الاثنين، 22 نوفمبر 2010

سيدنا سليمان صلى الله عليه و سلم

سيدنا سليمان صلى الله عليه و سلم


"و لقد أتينا داوود و سليمان علما و قالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين.  و ورث سليمان داوود و قال يا أيها الناس علمنا منطق الطير و أوتينا من كل شيئ. إن هذا لهو الفضل المبين". سورة النمل، الآياتان 15 و 16.

    كُلف غالبية الأنبياء في المقام الأول، بمهمة روحية. و لكن سيدنا سليمان تلقى، كما  تلقى سيدنا داوود، السلطة الزمنية و السلطة الروحية. كان في نفس الوقت ملكا و رسولا.
        كشف سليمان للبشرية أن أباه داوود، و هو نفسه، يعرفان منطق الطير، أي لغة العالم اللطيف، الذي تكشف و تبرز المعنى الباطني للأشياء.
    كان لدى كل الأنبياء ذكر. أما بالنسبة سليمان، فكان يردد باستمرار، الحمد لله و الشكر لله. يتوافق هذا الذكر مع حاله و هو حال الحمد و الرحمة. كلما حمده أكثر، حصل أكثر. هكذا، فإنه كان مستغرقا في محيط الحمد و الإمتنان، و لم تغويه أبدا السلطة الزمنية.


 النملة
"و حشر لسليمان جنوده من الجن و الإنس و الطير فهم يوزعون. حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون. فتبسم ضاحكا من قولها و قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ و على والديّ و أن أعمل صالحا ترضاه و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين". سورة النمل، الآيات من 17 إلى 19.
    حسب التقليد، فإن الله أعطى لسليمان السلطة الكونية. لم يكن فقط ملكا على الناس، و لكن على كل الخلائق، و العناصر، و الجن (كائنات من نار، تملك حقيقة مختلفة عن التي للإنسان، و تمتلك هبات عليا).
    لماذا عكرت النملة صفو تصور سليمان؟ هل يمكن لكائن عادل، نبي، أن يعتدي على حياة كائن، مهما كان صغيرا؟ و لكن الله أراد أن يختبر صاحب السيادة المطلقة، بتفكير نملة. بدل أن يستاء سليمان،  و هو الرجل الصالح، إبتسم و احترم حياة النمل و أوقف جيشه ليفسح الطريق لهم. كان يمكنه بصفته المزدوجة، ملكا و رسولا، أن يجره العمى، الذي يلهم السلطة المطلقة و قدرتها. و لكنه يعلم أن كلاهما لا تمثلان إلا القليل، عندما لا يكون الله مانحهما و لاسيما أنه لا يرضى بهما.
    علاوة على ذلك، يفسر مجاز النبي-الملك سليمان مع عالم النمل، أن لدى الإنسان المحقق، يوجد على الدوام و بشكل طبيعي، توازن تناغمي، في صلته، بلامتناهي الصغر و لامتناهي الكبر، و بعبارات أخرى، بالعالم الأصغر و العالم الأكبر. 

ملكة سبأ 
"و تفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين. لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو لياتيني بسلطان مبين. فمكث غير بعيد. فقال أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت إمرأة تملكهم و أوتيت من كل شيئ. و لها عرش عظيم. و جدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون". سورة النمل، الآيات من 20 إلى 24.

    قضى سليمان يوما في استعراض الطيور التي جاءت لتحييه. فقط الهدهد كان مفقودا، فقد ذهب للبحث عن نقطة ماء للجيوش. و لكنه تاه باليمن، أين تعيش ملكة سبأ، بلقيس. أعلم الهدهد سليمان بما رأى. فتوجه إليها بواسطته برسالة مجاملة، و لكنها حازمة، لحثها هي و شعبها على ترك أصنامهم و الرجوع إلى الله.
"قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم. إنه من سليمان و إنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو علي و اتوني مسلمين. قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون". سورة النمل، الآيات من 29 إلى 32.
    مدركة ما في الرسالة، قامت ملكة سبأ بالتشاور مع الوجهاء و المستشارين، لمعرفة أي إجابة تقدم إلى هذه المجاملة لسليمان.
"قالوا نحن أولوا قوة و أولوا بأس شديد و الأمر إليك فانظري ماذا تأمرين. قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة. و كذلك يفعلون. و إني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون".سورة النمل، الآيات من 33 إلى 35.
    إنها ديبلوماسية محنكة، ردت بإرسال إلى سليمان سبيكة من ذهب، و سبيكة من فضة، و ياقوتة حمراء، إضافة إلى أربعين فتاة، و أربعين فتى، يرتدون نفس الزي، بشكل أنه يستحيل معها، التمييز بينهم. لم يكن لهذا المرسول سوى هدف واحد، هو إمتحان حكمة و فطانة سليمان. هل هو مترفع عن الخيرات المادية؟ و هل لديه نزاهة و بصيرة نبي، أم شراهة ملك؟


الإهرامات
     لم ينخدع سليمان. فقبل وصول مبعوثي الملكة، أمر ببناء هرمين، واحد من ذهب و الآخر من فضة. واحد موجود على اليمين، و الآخر على يسار العرش. ثم أجلس شعبه على درجاتهما ليثبت ترفعه عن الخيرات المادية. عندما رأى الرسل هذا المنظر فهموا، أن همة النبي الملك، توجد فوق الثروات المادية. لم يجرؤوا على تقديم السبيكات. أخذ سليمان الياقوتة الحمراء، الحجر الأكثر صلابة و قدمه إلى أحد علمائه الذي إخترقه بواسطة ألماسة، حجرا كان ما يزال مجهولا في ذلك الوقت.
    يفسر هذا الرمز العميق، درجة تحقق الكائن. فالدرجة التي بلغتها الملكة تعادل الياقوت الأحمر و التي  بلغها سليمان تساوي الماسة. بعلمه و معرفته بلغ حالة صلبة في مطلقه، و أيضا صرفة، لا تتغير في تجليها كالماس.
    أما الفتيات و الفتيان، جردهم من ملابسهم و نظفهم. بمعنى آخر، عراهم و كشف حالهم، مبينا بالتالي قدرته على فحص القلوب. فهم سليمان الحالة الباطنية و الحقيقية للملكة. رأى أنها أرادت أن تمتحن حاله و تتأكد من خصاله الخلقية الممتثِلة، و المسبغة بالرحمة الإلهية. فأجاب الرسل بطريقة لاذعة.
"فلما جاء سليمان قال أ تمدونن بمال فما آتاني الله خير مما أتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون. ارجع إليهم فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها و لنخرجنهم منها أذلة و هم صاغرون". سورة النمل، الآياتان 36 و 37.
    عندما تلقت الملكة الرسالة انطلقت فورا إلى القدس (أورشليم سابقا) لإطاعة لسليمان. و قرر هو بدوره أن يمتحنها.


العرش
"قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و إني عليه لقوي آمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر. و من شكر فإنما يشكر لنفسه. و من كفر فإن ربي غني كريم". سورة النمل، الآيات من 38 إلى 40.

    كان من عادة سليمان أن يجلس على عرشه من الضحى ليحكم بين الخلق. إقترح عفريت – كائن من نار أقوى من الجن – على سليمان أن يأتيه بعرش سبأ في يوم واحد. و إن العارف ليقوم بهذه المهمة في طرفة عين.
    ما هو مستحيل بالنسبة للأناس العاديين هو ممكن للذين لديهم علم من الكتاب (علم الإسم الأعظم). علم أعلى من كل العلوم، بالطاقة و القوة التي يمنحها لمالكه. يعمل بسرعة الضوء، بطريقة آنية. يقول التراث، أن سليمان كان يملك أربعة كتب تعالج هذا العلم، أتلفها قبل موته. و لكن كان للجن متسع من الوقت لقراءة الكتاب الأول، الذي يخفي فن و هبات السحر.
   ظهر العرش الأثري، آنيا، لسليمان، الذي لم يفتخر بهذه المعجزة، لأنه يعترف هنا "بتأثير رحمة الله". يعلم سليمان أن الإنكار لا يضر إلا بصاحبه، بينما الإمتنان إلى الله، فهو مصدر كل خير و عجائب رائعة. لهذا لم يتوقف عن حمد و شكر الله.
"قال نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون. فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو. و أوتينا العلم من قبلها و كنا مسلمين". سورة النمل، الآياتان 41 و 40.
   يرمز الإنتقال العجيب لعرش سبأ إلى القدس (أورشليم) إلى اللقاء بين سلطتين، الزمنية و الروحية. حسب الأسطورة، كانت ملكة سبأ مألهة من طرف رعاياها. أدت يمين البتولة لكي تعتلي العرش. يبقى أنها كانت تعيش صراع باطني عميق، كيف توافق بين المحافظة على يمينها و البحث العميق عن المحبة التي تتطلبها طبيعتها كإمرأة؟ فاللقاء مع سليمان المعروف بحكمته الكبيرة، ينبغي أن يسالمها، بإعطائها إجابة مرضية على استفهامها الباطني المؤلم.
    عند وصولها إلى القدس (أورشليم)، لم تكن الملكة متأكدة من أن هذا العرش لها. على المستوى المجازي، فهو (1) مقر نفس بلقيس، التي حوّلها اللقاء  مع سليمان، و هي لم تكن بعد، واعية بالتمام.


أرضية الكريسطال
    لتعليمها أكثر، دفعها سليمان إلى إرتكاب خطأ. إستقر على فسحة ماء مغطاة بالكريسطال الشفاف، و دعا الملكة للإنضمام إليه. خدعها التأثير البصري، فرفعت سدى، حاشية فستانها خوفا على تبليله. تحققت فجأة، أنها لا تستطيع أن تميز بين الصح و الخطأ، و أن علمها محدود جدا مقارنة بعلم سليمان. فضلا عن ذلك، جعلها تكشف ما كانت تخفيه عن أنظار الكل، أرجل مشوهة بزغبات بشعة. كشف سليمان أمام أعين بلقيس، و أعين الجمهور، عيب كانت تخفيه، و هذا ما حررها و سمح لها بأن تتقدم في معرفتها. و الحجاب الذي حجب عنها الرؤية، بالتالي رُفع. و أصبحت تعيش حالتها التي هي عليها، و تعترف بتواضع أنها كانت مخدوعة بحواسها. مُدركة عِظم سليمان، أسلمت لله من خلاله، مرآة كينونتها.
   سليمان، بصفته المعلم، أدخلها إلى باطنها لتكتشف الجانب المظلم من أناها. قادها إلى الصفاء المطلق، للذي للكريسطال، و بالتالي حضّرها لكي تبلغ حالة الماس. بدون أسى، تخلت ملكة سبأ التي عبدت إحدى صفات الله (الشمس)، عن الياقوت الأحمر الذي أصبح بدون قيمة، و حصّلت في الأخير على المعرفة. لُقنت و تحررت كلية من طرف سليمان، و اتحدت معه في تناغم و مسالمة النفسٍ (المبدأ المطاوع)، و الروحٍ (المبدأ الفعال). و ليكتمل هذا التقرب، فقد كُرّس في الهيكل، بيت الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). أي العرش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق