الاثنين، 22 نوفمبر 2010

من كتاب علاج النفس، الصفات الإنسانية و الصفات الإلهية

الصفات الإنسانية و الصفات الإلهية


    يتمثل سلوك طريق الروح في تحويل تدريجيا ميولات النفس الأنانية إلى خصال إيجابية، مع الأمل بعدها، بلوغ رفع حالة الشعور الإنساني، إلى الحال الرباني. تكتمل عملية التحول الروحي، التي تترجم بيقظة الشعور، عندما يصل السالك إلى المنبع، الذي يصدر عنه النور الأصلي، كما يصفه القرآن في قوله تعالى.

"الله نور السموات و الأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري". (النور،35).

    ترمز المشكاة إلى قلب الإنسان، الذي يسكن به نور المصباح. بقدر ما كان زجاج المصباح مصقولا و شفافا، بقدر ما نشر قلب الإنسان حوله النور و الرحمة.  حتى هذا الإنسان يصبح في عيون الناس نموذجا، يجسد في هذه الدنيا أصلنا الرباني. ما وجد الإنسان على سطح الأرض إلا ليشهد، على وجود حضرة الله في نفسه و في الخليقة. بل أكثر من ذلك، حيث يؤدي إراديا وظيفته المتمثلة في قبول استخلاف الله في الأرض، كما يذكرنا النص القرآني بذلك. اختار الله الإنسان، و اصطفاه للخلافة، مهما كانت التصرفات السيئة التي قد يتهم بها.

"و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يفسك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك. قال إني أعلم ما لا تعلمون". (البقرة، 30).

    دور الإنسان هو تمثيل الله و خلافته في هذه الحياة. و مجرد وجود الإنسان، هو دليل في حد ذاته، على وجود الله. تشهد الحقيقة الإنسانية على الحقيقة الإلهية.  يقول ابن عربي في هذا السياق.
"التجلي من الذات، لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له، و غير ذلك لا يكون، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، و أنت مرآته في رؤيته أسمائه، و ظهور أحكامها و ليست سوى عينه. و ما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف، فوجودنا وجوده. و نحن مفتقرين إليه من حيث وجودنا، و هو مفتقر إلينا من حيث ظهوره لنفسه".

    لقد وجدنا، لنشهدد بأن الله موجود، سواء كان ذلك بأفعالنا المستحقة أو بإسرافنا، ببعدنا أو بقربنا منه. في الحقيقة، إن ما نعتبره صفات إنسانية محضة، ليست سوى، صفات الله مستعارة. يميل الإنسان إلى نسبة تلك الخصال إلى نفسه، كأنها ملازمة لذاتيته، أو ثمرة إرادته الفردية، في حين أنها من أصل رباني، و منحت لنا تفضيلا، لننتفع بها.

    بما أن الوجود الزمني للإنسان نسبي، و قائم على صفات ربانية مستعارة، و خاضع لكائن أحق بالوجود منا، جعل الوحي القرآني، مهمة الإنسان في استخلاف الله في الأرض. لو أخدنا اسم الله "العالِم"، الذي يعني الذي يحمل كل المعارف، هو كذلك صفة إنسانية. و نفس الشيء بالنسبة للحكيم و الملك، و أسماء أخرى، هي كلها صفات يستطيع الإنسان أن يعيشها، و لن تكون أبدا بصفة مطلقة، بل فقط على سبيل الإستعارة. فالله وحده هو الملك و الحكيم في المطلق، أما الإنسان فإنه لا يستطيع أن يعيش الأسماء التسعة والتسعين إلا بصفة نسبية في وجوده الزمني، عدا الاسم المائة الذي يحصل عليه الشخص بفنائه في محيط الله. الله يملك مطلقا كل الأسماء الحسنى، و للأبد.

    لكي نتواجد، علينا أن نستعير الصفات الإلهية. لقد وهبها الله لنا لكي نتمكن من التحقيق، و نستخرج كلية ثمرة وجودنا، و في نفس الوقت، نشهد على وجود الله. كلما أثبتنا وجودنا و وجود الخليقة كلها، شهدنا أن "لا إله إلا الله". و لولا شهادة هذه الحقيقة الأحدية، لن تكون الصفات الإلهية مؤثرة في الإنسان. الذي يقوم بتجربة العدم. عدم كل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق