الخميس، 26 مارس 2020

الشيخ خالد بن تونس لمؤسسة دينيس غيشار

الشيخ خالد بن تونس
 لمؤسسة دينيس غيشار


    حضر الشيخ خالد بن تونس الندوة التي نظمتها "مؤسسة دينيس غيشار"، يوم 09 سبتمبر 2004، وأعطت لها عنوان "أمل لصحة الغد"، وكان له مداخلة قصيرة قيمة، تصب معانيها في صلب موضوع اللقاء. قبل أخذه الكلمة نوّه رئيس المؤسسة السيد "جان ماري بيلت" بالشيخ، وقال "أطلب من صديقي الشيخ بن تونس أن يتفضل بالجلوس هنا، وأن يقدم لنا الكلمة الطيبة، والتي هي الكلمة الختامية. فهو ينتمي إلى تقليد روحي عريق، ونحن نلتقي في ندوات عديدة واجتماعات عديدة، ولبعضنا البعض كامل التقدير وبالغ الاحترام، وإذا سمح أن أقولها له علنا، فإننا نحب بعضنا البعض كثيرا. لك الكلمة صديقي العزيز".


    قال الشيخ خالد بن تونس:

    شكرا جزيلا صديقي العزيز.

    من الجيد الابتداء، وابتدأنا بكلمة صداقة ومحبة. أريد على الخصوص أن توقظنا هذه الخلاصة، وأن تقودنا إلى ذلك. إذا كنا لنزال غير قادرين على التحلي بها، على الأقل نربطها بالأخوة. لأنه يبدو لي، أنه إذا تكلمنا عن الروحانية أو عن الطب، سواء كان غربيا أو شرقيا أو تقليديا أو أفريقيا أو أمريكيا هنديا. يجب أولا القول، هل المرض الذي يسكننا، مرض الجسد، هل هو قبل كل شيء، كما يتوقع بعض الباحثين، مرض يصيب الكائن، حتى لا نقول مرض الروح، لأن الروح لا يمكنه أن يمرض، ولكنه مرض الكائن.

    يعني ربما أننا وصلنا إلى لحظة العولمة، حيث أصبح الإنسان يتساءل عن مستقبله، عن مصيره، فنحن نتواجد في مفارقة، حتى لو كان ما أقوله تفاهة، ولكننا في وضع أصبح فيه الإنسان، لا هو جالسا بالكامل ولا قائما بالتمام، فنحن بين هذا الهامش أو هذا الحد. فقد فقدنا الثقة في أنفسنا، في تلك الإمكانية الموجودة في صلب كل كائن، إمكانية تخيل بناء عالم أفضل لأبنائه وأحفاده، أي للأجيال القادمة. ببساطة، نحن في حالة من الأسى والاحباط، كالذي  يقوم بشيء خاطئ، لأنه لا يزال ينتابه هذا الجزع، أن الثقافة أو الحضارة التي يستند عليها ويتجذر منها، ستنهار فجأة، كما لو أننا نجلس على عالم وهمي خيالي، يمكنه أن ينهار في أي لحظة.

    نحن نمتلك الأسلحة الكيماوية والبكتريولوجية والنووية، لدينا التلوث، وفي كل المجالات، توجد إشارات تذكرنا، وتقوم بتحذيرنا من أنفسنا.

     لا يوجد شرقا وغربا. من الناحية الجغرافية  بالطبع يوجد، لا يوجد على مستوى الكائن، لا شرق ولا غرب، نحن جميعا شرقا بالنسبة لشخص، وغربا بالنسبة لشخص آخر، وما دمنا أننا لم نفهم، أعتقد أن من هنا يجيئ دور الروحانية، لتذكرنا أننا جميعا منحدرين من نفس الخلية، لنفس نقطة الانطلاق، مثلما نسميها الانفجار الكبير، أو نسميه الصفر المطلق، وهذا الصفر نفسه، كما يقول عنه بعض الرياضيين، أنه إذا رفع إلى أس الصفر، ولّد الواحد. إنه ليس العدم. لم نأت من العدم، وجاء التقليد أو الروحانية ليقول لنا أننا جئنا من اللاوجود، وليس العدم. توجد معلومة في الانطلاقة. وبذلك، فإننا نحمل جميعا هذه البصمة فينا، ناهيك عن الصعوبة التي نجدها في تقبل الحقيقة التي توحدنا. في المقام الأول الشخص نفسه، يكون جلوسه على نفسه، وبالتالي يسمح لي بالجلوس على عالم، على حقيقة، وبالمناسبة، فإنها تؤدي إلى السكينة، وهذه السكينة تسمح لي بالمحاولة، محاولة وليس بلوغا، ولكن على الأقل لنحاول إيجاد الطريق الوسط أو جادة الطريق، وأن لا نفعل بالغير ما لا نريد أن يفعل بنا، بكل بساطة، وهي قاعدة تطبق على الجميع. سواء كنا من الشرق أو الغرب، أو من المشرق أو المغرب. و لينظر كل واحد في أفعاله، وما يضطلع به، ويزنه بهذه الفكرة البسيطة. إذا عاملني بالمثل، وتصرف معي بالمثل، كيف سيكون تقبلي، وماذا يكون ردي؟ الكثير من الأشياء يمكن أن تتطور، إذا أردنا، وما دمنا نتكلم عن المرض والطب والشفاء. أولا ينبغي أن تتعافى النفوس من الأنانية وغرور عالمنا، وهذا هو المرض الذي ينخرنا جميعا.. أنانية امتلاك الحقيقة، وأنانية اكتساب المعرفة، وغير ذلك.  بيد أن المرض لا يسمح لنا أن نتواصل مع الذات، وإذا تواصلنا مع ذاتنا، فسنتواصل مع الجنس البشري بأسره. بالتأكيد، سنقول أن هذا مستحيل، والجنس البشري، منذ أن ظهر، وهو يعيش في نزاع، إنه بدائي، وإنه حيواني، وإنه.. حقا، إن الإنسانية في حال التطور، لم تكتمل أبدا. نحن لسنا في نهاية إنسانية، بل نحن دائما، أمام مصير إنسانية، تتوجه صوب قدر، وهو حقل مجهول، ولكنه قدر، نريده جميعا في نهاية المطاف، على الأقل بالنسبة الذين يحتفظون بالعقل، حتى لا نقول الحكمة، التي حتى أيامنا هذه، لقد قلّ أهلها، على الأقل العقل، لعالم بنزاعات ضئيلة. ونحن نرى اليوم كيف تتمزق الناس، وكيف أننا نخوض حروب، من أجل جلب حريات، وجلب المساواة وإحلال السلام.

    فنحن لا نعتبر النية، التي تعلل الفعل، بل نعللها حتى نتمكن من تعبئة الملايين وحتى الملايير من الطاقات المعتبرة  للقيام بحروب، وإننا لا نستطيع تعبئة نفس الطاقات  للذهاب إلى السلام. ما الذي استثمرناه في السلام، وما الذي استثمرناه في الحروب؟ هذه الحروب ليست فقط عسكرية، بل هي إزاء الأرض نفسها، وفي كل المجالات. لقد أصبحنا مفترسين. ونشنّ الحرب على أمنا الأرض، كما يقول الهنود وأصدقاؤنا المكسيكيون. النفط في حد ذاته ليس شؤم، ولكن استغلاله بالكيفية المعمول بها اليوم، هي التي أصبحت تشكل خطرا على الإنسانية. ربما الكائنات المعدلة وراثيا، على الأسس الموضوعية، إذا تمكنا من اعتبار الضمير، كما سمعناه للتو، يمكن أن تفيدنا في بعض المجالات، ولكن إذا تحولت إلى سلاح.. فالنية هي التي توفر الحوافز لأخذ بطون البشرية كرهائن. يكون سعيي بطرح أسئلة بسيطة، وإحداث تيقظ ضمير، وأتساءل بكل بساطة، كيف يكون تعاملي مع الآخر، وما هو دوري؟

    من هنا تبدأ الروحانية. ليست الروحانية شيء يرفعنا إلى الأعالي، إلى السماء السابعة، إلى النيرفانا(1)، ولكنها كل تصرف صدر بشكل يومي، تعلق بتلك الرحمة، استطاع المرء أن يتعاطها ويتعامل بها حيال أخيه، وحيال الطبيعة والشجر، كما يتعامل بها لصالح الحيوان والمياه، وكل ما هو حي. هل لزلنا قادرين على تعاطي هذه الروحانية الرحيمة، ونتعامل بها في أفعالنا وتفكيرنا وبحثنا؟

    حسب رأيي، هذه هي النقطة التي ينبغي أن نحاول أخذها بعين الاعتبار، وبهذا قد تستطيع الروحانية أو حكم الأجداد التي تعاطتها جميع الشعوب، لأسيا وأفريقيا وأمريكا وأوروبا، أن تساعدنا، ولكن ينبغي توفير استثمارات في مدراسنا وكلياتنا وجامعاتنا، ولتجرى استثمارات في هذا السعي، لإنسان متجدد، إنسان متيقظ، دون الوقوع، بالتأكيد، في الذي ذكرناه آنفا، تيارات العصر الجديد، حيث يترصد الدجالين، ولعدم وجود بديل أفضل، يتوجه الناس إليهم. لقد أقصينا روحانية المدينة، وبإقصائها من المدينة، أقصيناها من القلب، واليوم ثمة مشكلة، ويوجد فراغ، ومن يملأ هذا الفراغ؟ حسنا، إنهم الذين يجعلون من الروحانية تجارة.

    شكرا جزيلا.


(1). نيرفانا، مصطلح يستخدم في التقليد البوذي، وهو حال يبلغه الراهب، عندما تفنى جميع شهواته، ويتحرر من المعاناة والوهم، ويتخلص من الجهل. يبلغ درجة من التيقظ، وتفنى جميع شهواته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق