الأربعاء، 7 يوليو 2010

الإمام الهمام سيدنا عدلان خالد بن تونس


-->
الإمام الهمام سيدنا عدلان خالد بن تونس
-->
الشيخ الحالي للطريقة العلوية
 حفظه الله و متعنا بعطفته ورضوانه

-->


نشأته الصورية:
  في احدى زيارات الرجل الصالح النائب عن شيخ الطريقة العلوية بالمغرب السعيد المرحوم سيدي الحاج أحمد رضوان التفريستي المغربي للشيخ الإمام العارف بالله الدال عليه مولانا السيد الحاج عدة بن تونس المستغانمي قدس الله روحيهما، فاتحه الشيخ عدة في موضوع زواج ابنه البار الشيخ الحاج محمد المهدي بن عدة بن تونس، فاقترح عليه أن يزوجه من إحدى أخواته البارة التقية المسماة لالة أمينة التفريستية، و بشره بأن هذا الزواج سيكون له شأن عظيم، و الذي سينشأ منه بحول الله و قوته ولد صالح سيعم خيره الدنيا و الآخرة، و تم هذا الزواج الذي ازدان به فراش الزوجية بميلاد السيد عدلان خالد بمستغانم سنة 1949 م. وبعد ثلاثة أيام في رضاعته من والدته المصونة، عهد به الشيخ السيد الحاج عدة الى متجردة صاحبة حال رباني بالزاوية لتقوم بكفالته و تربيته، و كف عنه أيادي جميع أقاربه، و نشأ غريبا و هو في وسط عائلته تظلله قبة الزاوية، و القلوب تشرئب إليه شوقا و محبة و حنانا، ونما عوده في أحضان الزاوية كأنه يتيم، يفترش أرضية الزاوية، أنى داعب الكرى جفونه، تارة على الحصير، و آونة أخرى على عتبة من أعتاب الزاوية، و ترعرع في هذا الجو الروحي المخيم على الزاوية، يتنسم من نفحاتها المباركة و يمتلئ صدره من عبيرها العطر الفواح، ترعاه العناية الربانية التي ساقته الى هذا المعين الرباني الفياض، و خلال أطوار نشأته كان يتلقى بشارات و إشارات تكتب بماء العيون على صفحات العيون من أقطاب الطريقة العلوية، و قد أنزله الشيخ الحاج عدة منزلة ابنه، و هو جده الذي سماه بالاسم الميمون عند ذبحه بنفسه كبش العقيقة، فهلل و كبر و دعا بالخير و البركة و التوفيق للمولود السعيد، و حمد الله اذ أنسأ الله سبحانه في عمره ليعايش هذه البشارة المهداة منه تبارك و تعالى، و ظل في ظل الزاوية بين المتجردين و المتجردات يغرف من روحانيتهم و ينطبع بطابع شفوفيتهم، تحفه نظرة أهل بيته بما فيهم الأستاذ الأعظم الشيخ السيد الحاج عدة، و هكذا الى أن دخل كتاب حفظ القرآن الكريم، ثم اندرج في المدارس العصرية ليواكب الحياة المعاصرة في مستجداتها، و ينهل المعارف الضرورية من مناهلها، و أخيرا احتضنته كلية الحقوق بفرنسا بإشارة من والده الشيخ الجليل السيد الحاج محمد المهدي بن عدة بن تونس الى جانب عنايته الكبرى من الاستزادة فيما حصله من دراسة الشريعة الاسلامية، و خلال مرحلته الدراسية كان يمارس النشاط التجاري بفرنسا في مختلف المجالات التجارية المشروعة، و لما بلغ سن الرشد اقترح عليه والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي أن يتزوج مؤمنة مسلمة من جنسية فرنسية بفرنسا من عائلة محافظة متوسطة الحال، لم يسبق للولد أن تعرف عليها أو رآها، و انما هو اختيار رباني انساق له بايحاء من والده، و أذعن له عن رضى و طيب خاطر، و كان القصد من ذلك إحياء السنة النبوية من جهة الإقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم في زواجه بأمنا و سيدتنا لالة ماريا القبطية رضي الله عنها و أرضاها و متعنا برضاها، و من جهة كان هذا الزواج مدعاة لإقامته بأروبا حيث مجال الدعوة الى الإسلام يلح على طرق أبوابه، و ازدان فراش الزوجية هاته بازدياد كريمتهما السعيدة لالة صوفية أمد الله عمرهم جميعا و متعهم بالصحة و العافية التامين الشاملين آمين.

نشأته الروحية:   
   كان الجو الذي تلقى هاته الرحمة المهداة، جوا مفعما بالروحانية الصرفة و اللطائف الرقيقة و النفحات الربانية، التي تفيض من حضرة العلوي العامرة، و الممتدة الى خلفه الشيخ السيد الحاج عدة بن تونس ثم الى ولده و وارث سره الشيخ السيد الحاج محمد المهدي الذي قال فيه الأستاذ الكبير السيد أحمد العلوي، " انه يتمنى أن يصلي ركعة خلف الشيخ السيد الحاج محمد المهدي في وقت مشيخته ". و هذا من جملة ما حمله على أن يوصي بأن يتولى الخلافة من بعده حسا و معنى الشيخ عدة و الأصلح من أبناءه، و هكذا درج الشيخ عدلان خالد بن تونس في تلقي أنوار شيخه و والده الى أن أصبح لا يستطيع مواجهته وجها لوجه في بعض الأحيان لشدة أحوال باطنيتهما الغيبية، و كفى دليلا على ذلك أنه حينما عاد والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي من الديار المقدسة، هرع الى استقباله مع عديد من الفقراء في الميناء، و لما و قعت عينه على والده و تبادلا النظر، أغمي على الشيخ السيد عدلان خالد و نقل الى بيته و هو على هذا الحال الذي استمر عليه عدة ساعات مديدة، كما وقعت له مع والده في زاوية مستغانم حالة أخرى و هو في مجمع كبير من الفقراء، اذ أخذ مقدم الزاوية بيد الشيخ عدلان ليقدمه الى والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي ليأخذ العهد على مشهد من الفقراء، ولما جلس بين يدي والده و مد يده اليه ليأخذ العهد، التصقت يداهما التصاقا ذاتيا و لم يستطع أي منهما سحب يده، و سرى أثر هذا الالتصاق في ذاتهما، فتصبا عرقا، و تغيرت أحوالهما ظاهرا و باطنا، و ازاء هذا الحال فتح الفقراء العمارة و خلالها فكت يداهما دون شعورهما بذلك، و كلما قدم الشيخ السيد الحاج محمد المهدي بن تونس من الجزائر الى فرنسا بعد غيبة طويلة تجد الشيخ عدلان خالد يتحفظ في كثير من الأحيان من مواجهة والده للسلام عليه مع الفقراء و المحبين  الذين يقصدونه لذلك، فيظل بباب الزاوية مستأنسا بسماع الذكر و المذاكرة و مرتقبا استئناف العمارة و بمجرد انتهائها يبادر الى الخروج تلافيا من تكرار هذه الأحوال القلبية، و بالتالي أشار عليه والده بذكر الإسم الأعظم، ففتح الله عليه فتح العارفين بالله، و تميز بين أفراد النسبة بالنبوغ الفكري و الروحي، مما أهله للقيام بالدعوة الى الله حسب ما يقتضيه الحال  و الزمان، و ظل على هذا المنوال في سمو و صفاء الى أن انتقلت الأمانة الربانية اليه من والده بإرادة إلهية. ( و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ). فأحس بحلولها بين جنبيه و هو في فرنسا حلولا لا كحلول الشيئ في الشيئ، فأدرك من ذلك أن والده الشيخ السيد محمد المهدي قدس الله روحه قد انتقل الى الرفيق الأعلى و هو في مستغانم بتاريخ يوم الخميس 24 أبريل 1975 م، وفي هذا المعنى قال الشيخ العلاوي في لاميته:
        و بعد وفاة الشيخ يظهر كمثلـه     فهذه سنــــة الله جـــــرت فــــلا بـدلا     
   و بمجرد انتقال الأمانة اليه وجد نفسه قد أضحى إنسانا مغايرا للأنسان الأول في رؤيته و وجدانه، و طرأ عليه حال مشابه للحال ألذي أشار اليه الشيخ عبد القادر الجيلالي بقوله في عينيته:
   فلو قيس ما قـــاسيته بجـــــهنم      من الوجد كانت بعض ما أنا جازع
   جفوني بها نوح فطوفانها الدما     و نوحي رعــــد و الزفر اللوامــــــع
  و جسمي به أيوب قد حل للبلا       و إن مسنـــى ضر فما أنا جـــــازع
   و ما نار ابراهيم إلا كجمــــرة       من الجمرات التي حوتـــها الأضالع
   و إن جميع ما أوردناه عن بعض أحوال الشيخ السيد عدلان خالد بن تونس و تاريخ حياته قد صرح لنا بلسانه خلال سنة 1977 م في بيته العامر بإقليم نيس بفرنسا.

ماهية الأمانة من جهة الإشارة:  
   جاء في التنزيل ( لا تبقي و لا تذر لواحة للبشر ).
   إن الأمانة ليست من جنس اللفظ و لا من جنس المعنى، و هي المعبر عنها بالعماء ما فوقه هواء و لا تحته  هواء، و إنما هي غامضة الكنه لا منتهى لها طولا و لا عرضا و لا فوقا و لا تحتا يختص الله سبحانه و تعالى بها من يشاء من عباده، ( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) و إن الوجود بإسره قائم بها، و ثابت بإثباتها، فلولاها ما كان للموجودات معنى و لا إسم و لا رسم ولا صوت  ولا حياة، فهي قاهرة لكل موجود، مجذبة من تشاء بالفضل و الجود، فليس للعقل مطمح لإدراك كنهيتها، و لا للعين أن ترى لطائف صورتها، و كذلك السمع و الكلام بسبب قهريتها لهما بعزة سلطانها ( لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار ) فهي وحدها التي لها التصرف الكلي و الوجود الحقيقي و المشيئة المطلقة ( لا يسأل عما يفعل  و هم يسألون )، و هي كالماء لا لون  ولا طعم ولا رائحة له، و إنما لونه لون وعائه، و إن أول آنية رشحت بها هي آنية سيدنا آدم عليه الصلاة و السلام، و بها أنعم الله عليه بالخلافة الربانية في الوجود، و من أجلها سخر الله له ما في السموات و ما في الأرض جميعا منه، و هكذا دواليك في سائر الأنبياء و المرسلين، و من تبعهم بإحسان من كبار أولياء الله المتقين، و في الحديث ( العلماء مصابيح الأرض و خلفاء الأنبياء و ورثتي  و ورثة الأنبياء )، و إن الكل ساجد لهذه الأمانة من العرش الى الفرش، فمن ظفر بها فقد ظفر بالكل ( من كان لله كان الله له ). وقد عبر العارفون عن الأمانة بأسماء عديدة و عبر عنها الشيخ العلاوي قدس الله روحه بقوله في ديوانه:
   شراب قديم النعت نعجز عن وصفه      فجل في ذاته أن يشــاكل الشـــــكلا
   كأسه من جنسه يسـاعد في شربــــه       و هل كأســـه يكفي دونه قـــلت بلا
   عجبت لــهذا الكأس يســــقي بنفسه      يطوف على العشاق هذا فيه خصلا
   و من نعتـــه سحر رسم في طرفــه       من نظر ختمه تخلى عن الصـــولا

تحمله للأمانة و نهوضه بحقها:
   قال الله تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان ). صدق الله العظيم.
   لما كانت الأمانة سر من أسراره سبحانه و حكمة من حكمه و نورا من أنواره يودعها في قلوب أحبابه وأصفيائه ممن اصطفاهم لذلك رحمة منه بعباده، وفي الحديث الشريف (أنا رحمة مهداة ). اختار الله لهذا العصر الإمام المبين قدوة العارفين، لتحمل هذا الإرث العظيم الشيخ السيد عدلان خالد بن تونس نفعنا الله بأسراره و أنواره آمين.
   و من خصائص صاحبها المحمل بها، أن يكون له قبول  و رفعة و محبة في قلوب المنيبين إليه سبحانه، و المتعطشين لخمرة التوحيد، الأمر الذي جعل جميع قلوب أبناء النسبة شرقا و غربا تلتف حوله، و تجدد العهد على يده الشريفة، و من ذلك الحين أي منذ وفاة والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي تغمده الله برحمته سنة 1975
صار شيخ الطريقة العلاوية و إمامها و المسئول عنها، و رئيسا لمركز أحباب الإسلام، و إزاء هذه المهمة المناطة به بصفته حاملا للأمانة يربي بحكمته عشاق الحضرة الإلهية، و يجمع بهمته القلوب على الله، و ينير البواطن بإشراقه، و يوجه بنظرته الناهضين لأمره، و يسهر على إبراز التراث النبوي الشريف لبني الإنسان، في حلة جديدة، أساسها  التوحيد و المحبة و السلام، و من ذلك ما يقوم به من إنشاء عدة زوايا و مراكز أحباب الإسلام في مختلف الأقطار، و تعميرها بالذاكرين و الركع السجود، و تنظيم ملتقيات مع أبناء أمة الدعوة و أمة الإجابة، و طبع كتب الطريقة العلوية و ترجمتها، و إصدار مجلة أحباب الإسلام بالغة الفرنسية بباريس، و مجلة الرسالة باللغة العربية التي توقفت عن الصدور، كما أنشأ مدرسة للإعلاميات بمركز أحباب الإسلام بباريس إلى غير ذلك من الإنجازات.
   و يسعى جاهدا لنشر الإسلام بأروبا و غيرها، و قد أسلم على يده الكثير، و استقطب بعض شيوخ الطرق فأخذوا العهد على يده الكريمة، لما لمسوه فيه من سر الأمانة و صدق الولاية و الخصوصية التي خصه الله بها.
   و قد نظم الأستاذ حفظه الله بتاريخ 14، 15 و 16 سبتمبر 1984 إحتفالا هائلا  و فريدا في حياة الطريق بمناسبة الذكرى الخمسينية لوفاة الشيخ السيد أحمد بن مصطفى العلاوي قدس الله روحه بناحية باريس، حضره الفقراء و المحبون من مختلف الجهات. ضم كبار الشخصيات من المثقفين، أسهم البعض منهم بمحاضرات قيمة عن مناقب الشيخ المرحوم و عن مؤلفاته النفيسة تخللتها أسئلة و أجوبة في موضوع كل محاضرة، و كان ذلك مظهرا من مظاهر استحواذ الطريق على القلوب، و أخذها بالألباب، بما ترسمه من أهداف نبيلة لخير البشرية و هنائها و اطمئنانها على المستقبل المشرق بتجاوبها مع روحها الربانية الصرفة و تعاليم الحنفية السمحاء، والذي لاحظه سكان الإقليم ألذي أقيم به الحفل، أن جميع الوافدين عليه ظلوا بمكان الحفل طيلة الأيام التي نظم خلالها، و لم يبرحوه للتنزه بباريس عند إنتهائه بل شدوا رحالهم عائدين من حيث أتوا.
   و المقصود من إقامة هذا الحفل الكبير، هو تبليغ دعوة  الإسلام و سر الأمانة المتحملة بها الطريق، إسوة بالسلف الصالح من أولياء الله و أحبابه، تحدوهم في ذلك الغيرة الشديدة إقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم، و قد سارت الركبان بأنباء هذا الحفل و ما دار فيه و تناقله كل على شاكلته للوقع السليم ألذي انطبع في قلوبهم و مشاعرهم و الذي عاينوه و كانوا خير شاهد ( ليكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليهم شهيدا ).
   و دأبت الطريق على مد يد المساعدة للمنكوبين في مختلف جهات الأرض مثل مالي و السنيغال، بما يتوفر لديها من تبرعات محسني الطريق و محبيها تخفيفا من آلامهم و ما يعانونه من عري و جوع و أمراض، بقصد تحقيق التعاون و التعاطف بين بني البشر قاطبة.
   كما نظم الشيخ السيد عدلان خالد سنة 1981 الحج إلى بيت الله الحرام مع جماعة من فقراء الطريقة العلاوية، و قد ترأس بنفسه هذه الزيارة الميمونة، و كانت آية من آيات الله الكبرى في إلتماس الرضى و الرضوان في البيت المعمور، و الحظوة بالتبرك بزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، و هذا الجمع ضم فقراء من المغرب و الجزائر و فلسطين و اليمن و مصر و عديد من العمال و الجزائريين بأروبا، وقد تخلل الزيارة كثير من حلقات الذكر و مجالس التذكير و التعارف في أجواء مفعمة بالمحبة و التعظيم و الرحمة و السكون لله سبحانه و تعالى.
   هذه بعض مناقب الشيخ الحالي السيد عدلان خالد بن تونس، و نبذة من أعماله العظام، و نشاطاته ألتي يعسر حصرها لتواليها مع الأيام و تعاقبها مع كل فترة من فترات الزمان، ضاربا بذلك خير مثال للعمل المثمر و المواضبة الدؤوبة خدمة للإسلام و المسلمين، و طالبا لرضى الله و توفيقه، أمد الله في عمره المبارك، و متعه بالصحة و العافية الشاملين التامين، و حقق الله مراده فينا و مرادنا فيه، آمين و الحمد لله رب العالمين.
   إنتهى ما كتبه الأخوان الفاضلان السيد الحاج أحمد الحضري و السيد الحاج محمد بن عبد الله المريني العروسي.                                           
   
  


                   

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق