الأربعاء، 8 يناير 2020

سياحته إلى سيدي بوسعيد

سياحته إلى سيدي بوسعيد


     في خضم فعاليات مؤتمر التراث الإسلامي، معنى وجوهر، بمدينة الحمامات التونسية، قام الشيخ خالد بن تونس، ووفود المشاركين في ذات المؤتمر الدولي، بزيارة مدينة سيدي بوسعيد التونسية، بدعوة من رئيس وأعضاء بلديتها. فكانت لهم الفرصة لزيارة ضريح سيدي بوسعيد الباجي، وهو من متصوفة القرن السادس الهجري، وتسمى بإسمه المدينة. كان في استقبال الشيخ ومرافقيه السلطات المحلية، وأطربت الجو فرقة العيساوة المحلية، بأناشيدها المطربة، متزينة بملابسها التقليدية.

    في دار بلدية سيدي بوسعيد، كان في استقبال الشيخ خالد بن تونس، وزير السياحة التونسي، السيد روني الطرابلسي، وألقى فيها رئيس البلدية كلمة ترحيب، أبدى فيها سعادته وامتنانه بأعمال الشيخ خالد بن تونس، وأعلن أنهم سيحتفلون شراكة، بعين المكان سنة 2020، باليوم الدولي للعيش معا. ثم أعطيت للشيخ الكلمة، فقال:

  شكرا لترحيبكم. إن ترحيب هذا المكان عزيز علينا، وذكرياته تعود إلى الماضي. زار جدي الأول هذا المكان سنة 1911، منذ أكثر من قرن من الزمن، وجدّي درس بجامع الزيتونة، فما أقوم إلا باتباع خطوات أجدادي، الذين تركوا لنا هذا التراث، من أجل تعزيز الأواصر، أواصر الإنسانية، بين بني آدم، مهما كان عرقهم أو دينهم.

    إن الإنسان قبل كل شيء ضمير، لا يُعرّف بلون بشرته أو لسانه أو دينه، يعرّف أولا بضميره. ماهي القيم التي يحملها، وماهي منفعته للإنسانية ولنفسه؟ تمر الإنسانية حاليا بأوقات صعبة.. وعلينا أن نرفع هذا التحدي. لأن اليوم، أكثر من ذي قبل، أصبح العيش معا أساس مستقبل الإنسانية، فالأجيال القادمة ستصادف مشاكل جسيمة: الإحتباس الحراري، التلوث، وتغيرات وتحورات تكنولوجية. إذن فهم أمام تحديات، لا يستطيعون حلّها، إلا بتوحدهم في تآزر، بتسخير معارفهم وصلاحياتهم والوسائل التي يتخذونها معا. لا يستطيع أي بلد ولا أي دولة، مهما كانت أن تواجه لوحدها مشاكل المستقبل. لا نستطيع مواجهتها إلا إذا كنا مجتمعين، و(نسخّر) المجتمع الإنساني وما يملك من حكمة. إن المنظومة الهرمية كما هي اليوم، لم تعد تعمل. يجب الإنتقال إلى منظومة الدائرة، والدائرة هي رمز المساواة، فكل النقاط التي تشكل الدائرة، هي على مسافة متساوية من المركز، وكل نقطة على الدائرة، تعتبر في الآن نفسه الأول والآخر، الأول بالقيم والفضائل التي يمكن أن يحملها...

    تمثل هذه الزيارة إلى تونس، بالنسبة لنا، عودة على خطى أجدادنا، وتعتبر شكلا من أشكال الحج، وأيضا مع كل هؤلاء الشباب، المتواجدين منذ عدة أيام بالحمامات.. إنها بداية عمل ضخم، حيث سيتم إنشاء قاعدة بيانات، سميناها "أَحد"، وهي قاعدة بيانات تراث روحي وعلمي، تمكن شبابنا في الغد، من خلال الشبكات الإجتماعية، الأنترنيت، بالتعرف على هذه البيانات (المعلومات)، وتسمح بالتعرف على الفلسفة والحكمة، لكل هذا التراث المقتسم مع مجتمعات أخرى، هنا وفي أماكن أخرى. يمثل هذا التراث الذاكرة، وإذا فقدنا هذه الذاكرة، فإن قطعة منا ستموت للأبد. يعتقد البعض أن مجيئنا إلى سيدي بوسعيد، جاء فقط لزيارة ولي صالح؛ لا. جئنا لاستجلاء أن هذه الأماكن هي حارسة تراث وتحافظ على تراث. تحافظ على تراثنا وذاكرتنا، وبمجيئنا عندهم فإننا نقوم برحلة تاريخنا الخاص، حتى لا نقع في طي النسيان. يمحو النسيان الذاكرة، ومحو الذاكرة يوقعنا شيئا فشيئا في جهل النفس، وإن المعرفة شيء يرفع الروح وتهدينا السبيل، وعلى الخصوص في الأوقات الصعبة، في ظلمات الليل، التي نقطعها في الحياة، في فترات الإمتحانات. كلما تعارفنا بشكل أفضل، كلما عرفنا تراثنا بشكل أفضل، كلما كانت لنا القوة للنضال وتخطي العقبات.

    نريد أن يقوم شبابنا، الذين هم في نظري مستقبلنا ورأسمالنا بتخصيب هذا التراث، ويعطونه معنى وجوهر، ويتعرفون عليه ويستكشفونه، ويكون لهم قاعدة بناء مبنى حياتهم. حياتهم الفكرية والروحية والزوجية، وحياتهم بكل بساطة.

    (وختم كلمته بالرجوع إلى السلام والعيش معا، فبدونه لا مستقبل للإنسانية). (في الأخير قدم تشكراته، قائلا).

                       الشيخ خالد بن تونس يسلم كتابه للوزير التونسي

    شكرا لكم سيدي الوزير، وشكرا سيدي رئيس البلدية. الشكر الجزيل لكل أهل تونس.. نتمنى لتونس ولأهل تونس ولحكومة تونس، إن شاء الله كل الخير. بالتوفيق والأمن والأمان والسلام، ولنجدد المحبة والعلاقة فيما بيننا، وفيما بين المغرب العربي، وفيما بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ما بين أوروبا والقارة الأفريقية، ما بين الشرق والغرب، على كل حال. نبدأ في تأسيس الدائرة، التي تجمع الجميع والسلام عليكم. وشكرا.

    بعده تناول الكلمة السيد الوزير، الذي أثنى على اللقاء، وقال:

    شكرا سيدي الرئيس، الشيخ خالد بن تونس، سيدي رئيس البلدية، مرحبا بكم. شكرا على الخصوص على دعوتكم. دعوتموني لزيارتكم بالحمامات، ولازدواجية عملي، إنها نهاية السنة، لديّ شغل كثير. تمنيت حقا الترحيب بك. كنت أعتقد أن مجيئي إلى سيدي بوسعيد، سيكون لتناول كأس شاي، أو جلسة في مقهى ديليس، ولكن في النهاية إنني أتواجد أمام هذه الشبيبة الرائعة، المتعددة الجنسيات. على كل حال مرحبا بكم كلكم. شكرا لتنظيم هذا المؤتمر بتونس، بالحمامات، مرحى لما تقوم به. شاهدت الكثير عن تنظيمكم، فالأمر مذهل. بالنسبة لي، كلما حضر العيش معا، فهناك شيء ما يقرصني. أنت أمام سفير العيش معا. العيش معا هو أنا.

    للعلم أن روني الطرابلسي، من يهود جزيرة جربة التونسية، وهي سابقة في البلد، لم تشاهد منذ سنة 1957، بأن تسلم حقيبة وزارية لشخصية يهودية.

   في الختام سلمه الشيخ خالد بن تونس كتابه التصوف الإرث المشترك، وقدم له توقيعا، ثم ترنمت الشبيبة الحاضرة، وهم فتيان الملتقى، بألحان شجية، وكلمات أنشدت للسلام والمحبة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق