الأحد، 17 يناير 2021

نور الإيمان

 

نور الإيمان

للشيخ خالد بن تونس

 

ما هو الايمان؟

    لقد وضعت الديانات التوحيدية، مثل أي ديانات أخرى، الإيمان في صميم رسالتها. وفيما يتعلق بالإسلام، فإن الإيمان هو أحد أركان الدين الثلاثة التي يقوم عليها، التي هي الإسلام والإيمان والإحسان. تُبنى العبادة على الحالة الذهنية التي تقتضي أن تكون الأعمال بالنيات. كما جاء في القرآن الكريم "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ". الآية 177 من سورة البقرة.

 

 


هل يمكن تقوية الإيمان؟ وكيف؟

    إن الإيمان طريق يبلغنا المحبة والرحمة. ويتقوى أو ينقص نظرا لحالنا وسلوكنا، باجتناب الغضب والكراهية والحسد والنميمة والكبرياء. نميل غالبًا إلى الخلط بين الإيمان والعقيدة. يرتبط الإيمان ارتباطًا وثيقًا بالعمل الذي يؤديه الإنسان إزاء أخيه، لوجه الله. وإنه طاقة تحملنا، وتمنحنا القوة واليقين، وتوجه خطانا في الحياة، نحو السلام.

 

في هذا الزمن، هل يتطور الإيمان في العالم؟

    إننا نشهد اليوم بالفعل عودة إلى الأديان والطائفية، كتأكيد للهوية. إن المخاوف والحيرة وفقدان نقاط المرجعية والأمل بمستقبل أفضل تجعل التدين الأجوف يحل محل بِر الإيمان، الذي سِمته "عبادة الله بخدمة الإنسانية". وهذا التدين يعزز عالم الفرقة بدلاً من أن يطور عالم الوحدة. إن الإيمان بتوحيد الألوهية، الله أحد، هو أيضًا الإيمان بأصل مشترك ومصير مشترك. إن الإصلاح بين الأسرة البشرية اليوم من خلال العيش معًا في سلام وتحلي بكرامة وإحلال عدالة وتوزيع الخيرات بين الجميع، سيصبح تحديًا كبيرًا في عصرنا.

هل يمكننا ن نفعل شيئا حيال ذلك؟

    إننا اليوم بحاجة إلى توطيد وتقوية الصلات التي توحدنا. افشوا السلام وأطعموا الطعام حتى يتقبل الله إيماننا وأعمالنا، وتصبح القيم العالمية للإنسانية المحور الرأسي الذي يقوي إيماننا. ثمة حاجة ملحة، حتى تحل في معابدنا وكنيسنا وكنائسنا ومساجدنا تربية بثقافة السلام محل ادعاء الإمتلاك الحصري للحقيقة. الله أكبر من أن ينتمي إلى أمة واحدة.

 

هل كل المعتقدات الإيمانية متساوية؟

    إن محل الإيمان هو الفؤاد والقلب والضمير. إن إدخال المعتقدات الإيمانية في المنافسة هو تفاهة، في رأيي، مادام أن كل إيمان يؤدي بنا إلى الأحد، وبالتالي يرشدنا إلى التوحيد. ولكن بما أن الإيمان يُعاش بشكل فردي، حتى داخل المجتمع نفسه، فإنه يمكن أن يتقوى أو ينقص نظرا لمستوى سلوك كل فرد. نحن بعيدون كل البعد عن الإيمان باعتباره مذهبا فقهيا.

    "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ". الآية 48 من سورة المائدة.

    استجاب الله تعالى بأسمائه الرحمن الرحيم الحي الودود لنداء جميع مخلوقاته، التي انتهى المطاف ببعض الفقهاء بفصلها عن العالم، بدعوة واهية لا يمكن رأبها من التخمينات الفقهية. وهذا يكشف لنا، أن هبة الحياة التي أعطاها لنا هي امتحان، حتى نستبين مَن منا سينافس للإحسان للغير. هو وحده الذي يفصل بين الجميع.

    يصبح إيمان كل أمة وسيلة لتغذية وإيقاظ شعور المقاسمة والفرح هذا، فيما بيننا، ولتعزيز وتحسين يقيننا الباطني، ونحن نحمده سبحانه وتعالى على رحمته وفضله علينا.

 

ما هو مستقبل الايمان؟      

 

    تاريخياً، إن الإيمان، سواء كان دينيًا أم لا، غدى أمل البشر.

     لا يمكننا التحلي بالإيمان إذا ألبس الإيمان بظلم، وبالأحرى الذي يدّعي أنه يتحلى بإيمان ديني. في المحن التي تمر بها البشرية اليوم، وتفشي الصراعات واستوطان الجائحة واتساع رقعة الطائفية والعنصرية، فإن إيماننا إن كان صادقًا، ينبغي أن يكون المحرك الذي يساعدنا على معالجة مسألة الظلم المقترف ضد بعضنا البعض، للإنتقال إلى عالم مسالم، يطال العدل فيه الجميع. إن الزمن كفيل بالإجابة إذا ما كان إيماننا يمكن أن يساعدنا على أن نتصالح مع أنفسنا ومع الطبيعة وكل سلسلة الحي، وبذلك نحفظ الحياة، ونَكًون النور الذي يرشدنا إلى الأمل، فنصبح قادرين على بناء العالم، مع بعضنا البعض، وليس ضد بعضنا البعض.

     "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا". الآية 63 من سورة الفرقان.

 

     مجلة Reflets في 17 12 2020.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق