الأربعاء، 8 يناير 2020

كلمة الشيخ خالد بن تونس في جلسة المائدة المستديرة التربية للسلام

المؤتمر الدولي التراث الإسلامي معنى وجوهر

كلمة الشيخ خالد بن تونس
في جلسة المائدة المستديرة
التربية للسلام


انعقدت يوم 29 12 2019، بمدينة الحمامات

... إنه العمود الفقري لهذا العمل، وتفعيل تفكير  منهجي، يوضح لنا الإشكالية التي نعيشها، إذا أعدنا قراءة التاريخ، وقمنا برحلة إلى الماضي، ووضحنا ذلك جيدا، ليس لمعرفة القصة أو التاريخ كما هو عليه، وإنما لاستخلاص من التاريخ ما ينفعنا اليوم في زماننا.. مهما كان التاريخ التشريعي. يتحدث هذا المشروع في الفروعيات والفقه والتاريخ، وربما يكون في المنطق وعدة مسائل. إن المراد منه هو أن نشرك شبابنا في علم وبحث يعطيه مجال يسمح له بخدمة وبنيان مجتمع يسوده الأمان والإنفتاح، ويتمتع برؤية. تطرقنا في البداية إلى الجانب الإسلامي، ومنه العالم الإسلامي، وما يعيشه اليوم، وإنما هي كل الإنسانية في حيرة، من أجل بنيان مستقبل مبني على العيش معا في سلام. ما هو الحل الذي ينفع الإنسانية في بنيان مستقبل مشترك؟

    إن عدد المسلمين اليوم أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، أو المنتسبين للإسلام. والله أعلم بالقلوب، ولكنهم منتسبين للحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية والدين الإسلامي. إن لهم وزن في بنيان المستقبل، والدليل على هذا، هو الصراعات والحروب التي نعيشها في زماننا، فهي تنذرنا، إن لم نجد حلا لهذه القضية، وسيبقى العالم كله يخوض صراعا دمويا وإلى الأبد. هل نشعر أن المستقبل سيمثل خطرا على أبنائنا، إن لم نزوده بأفكار وروح التجديد والتفكير والإنفتاح والتدبير ليعيشوا في عالم مستقر؟

    لا تطرح القضية على العالم الإسلامي فقط، بل على الإنسانية جمعاء. أي أمل سنمنحه لأبنائنا، يسمح لهم ببناء المستقبل الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر؟ للعالم الإسلامي ثقل كبير، في المجال السكاني، فعددهم أكثر من مليار ونصف المليار، وبموقعه الذي تقريبا يحيط بالأرض، بين خطي الاستواء ومدار السرطان، على امتداد الأرض. يقع العالم الإسلامي بالضبط في الوسط، ويتمركز بين الشمال والجنوب. إذن فالمستقبل يتوقف عليه، ليس فقط المستقبل الإسلامي، بل مستقبل العالم والإنسانية. لقد حان الوقت لكي نستيقظ وتكون لنا القدرة كي نقدم نظرة وتربية لهذا العيش معا في سلام. أعتقد أن النتيجة المستخلصة اليوم هي أن الفقه غزى حياتنا. هل هو حقا الفقه كما هو عليه؟ أو أنها أدلجة الدين، بحيث أن التلاعب بالدين ألقى بثقله وسبّب تأثيرا مدهشا، مما جعل هذا التراث الاسلامي العظيم يختزل في مبادئ سياسية تشريعية، انغلقنا داخلها. قدمت خدمتها في وقت ما، بدعوى التحرر من الإستعمار، بررناها بهذا. دعوى دفاعية. إن فكرة الدفاع مفهومة وإنسانية، بالنظر إلى الآخر، الذي يعتدي علي، فأنغلقُ وأرفض ما يجيئني من الخارج، كل ما يأتيني من الآخر أرفضه، خوفا من أن ينتهك ديني أو كرامتي، أو ببساطة حرية إعتقادي. ونحن سالكين هذا النهج، شيئا فشيئا، انغلقنا في مخبأ، مما جعلنا نفرغ الإسلام من حتى مجموع جوهره، جوهر الرسالة الروحية.

    إن الجوهر والمعنى في الفقه وعلوم الشريعة تحدي رئيسي. وقد بيّنا لماذا هذا التحدي رئيسي، فلأنه يعني الحياة اليومية. تمّ التلاعب بالناس والتضييق عليهم، فأصبحوا يطرحون أسئلة جد سطحية، لا تنبي عن نضج.. كيف أغتسل، كيف أنظف أسناني؟ ونسينا أن التعاليم جاءت لتوقظ الكائن النائم فينا، الكائن الروحي. على سبيل المثال، عندما أتوظأ، هل أتوظأ بغية النظافة، لأنقي جسدي، أو قمت بها حتى تسمح لي بالإنتقال من الدنيوي إلى المقدس. إنه أمر آخر. سمح لي الوضوء بالصلاة، وإنه ممر ووسيلة للنظافة تسمح بالإنتقال إلى الجهة الأخرى. من المعروف إلى المجهول. وعندما أنظف أسناني أو الفم أو الأنف أو الأذنين، أو مسح الرأس أو اليدين أو الذراعين أو الأرجل، أليس هذه أيضا طريقة..؟

    نحن نعلم اليوم أن النظافة العامة هي أكثر مما كانت عليه من قبل. إذا أرجعناها إلى عصرنا، فإنها ليست مسألة نظافة فقط، بل أكبر من ذلك، إنها مسألة التنظيف الباطني. عندما أنظف فمي ثلاث مرات، لماذا ثلاث؟ ولما لا مرتين أو خمس مرات؟ إنه تذكير دائم بشيء نسميه الفقه أو الشريعة، وإنه يدعونا إلى النبع. نقول شارع، شريعة، طريق(1). كيف أن لدينا شارع أو سبيل أو هدى، ونحن نعيش في ظلالة؟ لم نتمكن من إيجاد النبع. تعطشنا للمعرفة والعلم، وافتقرنا إلى السلام والمحبة والإخاء. أمر غير مفهوم على الإطلاق، في زمن نمتلك فيه الكثير من موارد التحقيق العلمية والتكنولوجية، ونحن خُفضنا إلى هذا الوضع؟

    شكرا لك(2)، وأتمنى إن شاء الله أن تُعلِّم آخرين، وينبغي مساعدته، مَن يمكنهم تقديم مساعدتهم، وسيكونون موضع ترحيب. وصلتنا هذه المعلومة اليوم، هي خبر إنشاء هذه الورشة العلمية. يوجد كل شيء للقيام به، ونطلب المعاونة في هذا المشروع، وخاصة الذين يملكون الكفاءة العلمية في الشريعة وعلوم الشريعة أو علوم الفقه، حتى تصبح هذه الورشة، إن شاء الله من الورشات الأساسية في بنيان هذا المشروع، مشروع "أحد"، والسلام عليكم، وبارك الله فيكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    من الورش المفتعلة في المؤتمر، كانت هذه الورشة، التربية للسلام، التي ألقى فيها الشيخ خالد بن تونس، الكلمة أعلاه.

(1). يشير أصل كلمة شريعة في الفقه إلى مصطلح الشارع أو الطريق.
(2). قالها متوجها إلى الدكتور عصام طوالبي من جامعة الجزائر، الذي قدم مداخلة قيمة في الموضوع، أثنى عليه الكثير ممن استمعوا إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق