الأربعاء، 9 مارس 2011

لقاء بقرطبة


لقاء بقرطبة

     شارك الشيخ خالد بن تونس بمدينة قرطبة الإسبانية، في ندوة نظمتها جمعية كُمبوستيلا- قرطبة(1)، يومي 25 و 26 نوفمبر 2010، عنوانها "طريق نحو التفاهم و الحوار". قال في مداخلة له:

    سيداتي سادتي، أصدقائي الأعزاء، مساء الخير، الوقت متأخر... بهذه المدينة الرائعة، قرطبة التي تذكرنا بالذاكرة و التاريخ، و كذلك بالشق الموجود دائما بين الشرق و الغرب، أو بالأخص بين الغرب و الإسلام.

    حول سؤالك، هل روح المشاركة و التبادل ممكنة؟ بإجابة حكيمة، نقول نعم. و لكن كيف نتوصل إلى ذلك؟

     تواجهنا هناك الكثير من الصعوبات، تتمثل الأولى في التوصل إلى التعايش معا. لتكن لنا نظرة أخرى عن العالم لما هي لنا اليوم. هذا عالم متفجر، خاضع للقانون المتوحش للسوق، في غمرة الأزمة. يشهد أزمات متعددة، طاقوية، و الإحتباس الحراري، و التلوث، و الظلم، و حروب...

    نشرت جريدة لِبيراسيون الفرنسية، الأسبوع الماضي ملخص ملتقى، جرى بمدينة إيفيان السويسرية مع أكثر من 500 مختص في العالم، كان فيه رؤساء كبار الشركات بالعالم، شركات التأمين، و البنوك، و المؤسسات الكبرى البترولية، و غيرها... الوضع اليوم في العالم محزن، يجب الإقرار بذلك. إن التعايش في المنادمة التي نتكلم عنها كما عاشها الأندلسيين في القرون الوسطى، و نقارنها بيومنا، فإننا في عالم متخلف، كما يؤكد المختصين، عالم فَقدَ الوجهة. أنقل ما قاله نائب رئيس شركة أمريكية كبيرة " حتى سنة 2008، كنا نرى العالم كذهابنا في سفينة، نرى منها الساحل (بر الأمان)، و غروب الشمس الجميل، فجأة دخلنا في عاصفة، فأقلقنا ذلك. ثم ذهبنا لنرى من يقود السفينة؟ فلم نجد لها قائدا ". هذه خلاصة نائب رئيس شركة أمريكية متعددة الجنسيات.

    للعودة إلى السؤال الأساسي، حسب رأيي، يجب إعطاء الرأي، و هل مازال ممكنا هذا التعايش، و توجد إنسانية لتحقيقه؟ لهذا يجب علينا المرور إلى ثقافة أخرى، الخروج من ثقافة "أنا" إلى ثقافة "نحن". بدون ثقافة "نحن" التي تجمع بالتساوي في الكرامة، و بمسافات متساوية عن المركز، فإن مصالح الإنسان و الإنسانية في خطر. فالأمر لا يخص الغرب دون الشرق، أو المسلم و المسيحي، أو المعمار و التجميل، نحن اليوم محمولين بتيار. قال لنا ممثل الصين أن 70% من إحتياطي الماء بالصين ملوث. و يجب في وقت قياسي، حتى 2050، بناء 400.000 مدينة جديدة، لإسكان الإنسانية القادمة. كانت سنة 2010، السنة الأكثر كارثية منذ أن وُجدت الإحصائيات. تجدون هذه الإحصائيات عند المختصين و لست مختصا. ينادينا العالم من الأعماق إن بقيت فينا إنسانية.

    ... وصلت الإنسانية إلى مرحلة، هي مُعرضة فيها للدخول في أزمة، يبرر فيها أي شيئ، القتل و المخاوف. يجب التذكير أن منذ 11 سبتمبر 2001، نعيش هاجس من قسم من العالم، يمثل مليار و نصف مليار إنسان، و هو العالم الإسلامي، و ليس كل مسلم إسلامي، و ليس كل إسلامي إرهابي. يجب علينا اليوم خلق ثقافة "نحن".

    نجد فعليا في العالم اُناس على إستعداد، يحاولون زرع هذا الأمل حولهم، هم قليلون. نحن قليلون. أما عن سؤال التعايش معا و المنادمة، فنَعم. تقول الحكمة، إذا اجتمع عشر حكماء و استفسروا في سؤال واحد، سنتلقى جوابا واحدا. و إذا اجتمع عشرة علماء دين و عشرة خبراء سنتلقى أحد عشر إجابة، و علينا الإختيار. و شكرا.

    و في نفس الندوة، قال في مداخلة أخرى:

    في عالم بغيّ، و كل شيئ فيه جاهز، الثياب الجاهزة، و التفكير الجاهز، و الطعام الجاهز، هذا ما انضبط عليه العالم، لا نستطيع أن نقدم لكم أكثر. أنتم مَن عليكم أن يرفع التحدي، يجب محاولة إيجاد كيفية تعليل الضمائر؟ علينا العودة إلى الحالة الأولى التي جاء بها كل إنسان إلى هذا العالم، فيها نولد من بطون أمهاتنا بدون تواجد ثقل الثقافة، نولد أحرار. لم يولد أحدا مسلما، أو مسيحيا، أو ملحدا، أو بأي فلسفة، فثقل الثقافة هو الذي يكيفنا اليوم. بدأت هذه الثقافة العالمية و القرية العالمية تفقد توازنها، لا نعرف كيف نسير أمورنا، هناك المئات من الشباب يعبرون المتوسط و يموتون من أجل الذهاب إلى الألدورادو، أين هو الألدورادو اليوم، نفس الأمر يحدث بين المكسيك و الولايات المتحدة. لماذا يتحول مركز العالم نحو آسيا؟ لأن للأسيويين نظرة عن العالم ليست لنا، نحن على متن سفينة تغمرها المياه من كل جهة، على الأقل - رغم نقائصهم – لديهم معنويات ليست لنا.

الشيخ خالد بن تونس بقرطبة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ      
(1). تأسست هذه الجمعية في ربيع 2009 من طرف حجاج مسيحيين و مسلمين، هدفها مد جسر بين الثقافات. كُمبوستيلا هي أحد أماكن الحج المسيحية الثلاثة بعد القدس و روما.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق