السبت، 15 يناير 2011

مداخلة الشيخ خالد بن تونس باليوم الدراسي حول الورد

بسم الله الرحمن الرحيم

    نظمت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المسماة إختصارا (عيسى)، يوم دراسي حول الورد، يوم الجمعة 31 ديسمبر 2010 بمدينة (نوجون-سير-واز)، بفرنسا.

    ينسب ورد الطريقة العلاوية الدرقاوية الشاذلية، إلى الإمام أبي الحسن الشاذلي، المتوفي سنة 1258 بحميراء بمصر، فهو من صيغه على الشكل المكوَّن من آيات و أذكار. يذكره مريدو هذه الطريقة صباحا و مساءا. أتت كلمة ورد من الجذر وَرَدَ، أي ورد الماء، لكي يستسقي، على صورة الماء، رمز الحياة. فتلاوة الورد وسيلة للمريد، لشرب ماء التنزيل  (الكشف، الفتح).

    قُدمت في هذا اليوم مفاهيم حول أهمية الورد، و كيفية ذكره، و مركباته، و ختم الشيخ خالد بن تونس الملتقى بمداخلة إليكموها:


مداخلة الشيخ خالد بن تونس
في اليوم الدراسي حول الورد

بعد بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم

   
    سررت بمشاطرة اليوم الأخير من السنة معكم، و أن نتمكن إن شاء الله، من أن نعيش معا الدقائق و الساعات الأولى من السنة الجديدة 2011. و الموضوع المختار هو دراسة ورد الطريقة العلاوية الدرقاوية الشاذلية. إذ هو يستفتيني دائما حول الطريقة التي نبلغ بها تقليدنا اليوم، إلى الأجيال القادمة، و كيف نُفهمها أهمية و دور تقليد حي. كيف نُبلغ إليهم شيئ حي، ليس فقط كلمات أو أفكار، و لا حتى مفاهيم، و لكن شيئ حي. و لتبليغ الحي، يجب أن يتم الأمر من حي إلى حي. و أبدا لن يتم بشكل آخر. إذا كنتم تحبون شخصا ما، تقولونها له، و لكن بالشكل الأكثر عمقا، بكل ما تشعرون في قلوبكم. عندما تقولون لشخص نحبك، على كل حال ستبحثون في أنفسكم عن هذه الطاقة، و القوة، و القدرة، حتى تشهد كلماتكم، و تعبر بدقة، بما تشعرون. فالورد من ناحية ما، هو التعبير عبر كلمات، و عبر آفاق عن طريقتنا للشهادة، بما نشعر بأعماق أنفسنا.

    كان لديكم يوم دراسي، و قُدّم لكم تاريخ الورد و مكوناته، و تحصلتم على مطوية صغيرة، عُملت من أجل هذا اليوم، فلا أضيف لكم ما قد سمعتموه طيلة اليوم، و لكنني رأيت أن هناك بعض الأسئلة، و سأحاول أن أجيب عن من لها علاقة بهذا (الموضوع). الأمر الأول الذي أثر فيّ، هو أسئلة الأطفال. و السؤال الذي كان حول الهدية. لكي أصلي أنتظر الهدية. لقد عُبر عن ذلك أمامنا كلنا، و قال الأطفال، يخدعنا آبائنا بالهدية، ليدفعونا إلى الصلاة، إنه السؤال الأول الذي سجلته. و السؤال الثاني هو لماذا الثياب؟ لماذا أرتدي ثياب مغايرة عندما أصلي؟ و أسئلة أخرى، مثل لماذا أذكر وردي، عندما لا أرى الحاجة إليه؟ فالورد لا يزودني بشيئ، و لا أشعر بالحاجة و الضرورة إليه. و كذلك لماذا يصلي الله على الرسول صلى الله عليه و سلم؟ و لماذا أختيرت بعض مفاتيح السور في الورد من المشايخ؟ لنجمع كل هذه الأسئلة، وندخل في عمق الأشياء.

    ليس الورد إلا التعبير الأكثر عمقا فينا عن إرتباطنا بما يعطينا حياة. بمعنى آخر، سابقا جعلت الإنسانية أسلافها كمصدر يربطها بماضيها و حاضرها، و وجودها. كان الإنسان يتوصل بأهله، و بأجداده. كان للإنسان عقيدة الأسلاف لكي يعيش حاضره، مُرّه و حلوه. روحيا، فالورد عبارة عن إرتباط بنسب روحي، فهو ليس رابطة دم بأجداد نتواجد بفضلهم اليوم، بعملية بيولوجية. من ناحية نحن مدينون لهم بالحياة. في العائلة الروحية، تتخطى هذه البنوة بنوة الدم، بواحدة هي أكثر لطفا، إنها البنوة الروحية. تُحدث هي نفسها الزمن و الفضاء، و تأخذنا إلى أبعد من ذلك، إلى أصول عملية الخلق نفسها. أي توصلنا إلى الأول. فإني غير متواجد بإسمي، أو بنبل عائلتي، أو باستحقاق قبيلتي، أو شعبي المختار، أو أجدادي الذين كانوا أمراء و ملوك و سلاطين. سيوصلني وجودي بواسطة مشايخ، و نسب روحي إلى الإرتباط بمنبع الحياة، و سيصبح هذا الورد، إمكانية كي يُفهمنا من نحن؟ من أنا؟

    عندما أستغفر الله. فمفهوم الإستغفار- من جانبي دائما -، فنحن نفهمه في الدرجة الأولى، كما فسره الذين من قبلي، تطهير للذنوب و السلبيات التي أحملها للتمكن من الإرتباط روحيا بهذه السلسلة التي تسقي الروح، و مصدر تغذية لها، و ماء للحياة يروينا روحيا، و يُدوِّم الحياة بنا.


    ماذا يعني الإستغفار في عالم مثل عالمنا اليوم، إنعكست فيه الأمور، و أصبحت الكبائر بالعكس، شكل ترقية يتحصل عليها الإنسان. و أصبح هذا الأخير يقوم بالكبائر في وضح النهار و يجهر بها. و بات هذا الأمر عاديا في مجتمع اليوم، و ربما أكثر، شيئ مرغوب فيه، و رغبات شرعية. إذن لماذا طلب المغفرة في مجتمع مثل مجتمعنا اليوم. هنا تتدخل الروحانية – نتكلم روحيا -، و تقدم لنا مساعدة، لأننا لسنا خائفين من الذهاب إلى جهنم، و لسنا راغبين في الجزاء من الله، و رغبتنا الوحيدة هي البقاء أحياء محركين بالروح، و بهذه البركة النازلة، بواسطة سلسلة متواصلة حتى مصدر الحياة، ألا و هي الرسلية. سيأخذ الإستغفار معنى آخر، لا أستغفر من أجل ذنوب أصبحت اليوم في جهة ما، رغبات شرعية، في مجتمع أبطل القداسة، إلى حد جعل من الذنوب قِيم. أقول هذا لأننا نعيشه كلنا، و إذا لم نفهم هذا سنعيش في تفريق، وتمزيق مستمر. عندما يسألنا شبابنا لماذا نذكر الورد، فهو لا يمدنا بشيئ؟ عندها هل يجب أن نشعرهم بالذنب، و نقول لهم، أن الله سوف لن يغفر لكم؟ هل سيسمح لهم هذا الكلام، بأن يعوا أهمية الورد، و اللطائف التي سيزودهم بها؟ لست هنا لأشعر أحدا بالذنب، إني هنا لتلقي شبابنا تعليم حي، من حي إلى حي.

    يرجع وردنا إلى الإمام الشاذلي، فهو أول من جعله على شكل صيغة. الورد موجود قبله، فهو قد صاغ الأذكار على شكل ورد، و أضاف الشيخ العلاوي– كما قيل لكم - سورة الواقعة، و زاد الإمام المهدي بن تونس – الحمد لله و الشكر لله -. كان الورد قبل الإمام الشاذلي، و الرسول صلى الله عليه و سلم هو معلمه و مبلغه الأول، و وراءه كما يؤكد القرآن، الله من يطلب أن نستغفره عندما يقول: « إستغفروا ربكم ».القرآن الكريم. إن الله من يطلب منا أن نطالب بمغفرته، مثال، أنا سأذهب إلى الحاج بن ثابت، و أقول له: إذا أردت أن أغفر لك إطلب مني المغفرة. إذن سيكون مفهوم المغفرة رحمة. سأتوجه إلى الشاب الذي طرح السؤال حول الورد، و أفهمه الأمر، لكي أقربه مني، و بما جاء في القرآن الكريم: « إستغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا و يمدكم بأموال و بنين و يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا ».القرآن الكريم. يظهر لنا الله هنا الإستغفار كعنصر نتلقى به معاشنا، و نعمل على سقوط المطر من السماء لتزداد ثرواتنا، و يمدنا كذلك بذرية و نسل. ماذا يعني الإستغفار هنا؟ إذا لم يكن إلا رابطة بمصدر الحياة – الرحمن الرحيم -. و باعترافي سأعمل بشكل ما، على إستمرار الحياة بالمعنى الروحي للكلمة، و بالمعنى المادي لها، ما دام بطلبنا الإستغفار من الله يسمح بسقوط المطر، و ما دام بطلبنا الإستغفار من الله يزيد في الثروات، و ما دام بطلبنا الإستغفار من الله يسمح لنا بالحصول على ذرية. فلا نعود عبئا كالذي أخطأ و هو أمام الملك الكبير الذي يعاقب - الدركي الكبير -، و يطلب منه العفو. و للعفو هنا علاقة بالله تسمح لنا بإنماء حياتنا، و حياة الآخرين، وحياة الأرض، و حياة الخليقة. ليس للإستغفار هنا مفهوم الشعور بالذنب مثلما له في الدرجة الأولى. لا أعلم إن كنتُ أفهمت جيدا. ليس للإستغفار مفهوم إثارة الذنب، الذي نريد أن ندرسه لأبنائنا، ما دمنا نمدهم بالهدية لكي يصلّوا، و يذكرون الورد. هي لعبة غير جيدة. لأننا لا نعلمهم بأنهم عندما يستغفرون الله، فإنهم يستغفرون لبعضهم بعضا. فالذي يمكنه أن يستغفر الله، يغفر له إخوانه. إذا بدأنا ندرك، مفهوم المغفرة بين الناس، و الأمم، و الأقوياء، و فيما بين الآدميين، ( مِثل)، المغفرة بين الزوجين، فرجل يمكنه أن يسامح، و إمرأة يمكنها أن تسامح، فهذا زوج متماسك، و إذا لم يسامح الزوجين بعضهما البعض، فالعائلة إنتهت. و في مجتمع، و في علاقات العمل، عندما لا تتواجد إمكانية العفو عن عامل أخطأ في عمله، فهذا يعني أن العقد قد إنتهى. و إذا لم تعمل دولة على إحداث قوانين تعفو و تكفر عن من أخطأ، و إذا ارتكزت فقط على العقاب، و يغيب بها مفهوم المسامحة، فهذه مؤسسة لا تعمل. فإن مفهوم الإستغفار الذي يدعونا إليه الله، و يريد أن يوصله إلينا، و يريدنا أن نعيشه، لا علاقة له بمفهوم إثارة الذنب، بل  بالعكس يريد أن يُقوّمنا، كي نتصرف بطريقة لائقة مع إخواننا، ما دمنا نتصرف مع الخالق نفسه. هل يجب أن تكون لدينا هذه الحالة من الشعور التي تسمح لنا بأن نعيش هذا؟

    بعد الإستغفار، توجد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم. فما دلالتها، بأن نطلب من الله أن يصلي و يسلم على الرسول  محمد صلى الله عليه و سلم؟

    سبقني أحدهم، وذكر كيف نفسر في التقليد هذه الصلاة على الرسول صلى الله عليه و سلم، و سأل أحدهم لماذا إلا الله من يصلي على الرسول صلى الله عليه و سلم، فكانت الإجابة، أنه الوحيد القادر على ذلك. فإذا رجعنا إلى التقليد الروحي، فلا يقف الأمر عند تبليغ صيغة فقط، فهو ذو معنى، و دلالة، و إشارة. ما معنى الرسلية؟ و نرى هنا أن التصلية تتحول إلى رحمة. فصلاة الله على الرسول صلى الله عليه و سلم رحمة. إذا رُدّتِ هذه الرحمة بعناية و سلام، فإنها تعود إلينا كرحمة، لأننا دائما في الدائرة، دائرة الحي، أين كل عمل، و كل كلمة هي حية، و تعمل، و تعود إلى من صدرت منه، و تعود كل فكرة إلى من برزت منه، و كل شيئ يعود إلى منطلقه. إذا أنا نذرت، و شعرت بأن تكون هذه الرحمة الإلهية في الرسول صلى الله عليه و سلم، و لماذا الرسول؟ لأنه أسوتي. لقد جعلته أسوتي، في هذه السلسلة المستمرة للرسلية ، و حكماء الإنسانية. أتوقف لبعض الوقت، في جهة ما، و لكي يتوجه تعبير فكرتي، و رغبتي نحو نموذج إنساني. لأن عندما أقول: « اللهم صلي و سلم على سيدنا محمد... »، أصيغها بفكرة. فيما مضى، ربما صيغوها في قدوة أخرى. و في تقاليد أخرى يمكن صياغتها في قدوات آخرين، لا يأخذون الرسول صلى الله عليه و سلم، رسول الإسلام كأسوة، و لكن نبي آخر، أو ربما لا يكون نبيا، قد يكون صنم ( طاغوت)، صوّره الخيال الإنساني و رسمه. عبد آدميين مثلنا أصناما، عبدوا أشكالا. مرت العبودية بمراحل متتالية.

    و نحن اليوم في هذا التقليد بالضبط، لدينا قدوة روحية، و هذه الأسوة في الرسول صلى الله عليه و سلم. لأن بتوجيه هذه الرحمة نحوه، سيصبح مُرشِح يسمح لنا بتلقيها بالرحمة المحمدية، لأن « و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ». القرآن الكريم. هو نفسه رحمة مُرشح (فِلتر) رحمة، فعندما يتلقى من الله هذه الصلاة، و هذا السلام، يرسله إلينا، نحن المرسل الأول بمُرشح الرحمة الأنسية للكائن الإنساني الذي هو عليه، فنتلقاها في سلام و رحمة. ترون أن كل عملية الورد، هي على الدوام، في حالات نكون فيها الفاعلين و الشهود، فاعلين و مُرسِلين و مُتلقِين. لا يتواجد الورد أبدا في الأفقية، فهو في الدائرة على الدوام.

    عند ذكر « لا إله إلا الله ». فقد ذكر أحدهم من قبل هذا الحديث القدسي: « لا إله إلا الله حصني و من دخل حصني نجا من عذابي ». يغير مفهوم لا إله إلا الله الصيغة و الإدراك كلية، لأنها تصبح حماية، و نجاة في العالم الآخر. نعقد اليوم تأمينات إتقاءا لحالة حدوث مكروه؛ حادث أو مرض، فنحن مؤمنين. و تأميننا في « لا إله إلا الله »، هو أن أتموضع في تلك الوضعية، و تصبح لا إله إلا الله بالنسبة لي طريقة لحمايتي من كل ما أجهل، من كل ما هو إلهي و لا أعرفه، و من الغيب الإلهي. قد يفاجئنا هذا الأخير حين لا نتوقعه، في الظواهر الوهمية للأشياء، ما دام هو الظاهر، و في الأشياء التي أقدر أنها لا تذكر، لأنها آخر ما يذكر « هو الأول و الآخر »، لأني لا أرى سوى الأمور الأولى، و الأمور الأخيرة ربما أجهلها، لأنها بالنسبة لي لا تستحق الإهتمام، و بالكاد تذكر لأنها الأخيرة. ربما هنا تختفي حقيقة تفوتني، قد تجلب لي الخير فأهملها، أو تأذيني فأتلقاها، لأنني في الوهم. إذن تصبح « لا إله إلا الله »، بالنسبة لي حماية و ضمان، تسمحان لي على الأقل في حياتي أن أحتمي من جهلي، و قصوري في المعرفة، و مراوداتي، و من الكثير من الأشياء التي أفعلها بدون إرادة.

    إلى هنا نصل إلى شكل لرؤية الورد، يفرض علينا إذا أردنا أن يستمر و يبقى حيا، أن لا نبلغ أمورا هي حقا جميلة، و لكن ولى عليها الزمن، و المهم هو تبليغ أمورا بسيطة و حية حتى يفهمها أطفالنا. فإذا كنا وفيين للتقليد فلأنه حي، التقليد الرسولي حي، تقليد هؤلاء المشايخ الذين يجعلون بنوة هذه السلسلة حي.

    سأذكر لكم إحدى الحالات، و أنهي بها. أثناء السياحة الأخيرة التي قمنا بها إلى تركيا، و كانت هدية حقيقية، أتتنا تلقائيا، لأننا لم نكن ننتظرها. ما دمنا نقلنا رفات إيفا دوفيتراي مييروفيتش إلى مقبرة كونيا بتركيا، لأنها إمرأة وهبت حياتها لترجمة أعمال جلال الدين الرومي، و الكل هنا يعلم ذلك، فبفضلها تمكن الفرنكفونيين من إكتشاف جلال الدين الرومي. فقد كانت المناسبة. و المفاجأة الثانية، هي أن السفر جاء في الوقت الذي جرت فيه الملاقاة الكبرى السنوية لكونيا، و كان هناك الآلاف من الأشخاص، حجاج من العالم بأسره. و الأمر الثالث، هو السياحة إلى إسطمبول. و هذه التي أريد أن أتكلم عنها، لأن لها علاقة بالورد، وردنا هذا. زرنا مسجدا صغيرا، مقارنة بالمساجد الكبيرة لمن يعرف إسطمبول، و جوامعها الجميلة، و الرائعة، و الواسعة. و هذا مسجد صغير و متواضع، و بجانبه ضريح لسيدي محمد ظافر. أخذونا إلى هذا المسجد، و المعلومة الوحيدة التي كنا نملكها هي أنه شيخ شاذلي. لم نكن كثيرين، كنا عشرة لزيارة المكان. دخلنا و زرنا الولي ثم المسجد الصغير المبني بالخشب، إنه رائع، أُنهي من ترميمه مؤخرا سنة 2010. و شرح لنا الإمام بعدما أرانا المسجد، أن السلطان عبد الحميد الثاني، كان يأتي هنا للتعبد، و ما زال يتواجد المكان الذي يجلس فيه، و المكان المخصص للوزراء، و كذلك للعائلة. و لكن لماذا إختار خليفة المسلمين بأسطمبول مكان متواضع و صغير، هو جميل، و جوهرة، و لا علاقة له بمسجد أيا صوفيا؟ فالسلطان، بالأحرى، يذهب للتعبد بأيا صوفيا. شيئا فشيئا، بدأنا نبحث فاكتشفنا ماذا؟ أولا، كان هناك جو داخل المسجد يجذبنا، جو هائل. إستشرت الأتراك الذين كانوا معي، لأني لا أتكلم التركية، و طلبت منهم أن يقولوا للإمام، إن كان بإمكاننا إقامة حلقة ذكر، و كانت صلاة العصر قريبة. فقال: إنتظروا، لم تقم حلقة ذكر منذ سنة 1923، قوموا بها، و لكن لبضع دقائق، سأغلق الأبواب حتى لا يرانا أحد. – و عندها ضحك الشيخ خالد بن تونس و هو يروي الحادثة -. هل تدركون ذلك؟ إرتبط الأمير عبد الحميد الثاني بسيدي محمد ظافر التونسي، إذ هو شاذلي درقاوي الطريقة. و عندما أصبح سلطانا إستقدم شيخه، و بنى له هذا المسجد، حتى يزوره في الخصوصية، و يذكر معه. منذ 1923، و الذكر متوقف، و كان يجب أن يعود شاذليين درقاويين إلى إسطمبول ليعيدوا تشكيل الحلقة التي أقيمت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. و الحلقة أقفِلت. لأن إبن سيدي محمد ظافر، إرتبط بمن؟ لقد توفي سيدي محمد ظافر سنة 1903، و ترك إبنا، و هذا الإبن إلتقى بالشيخ العلاوي سنة 1911 و إرتبط به. بعدما إنطلق الورد الشاذلي من جديد، وعدنا الإمام، أنه من الآن فصاعدا سيقام. هذه هي أهمية الورد بين الأحياء و الأموات. لماذا هذه الصدفة؟ لماذا لم نزر كل تلك المساجد الجميلة الموجودة بإسطمبول، و نذهب إلى هذا المسجد. لم أكن أعلم أية قصة، أؤكد لكم – ثم توجه إلى يونس جوفروا قائلا: يونس أنت كنت تعرفه -، أما أنا فلم أكن أعرفه، إنه أول سفر لي، و أكتشف هذا المسجد، و قصة هذا الولي المدفون به. إكتشفت كل هذا بالتتالي، و بالإرتباط الذي يوصلنا بطريق اللطف. بالنسبة لي، بهذا يفيد الورد، و يُذكّر بمصدر الحياة، و بهذه الدائرة. فهو ليس شكلا لإثارة الذنب، و لا وسيلة للبحث عن الكشف. لا تنهمكوا، فالورد وقاية لما هو أساسي، حتى تدوم الحياة، و تستمر، و تكون هذه الفرحة دائما بنا، و تُحفظ هذه النار، و يدوم هذا النور الداخلي، حتى  و لو ينقص، فإنه لن يزول أبدا، يبقى دائما هنا. أشكركم جزيلا، و السلام عليكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق