الأحد، 28 نوفمبر 2010

من أسباب عيش الإسلام، الهدف الرئيسي



  هذا واحد من أوائل مقالات الشيخ خالد بن تونس المنشورة بمجلة "أحباب الإسلام" ،الناطقة بالفرنسية التي صدرت سنة 1982 بفرنسا.


الهدف الرئيسي


    السؤال الذي يطرح اليوم، هو معرفة ما إذا كان ضمن أتباع الديانات، المؤمنين بوحدانية الله، المقرين برب العالمين خالق الكون، توجد إجابة، على الأسئلة و المعاناة التي أرهقت البشرية بأسرها، و على الفراغ الروحي للإنسان المعاصر، الذي أصبح لعبة حقيقية في أيدي شهوات و معبودات مجتمع مبني على مبادئ و قوانين إنسانية تتغير باستمرار، و لا تستند على أي قيم روحية.

    تبقى هذه الأخيرة أبدية، و لا يطرأ عليها التغيير، لأنها لا تخضع لضغوطات جماعات، أو أحزاب، أو مصالح، أو إمتيازات محافظ عليها، أوهنت و ظلمت الناس. هي نفسها (1) بالنسبة للجميع رئيسا أو مرؤوسا.

    إذا كان يتواجد اليوم، إلا عدد قليل من الممارسين، بيد أن الكثير من الناس لا يريدون سوى الإعتقاد، و أن يكون لديهم الإيمان في شيئ، في قدوة حقيقية تحييهم من جديد، و تعطيهم الثقة في أنفسهم و في أبناء جنسهم، و تمنحهم معنى لوجودهم، و تحررهم من القلق و الشكوك، و تعطي للحياة اليومية دفئ إنساني، و الأمل في أيام أفضل.

    نشعر بهذا من خلال الموجة الحالية، و الولع المفاجئ لعامة الناس بكل ما هو مخالف للمألوف و غير عادي و غريب. لسوء الطالع، لم يتوانى أناس عديمي الإحساس و المصداقية عن إستغلال هذا الإهتمام، و تدنيس الحقيقة، و تقليصها و حصرها في المجال الإقتصادي.

    و إنما هو علامة. بينما، في هذه الوضعية، فإن الأسوأ جانب الأفضل. ها هو المشكل الحقيقي لعصرنا. إلى من نتوجه، من نُصدق؟ من هو صادق فيما يعظ به، يُعلم، و يدافع عنه، كونه يمثل الطريق الصحيح لخلاص البشرية؟ من يحمل هذه المبادئ الأساسية، مفاتيح المعرفة و العلم الصحيح الذي يحتاجه قلب الإنسان، هذا الغذاء الروحي اللازم لحياته كما الماء و الخبز؟

    لننظر اليوم إلى أتباع الديانات. فالكثير منهم مشغول بنزاعات مدارس، يحصل بينهم تناقض، يكررون غالبا نفس العبارات المفرغة. لا يفهمون رمزيتها الميتافيزيقية، و غنوصية الحقائق المنزلة، و يكرسون أنفسهم لما هو مادي على حساب ما هو روحي، الذي يمثل الحقيقة الوحيدة التي تبرر وجودهم، و جعل من مؤمني القرون الماضية حاملي للرسالة الإلهية من عصر إلى عصر. 

    في بعض الحالات يصلون إلى حد المواجهة بعنف، العمل الذي تمنعه كل الديانات. حينئذ سنندهش و نقول: أين هي الأخوة، و العفو، و الحكمة، و المحبة التي توصي بها كل الشرائع و النصوص الدينية؟ 

    إستنتاج محزن للحالة التي توجد فيها حاليا الديانات، أضعفت بتفرقها، و غرقت في الماديات، و أنكرها أبنائها الذين خاب ظنهم، فتوجهوا نحو إلحاد متزايد.

    لم يعرف أصحاب الدين كيف يبلغون بلغة عصرية،  بفكر حي، الحقائق التي تلقوها. تمكن منهم الإهمال للمبادئ، و عدم بدل مجهود لفهمها، و عيشها بكليتها، معتقدين أن المطلوب هو تبليغ القول المنقول في الكتابات و الكتب المنزلة، ناسين أن الحقيقة تُنقل من قلب حي إلى آخر. إنشغلوا بالأمور الثانوية عن الأمور النافعة: الممارسة، و الطقوس، و الكلام، و الفقه. إنشغلوا بفلفسة ما هو في الحقيقة وسيلة و ليست الغاية المنشودة. لأننا إذا بحثنا عن جوهر الرسالة المحتوى في الديانات.... سوف نجد في كل ديانة منها، إلا الرغبة في تقريب الإنسان من الله. للأسف، نسي أغلبهم هذا الهدف الأساسي، و أشغلوا أوقاتهم في محادثات تافهة و غير مجدية. فاليوم هي تفرق بدل أن تجمع، و تبعد عن الطريق المؤدية إلى الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). أي القيم الروحية.

مجلة "Les Amis de l’Islam"، عدد 3، درانسي، 1982.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق