الأحد، 6 مارس 2011

بركة الله في الأعمال

 
بركة الله في الأعمال


    جرى المؤتمر الدولي للطريقة العلاوية بمدينة جونيف السويسرية يومي 9 و 10 أكتوبر 2010، و ساد قبله جو بسويسرا نتيجة حملة و إستفتاء حول شرعية بناء صومعات المساجد، و جُنّد كل البلد ضد هذا المشروع. في هذه الأجواء و معاداة للإسلام، أقيم مؤتمر "من أجل إسلام حر و مسؤول"، الذي نظمته الجمعية الدولية الصوفية "عيسى".

    أسابيع قليلة بعدها بشّر الشيخ خالد بن تونس في جمع مع مريديه(1) بالنتائج الأولى لهذا المؤتمر:

    « طُرحت أفكار و تساؤلات كثيرة حول حقيقة الإسلام، و هذا هو المراد، الذي كنا نترجاه، أن يحدث صدى بالمجتمع السويسري، و الأوروبي عامة. و كان الأمر كما ظننا. يقول الله تعالى في حديث قدسي: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء ". ظننا بالله كان حسنا.
    أُقيم حفل آخر بقصر الأمم المتحدة، في لقاء حول حقوق الإنسان، بما فيها حقوق التدين(2). عندما أتيم إلى جونيف، شاهدتم في الطابق الأول، المعرض الذي كان حول الأمير عبد القادر. كُرّم بهذا الحفل الأمير عبد القادر، و بمأنه ليس في الحياة، فقد كرم أهله. و اعترف به أنه كان رجلا مسلما صوفيا، و أول سياسي في العالم تكلم و أشار إلى صالح الإنسانية و حقوقها. في ظرف زمني قصير، أسبوعين، غيّر الإحتفال بسويسرا الأمور، لا بعنف، و لا بإكراه، و لا بعداوة. يقول الله تعالى: " لقد جعلناكم أمة وسطا ليكون الرسول عليكم شهيدا ". القرآن الكريم. و يقول كذلك: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ". القرآن الكريم. و ليس بالتي هي أخشن.
    فقد جعل الله بركته، تكلمنا إلا ما فيه المصلحة و المنفعة لبني الإنسان. ظهر منا الصدق، و المقصود من ذلك التوحيد، لأن إذا عمل به الإنسان في السر و العلانية، أعطى نتيجته و فائدته في أقرب وقت ممكن.
    في حين كنا نحتفل بجونيف، عاصمة العالم، و بها مؤسسات دولية، كان في مكان آخر، الإنسان يقتل الإنسان، و الإنسان يفجر الإنسان »(3).
 
    ثم سرد الشيخ حدث تفجير كنيسة ببغداد، ذهب ضحيته 45 شخص. نُفذ هذا العمل الشنيع باسم الإسلام، و عندها ذكّر بالأخلاق الجليلة للرسول صلى الله عليه و سلم، و لما جاءه وفد نجران المسيحي زائرا، عرض على أفراده الإسلام، « و ما على الرسول إلا البلاغ ». حدثت مباهلة بين الرسول صلى الله عليه و سلم و كبار الوفد، و لما حانت صلاتهم، طلبوا منه مكانا للصلاة، فقال سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم: « " أحسن مكان بيت الله " ، و وقع حلف مع الوفد المسيحي، و قال صلى الله عليه و سلم: " و من يتعد عليهم يلقاني محاسبا يوم القيامة ". كيف وصل المسلمون إلى هذه الدرجة و هذه الفتنة، فلأنهم إبتعدوا عن المنهج المحمدي، منهج الرحمة و الشفاعة و المحبة. خرجنا من دائرة التوحيد، و هي دائرة الفضائل و الجود إلى دائرة الفتنة، أي دائرة الرذائل و الإختلاف ».

    مما جاء في الأثر عن لقاء الرسول صلى الله عليه و سلم بوفد نجران:

    يقول ابن هشام في سيرته: " قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ و حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال:‏‏ لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر ، عليهم ثياب الحبرات ، جبب و أردية ، في جمال رجال بني الحارث بن كعب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ‏‏:‏‏ ما رأينا وفدا مثلهم ، و قد حانت صلاتهم ، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ دعوهم ؛ فصلوا إلى المشرق ‏‏".‏‏

    و يقول الواحدي في كتابه  أسباب النزول: " قال المفسرون: قدم وفد نجران، و كانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، و في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم؛ فالعاقب أمير القوم و صاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، و إسمه عبد المسيح، و السيد إمامهم و صاحب رحلهم و إسمه الأيْهم، و أبو حارثة بن علقمة أسقفهم و حبرهم و إمامهم و صاحب مدارسهم، و كان شَرُف فيهم و درس كتبهم حتى حَسُن علمه في دينهم، و كانت ملوك الروم قد شرفوه و مولوه و بنوا له الكنائس لعلمه و اجتهاده.
    فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم و دخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحِبَرات، جباب و أردية في جمال رجال الحارث بن كعب، يقول من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما رأينا وفداً مثلهم، و قد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: دعوهم. فصلوا إلى المشرق " .

   « أما عن الأمير عبد القادر الذي كرّم مؤخرا بقصر الأمم المتحدة. ففي عام 1860 وقعت فتنة في دمشق بين المسلمين و المسيحيين، و لذلك سبب. كان بيد المسيحيين تجارة الحرير، و كان الحرير يأتي من الصين، و قد قام السوريون بتربية دودة القز ، و حريرهم معروف، ذو جودة عالية. كانت أوروبا آنذاك تسيطر على التجارة في العالم، و أراد أصحابها أن يستولوا على هذه التجارة التي كانت بيد المسيحيين، و لهذا ولّدوا فتنة بين المسلمين و المسيحيين. دفعوا لبعضهم، 120 شخص، و القصة معروفة لأنهم حُكموا بالمحكمة العثمانية. و قامت الفتنة، و مات عدد كبير من المسيحيين ظلما و عدوانا، و أحرقت معامل النسيج، أي حطموا تلك الصناعة. كان هذا هدف بعض الدول الأوروبية المتسترة، دفعت أموالا لأشخاص، و تم الأمر بواسطة أهل الدين، فقد نصبوا علماء، أصحاب الأجرة، و أعطوهم أموال فأفتوا بأن هؤلاء المسيحيين كفار. نهض الأمير عبد القادر و قاوم هذه الفتنة، و جمع أتباعه الجزائريين الذين هاجروا معه إلى دمشق، و مازال بها إلى اليوم حي، يعرف باسم حي الجزائريين، فسلحهم و حمى المسيحيين.
    جاءه المسلمون، و ممثلي بعض العلماء، و طالبوه بأن يسلم إليهم المسيحيين، فرفض، و سألوه كيف تحمي الكفار من إخوانك المسلمين، قال أحمي إخواني من الأخوة الآدمية ضد إخواني المسلمين إذا فسدت عقيدتهم و ظلموا. أتبع الحق و ليس الدين، لن تنالوهم إلا بالمرور على جسدي. 150 سنة من بعد، مازال يشرف و يضرب به المثل. وجدناه مفتاح يفتح لنا باب الحوار. انظروا كيف يزن أهل الله، و أهل ذكر الله و يعاملون المخلوقات. حماية المظلوم أينما كان. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ، فإنه ليس دونها حجاب ". و قال الله تعالى: " و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ". حقيقة هذا التعارف، هي أنك لا تعرف حقيقتك إلا بغيرك ».(4)

    بعدما أنقذ المسيحيين وردت على الأمير عبد القادر الجزائري رسائل من ملوك العالم، و بابا الفاتيكان، و قساوسة، و شخصيات عديدة تشكره على عمله، فكان يردفها بإجابات جاء في بعضها " ان الشرائع من آدم إلى محمد عليهم الصلاة و السلام تدعوا إلى تعظيم جلال الله و الإحسان إلى خلقه لأن الخلق عيال الله "، و يؤكد مضيفا في ردوده " أن ما قمت به نابع من الشريعة الإسلامية و من أجل الحقوق الإنسانية ". كان قدس الله سره سباق إلى ذكر حقوق الإنسان في القرن التاسع عشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). أقيم هذا الجمع بألمانيا في آواخر نوفمبر 2010.
(2). هي جائزة التسامح لمؤسسسة أوسيمي التي منحت للأمير عبد القادر الجزائري بعد وفاته، و جرى الحفل بقصر الأمم المتحدة الأوروبي بجونيف. لتفاصيل أكثر.
(3). وضعنا كلام الشيخ خالد بن تونس بالمذاكرة بين العارضتين « ».
(4). قال الشيخ خالد بن تونس المذاكرة أمام مريديه بلغة بسيطة، عملنا قدر المستطاع على سردها كما هي.
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق