الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

مداخلة الشيخ خالد بن تونس في المائدة المستديرة

الإسلام الروحي و التحديات المعاصرة
الندوة الدولية بدار اليونسكو، يومي 28 و 29 سبتمبر 2015

مداخلة الشيخ خالد بن تونس
 في المائدة المستديرة


    شكرا لكم كثيرا، أنتم جميعا، لمشاركتكم معنا و صبركم على سماعنا، و تحملكم، ربما لوجود بعض النقائص. أطلب منكم باسم المنظمين أن لا تحفظوا لنا ظعينة.

     للرجوع إلى العيش معا و العمل معا، على ما يبدو لي، هما ناشئان من أعماق ما نسميه، بالضمير، و هما ليسا بشيئ يعقل بالفكر، فالعقل اليوم هذر. لدي انطباع أن الحكمة رحلت هي كذلك. لا مكان للحكمة في إنسان اليوم. إذا عدنا إلى القانون و كل ما اُعدّ منذ سنة 1946، من طرف الأمم المتحدة، فنجد بها مكتبة مؤلفة، بالأمتار المكعبة، من الإتفاقيات و المعاهدات، و إذا سألنا مؤسسي الأمم المتحدة، في سنة 1946، عندما أسسوا الأمم المتحدة، سيتفاجأون ببطء سيران ما تم إعداده، من طرف الإنسانية، و بوجود إلا القليل، مما تم إنجازه، بالنظر إلى أمنيتهم الحسنة. بالولايات المتحدة، و في مدينة سان فرنسيسكو، كانت أمنيتهم، أن لا تعرف الإنسانية أبدا الشقاء الذي سببته الحربين العالميتين، اللتين يمكن إختصارهما في حرب واحدة، لأن الأولى حضّرت للثانية، بكل بساطة، و رغم ذلك ففي كل مرة نتعثر. عندما أقول نحن، أعني الإنسان الذي هو نحن. إذن ما هو الدور المنوط بنا من كل هذا؟ إذا لم يكن بإعادة التفكير في المشكل، و لا يكون الأمر متعلقا بجزء من الإنسانية، سواءا كانت المسلمة أو من الشرق أو من الغرب، أو من الهند أو من الصين.

    لدينا اليوم الفرصة لاستقبال قريبا في شهر ديسمبر من 30 نوفمبر إلى 11 ديسمبر 2015، رؤساء الدول، الذين سيأتون لمناقشة التحديات التي تنتظر الإنسانية، التحديات المناخية. و وراء هذه التحديات تطرح قضية حقوق الإنسان و إرادة الإنسان. نحن من عجّل الأشياء، فالطبيعة تقوم بعملها، و الإنسان له يد، فيما تعيشه اليوم الإنسانية.

    فما الذي ينبغي القيام به، بالنظر إلى ضمير الكثير من الناس، سواء كانوا مسلمين أو بوذيين أو يهود أو مسيحيين أو ملحدين آخرين؟ كيف أتكلم عن  الشعوب العريقة و الديانات الهندية الأمريكية؟ كيف يمكن أن نجمع اليوم هذه الإرادة حول شيئ منصف؟ 

    لكوني شاهدا، يومي 20 و 21 جويلية الماضيين، فإن فرنسا البلد العلماني، شهدت كل ممثلي الديانات الروحية للعالم، و استقبلتهم بقصر الإليزي. أخذ رئيس الجمهورية الكلمة بعد العَشاء، مستقبلا ضيوفه، و قال "نحن بحاجة إليكم، لأن 80 ٪ من الإنسانية، مازالت تملك عقيدة". عجبا، بدأنا نلاحظ أن الإيمان موجود. تخص العقيدة باطنيتنا و تعني ضميرنا، و كل امرء، و لو أنه لا يؤمن بوجود الله، فله عقيدة، عقيدة في الإنسانية، و عقيدة في حقوق الإنسان. عقيدة في شيئ ما. كيف سنعيش غدا إذا أنكرنا كل أمل؟ العقيدة هي أمل. يبدو لي أننا مطالبين بالذهاب أبعد من المناقشات الجميلة جدا، و الأنسية جدا ، و الجد فلسفية، و الجد روحية، و لكن ينبغي علينا الذهاب أبعد من ذلك. كنا نريد مع المنظمين الآخرين، أن نجعل من هذا اللقاء، الذي كان مندرجا من قبل، من طرف اليونسكو، مناسبة للإحتفال بمئوية المنهج العلاوي، الذي هو في نظر اليونسكو، يمثل تلك المدرسة للتعايش و الحوار، و المنهج الحضاري، و غير ذلك. و قد حان الوقت لاستغلال ذلك، ما دام على العموم، يقال في فرنسا أن المسلمين لا يتكلمون. لماذا لا يقول المسلمين شيئا؟ ها هم المسلمون يتكلمون، و يقولون لكم، لا نستطيع لوحدنا بناء بيت السلام، ينبغي تدخل الجميع. لا أمثل كل المسلمين. في النهاية، فإن ضمير الكثير من المسلمين ينادي بقية الإنسانية قائلا: إسمعوا، ساعدونا. لنساعد بعضنا البعض لنبني هذا البيت للسلام.

    إن العيش معا و العمل معا، يتطلبا على مستوى الضمير الإنساني، وجود إرادة و رغبة قوية، و لا يُنجزا إلا في التآزر. لا يبنى العيش معا و العمل معا، بالقانون و لا بالسياسة، و لكن بالأخوة، و بوجود رغبة قوية، تكسوها صفات إنسانية. إن الأخوة لا تملى (1)، و ليس بشيئ يفرض بالقانون و لا بالقوة، و لكنها الملجأ الأخير فينا، لإيجاد المعنى الإنساني، و إعطاء معنى لهذا العالم.

    أشكر كل المتدخلين الذين كانوا في قمة الرسالة، التي استمعنا إليها في هذين اليومين، و أشكر أيضا محمد عزيزة، الذي بشكل ما، قمت بجره معي في هذه المغامرة، و هي جائزة الأمير عبد القادر. و لماذا الأمير عبد القادر؟ لأن في سنة 1860، هذا الرجل أنقذ الألوف من الناس، في دمشق، و دمشق اليوم، و كل سوريا في خطر الموت، و معها كل الشعب، المسلم و المسيحي و الدرزي. هذا ما يعني، أن واحدا من المراكز الحضارية الإسلامية، في طريقه للإندثار، بدون أن يتحرك أحد، أو إنهم قليلون من يفعل ذلك. على كل حال، أحببنا الإضافة إلى كل هذه الجوائز القَيّمة، إضافة جائزة الأمير عبد القادر، لأن هذا الرجل يعني بالنسبة لنا، و بالنسبة للعالم الإسلامي، و بالنسبة للعالم الغربي. للرجل احترام، و نقوم باستعمال هذا الإحترام للقول أن العيش معا، قد سبق و ذُكر. يوجد شخص قد حمله، و عندما قيل له نشكرك على ما قمت به، و إنقاذ الآلاف من المسيحيين، قال لا يوجد ما تشكرونني عليه، لا أقوم سوى بتطبيق ـ لقد قالها ـ الحقوق الإنسانية، و حتى أنه مَنح الحقوق، قبل أن تدوّن كتابة، من طرف الأمم المتحدة، و يصدر المرسوم. قال أقوم بذلك، و ببساطة، بالحقوق الإنسانية. إنه حق بأن يضمن إنسان قريبه، مهما كان. من أين أتى الأمير عبد القادر بهذا؟ إنه محمدي. ذهب و بحث عنه في الميراث، و هذا ما يهمنا نحن المسلمين. و يعني لنا الكثير. لقد اقتدى بالرسول صلى الله عليه و سلم المجهول في أيامنا، و تُساء معاملته من طرف المسلمين أنفسِهم.

    إن آخر توصياته عليه الصلاة و السلام، قلتها بالأمس في الإفتتاح، كانت قوله "افشوا السلام و صِلوا الأرحام و أطعموا الطعام و صلوا بالليل و الناس نيام.." (2). إن الذين يقومون الليل، هم الذين يبقون على هذا الضمير حاضرا، لا يهم من هم. إن الذين يقومون الليل، هم الذين يمنعون الإنسانية من الوقوع في الوحشية. هم الذين مهما اختلف دينهم، و اختلفت علومهم، و مهما كانت صفاتهم و أجناسهم، يدافعون عن الإنسانية، حتى لا تنحلّ في اللاإنسانية. إن هذه اللاإنسانية تُدار اليوم بطريقة عالمية. نعلم كلنا أن الإله في أيامنا هذه، هو العجل الذهبي. و كل هذا الهذر لا يفيد شيئا، إذا لم يقتنع كل واحد منا باطنيا، بأن بعمله اليومي، إزاء أبناءه و جيرانه، و لا يقوم بإفشاء السلام، و إعطاء بعضا من وقته للذين يحتاجونه. إن المحتاجين هم الذين بحاجة إلى طعام، و كذلك الذين يحتاجون إلى علم. المعرفة ضرورية و التربية ضرورية، و الصِلات كذلك مهمة، فإذا قطعناها، سنقع في المعارضة و الحروب، و إذا حفظنا عليها سنحفظ الحياة. و شكرا. أعذروني...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). من الإملاء.


 (2). عَنْ عبد الله بن سلام، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَتَى، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّه وَجْه غَيْرُ كَذَّابٍ، سَمِعْتُهُ و هُوَ يَقُولُ  "أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَ صِلُوا الأَرْحَامَ، وَ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَ صَلُّوا بِاللَّيْلِ و النَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ". رواه أحمد و الترمذي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق