الخميس، 13 ديسمبر 2018

الذكرى الأولى لتقرير اليوم الدولي للعيش معا في سلام

الذكرى الأولى لتقرير
 اليوم الدولي للعيش معا في سلام

    في اليوم الثامن من ديسمبر 2018، تكون قد مرت سنة كاملة، على ترسيم اليوم الدولي للعيش معا في سلام، فقد جرت يومها مجريات التقرير، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ 72، بمدينة نيويورك الأمريكية. كما تعلمون، سعى الشيخ خالد بن تونس للعملية سعيها الدؤوب، حتى يجمع جميع الدول على تبني هذا الإجراء، ولمدة تفوق ثلاث سنوات، منذ ختام المؤتمر الدولي للأنوثة، في مدينة وهران، أواخر شهر أكتوبر 2014، قام الشيخ خالد بن تونس، بعمل جبار، وطاف مختلف البقاع، واجتمع بمختلف الشرائح العالمية للترويج لمشروعه، وكسب دعم المؤثرين ومجموعات الضغط، حتى يتم تمرير المشروع. فبعد عقبات تعرضت طريقه، وشكوك حامت حول جدواه، وسط عالم يعيش توترا، وحتى أنه تلقى تسفيهات، وسم بها العمل المقام، والتحركات المراطونية التي خاضها، وصفت بالعجيبة؛ طرح المشروع للتصويت، وكانت النتيجة باهضة، فاجأت حتى الشيخ نفسه، تم تبني المشروع، بالإجماع الشامل، لم تتخلف أي دولة، من الدول 193، المنخرطة في الأمم المتحدة، وحتى أنه لم يجرى إقتراع، قُبل بالتوقيع على مضامينه، وصدر القرار، يوم 08 12 2017، وتم تشريع "اليوم الدولي للعيش معا في سلام"، واختير يوم 16 مايو من كل سنة، يوما للإحتفالية.

    في احتفاليات اليوم الدولي للعيش معا في سلام، في شهر مايو الفائت، التي عرفت مشاركة ملحوظة في العالم، بالنظر أنها تجرى في طبعتها الأولى، قدم الشيخ خالد بن تونس، عدة عروض، لتجسيد أواصر الأخوة، ومباني العيش معا، وإفشاء مآثر السلام، فكان مما اقترح آنذاك، أن نتوجه إلى مدينة وهران، لوجود معلمين، يجسدان ذلك التنوع، فعلى قمة الجبل المشرف عليها، قد تم مؤخرا ترميم كنيسة سانتا كروز، التي تعود إلى العهد الفرنسي، وبني مسجدا جديدا، محاديا لمقام سيدي عبد القادر الجيلاني، مما جعل الشيخ يحث على أن يقوم وزير الشؤون الدينية، ووفد مسيحي، بفتح المعلمين معا في كل موقع، فذلك يبرز قمة التآزر، والمسامحة التي ينبع بها البلد، فكونه هو البلد الذي رفع الطلب إلى الأمم المتحدة، وعمل دبلوماسييه عملا شهد له الشيخ خالد بن تونس، وأقرّ بأهليتهم الكبيرة على استخراج نص، يجمع حوله مختلف دول العالم، ولا يثير أي حساسية، لمعرفتهم بمؤثرات الأمم.

     تحقق طلب الشيخ خالد بن تونس، بحلول الذكرى الأولى لصدور القرار، فقد قبلت الدولة الجزائرية، ليس فقط على أن يتم فتح المعلمين، من قبل مسلمين ومسيحيين، يمثلون جهات رسمية جزائرية ودولية، بل حتى على إقامة شعيرة مسيحية، تسمى التطويب، قالوا أنها تجرى لأول مرة في بلد إسلامي، ومن عادتها تقام في محافل الفاتيكان. وتقرر بأن يشترك مسلمون ومسيحيين في حضور مراسم التطويب لـ19 مسيحيا، اغتيلوا في سنوات التسعينات، واضافة إليهم، تم استحضار أرواح 114 إماما اسشهدوا وقتها، حيث رفضوا الإنصياغ لطلبات الإرهابيين، وفضلوا إذاعة خطابا حضاريا، ينم عن صبغة المحجة البيضاء للإسلام.

الشيخ خالد بن تونس وبجانبه وزير الشئون الدينية، بالمسجد القطب.


إنفتاح معالم دينية بالمدينة
    جرى يوم 07 ديسمبر، تدشين مسجدين وكنيسة، في مدينة وهران، تحت إشراف السلطات الجزائرية، يقودها وزير الشؤون الدينية، السيد محمد عيسى، والوفد المسيحي المرافق، تحت قيادة الكاردينال جيوفاني انجيلو بيتشو، عميد مجمع دعاوى القديسين، ممثلا لبابا الفاتيكان، وحضر المجريات، الشيخ خالد بن تونس.

    استغلت المناسبة، لافتتاح تدشين مسجد الأمير عبد القادر، الذي كان هبة تركية للمدينة، بني بحي البركي، الذي، بحسب الوزير، "يرمز إلى الأخوية الجزائرية التركية، وكذلك التحالف التاريخي، الذي حدث في ظروف مماثلة، بين الجزائريين وإخوانهم العثمانيين، لتحرير الجزائر من نير التحالف الصليبي". ودشن قبله مسجد رباط الطلبة، الذي بنته الولاية في أعلى جبل المائدة، الذي يعلو المدينة، بالقرب من مقام سيدي عبد القادر الجيلاني. وأطلق الإسم تشريفا لطلبة القرآن الكريم، الذين لعبوا دورا حيويا في تحرير المدينة من الإسبان، سنة 1792. وبالقرب منه على جبل مرجاجو، تم إعادة إقتتاح كنيسة المقدسة، بعد التجديد، والمعروفة باسم سانتا كروز، نسبة إلى الحصن الذي يحمل هذا الإسم، وبناه الإسبان على رأس جبل هيدور، نسبة إلى الولي الصالح سيدي هيدور، الذي أصبح يعرف لاحقا، باسم أطلقه عليه الإسبان، وهو جبل مرجاجو.

    شهدت صبيحة يوم البست 08 ديسمبر، حدثا إستثنائيا، غير معهود إطلاقا،  فقد ولجت وفود الضيوف المسيحية، المسجد الأكبر، للمدينة، المسجد القطب، عبد الحميد ابن باديس. حضيت عند مدخله، بمحفل مهيب، سلمت لهم الورود فور نزولهم من الحافلات، واستقبل وفد الفاتيكان والأساقفة استقبالا، نابع من تقاليد وثقافة الجزائر، قدم لهم التمر والحليب، عند مدخل المسجد، وسمعت طلقات بارود الخيالة، ونغمات الفرقة التقليدية الرسمية، التي تخصص عادة في المطارات لاستقبال الشخصيات المرموقة، وقدمت لهم عروض داخل قاعة الصلاة، وهي سابقة، بأن يدخل غير مسلمين المسجد، واستمعوا إلى الترتيل الجماعي لطلبة القرآن، وهم يقرأون سورة مريم، فقد كان إمام المسجد، مرافقا بأعيان المشهد الديني، يقدمون شروحا وافية عن المنشأة العمرانية الراقية، يتوسطهم مبعوث البابا، واستضيفوا بعدها في صالة عريضة، من طراز خمس نجوم، تشهد بحسن الضيافة العربية، ارتشفوا عندها كؤوس الشاي، وتناولوا مختلف الحلويات والمشروبات. لمسنا تأثرا محسوسا من المسيحيين، رجالا ونساءا، وعلى الخصوص، أسقف وهران السيد جان بول فيسكو، الذي ما فتئ يتحدث عن ما عايشه في المسجد، ويخبر كل من يستقبله بانفعال كبير.

داخل المسجد القطب، مسلمين ومسيحيين.

تدشين ساحة العيش معا في سلام
    في ساحة كنيسة المقدسة، وأثناء تدشينها، ومنحها تسمية، العيش معا في سلام، قال الشيخ خالد بن تونس، كلمة وجيزة، أمام الصحافة المرئية والمكتوبة، جاء فيها "الحمد والشكر للمولى عز وجل، الذي قدّر، وجعل هذا اليوم من الأمكن في وطننا. وهذا يدل على أن وطننا، لزال قائما وحيا، ويجمع ويؤلف فيما بين القلوب وبين الدول والأمم. ما أتمناه أن يكون هذا الحدث بداية، وليس نهاية، وهذا الحدث يصبح غدا حادثة وعملية لن تتوقف من أجل توحيد العائلة الإنسانية. المصالحة للعائلة الإنسانية". وأضاف "ينبغي ترجمة هذه المعاني في وقائع، وفي واقع الحياة، وأتمنى أن يكبر أطفالنا وهم متشبعين بهذه الأفكار، وتكون مغروسة فيهم من البداية". وأوضح "ليس بالعنف والإكراه، بل العكس، يكون بالتفتح والخطاب مع الغير". وأكد بأن "يجب أن لا ننسى، أن الإنسان لا يقدر بمفرده أن يكتشف ما حواه باطنه من خير أو من شر، فالمقابل لنا، هو الذي يعطينا الميزان، الذي نعرف به أنفسنا وحضارتنا وديننا، ونبني به حياتنا".

    وشدد في خطابه أنه "لا ينبغي أن ننسى أبدا، أنه مع الآخر يمكن بناء حياتنا، في هذه الحياة الدنيا"، وأضاف أنه ينبغي"أن نعلم أطفالنا الحوار وليس الصراع، ففي الحوار والصراع والصدامات، يمكن لأي شخص أن يجد فائدة، يستفيد منه ويفيد بعضه بعضا". وختم "أشكركم جميعا، وأريد هنا، أن أشكر السيد رئيس الجمهورية الجزائرية، الذي منذ بلورة هذه الفكرة، أدرك كل العمق الذي يكتنفها، وكل الحكمة التي تكتنزها، وأتوجه إلى قداسة البابا، ووزير الشؤون الدينية، الذي عمل بشدة، طوال سنة كاملة، وبذل جهدا ملحوظا، حتى يتحقق هذا الأمل، لهذا اليوم. شكرا لكم جميعا".

    وبجانبه، نوّه السيد وزير الشؤون الدينية الجزائرية، السيد محمد عيسى أنه "يشعر بالسعادة، بأن هذا الإقتراح صدر من الجزائر، وحظي بموافقة البابا فرنسيس، ونفتخر بأن رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، وافق بأن تكون طقوس التطويب على أرض الجزائر". وأشار أنها سابقة، تحدث لأول مرة مراسم التطويب على أرض إسلامية. بحسب ما أعلن في روما. ومن جهته، عبر الكاردينال جيوفاني انجيلو بيتشو في تصريح له عن "شكره للدولة الجزائرية ورئيسها الرئيس بوتفليقة، على تعاونهم في تنظيم ونجاح الاحتفال بتطويب الرهبان الـ 19 الذين ماتوا في الجزائر".

تطويب مسيحيي مأساة الجزائر
    المأساة هو إسم أطلق على أحداث دامية عرفتها الجزائر في فترة التسعينات من القرن الماضي، وامتدت ألامها حتى سطوع فجر القرن الواحد والعشرين، وهي حرب نشبت بين قوات الأمن الجزائرية والجماعات الإسلاموية، أسبابها كثيرة وأغلبها غير معلنة، والواضح فيها، أن تسببت في مقتل عدد كبير من الجزائريين، أحصي تعدادهم بين 150 ألف و 200 ألف مواطن، من مدنيين ورجال الأمن والجيش ومفكرين ورسميين وأجانب، ومن هؤلاء الأجانب، راح ضحية الهمجية 19 مسيحييا ممارسا.

    وجرت مراسم التطويب في كنيسة المقدسة، الواقعة بالمرتفع، الذي يشرف على المدينة، يوم 08 ديسمبر 2018، بحضور مبعوث البابا فرونسوا، الكاردينال جيوفاني انجيلو بيتشو، عميد مجمع دعاوى القديسين، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، والشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلاوية. والتطويب هو الخطوة ما قبل الأخيرة نحو القداسة في الكنيسة الكاثوليكية. وحضر المراسم نحو 1500 شخص، حضروا من الجزائر ومن أوروبا، من ضمنهم عائلات الضحايا، وكان هؤلاء الضحايا قد فضلوا البقاء في الجزائر، رغم التحذيرات وإلحاح أهاليهم.

    وشارك الشيخ خالد بن تونس، في السهرة الروحية التي جرت مساء يوم 07 دييسمبر في مركز بيار كلافيري المسيحي، ونشطته بمعيته الفرقة الإنشادية العلاوية، جادت قريحة منشديها بأحلى القصائد الروحية الصوفية، وامتزجت خلال الحفلة، بترانيم الموسيقى المسيحية.

    أشاد الشيخ خالد بن تونس، لاحقا، يوم 12 ديسمبر من باريس، باليومين المشهودين، يومي 07 و 08 ديسمبر، وهو يحضر لقاءا حول الأمير عبد القادر، لوجود ممثلي الفاتيكان، وممثلي الكنيسة الجزائرية والأديرة، ونوّه "بالأوقات المتقاسمة بالكاتدرائية والمسجد، ولحظات التطويب، بكنيسة سانتا كروز، التي تشرف على المدينة"، وأخبر أنها تمثل "رمزا عظيما، وإنها الأخوة والإلتقاء، الذي جعل من هذا اللقاء، أن يكون بين السماء والأرض، لم نكن كليا بين السماء والأرض، ولم نكن أيضا في الأفقية، صعدنا شيئا ما، للوصول إلى هذا المكان الذي يشرف على المدينة، ويبعث نداءا للجميع، وأرجو أن يكون هذا النداء قد سمع، ونحو هذا ينبغي أن نميل ونستثمر".

مشهد للكنيسة المشرفة على المدينة أوقات التطويب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق