الأحد، 17 يناير 2021

من عالم الفُرقة إلى عالم الوحدة 2

 

من عالم الفُرقة إلى عالم الوحدة (2)

 

    في سياق عالمنا الحالي، تتسارع وتيرة الأزمات وتتفاقم الخلافات، وتتسع عصبية رفض الغير في تشابك، لا يرحم بقدر أنه مرتبك. كيف يمكن تجديد الحوار وتجاوز الانقسامات والخلافات؟ كيف ننتقل من عالم الفُرقة إلى عالم الوحدة؟ كيف نصالح بين الأسرة البشرية؟

    في حوار شيق، اجتمع فيه الشيخ خالد بن تونس بالناشطَين النشيطين السيدين سيباستيان نيكولبيت، أستاذ الأدب واللغة العربية بالجامعة الحرة لبروكسل، وناشط جمعوي في المنظمة غير الحكومية الدولية AISA، وعمر بلعاري أستاذ اللغتين العربية والفرنسية.

    في نهاية السنة أجريا مع الشيخ خالد بن تونس حوارا منفتحا، أجاب عن أسئلتهما بصراحة، وقد نقلا عنه بعض التفسيرات والتوضيحات والتجليات، نستطلعها معهم. قسما نص حوارهما إلى فقرات، ولنتابع فيما يلي باقي الفقرات.

الشيخ خالد بن تونس وبجانبه الأستاذ عمر بلعاري

 

في حالة الإسلام

هل هي مشاركة في الوحدة أو انعزال

 

عمر: لو سمحتم، نريد أن نتطرق إلى الحالة الخاصة للإسلام، ما دمنا نتكلم عن الروحانية والتصوف. إذن، كيف نحقق الوحدة مادام أنه توجد في القرآن الكريم عبارات.. على سبيل المثال، العبارات التي نعطيها لترجمات المؤمن والكافر؟ حتى الإنسانية منقسمة بوضوح إلى إثنين في اصطلاح المفردات، على كل حال في مفردات القرآن، وتعطي انطباع مصطلحات تفرقة، وحتى في الآخرة، سنكون منقسمين بين جنة ونار. لماذا تريد توحيد عائلة إنسانية، مادام أنها أصلا مقسمة في القرآن الكريم، هنا في الدنيا، وسيكونون كذلك في الآخرة. هل في الأمر تناقض؟

الشيخ خالد بن تونس: على كل حال، فأنا لا أرى تناقض، أرى دعوة. أرى بالعكس دعوة. تكلمتُ عن مختلف أسماء الله الحسنى. يأخذ بنا الله سبحانه وتعالى كمرآة إلى رؤية اختلافاتنا، وعندما نرى اختلافاتنا نرى تفريق، ولكن نرى أيضا تفرد، والتفرد ثراء. عندما نقرأ المؤمن والكافر، فماذا تعني عبارة الكافر؟  ينبغي الذهاب إلى المنبع، إلى الأصل. ماذا تعني كلمة كافر؟ وكفر تعني دسّ وأخفى، وعندما يزرع الفلاح بذرة الشعير أو القمح، فهو مضطر إلى حرث التربة، ويضع البذرة ويغطيها، إنه الذي يغطي على الحقيقة ويخفيها. إنه مجاز، ليس بالمعنى الصحيح. بطبيعة الحال، إن المزارع بهذه الكيفية ينبغي عليه أن يزرع بذرته كي تنتج. ولكن عند الإنسان، بمجرد أنه يخفي الحقيقة أو ينوي إخفائها، فذلك كفر حيال الله سبحانه وتعالى، فأنت تخفي، وذلك يعني الجميع، وليس فئة، فذلك يعني المسلم ويعني المسيحي واليهودي والبوذي، ويعني الغير المؤمن. شخص يخفي الحقيقة هو كافر. لأنه غير مخلص حيال الحقيقة، ويقوم بخيانة بشكل ما، وبذلك تجلت الفكرة، وهي أنه لا يريد أن يرى.

    من لم يعش في حياته، أقصد هذا الإمتحان أو هذا الفعل، أدار ظهره، لكي لا يرى، وأراد أن يخفي شيء ما يزعج، يزعج مصالحه. كنا كفارا في العديد من المرات في حياتنا. وتدخل سيباستيان قائلا: يتخفي عن نفسه. وأعقب الشيخ، يتخفى عن نفسه، وقد تخفى عن الغير. يجب إرجاع مفهوم الكافر إلى أصله. إن الذي يعبد إله غير الحق، هو في الخطأ. كان كثيرا ما يذكر سيدنا عمر ابن الخطاب حادثة كانت تضحكه، حيث قال: كنت في الجاهلية أعبد صنماً من العجوة، فإذا دار العام أكلت هذا الصنم. كان يأكل الإله الذي كان يعبده. عندما نفكر في الكفر، فكلنا نمر به..

عمر: هل النار مخصصة.. وهل هي لعنة، فهذا يخيف جدا.

الشيخ خالد بن تونس: إنها القراءة، ومن أجل ذلك، يجيء دور الروحانية، وتساعدنا وتفتح بعض الشيء بصيرتنا. قال تعالى "كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين". إنها العين الباطنية، عين اليقين.

    ومن أجل ذلك، أقول أن الذي يتبع طريق الروحانية، ويتبنى القيم في نفسه، ويجني القيم في نفسه، سيعمل في المجتمع دائما، ونصب عينيه فكرة الخدمة، وإن الذي يخدم الإنسانية فإنه يخدم الألوهية. تقول الآية "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". الآية 62 من سورة البقرة.

عمر: إذن، فلا داعي للخوف.

الشيخ خالد بن تونس: ينبغي أن نخاف، ولكنه خوف ترهيبي، إذ يوجد شيء يتجاوزنا ومن لا يخاف من الموت. بطبيعة الحال، يوجد خوف، وهذا أمر يشكل جزء من توازننا. إن الخوف أيضا يحفظنا. يوجد من يخاف، فلا يعود يسبب أضرارا، يخاف من الشرطة، يخاف من القاضي، يخاف من أي شيء، يخاف من العار، ويوجد الذين يخافون من الله سبحانه وتعالى.

عمر: ولكن ذلك، قد يسبب شعورا بالذنب أو إدانة، الذي ربما..

الشيخ خالد بن تونس: إن الإدانة، يوجد أناس يوظفونها لاستغلال الناس. وهذا شيء مختلف تماما. يحافَظ على الإدانة بقدر، لأنها مسألة سلطة، دعوتها، أنا أعرف أنا أعلم وأنتم عليكم بالطاعة.

عمر: إذا فهمتُ، فإن المؤمن لا يدان.

الشيخ خالد بن تونس: المؤمن يدان ويشعر بالذنب، ونفسنا أيضا تدان، ولا تستطيع أن تمنع أحدا من الندم على ما فعل. وعن أي إدانة نتكلم؟ لأن معك، في أوقات ما تقول، لم يكن عليّ فعل هذا، ربما أغضبتُ أحدا، وبعدها قد تندم، وربما تجاهلتُه، وبعدها تقول، كان عليّ أن أحييه. لسنا أناس كاملين، وفي نظري، إن الذي يعتقد نفسه أنه كاملا، لم يفهم شيئا، ولم يفهم أننا لسنا سوى ضمن هذه التربية الدائمة للرجوع إلى الإنساني، وتحقيق الإنسان الكامل. وما هو الإنسان الكامل؟ إنه الذي حقق مراتب الكمال، وهو الهدف المنشود. نحن بشر هينين، ونحن رجال، نعم، ونساءا. نحن حيوانات ذكية. نعم، هذا مفهوم. ولكن الإنساني صفة، وأهل الروحانية دفعوا بهذه الصفة حتى بلوغ الإنسان الكامل، وهو الذي يجد في نفسه جميع القيم، التي تجسد القيم الشاملة. إذن، يوجد سلوك. وإنه خيار حياة.

سيباستيان: سيدي، إني أفكر في آية، يمكن أن تجمع في نهاية الأمر، الكثير من الأشياء قيلت معنا، وإذا كانت ذاكرتي قوية، فإنها سورة هود، الأية 118، التي تقول "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، "إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين". الآية 119 من سورة هود. إن الذي أريد قوله، أن الكثير من الناس، للإقتصار فقط على الناس، يملكون الحقيقة، ويبحثون عنها، ولكن عدم كمالهم، الذي أشرتَ إليه، هو الذي يجعل للجميع حظه من الحقيقة.

    ماهي هذه الأهمية للرحمة؟ وهذه الرحمة في آية أخرى ذكرت في قوله تعالى "ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته". الآية 8 من سورة الشورى. يبدو أن هذه الرحمة ملجأ للبعض. وإن هذه الرحمة، وأنا أعني ما أقول، هذه الرحمة التي نجدها عند آخرين في السعي نحو الحقيقة، ما هو دورها؟ وماهي في نهاية الأمر، لأن مصطلح الكلمة يبدو قديما في اللغة الفرنسية. كيف نترجم ذلك في ظل الأزمة الحالية، وفي ظل الجهود المبذولة، منذ أن حاولت الشعوب الصمود أمام المحنة، وحتى الهيئات العليا؟ كيف نجني هذه الرحمة، بالتأكيد، تكون قيّمة بدون تكليف؟

الشيخ خالد بن تونس: هذا هو الشيء الهائل. كيف يمكن لحضارة أن تفقد مفاهيم لها من الأهمية بمكان، وهذا يحدد مستوى ضميرنا. إنها الرأفة فيما بيننا، وإنها الصلات المنسوجة فيما بين الكائنات، ومن خلال قناة الرأفة هذه، قناة الرحمة هذه، فالكلمة عمليا كما قلتَ غير مفهومة، وحتى أنه قد ولى عليها الزمن، وحتى رجال الدين لا يفهمونها، وعلى أي حال، فذلك رائع. وإنه يرفع درجة مستوى ضميرنا نسبة إلى إدارة الصلات التي تربطنا.

   تكلمتَ عن جهنم، وقلتَ أنها عقاب. من قال أن جهنم هي مثلما.. لو ذهبت إلى البوذية، وزرت بودو (بودو)، وتزور بعض المعابد القديمة البوذية ترى جهنم، ترى حقا منقوش على طول عشرات الأمتار، وحتى مئات الأمتار، ترى آلات التنكيل وأدوات، نرى أناس يوضعون في قدور تغلي، وتقطع أجسادهم إربا إربا. وهذا خيالك. أعني أن جميع الرسائل الدينية، في زمن ما، من تاريخهم، حذروا من عذاب، ووعدوا بجزاء، لردع الإنسان عن فعل الشر، وتشجيعه على فعل الخير. هل نجح ذلك؟ ليس دائما. فالحروب لم تتوقف، والفظائع لم تتوقف، والسرقات لم تتوقف، ولا حتى الإبادات. إنها الإنسانية.. ولكن توجد رؤية تقول لنا، إن المهم من كل هذا، هو أنكم ستحاسبون على أعمالكم، ولا يمكنكم فعل أي شيء، وتقولون من بعدي ليغمرها الطوفان. هذا الفعل لا وجود له. في البوذية يوجد استنساخ الأرواح، ستصبحون، لا أريد الخوض في هذا، إنه نظام كامل، ستستنسخ أرواحنا في شيء أقل شأنا، أي أننا لا نتقدم، ولا نتحرر. وفي الديانات السماوية إنها جهنم، ونمرّ بمُطهر، لأننا لا نستطيع أن نبلغ الآخرة بهذا الضمير، وأقول أيضا، وهو متلطخ بالشر الذي اقترفه في حق الغير.

سيباستيان: يرى الشيخ العلاوي في جهنم رحمة.

الشيخ خالد بن تونس: يرى فيها شكل من الرحمة، لأنها تطهير، ونمرّ بمحل تطهير. وعلى الخصوص للقول، حذاري، إذا فعلتَ شيء ستحاسب عليه، وحتى إن انفلتت هنا من عدالة الناس، توجد عدالة في مكان آخر، حتى يوضع الإنسان أمام ضميره. إذا فعلت شرا، ستدفع ثمنه، عاجلا أم آجلا.

 

رسالة إلى الورثة

 

سيباستيان: أنت حاليا مرشد روحي منذ سنة 1975، وقريبا تكون قد بلغت فيه 50 سنة، وبالتالي هي تجربة طويلة. وبالتفكير مع عمر، أقول، لقد صاحبت في طريق روحية أربعة أجيال على الأقل، أشخاص ربما هم في عمر أجدادك، بالإضافة إلى أشخاص في عمر أحفادك، وربما أصغر سنا. إذا كان لديك حاليا قبل اختتام هذا الحوار نصيحة تقدمها إلى الجيل الشاب الصاعد، وإذا كان لديك توصيات لجميع أولئك الذين يستمعون إلينا، والذين يقرأون لنا، والذين يأتون من بعدنا، فماذا تقول لهم؟

الشيخ خالد بن تونس: نعم. إنها مسؤولية، ولكن يوجد عندنا تقليد يقول "غرسوا فأكلنا"، ففي هذه العلاقة ننظر إلى جيلنا، وهل ما أنا عليه، وما أقوم به، سينتهي برحيلي، أو ما أقوم به، وما أنا عليه، يستمر من خلال الأجيال؟ هذا سؤال مطروح، وأفكر في الجميع، وعلى كل فرد أن يجد له حلا. أما عن نفسي، فسعادتي تكمن في نقله إلى الأجيال القادمة، حتى يبنون عالمهم، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر. إنه متطلب للغاية. سيكون أكثر تطلبا بالنسبة لهم، لأن من أجل بناء العالم ومستقبلهم مع الآخر، ينبغي أن ينفتحوا عليه. ينبغي أن يغادروا تحفظهم، ويتركوا دائرتهم المغلقة، وينبغي أن يتعولموا. إنها الإمكانية الوحيدة المطروحة، حتى يصبحوا معا شركاء وورثة جميع التقاليد ومجرى التاريخ وما أنتجه الإنسان، يصبحون ورثة تراث عالمي. في رأيي، إنها الإمكانية الوحيدة المتاحة لهم، ليتمكنوا من مواجهة تحديات المستقبل، وإذا بقوا منغلقين في طوق قومية وطائفية وإيديولوجية، سوف تحدث أسوأ الحالات. وإن الإختيار أصبح قريب جدا، فإما الإقتتال أو الحوار. لا يوجد بديل آخر. فإما الإقتتال، بدعوة أفكاري مناهضة لأفكار الغير، وإما الحوار، والحوار يكون دائما مثريا حيال بعضنا البعض. عند الإقتتال تستعمل القوة، والوسائل التي ستصبح أكثر فأكثر فظاعة، وتسمح التكنولوجيات اليوم بتدمير مدن. إننا نعايش ونرى من حولنا الضرر الذي تحدثه، من استعباد وتسخير. حسنا، فهم لن ينجوا. ستضيع أنفسهم، وفي الحوار يخصّبون ويعيشون، سواء كنتُ مخطئا أو مصيبا، فإني أتبادل، وإن هذا يتطلب شجاعة، ويتطلب تربية بثقافة السلام. يجب الإستثمار. كيف يعقل أن اليوم لا تستثمر الإنسانية في تربية السلام، ولا الحكومات، وكيف أن المقررات المدرسية لا تحتوي لا على منهجية ولا برنامج حول السلام، رغم أنه أساسي على مستويات عدة.

    تكلمتَ عن الروحانية. لا تقوم الروحانية إلا على قاعدة هي السلام. إذا لم يحلل السلام فروحانيتنا سراب وملهاة. والسلام أيضا ضروري في الاقتصاد، وضروري في البيئة. كيف نبني مدن المستقبل، حيث يسكنها الإنسان، ويتفشى فيها السلام مع بيئته الطبيعية، ويكون إقتصادهم تضامني ومفيد للجميع؟ كيف نتخيل مدنا تغيب فيها الطبيعة، ولا تغرد فيها العصافير، ولا نسمع صرير الحشرات، ولا نقيق الضفادع، ولا نغمة العندليب. أمر لا يصدق. سيكون العيش أجدب، وإنها الخرسانة وجفاف، وتقسى القلوب وكذا النفوس. هناك، حيثما نعيش ونسكن، سيوضع الناس في أقفاص، كأقفاص الدجاج، وهم بالفعل كذلك، وقد بدأت العملية، وإنها الخرسانة. أمر لا يصدق. فالمسألة اليوم، تختص بالإستثمار في السلام، حيث يوجد أكاديميات لكل شيء، ولا وجود لأكاديمية للسلام. توجد أكاديمية الحروب وأكاديمية كرة القدم، وأكاديمية هذا وذاك، وحتى لعبة البلياردو لها أكاديمية. يوجد وزارات لكل شيء، ولا وزارة تعني بالسلام. كيف لا يوجد؟ ولا بلد توجد به وزارة مكرسة للسلام. وإذا وجدت وزارة، فذلك يعني أن وراءها تشكيلة بأكملها ونطاق ثقافي ومجموعة دبلوماسية واستثمار عريض.

    كيف نحافظ على السلام فيما بيننا؟ كيف نجنيه، لأن السلام حقل يقطف في أنفسنا، في الباطن، وكذا في الظاهر، والسلام هو الإزدهار. عرفت أوروبا الإزدهار، لأنها عرفت كيف تجتنب الحرب، بعد حربين جارتا في ظرف زمني قصير، في بداية القرن العشرين، لقد فهمت المسألة، ولكنها تبعث بالسلاح لآخرين للقيام بها. إن ما فيه خير لنا، هو كذلك بالنسبة للغير. لا ينبغي تصدير الحرب إلى أماكن أخرى، ولا ينبغي التحريض عليها، ولا تمويلها. والحرب تشكل اليوم رصيدا حصيلته ببلايين الدولارات، كنت أتذكر رقم الأمم المتحدة(1)، رقم خيالي، انظروا لم أعد أتذكره. بذلك نستطيع أن نغير العالم، ولكن الأمر لا يتم، لأن بالنسبة لنا، السلام لا يؤخذ كقاعدة الحياة، وفي كل الأحوال فإن في التقليد الروحي وفي الإسلام فإن السلام هو الله عز وجل. بدل أن نقول الله عز وجل نقول السلام، وهو إسم من أسماء الله الحسنى. لا نستطيع أن نتقدم، وعلى كل حال، وبالنسبة لأهل الروحانية، لو لم يضف إلى القيم صفة السلام كدليل في هذا المنظور لبناء مستقبل، وعلى الخصوص شبابنا والأجيال الآتية، عليهم أن يتزودوا من هذه الطاقة والإستمداد منها، من طاقة السلام هذه.

    كيف نجد أفكارا؟ كيف نبني؟ يوجد كل شيء يمكن أن نتعلمه من كل هذا. القيام بتفكير عميق، يجب أن يسكن السلام ضميرنا، لا يكون من أجل شخص أو ضد شخص آخر، يكون للجميع.

 

ماذا لو كنت؟

 

عمر: لو كنت سيدي شخصية رومانسية وأدبية، من ستكون؟

الشيخ خالد بن تونس:  جحا (ضحك).

عمر: ولو كنت أغنية؟

الشيخ خالد بن تونس: أغنية.. نعم.. لو كنتُ أغنية، من الصعب الإجابة، لأني أنتمي إلى ثقافات مختلفة، ومن الصعب إيجاد أغنية أكنّ لها مشاعر قلبية. أقول أنها أغنية لا تملك كلمات، أغنية تغنيها أم  لرضيعها، بدون كلمات أو لها معنى، مجرد دندنة لا أكثر، وليست أغنية. أُفضل هذا، وإلا سأتوجه نحو ثقافة أو أخرى.

سيباستيان: لو كنت طبقا؟

الشيخ خالد بن تونس: طبق.. كسكسي بالحليب (ضحك).

عمر: نعلم أنك تحب الورود كثيرا، وإذا كنت واحدة منها، من ستكون؟

الشيخ خالد بن تونس: شقائق النعمان، لأنه يذبل بسرعة، ولكنه لا ينمو إلا في المناطق غير الملوثة. وإنه يذبل بسرعة.

سيباستيان:  ولو كنت حجرا كريما؟

الشيخ خالد بن تونس: حجرا كريما؟

وأضاف سيباستيان: أو حجرا عاديا ببساطة؟

الشيخ خالد بن تونس: حجر التيمم. حصاة صقلت بشكل جيد بالتجربة ومحك الزمن.

عمر: بعض الجرأة. لو كنت حيوان؟

الشيخ خالد بن تونس: أقول شيء لم يحبه الناس. لا أدري. ما هو الحيوان الأكثر كرها؟

عمر: للخنزير والأفعى سمعة سيئة.

سيباستيان: آكل النمل...

الشيخ خالد بن تونس: (بعد تفكير). هيا، لا أعرف. عندي قطط بالبيت، تأتي لتوقظني في الصباح، تأتي وتدق الباب لإيقاظي في الصباح. أبقى مع قططي. لأنها ترافقني، منذ وفاة زوجتي، تأتي فتضايقني حتى أفتح لها الباب، وتستقر بالسرير، وتحدث بعض الإزعاج، خصوصا الصغيرة، فعددها ثلاثة، ولكنها هي حقا، بلا اكتراث..

سيباستيان: إنه حيوان أليف.

الشيخ خالد بن تونس: إنه حيوان أليف.

عمر: لو كنت آلة موسيقية؟

الشيخ خالد بن تونس: إن الأكثر بساطة هو الطبل، وأفضِّل الناي، ولكن أعتقد أني طبل، فالناي يتطلب إتقانا أكبر.

عمر: لو كنت جملة؟

الشيخ خالد بن تونس: لو كنت جملة أقول أخدم.

عمر: ربما هو السؤال الأخير. إذا أردت أن تذهب إلى الصحراء، وتكون وحيدا، فيما عدا سيباستيان، من تختار؟

الشيخ خالد بن تونس: مثل ماذا؟

عمر: غرض أو في الأول إنسان.

الشيخ خالد بن تونس: إنسان..

عمر: إذا كان ذلك يسبب نزاع أو غيرة، ربما، فلا داعي.

الشيخ خالد بن تونس: أود أن أقول مع ذلك امرأة. إذا كنت لوحدي، من الأفضل أن أختار على أي حال امرأة لترافقني.

عمر: شكرا على صراحتكم، وإذا أردت أن تأخذ غرضا واحدا معك، فقد يكون كتابا؟

الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أني آخذ كتابا. لا أدري. طالما حلمت بكتاب النحو والصرف في اللغة. كنت دائما أحصل على علامات ضعيفة جدا، وإني أرغب تعلم النحو والصرف.

عمر: شكرا جزيلا على الصراحة والصدق، وخاصة مع وجود العفوية في إجاباتكم. على كل حال، فنحن قضينا وقتا ممتعا بحضرتك...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   قدم الشيخ خالد بن تونس في لقاء قريب هذا الرقم قائلا "استثمرت 14000 مليار دولار في الحروب والعنف. ليست أرقامي، إنها أرقام الأمم المتحدة".

 

 

 

 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق