الأربعاء، 19 يناير 2011

الأخوة كإرث، التولية، الطريق الصوفي

    عند عودته إلى الجزائر، لحضور جنازة أبيه الشيخ الحاج المهدي بن تونس، فوجئ الشاب خالد بن تونس بقرار كبار فقراء الطريق و حكمائها، بتعيينه شيخا خلفا لأبيه، فرفض، و ادعى القصور، و لكن القدر قد إختاره، و عندها أحس بتغيير كبير بذاته و تبدلت أحواله، وعاش الشهور الأولى بآلام حادة و حمى كبيرة. شيئا فشيئا ، انتقل من حال إلى حال، و زال العناء و أخذ مكانه الطمأنينة و السلام.


الطريق الصوفي

    قال بعض الصوفية: « عندما تسير في الطريق إحذر أن تزعج أي حجر ». إن الحياة مجعولة من حركات، و كل إنسان يجسد هذه المفارقة، بأن يكون في نفس الوقت حاملا للأبدية و للتحول. فالطريق الصوفي بسلوكه، يتم تدريجيا. كل إكتشاف يطلب آخر، و آخر، و هكذا و دواليك. ننتقل من حيرة إلى أخرى، متحققين من عظمة و لطافة الغيب الذي لا نعلم عنه شيئا، و رغم ذلك، كان دائما حاضرا. تأخذ هذه الآيات القرآنية التي قرأتها آلاف المرات بدون أن أجيد فهمها، فجأة معنى، الواحدة تلو الأخرى. فَتح و حالة شعور جديدة، تبشران بفهم آت. لاشيئ متناهي في اللامتناهي، هذا ما حققته مع مرور الشهور. و بسرعة أصبحت عدة « وسائل » ضرورية للترقي في الطريق، و للنجاح في المهمة التي آلت إلي.

    كنت أنتهز لياليَ لأسبح في العزلة « قم الليل إلا قليلاً ». القرآن الكريم. فالليل مناسب للتأمل، و الدعاء، و الصلاة. يَهدأ العالم، و تقلّ التداخلات، مهما كانت حسية، أو نفسية، أو فكرية، مُسهلة سيرورة الخشوع و الصدق. من هنا، أصبحت أدرك جيدا كل يوم، أهمية إنعزال المشايخ بانتظام عن العالم، ليتحضروا أكثر لبعض مظاهر الحضرة « و هو معكم أينما كنتم ». القرآن الكريم. في الصمت و السلام، تحققت كم هو سهل، الإستفادة من البركة عندما تطرح أي مسألة عليّ...

    تلعب الرؤى دور كبير في تعليمي. إذا كنت مشغولا بمسألة، لا أتوان عن طلب الإجابة بواسطتها، حتى أتحصل على إشارات دقيقة حول العمل الذي يجب القيام به. كما علمني الحكماء، إستطعت أن أميز العديد من أنواع الرؤى، التي قد تكون إجابة سهلة لمسألة معطاة، أو حكم منذر، أو كذلك السفر في أنواع من أحلام اليقظة، التي تفيد بشكل عام...

    أعتمد كذلك على الذكر، الذي يمدني بقوة يقين عند لحظة إختيار وجهة. تذكر بعض أسماء الله في ظروف خاصة.

    و هنالك الأسفار. فمنذ أن عُيِنت شيخا للطريقة العلاوية، لم أتوقف عن السفر. سواء كان ترفيهي أو « مهني »، فهو دائما سياحة تحرض بحثا داخليا، و معرفة نفس، و إذا معرفة الله.

    يا لها من فرصة لمعرفة الإنسان حدوده، و قبول نقائصه، و إكتشاف خصاله؟ السفر سلوك فيما يسمح للغيرية بأن تدرك. و مصدر انفتاح، و إغناء، و يشارك في تمديد شساعة الفضاء. بفضله إكتشفت التقاليد الأخرى، البوذية، و الهندية، و الجنوب أمريكية، و اليابانية، إلخ..، حتى رجال الصحراء، طوارق تنيري، و الطاسيلي، الأغنياء في فاقتهم. تمنكت من رسم الخريطة الغير مرئية لأحد المجتمعات، ذو شعور، يكون فيه التقليد الكوني قائما بلغة وحيدة، إنها للملقنين. في مستوى معين تتوقف الحواجز، و تبقى فقط نوعية القِسمة. و هذا ما  يرضي الرسل. قال الشيخ عدة بن تونس: « إذا اجتمع يوما يهودي صالح، و مسيحي صالح، و مسلم صالح، لا يجدون شيئ  قط يفرقهم. بالعكس إذا ذكر كل واحد منهم كلام رسوله، لا يجدون سوى كلمات تساعد و تقوي الصداقة، و الأخوة، و المحبة ».(*).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*). مجلة المرشد ( النسخة الفرنسية، فقد كانت تصدر هذه المجلة باللغتين العربية و الفرنسية)، أكتوبر 1949.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق