الجمعة، 3 يناير 2014

دور المرأة


دور المرأة

    لقد تحدثنا عن الخليقة، و عن الزوجين الأصليين، و عن الطفل و التربية (1)، و هذا ما يقودنا إلى الحديث عن المرأة التي هي أم المجتمع. حقيقة، إن مشكل المرأة لا يوجد في المجتمع الإسلامي فقط، بل في كل المجتمعات.
فالوحي القرآني موجه للكائن، سواء كان رجلا أم إمرأة، و هو لا يحتوي على أي قصد خفيِّ قد يسمح لنا بأن نعتقد أن المرأة أقل درجة أو أن نفسها مستضعفة. فالكائنات أمام هذا الوحي الإلهي متساوية لأنها مخلوقات الله عز و جل. 

    و المرأة في الإسلام متساوية مع الرجل على مستوى الخلقة، كما على مستوى الكينونة، و ميتافيزيقيا ليس هناك أي فرق، و ببساطة هناك فرق من حيث الطبيعة، فالمرأة مثل الرجل قادرة على بلوغ أسمى الحالات الصوفية.

    و على هذا، فإن قصة سيدتنا مريم عليها السلام، في القرآن الكريم، كاشفة عن هذه الحالة، حيث إن المرأة تتصل مباشرة بحضرة الإطلاق. قال عز من قائل "و اذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا. فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا". سورة مريم، الآياتان 16 و 17.
مثلما هي قصة أم موسى عليها السلام، التي أوحي إليها أن تضع مولودها في المهد ثم تلقيه في النيل، قال عز من قائل "و لقد مننا عليك مرة أخرى. إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى. أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليَمّ". سورة طه، الآيات من 37 إلى 39

    صحيح، أن لكل عنصر خاصية في الطبيعة، و هذه العناصر كلها ناشئة من نفس الأصل، و مع ذلك فإن الثمرة أو الزهرة تقبل أن تلعب دورها، فعلى الزهرة أن تتقبل نفسها كما هي، و أن تقوم بدورها منسجمة مع وظيفتها الأصلية: إنها الإثمار.

    و على مستوى الخليقة، فإن المرأة قد وُكِل إليها تجديد الحياة الموجودة هنا باستمرار، لأن الأنفس كانت موجودة قبلا روحيا. و بما أن الجسد لا ينزل من السماء، فيجب أن ينشأ من خلال المرأة لأجل أن يستقبل الروح.
كان الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، يقول للنساء في الأيام المخصصة لهن "ما منكن إمرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان  لها حجابا من النار"(2). و هذا يعني أن المرأة إذا ما قبلت أن تلعب دورها ضمن الخليقة و أن تلد فإن ذنوبها تغفر. و هناك حديث مشهور أيضا يقول "الجنة تحت أقدام الأمهات" (3).(و ليست تحت أقدام الآباء)، يلاحظ أن دور الأم، و مرتبتها في المجتمع كما في العالم العلوي له كل الأهمية.

    لقد أراد الرسول صلى الله عليه و سلم، بهذا الحديث أن يشرف وظيفة الأم التي لها قدر عظيم عند الله سبحانه، إذ جعلها تحتفظ بالجنة تحت أقدامها، و جعل الحياة تنشأ في أحشائها، و لولا واسطتها الثمينة لكنا بقينا في العدم، و من ليست له محبته لوالديه فكيف يمكن أن يحب الآخرين؟

    و بعد المحبة لأبنائنا هناك المحبة لوالدينا مع تفضيل الأم، و عندما يقال "الجنة تحت أقدام الأمهات"، فهذا يعني أيضا أنها تتمنى قبل كل شيئ السعادة لطفلها، و هذا ما يجعلها سعيدة، و إذا ما رأته في تعاسة، فإنها تكون حزينة. فالأم دائما هي الأكثر تأثرا و الأكثر عاطفة، لهذا قال الرسول صلى الله عليه و سلم "لا تؤذوا أمهاتكم" (4)، و ذلك بالتسبب في مواقف قد تحزنهن.

    و مع ذلك فلا يحق للآباء ان يعرقلوا سير أبنائهم مهما كان هذا الطريق، لأنهم يعرقلون إذ ذاك تجربته في الحياة، قال تعالى "و وصينا الإنسان بوالديه حسنا و إن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما". سورة العنكبوت، الآية 8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1). الزوجان الأصليان، هو النموذج الآدمي المثالي الذي أودع فيه الله علمه الموحى إليه بواسطة أسمائه كلها، و الذي كان يحمل في صلبه جميع بذور البشرية اللاحقة. إزدوج فخلق الله عز و جل من جانبه الأيسر زوجته. في الحديث أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر.
كان آدم في الجنة نورا صِرفا، ذلك الخنثى الأولي، ثم إنفصلت عنه حواء، و عند العصيان، هبطا إلى الأرض، و فيها فهو مزدوج الخلق، فيه جزء علوي سماوي، المجهول فينا، و الذي يمكن تسميته جوهر الإنسان، و آخر سفلي أرضي يرتبط بالإنسان المعروف.
الإنسان الجسدي مرتبط بالأرض، مرّ بسلسلة الخليقة، و له أصوله من المعدن و النبات و الحيوان، حتى وصل إلى آخر حلقة التي هي الإنسان.
الحياة هبة ربانية، و هي قد وكلت إلى الزوجين الأولين، و نحن لا نقوم إلا بإيصالها. و هكذا يولد الطفل بكل براءة و طمأنينة، ثم يخرج من طور طفولته، و عند سن الرشد فقط، و بإرادة واعية يفضل الصواب على الخطأ.
العالم الذي ينمو فيه المراهق لا يوفر له في الغالب أي إمكانية لترقية سلوكه، لأن الوسط الذي يعيش فيه قد إستثنى الوحدانية. في هذا السياق، فللوالدين دور في التربية التي يقدمونها لإبنهما، إما يتركاه يشق طريقه بمفرده و تحت مسؤوليته، و إما أن يؤمِّناه بحمايته في حالة السقوط و بتركه حرا في تحركاته.
(2 ). رواه الشيخان و غيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3). أخرجه أحمد و النسائي و ابن ماجة و الحاكم في المستدرك من حديث جاهمة السلمي (تمييز الطيب).
(4). جاء هذا المعنى في حديث آخر " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات". متفق عليه.

من "التصوف قلب الإسلام".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق