الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

أسباب عيش الإسلام، الطريق الوسط


الطريق الوسط


    في كل زمان، حاول الإنسان تفهم و التفكير في مصيره، بهدف إعطاء معنى لحياته، و موته المحتم، و يجيب على القلق الحاصل حول استفهامات ما بعد الموت.

   فمهما غصنا عميقا في تاريخ الإنسانية، سنجد آثار معتقدات و طقوس، لأن الإنسان مدفوع بحاجة جبل عليها، إلى ربط تفكيره ببعد مقدس أو ديني أو روحي. أَوَ ليس هذا الإرث الإنساني المتوغل في القدم هو تعبير عن بحث متواصل لمعرفة ما لا يعرف؟ فالإنسان ضمن رؤيته الجزئية للحقيقة، عبد عناصر الطبيعة و خلق أصناما و ألّه رجالا و ابتكر طقوسا سحرية و تصورات و ديانات... و لكن أوَ ليس الإنسان في واقع الأمر، هو فيض رغبة متواصلة لتحقيق التوحيد المتسامي في ذاته؟ و هو رباط يصل حياته بالأبدية متجاوزا الموت؟ تلك الأبدية التي هي منبع كل كشف و تجل.

    إن الدين، فيما يملك من جوهر، الروحانية، لا يكون له معنى إلا إذا أعاد ربط الإنسان بحضرة الإطلاق. فهو يدعوه من خلال تجربة حية و حميمية، توفق بين الروح و الجسد، إلى التيقظ على الحقائق اللطيفة. فإنها تسمح له ببلوغ توازن و انفتاح كينونته.
  
    .... بالنسبة للتصوف، لا يكون للإنسانية معنى إلا بالإعتراف، و تجديد العهد الأولي المبرم في الأزل بين الإنسان و الله. « ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ». القرآن الكريم.

    .... تحتضن الروحانية كل المجالات التي تمس الإنسان و المجتمع. يمكن أن تتصرف في الكل، في الوقت نفسه، بواسطة السياسة، و الإجتماع، و الإقتصاد، و العلمي إلخ. كل ما يهم الكائن و المجتمع يهم الروحانية.
    إن حقل الروحانية هو حقل السياسة، و هما مظهران يلتقيان و يكتملان في الفعل و التربية المدنية للشخص. إذا كانت السياسة تعني إدارة شؤون دنيا الناس (في الخارج)، فالروحانية تهتم بإرادتها في الباطن. فهي تدفعنا لاختيار مسلك الخير، والوحدة، والأخوة. و ليس غرضها إقصاء السياسة، بل  تسعى إلى إعطائها معنى، وأن تخلع عليها صفة الإنسانية.

    .... عندما نرى في التاريخ، الحياة التي عاشها أكابر الرجال الروحيين، الذين سجلوا الإنسانية، لم ينجر أي واحد منهم نحو الأعمال الدنياوية لهذا العالم، حتى لا يرتبط و لا يدرس إلا القيم الروحية التي تهم الآخرة.

    كلهم بدون إستثناء دعونا إلى العمل الصالح، و تحسين الوضع البشري بالنيات و الأعمال. بشرط أن نتحلى أولا بالقيم التي نفرضها على الآخرين. إنها طريق الوسط، و تربية الإيقاظ، اللتين تقودان الإنسان إلى التناغم الزمني و الروحي، و تسموان به إلى الشعور الكوني.

    من المحقق أن التجربة الروحية للإنسانية تبقى تحدي كبير للقرن الواحد و العشرين. تسجل هذه الرغبة في بحث و توق الكائن الإنساني لمثل أعلى.

    .... بعد عدة تجارب، و لقاءات، و ندوات، أقيمت في جو غالبه فكري، نستنتج أن تقدم الحوار الديني يتم بخجل. و هذا، حسب رأيي، بسبب أن المؤسسات التي تمثل الديانات تبقى متحفظة.

    يجب أن يستند أساسها على العدالة و الأخوة، و التضامن بين الناس في احترام الإختلافات. هذا ما يمكن أن نقدمه من الجهتين كتعليم يهدف إلى عدالة و تضامن أكبر؟


مقتطفات من مجلة «Panoramiques»، سبتمبر 2003.                                                     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق