الاثنين، 31 يناير 2011

التصوف قلب الإسلام، التراث الصوفي، البيعة

البيعة

    من بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم، و المرء يصبح مسلما بمجرد نطقه كلمة الشهادة « شهادة التوحيد »، و هي « لا إله إلا الله محمد رسول الله ». و من وجهة النظر التاريخية دائما، فإن الأتباع الأوائل – من الصحابة رضوان الله عليهم – عندما بايعوا الرسول صلى الله عليه و سلم مدّ لهم يده الشريفة فوضعوا أيديهم في يده. قال تعالى: « إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ». القرآن الكريم.

    لقد جرى هذا العهد على الوفاء و نشر الدعوة تحت الشجرة(*)، و يعود تاريخه إلى الوقت الذي كان الرسول صلى الله عليه و سلم، يريد فتح مكة المكرمة التي هاجرها، لقصد أداء مناسك الحج، لكنه، و في الوقت الذي كان قويا بالقدر الكافي من السلاح، آثر التفاوض كي لا تراق الدماء سدى، و قد فوجئ أصحابه، رضوان الله عليهم، آنذاك و انزعجوا انزعاجا شديدا عند إطلاعهم على بنود تلك المفاوضات.

    قبل كل شيئ، فالرسول صلى الله عليه و سلم، قد عومل فيها من قبل أعدائه كمواطن عادي، دون أن يعترفوا له بأية أهلية روحية.

    ثم اتُّفق على أنه صلى الله عليه و سلم، لا يُسمح له بدخول مكة لإقامة مناسك الحج في تلك السنة، و لكن يُسمح له في السنة القادمة فقط.

    و أخيرا، إذا ما هرب شخص يقيم في مكة نحو المدينة وجب إرجاعه إلى المكيين، في حين أنه إذا غادر مدني المدينة مُتوجها إلى مكة فلن يرد إلى جماعة المسلمين.

    كل هذه الشروط اُعتبرت من قبل أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم، مهينة، حتى إن البعض منهم قد استولى عليه الشك، فحدث اهتزاز داخل الجماعة، و ظهر الخلاف بين أولئك الذين كانوا يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه و سلم، يعلم ما يفعل، و أولئك الذين صمموا على أنهم لا يستطيعون قبول تلك التسوية. و في تلك اللحظة نشأ ارتباط متين بين الرسول صلى الله عليه و سلم، و أولئك الذين كانوا أوفياء له، و رفعت منزلتهم أكثر من الآخرين، لأن الشك لم يساورهم. و هذا يعني أنهم كانوا يحظون بسمو باطني، و نحن لدينا لائحة لهؤلاء الصحابة، لكن البعض من بين الآلاف الحاضرة لعبت دورا مهما جدا في الإسلام، من غير أن يكونوا قد بايعوا الرسول صلى الله عليه و سلم، في ذلك اليوم، لأنهم لم يكونوا بعد مستعدين.

    و منذ ذلك اليوم، و من ذلك المكان المحدد بدقة، و المعروف عند المؤرخين، بدأ العهد على الوفاء للرسول صلى الله عليه و سلم. إنه عهد يرمز إلى ارتباط الإنسان ببعد آخر، لا بمجرد الإنتماء إلى جماعة. فالمبايعة هي طاعة تامة للرسول صلى الله عليه و سلم، الذي يمثل يد الله عز و جل. و قد جاء في القرآن: « إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ». القرآن الكريم. و الرسول صلى الله عليه و سلم، ما هو إلا مظهر رباني، فكل من يقوم بالمبايعة فلا يبايع الشيخ، و لكن بواسطته و بواسطة الرسول صلى الله عليه و سلم يبايع الله عز وجل. هذه المبايعة لا توجد إلا عند الشيوخ الصوفية، و لا توجد عند بقية الأمة الإسلامية، و هذا هو تاريخ المبايعة التي ما زالت قائمة الى يومنا هذا، و هو معروف بشكل ضئيل جدا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*). إشارة إلى قوله تعالى: « لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا ». القرآن الكريم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق