الجمعة، 20 مارس 2020

أشراط الساعة


أشراط الساعة


    

     جمعت ندوة في الدير البوذي التبتي كارما لينغ، بمقاطعة سافوا الفرنسية، ممثلين عن التقاليد الروحية، اجتمعوا للتفكير في الأزمة البيئية وعلامات آخر الزمان،  كما ينظر إليها في البوذية التبتية والإسلام الصوفي وفي التصورات الغربية. وتدخل هذه الندوة في إطار نشاطات معهد كارما لينغ، وكان موضوع هذا اللقاء "الأزمة البيئية وآخر الزمان". وقد جمع اللقاء العديد من المختصين في علم البيئة، وهذان التقليدان، التصوف الإسلامي والبوذية، من النادر اليوم رؤيتهما يرتبطان بتفكير مشترك.

    انقسمت وقائع المنتدى إلى أربعة محاور، حيث شارك الشيخ خالد بن تونس في أحداث المحور الثالث، الذي اختار بحث موضوع "هل لعلامات آخر الزمان معنى اليوم؟"، وكان له مداخلة تحت عنوان "هل لزالت حوادث آخر الزمان حاضرة في كل كائن وكل لحظة؟"، إلى جانب معلم الدير اللاما (دينيس توندروب رينبوشي)، الذي كان موضوع مداخلته "دعوة علامات آخر الزمان إلى ثورة روحية وأخلاقية عالمية".


الشيخ خالد بن تونس مع المعلم البوذي دينس توندروب على يمينه

والمعلم الفقيد  أرنود دي جردان على شماله في أحد اللقاءات البيدينية



    أما عن هذه اللقاءات، التي ينظمها المعهد البوذي، يقول الشيخ خالد بن تونس "أما عن ملتقيات (كارما لينغ) المنظمة بمبادرة من اللاما دينس توندروب في دير الشرتريين، التي استضافها وسهر على إدارتها. ففي سنة 1988، بمناسبة مجيئ الدلاي لاما إلى سافوا، ولدت فكرة لقاء وتبادل بين البوذية التيبتية و التقليد الصوفي. هذه اللقاءات التي كان يبدو الجميع ضدها في الظاهر، أظهرت بأن لها العديد من النقط المشتركة. وهكذا، ومنذ أكثر من عشر سنوات، نلتقي كل سنة للتطرق إلى مواضيع محددة نفكر فيها بشكل مشترك في أحداث آخر الزمان، والفتوة، والتوحيد؛ كلها مواضيع نكتشف من خلالها الآخر و تقليده".


مطبوع جمع وقائع اللقاء، صدر سنة 2008، عند منشورات ألبين ميشال.


    ألقى الشيخ خالد بن تونس مداخلته، وفيها سلط الضوء على الاستفسار "هل لزالت حوادث آخر الزمان حاضرة في كل كائن وكل لحظة؟". في التالي مقتطفات من تلك المداخلة، للشيخ خالد بن تونس، أعدها نصها الفرنسي المرحوم أمين باسينيون، حيث جرى اللقاء في شهر يونيو سنة 2005، في دير كارما لينغ.



المداخلة

    الأرض، مثل أي كائن حي، مآلها إلى الزوال.

    سيغدو زمن الغد أكثر روحانية، وأكثر تناسقا.

    يجب ألا نقف موقف المتفرج، إزاء مشاكل عصرنا العظيمة، بل نحاول الاستفادة منها، من أجل تحصيل تحقيقنا.

    لقد دخلنا في طور جديد من الحياة الأرضية: ارتفاع في درجة الحرارة، واضطرابات بين الناس... 

    ولكن من هذه السلبية التي تستوطن، سوف تنبعث الإيجابية.

    يوجد الآلاف من الأشخاص المنتبهين لما يحدث. يعتقدون أن هذا النظام الهرمي (الاقتصادي والسياسي والديني، وما إلى ذلك) الذي يديرهم، لم يعد مناسبًا لهم. قمة تقود وقاعدة تطيع، هذا لم يعد يعمل.

    يتوق الناس إلى التغيير، من أجل إيجاد انسجام في حياتهم، وروحانية حية. ولنستأهِل ذلك، ينبغي أن يشغل هذا الأمر أخلص تمنياتنا.

    خلال اجتماع كبير لأناس في طوكيو في مارس 2005، من جميع التخصصات، اجتمعوا لتقييم جميع الأديان: اتفقوا جميعًا على نقطة واحدة، وهي أن البشرية تطمح إلى روحانية تتجاوز التقاليد أو الدغماتية.

    كما تم ذلك في جنوب إفريقيا، إذ أدى اجتماع إلى التوصل إلى الاستنتاج التالي: سيتم إنقاذ القارة الأفريقية من خلال العودة إلى ضمير عالمي، وبإيمانها وروحانيتها(1).

    ومن المفارقات، أن نهاية الزمان مفيدة، لأنها تدعو كل واحد منا، حتى نتخلى عن يقينياتنا، ليفسح المجال لوعي عالمي جديد. والمشكلة هي أنه عندما نكون في داخل شيء، تكون نظرتنا عنه ناقصة، فلأننا قريبون جدا منه. إن علامات الساعة هي علامات التجديد.

    في معراجه العظيم، التقى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء الآخرين، وسألهم عن علم الساعة، ولم يكن أحد يعرف أيان مرساها، ولكن أحدهم، وهو سيدنا عيسى عليه السلام، قال أنه لا يعرف عنها، ولكن يعرف العلامات التي تسبقها، ولا سيما فترات الجفاف الطويلة، والكوارث البيئية، وقلة المطر، وفقدان الأرض لغطائها النباتي، والزلازل، وفيضان البحار (تسونامي)، والتلقيح الاصطناعي، واضطرابات في العراق والشام (تم الاشارة إليهما بإسميهما)، والمباني الشاهقة، وازدهار الصحارى... بعد هذا الفساد سيخرج المسيح الدجّال: سيتخذ الزائف مكان الحقيقي. سيفعل العجائب (يعيد الحياة إلى شخص ميت، يزيد أتباعه ثراء، يخرج الفواكه والخضر بوفرة، ويصمم حيوانات وافرة اللحوم... عندها ينزل سيدنا عيسى. وسيهزم المسيح الدجال، ويوحّد العالم روحيا، الذي يعود إلى القيم الحقيقية.

    إن آخر الزمان شكل من أشكال الأمل. خير الأزمان أمامنا وليس من خلفنا. يجب على الإنسانية أن تستقدمه بملء ضميرها. الآلاف من الناس يريدون هذا التغيير، ولكن هناك انسداد. أظهر استطلاع رأي أمريكي أن الكثير من الناس يطمحون إلى عالم أفضل، وهم على استعداد لكسب أموال أقل، لتحقيق ذلك. للأسف، ظل هذا الاستطلاع سريًا. ربما لم ترغب وسائل الإعلام في الكشف عنه كثيرا. ولكن عاجلاً أم آجلاً، ستبرز هذه القدرات البشرية، وتدرك في نهاية المطاف، أنها تشكل قوة. في الوقت الحالي، يوجد نقص في النضج والثقة، وفي كل هذه "الاحتمالات"... ربما سيكون أطفالنا أو أحفادنا هم القادرين على القيام بذلك؟

    على أي حال، هذا الانسداد سوف يفسح المجال في النهاية. يوضح ما يلي هذا الأمر بشكل جلي: تقوم شركات التأمين الصغيرة بتأمين نفسها لدى شركات التأمين المتوسطة، والتي هي نفسها تؤمن نفسها عند شركات التأمين الكبيرة. في الأخير، لا توجد سوى مجموعة صغيرة لشركات التأمين الكبيرة التي تؤمن الجميع. بالنسبة لهذه الأخيرة، بدأت الفاتورة تشكل عبئا ثقيلا (عدد الكوارث في ازدياد)، وبالتالي، سيتعين عليهم تغيير أسلوبهم.

    في الوقت الحالي، يتألف النظام من قاعدة، لا تعرف أنها تشكل قوة للتغيير، وقوة لتحويل هذا المجتمع إلى مجتمع آخر أفضل، أكثر انسجامًا وتوازنًا وإنصافًا، وقمة بدأت في تقييم العواقب الوخيمة لأفعال إنسانيتنا، في الماضي والحاضر.

    عندما ينسب طرفان، كل منهما، صورة الخير والشر إلى نفسه، فهذا دليل جليّ على نهاية نظام. الحداثة تندثر أمام أعيننا، ولكن في نفس الوقت، تبرز حداثة مستقبلية، قد تحتاج إلى تنظيم هيكلها حول دائرة، رمز التوحيد، حيث سيكون الجميع متواجدا على المحيط، ومتوجهين نحو مركز. غير أن هذا المركز سيكون أكثر فأكثر كثافة، وأكثر إشراقا. ولن يقول أحد: أنا الذي يقود أو أنا من يملك الحقيقة.

    لم يعد الخطاب السياسي والاقتصادي مقبولا. وأصبح نظام النمو اللامتناهي وهمًا خالصًا. نتطلع اليوم إلى التوازن والاستقرار والسلام. إن إنسانية الغد سوف يصنعها الجمال والحكمة. نحن المستهلكين الحاليين، سنصبح أناس واعين: الطب سيتغير، الزراعة ستتغير، العمارة ستتغير... لا يوجد بديل آخر للعالم.

    سوف يتسع نطاق الضمائر، بنفس سرعة اتساع الكوارث. إنها مفارقة، ولكنه أيضًا توازن. لذلك لن يكون هناك المزيد من القادة، ولا مزيد من الأنظمة، ولا مزيد من الأحزاب... لذا ينبغي ألا نخشى نهاية الزمان، بل بالأحرى إثارة ذلك، لأن تغييرنا يكمن فيه.

    لا ينبغي أن نعود إلى الحالة الذهنية لنبوة نهاية العالم، ولكن علينا أن نذيع البشائر. إذا رجع الإنسان إلى الحكمة، سيفتح الله له آفاقًا هائلة. لم نستخدم كل قدراتنا، ولا حتى العشر منها. لا تزال هناك العديد من الأشياء للإيجاد فينا.

    مضى جلّ الليل. وكلما تقدمنا في الليل، كلما اقتربنا أكثر من النهار. يجب أن نسير في الليل، مستمسكين بالأمل. كل واحد منا، ينبغي عليه، أن يتحول ويصبح وريثًا للبشرية. ولنتجنّب الانتماءات الضيقة. سيكون الإنسان وريثًا للتراث الآدمي، ومَعنِّيٌ بكل ما يحدث بالقرب منه أو بعيدًا عنه. سيشعر الجميع أنه في منزله، حيثما كان، دون أن تختفي خصوصياتهم. وسيضل التنوع في تزايد، ولكن داخل المساواة والأخوة.

    للإنسانية قوة خفية تتجلى عندما تشعر بالاعتداء. حاليا نحن لسنا في العالمية بعد(2). نبدي أكثر الحالة الأنانية التي تقطعنا عن بعضنا البعض. سنبقى نتعرض لهجمات سلبية إلى أن نفهم.

    يتطلب الأمر تغيير في حال الضمير، لجعل الأشياء تتطور. ينبغي أن نتخذ القرار.


    كان هذا مقتطف من مداخلة الشيخ خالد بن تونس في اجتماع عقد في دير التبت لكارما لينغ (جنوب فرنسا) في يونيو 2005.




(1). زار الشيخ خالد بن تونس في شهر مارس 2005 اليابان، وكانت له لقاءات مثمرة، كتلك التي جرت في جامعة تسوبوكا، وكان له اجتماع بالإمبراطور الياباني أكي هيتو، وفي تلك السنة صدرت الترجمة اليابانية لكتابه "التصوف قلب الإسلام".

    وفي نفس السنة شارك الشيخ خالد بن تونس مع الزعماء الروحيين الأفارقة بجوهانسبورغ، بجنوب أفريقيا، تم تنظيمه من طرف IFAPA، رابطة الإتفاق من أجل السلام بأفريقيا. من الأمور الغريبة التي ذكرها الشيخ عن اللقاء وبقت في الذاكرة، أنه كنا قاصدين المسجد لأداء صلاة الجمعة، فأبدت النساء المشاركات رغبتهن في الصلاة معنا، فاسقلنا الحافلة، وفي إحدى المحطات، طلب من النساء النزول للوضوء ويتجهزن للصلاة، فأقلعت الحافلات وتركتهن. ظل الشيخ دائما يذكر هذه الحادثة باستغراب.




       الشيخ خالد بن تونس في اليابان


(2). في هذه الأيام تمر الإنسانية بظروف استثنائية، حيث يجتاح العالم جائحة كورونا، مرض معدي، أحدث تغيرا في سلوكيات مواطني العالم، لم تعتدها الإنسانية الحالية، حيث بادرت أغلب الحكومات إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمنع انتشاره ومحاولة احتواءه. عملت العديد من الدول التي انتشر المرض بأراضيها، على التقليص من حركة المرور، وحتى منعها تماما، والطلب من السكان التزام بيوتهم، وعدم الخروج، إلى جانب غلق جميع الحدود، وإيقاف حركة المرور الجوية والبحرية وحتى البرية. أغلقت المدارس والجامعات، وتوقفت الصلوات في المساجد والمعابد، وغير ذلك من إجراءات، أعاقت حرية الفرد، تصديا لتفشي المرض. في سنة 2005، قال الشيخ خالد بن تونس، أننا لم نبلغ مستوى العالمية، وماذا اليوم عنها في سنة 2020، والعالم يتعرض لامتحان لم يختبره من قبل؟ في سؤال عن الدرس الرئيسي الذي يمكن استخلاصه في هذه المرحلة من جائحة الفيروس التاجي؟ قال المفكر والفيلسوف الفرنسي ادغار مورين، ردا على سؤال صحيفة nouvelobs.com، نشر بتاريخ 18 03 2020، معربا " تبين لنا هذه الأزمة أن العولمة هي اعتماد متبادل دون تضامن. لقد أنتجت حركة العولمة بالتأكيد التوحيد التقني والاقتصادي للكوكب، لكنها لم تعزز التفاهم بين الشعوب. منذ بداية العولمة في التسعينات، اندلعت حروب وأزمات مالية. خلقت المخاطر التي تواجهها الأرض - البيئة والأسلحة النووية والاقتصاد غير المنظم - مصيرًا مشتركًا للبشر، ولكن البشر لم يدركوا ذلك. يظهر الفيروس الآن، بشكل مأساوي، مجتمع المصير هذا. هل سنستيقظ نحن، في نهاية المطاف؟ في غياب التضامن الدولي والهيئات المشتركة لاتخاذ تدابير على مستوى الجائحة، فإننا نشهد الإغلاق الأناني للدول على نفسها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق