هو منتظر، مذاكرة الشيخ خالد بن تونس الأخاذة، التي استمرت إلى بداية العام الجديد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق