الأربعاء، 19 يناير 2011

الأخوة في الميراث، التولية، التوحيد



التوحيد

    ذوات أيام، بدون توقع مني، ينطلق حوار مع كل الخليقة، رابطة دائمة بيني و بين البيئة، تمنحني إحساس قريب من النشوة، سعادة كبيرة ممزوجة بشعور بالحرية القصوى. يبدو لي أني في اتصال مع نسيج من حرير صافي جدا، و كل شيئ منطقي من حولي، و كل عنصر من العالم، يبدو أنه مغمور بمحبة كبيرة، تعيد إرتباطه بتناغم، مع البقية. أرى أن الكل في مكانه، و لا شيئ سيتم تحويله في نظام الكون. و لكن عاجلا ما تزول النعمة، و أرجع إلى مرارة حقيقة قاسية. يبقى أن هذه اللحظات القاسية، مهما كانت مظلمة، فهي لا تُنسى، و تصبح التجربة التي أرتكز عليها عند مفترق الطرق في أوقات الشك. إبتداءا من هذه الوحدة التي أعيشها بدقة، تكبر ثقتي، و تصبح مصدر لكل إختياراتي.

   في أحد الأيام ، عندما كنت في زيارة للفقراء بهولندا، رأيت الرسول صلى الله عليه و سلم في منامي، ليلة السبت يقول لي: « يوم الإثنين أريد أن أراك بمسجدي بالمدينة، عند صلاة العصر ». كيف لي أن أصل إلى العربية السعودية في غضون ثمانية و أربعين ساعة؟ إلا أن الفقير الحاج بن ثابت (1) هاتفني  يوم الأحد صباحا ليخبرني أن شركة طيران قد وضعت رهن إشارتي تذكرة سفر لهذه الوجهة. و بالمدينة وصلت إلى مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم عند الآذان. و يومين بعد ذلك، زرت المقدم. و هو أحمد ناشر يمني، يبلغ من العمر 114 سنة. خدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لخمسين سنة، لكنه أقام بمستغانم سنتي 1931 و 1932. و كم كانت دهشتي كبيرة لما علمت أن أبي، المهدي الصغير، الذي كان عمره أنذاك أربع سنوات، قد تسلق كتفيه. عدت من المدينة مزودا ببركته، و بشال، و خاتم من فضة كهدية منه. أليس الأثمن هو هذا الرباط المكتم و غير المرئي الذي يمنح الحاضر بعده اللامحدود؟ في منزله رأيت قطة و فأرة تحتسيان اللبن في نفس الصحن...

    كيف نفسر هذه الظاهرة لمن لم يسبق له أن عاشها؟ لقد حدث هذا، هذا ما في الأمر. و حدث هذا مرة أخرى. و كم من مرة. عندما إكتشفت المنزل الذي نعيش فيه اليوم مع زوجتي، أحسست كم أنا سعيد أن أعيش فيه. و جاءني الجواب مني: « إذا أردته يمكنك ذلك ». لم يكن لدي الإمكانيات، و رغم ذلك تمكنا من الإستقرار به، بعد بضع سنوات. يبدو هذا سحري، و لكن لم يكن شيئا من ذلك. إن ما نسميه « سحر »، ما هو إلا الحياة المكشوفة في صفائها الكبير. لأنها بمستوى القوة التي تسكنها. ألم  يبينه الرسول صلى الله عليه و سلم: « إن للمرء همة لو تعلقت بالثريا لجذبتها ».(2).


    يمكن أن يحدث هذا النوع من الأمور لأي شخص شريطة أن يكون صادقا في سيرته. ليست رغبتي ما تحقق هنا، و لكنه التأكيد البسيط لحالة كينونة معينة، في الرضى بما يحدث. كان الذي، كان يجب أن يكون. كل ما يحدث في حياتي هو في مكانه. في الطريق، كلما إقتربت من الوسط، كلما قلّ إحتياجي للتدخل، و أمكن للحياة أن تتوضح بواسطتي...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). أصبح مقدم زاوية باريس، معوضا المقدم سيدي طاهر بن عراب، المتوفي.
(2). ورد هذا المعنى في حديث: « لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس ». أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، و الشيرازي في الألقاب عن قيس بن سعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق