الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

المقابلة الكبيرة

المقابلة الكبيرة

الشيخ خالد بن تونس، ذو 66 عاما، الزعيم الروحي الصوفي المسلم، هو مؤيد قوي للتقارب بين المجتمعات. عند مروره باليونسكو نهاية سبتمبر، أعطى الحكيم الجزائري مقابلة حصرية لـ Aleteia.

أليتيا: أنت مسلم صوفي. أي تعريف تقدمه عن التصوف لمسيحي؟

الشيخ خالد بن تونس: التصوف هو الإسلام الروحي. الرسالة التي تلقاها النبي صلى الله عليه و سلم، كان لها جسم و قلب. الجسم هو الحرف: النصوص و التشريعات و العقائد. لهذه التشريعات حس باطني، هو الروحانية. لقد جاءت لتغذية الإنسان و السمو به. جسم بلا روح هو خامل و غير مجدي. التصوف هو قلب الإسلام، مما يعطي معنى لصلواتنا، و يقودنا نحو المحبة.

أليتيا: في مواجهة كل هذه الانشقاقات بين الناس، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو دينية، هل المصالحة بين البشر ممكنة؟

الشيخ خالد بن تونس: في عالمنا المتغير، هناك ضرورة ملحة لخلق روابط. التغيير الذي نواجهه يبدو مقلقا للكثيرين. دعونا نتعلم من الماضي، من خلال عدم إغفال هذا الهدف: ما هي الإيجابيات التي يمكننا تقديمها للبشرية؟
    وضع الله ثقته فينا عن طريق خلقه لنا. هل نحن أهلا للثقة، و لهذا النفَس الروحي الذي وهبه إيانا؟ إذا كان الله واحدا، فالعائلة البشرية لا يمكنها أن تكون إلا واحدة. تخبرنا كل من التوراة و الإنجيل و القرآن، أن آدم و حواء كانا النموذج الأولي لأب و أم البشرية، الزوج الذي نشأت منه التعددية البشرية، على اختلاف ألوانها و ثقافاتها و تقاليدها... لنكون ناجحين في أن نرى في الآخر جزء من أنفسنا، لأن كلانا يشكل طرفين من الأسرة البشرية، هذا سيزيل العديد من الحجب و العديد من المحرمات.

أليتيا: هذه الأخوة البشرية التي تدعوها في أمنيتك، لا يمكن حصولها إلا على مستوى روحي؟

الشيخ خالد بن تونس: على كل حال، هذا ما يدعونا إليه الروحانيين. إن الروحي غير منفصل عن الواقع. بدلا من ذلك، هو ما يقوينا في حياتنا اليومية. كيف ننظر إلى الآخر، كيف ندعوه بأن يكون حاضرا في حياتنا، بدون أن يسبب لنا مشكلا، إلخ..

أليتيا: أي فرق تقدمه بين الإسلام الروحي الذي كان جزءا من عنوان الندوة، التي نظمت باليونسكو في نهاية الشهر الماضي، و الإسلام بالمفهوم التقليدي؟

الشيخ خالد بن تونس: ليس تقليديا تماما، بل إيديولوجيا. تكمن المشكلة هنا. نحن أمام حقيقتين، واحدة سياسية و إيديولوجية، و أخرى روحية. هذه الأخيرة، هي التي تتعلق بكنه الرسالة الكونية. تقريبا هي غير معروفة لعامة الناس، و للأسف، حتى للمسلمين أنفسهم.

أليتيا: تم تنظيم ندوة لمدة يومين باليونسكو في أواخر سبتمبر، بمناسبة مرور مائة سنة على تأسيس المنهج الصوفي العلاوي. إن مؤسسه الشيخ العلاوي، كان غالبا ما يستشهد بالإنجيل. هذا يبدو مفاجئا بالنسبة لمسلم.

الشيخ خالد بن تونس: في الإسلام يعتبر المسيح كلمة، كما جاء في الكتاب المقدس. يقول القرآن أيضا "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" سورة النساء، الآية 171. هذا يقودنا إلى التساؤل عن تقاليدنا، التي لا نعرف عنها سوى القليل، بالرغم من أنها متقاربة. يقول الكتاب المقدس و القرآن الكريم، نفس الشيئ حول العديد من النقاط. هذا سوء فهم يحتاج الناس إلى تنوير حوله.
     في السنة السادسة من الهجرة، استقبل النبي صلى الله عليه و سلم، وفدا متكونا من 61 مسيحي، على رأسهم أسقف. قبل مغادرتهم، طلبوا من النبي صلى الله عليه و سلم، مكانا لإقامة القداس. و محمد، نبي الإسلام، الذي يدّعي البعض أنه مجنون، قال لهم أن أفضل مكان، هو بيت الله. في المسجد النبوي و بحضوره، أقام الأسقف و الوفد المرافق له القداس. للأسف ليس غدا مساءا، سيسمح إمام لكاهن أو أسقف بالإحتفال بقداس في مسجد. نحن في زيحان (1) بالنظر إلى الأصل.
     قال نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم "نحن أبناء أب واحد و أمهات مختلفة". (2). أجد هذا جميل جدا. الأب واحد، و الديانات هي أخوات من الأب. و الأم هي التقليد نفسه، و العصر، و غير ذلك. هذا التنوع موجود لكل إنسان، كي يجد مكانه.

أليتيا: في كتابك "التصوف قلب الإسلام" كتبت أن الرسالة القرآنية مندرجة في نفس المنظور مثل المسيحية و اليهودية. ما هو هذا المنظور؟

الشيخ خالد بن تونس: هذا المنظور هو إعادة ربط الإنسان بالله. و هذا ما نجده في كل الأديان. و أن هذا الرابط الذي يصلنا بالألوهية لا ينقطع أبدا، و ما دمنا إذا، متصلين بحضرة الإطلاق، فكذلك نحن متصلين بالبشرية التي تحيط بنا، و بطريقة أكثر شمولية، بجميع الخلق.

أليتيا: هل تعتقد مثل بعض المسلمين، أن الإسلام كونه آخر ديانة موحاة، هو أعلى شأنا من المسيحية أو اليهودية؟

الشيخ خالد بن تونس: لا يجب أن يؤخذ بهذا الفهم. لنأخذ منظور الدائرة، هي متكونة من عدة نقاط، مضافة إلى بعضها البعض، و موجودة على مسافة متقاربة من المركز. هذا يعني أننا متساوون. متساوون في حصولنا على الإحترام و الحقوق و الإعتراف، إلخ.. الإسلام هو آخر نقطة في هذه الدائرة، التي تسمح بربط البداية بالنهاية، و تسمح بغلقها. زد على ذلك، رمزية الهلال، رمز الإسلام، هو بكل بساطة دائرة غير مكتملة. الجميع على مسافة متساوية من المركز، و ينتمي هذا المركز إلى الله.

أليتيا: نحن نرى هذه الأيام في فرنسا الإنشقاق بين المسيحيين الممارسين، أو أصحاب التقليد، و بين المسلمين. هل تتفهم أن لهذه الدرجة الفرنسيين متخوفين من الإسلام؟

الشيخ خالد بن تونس: طبعا. هذا الخوف له ما يبرره، عندما تروننا نبدأ في غرس، في أطفال في عمر 7 أو 8 سنوات رفض الآخر، و إنَّ هذا يحدث في فرنسا ـ و بالفرنسية ـ. و أن هذه الممارسات مقبولة من طرف السلطات. الآخَر، المسلم، الذي لا يفكر مثلهم، يعتبر شريرا. بعض الأئمة ذهبوا حتى بالقول، أن الموسيقى هي من عمل الشيطان.
    و لكن عن أي إسلام نتحدث؟ هذه الإسلاموية تخيف المسلمين أنفسهم، نحن خائفون من نفس الشيئ. ينبغي أن نتعارف، و نستغل ذلك بدقة لكي نتقارب. هذا هو الشيئ الوحيد الذي يمكنه أن ينقذنا جميعا. شرعنا في نفس القارب. العنف لا يحل أي شيئ، و مثله الإنطواء على النفس.

أليتيا: أليس هذا نوعا ما مثالي؟

الشيخ خالد بن تونس: ألسنا هنا لتحقيق ما هو مثالي؟ إعطاء الحلم حقيقة واقعة؟ أليس هذا هو رهان الإنسان على وجه الأرض؟ إنها النفس، التي تريد أن يكون لدينا شيئا، طريقتنا في الأكل... حسنا، لما لا، و لكن لا نجعل من ذلك مشكلة إلى حد التقاتل. هذه سخافة، نحن في القرن الواحد و العشرين.

ألتيليا: كيف تفسر أن هذا الطريق المسالم و الروحي الذي تدافع عنه، التصوف، يعاني من إساءة الصحافة في العالم الإسلامي؟

الشيخ خالد بن تونس: يوجد تاريخ لهذا. سنة 1923، غزا الوهابيون مكة المكرمة و المدينة المنورة، و هما مكانين مقدسين في الإسلام. أولئك الذين كانوا طوائف عنيفة، و لا يتقبلون أي حوار، أصبحوا بفضل عائدات النفط، مماليك غنية، قامت بغزو العالم. اليوم يملكون عمليا، كل القنوات التليفزيونية العربية. إنهم يُمولون كل تلك الأصوليات، و جميع السلفية، و كل تلك الجماعات المنشقة في العالم.
    لديهم قوة كبيرة وراءهم. ستة ملايين كتاب توزع سنويا، في كل موسم حج. أكثر من 45000 إمام ممول من طرف العربية السعودية في أنحاء العالم. كل واحد منهم، كل يوم جمعة، يتواجد أمامه ما لا يقل عن 1000 و 2000 مصلي. تحققوا من أشرطة الفيديو الخاصة بهم، استمعوا إليهم. ليس هناك حاجة للترجمة، لفهم ما يقولون.

أليتيا: لقد ثُرتَ أيضا ضد الصراع بين المسلمين، بين السنة و الشيعة، كما فعل ذلك البابا فرنسيس، منذ بعض الوقت، مع المسيحيين. هل العالم الإسلامي مستعد لسماعه؟

الشيخ خالد بن تونس: لنحترم رأي الآخر. الملايين من الناس يعتقدون ذلك، و لا أحد يجرؤ على قول ذلك. نحن محظوظون لأن لدينا بابا مُهيِج، يشجعنا على المضي قدما، حتى تتحرك الإنسانية. لم أتبادل معه شخصيا، لحد الآن، و لكنني إلتقيت مرتين بيوحنا بولس الثاني. فرنسيس يبارك تعبئتنا لإنشاء اليوم العالمي للعيش معا، و قد بعث إلينا برسالة في هذا الإتجاه. إنه مشغول جدا، و يوجد لقاء في طور الإعداد.
     الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية مهم لإنشاء روابط. إن آخر توصية للرسول صلى الله عليه و سلم، قبل وفاته، تحمل أربع نقاط: افشوا السلام، أطعموا الطعام، و صلوا الأرحام، و صلوا بالليل و الناس نيام (3). جميع الرسائل تتلاقى.

Aleteia في الأعداد الصادرة أيام 16 و 17 و 18 أكتوبر 2015. حاورته ماتيلد رامبو.
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). زيحان من مصدر زاح، بمعنى أذهب و أبعد.
(2). قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد". متفق عليه. علات تعني إخوة لأب و أمهات شتى
(3). عَنْ عبد الله بن سلام، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَتَى، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّه وَجْه غَيْرُ كَذَّابٍ، سَمِعْتُهُ و هُوَ يَقُولُ  "أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَ صِلُوا الأَرْحَامَ، وَ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَ صَلُّوا بِاللَّيْلِ و النَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ". رواه أحمد و الترمذي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق