الجمعة، 3 يناير 2014

المولد النبوي، إحياء مولد الرسول صلى الله عليه و سلم


المولد النبوي، إحياء مولد الرسول صلى الله عليه و سلم (نبذة تاريخية)

    المولد النبوي هو مناسبة تحيى إحتفالا بمولد نبي الإسلام محمد صلى الله عليه و سلم. لم يحتفل الرسول صلى الله عليه و سلم بمولده في حياته، و لا الصحابة و لا المسلمون السنة في القرون الأولى، باستثناء الأوساط الصوفية. ليس هناك من أثر صحيح عن هذا الإحتفال في القرآن الكريم و لا في السنة النبوية، إلا أن ابن تيمية كان يعتبر أنه و إن لم يكن هناك من سبب يدفع لإحيائه فقد لا يكون هناك سبب يمنع من ذلك. و قد أشار الرسول صلى الله عليه و سلم إلى أهمية الشهر الذي ولد فيه، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال "ذلك اليوم الذي ولدت فيه...". رياض الصالحين.

    إن فضل هذا اليوم مصدره مولد الرسول الكريم، و هو يمتد إلى الشهر كله. و يجب الإحتفاء بهذا التاريخ.
    
    قال الإمام المجتهد أبو شامة المؤرخ و المحدث (1)، المتوفي سنة 1267 ميلادية "و من أحسن ما ابتدع في زماننا، ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده، من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء، مشعر بمحبة النبى وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكر الله على ما منّ به من إيجاد رسول الله الذي أرسله رحمة للعالمين". (2). حسبه، فإن الشيخ معين الدولة عمر الملا هو من أحدث المولد النبوي في القرن الثاني عشر الميلادي بالموصل (العراق). فيما بعد، بإربل، بنفس المنطقة، أخذت مظاهر إحتفالات المولد، أكثر بهاءا. إن قاضي دمشق الكبير ابن خلكان، صاحب الكتاب المميز الذي خصه للسير و الترجمات، قد وصفه أثناء حكم مظفر الدين الكوبري، صهر صلاح الدين الأيوبي. و أما إحتفاله بمولد النبى صلى الله عليه و سلم، فكان فى كل سنة يصل إليه خلق كثير من الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول. ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب، في كل قبة أربع أو خمس طبقات، فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة، وتبطل معايش الناس فى تلك المدة، و ما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم. فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر ويسمع غناءهم، ويتفرج على خيالاتهم و ما يفعلونه فى القباب، ويبيت فى الخانقاه و يعمل السماع. فعند ذلك يقدم السماط فى الميدان للصعاليك، ويكون سماطًا عامًا فيه من الطعام والخبز شىء كثير لا يحد ولا يوصف، و يمد سماطًا ثانيًا فى الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسى، وفى مدة العرض ووعظ الوعاظ يطلب واحدًا من الأعيان والرؤساء والوافدين لأجل هذا الموسم ممن قدمنا ذكره من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء، ويخلع على كل واحد، ثم يعود إلى مكانه. ثم يبيت تلك الليلة هناك، ويعمل السماعات إلى بكرة. فإذا فرغوا من هذا الموسم تجهز كل إنسان للعود إلى بلده، فيدفع لكل شخص شيئًا من النفقة. (3). (4). 

    أكد ابن خلكان في نهاية سرده، أن أبو الخطاب ابن دحية ألف كتابه "التنوير في مولد السراج المنير" بما عاينه من إحتفال مظفر الدين بالمولد النبوي. 

(1). و هو أبو شامة المقدسي الدمشقي (599 - 665 هـ ، 1202 - 1267 م)، شيخ الإمام النووي.
(2). كتاب "الباعث على إنكار البدع و الحوادث" لأبي شامة.
(3). ابن خلكان "وفيات الأعيان".
(4). قال ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" ، في ترجمته لأبي سعيد كوكيري، أمير إربيل (1207 م) "قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي و عشرة آلاف دجاجة و مائة ألف زبدية و ثلاثين ألف صحن حلوى، قال و كان يحضر عنده أعيان العلماء و الصوفية فيخلع عليهم و يطلق لهم و عمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر و يرقص بنفسه معهم".


                         الشيخ خالد بن تونس. "التصوف الإرث المشترك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق