الأربعاء، 9 مارس 2011

كلمة الشيخ خالد بن تونس في ملتقى الزوايا


كلمة الشيخ خالد بن تونس
 في ملتقى الزوايا


     بسم الله وحده و الصلاة و السلام على من هو للأخلاق الإنسانية بداية،  و للحضرة الأقدسية نهاية، و بارك الله في الجميع، في هذا الحفل المبارك الثمين الغني، و الله شاهد على ما أقول. نحن فخورون، و لكنكم حملتم علينا عبئ ثقيل. لسنا أحسن من أي طريق، حاشا لله، بل نحن خدم لجميع أهل النسبة و جميع الزوايا و المشايخ .

    ثم أقول أن هذا المنهج المحمدي، أي التصوف، أتى رحمة و ملجأ للمحتـاجين أينما كانوا، و ملجأ للقاصدين أينما تواجدوا، أيّ كانت ملتهم أو دينهم فما بالك بالمسلم أو المؤمن أو المؤمنة، و ما بالك الجزائر بلدنا العزيز.

    و الشيخ الحاج عدة يقول فيما يخص مستغانم:

فـي مسـتغانم ما تشتهيه    فيـه الدواء فيه الشفاء   فـيــه الهناء بأنواعه
فـــيــــه الــــــكـــــرام    فــــيــه الـــهــــمـــام     فـيه الإمام و كفى به

    مرحبا بكم في مستغانم، مسك الغنائم  في أي يوم، و في أي وقت، و في أي زمان، بالليل أو النهار، الزاوية مفتوحة للجميع و هي دار الجميع. لا بد علينا، و هذا من واجبنا أن ننتبه للمجتمع الذي نعيش فيه و نقدم له ما يستحق أن يقدم له من طرف رجال التصوف ورجال الزوايا، نقدم له علم و ثقافة. نقدم خدمات للمجتمع و للمحتاج، يجب أن نكون درع للسائل و المحروم، و المظلوم، الزوايا ملجأ للجميع. الآن نحن بحاجة في هذا الوطن السعيد، أن نشاهد منهجا سلوكيا لأبنائنا، و للأجيال الآتية، منهجا متفتحا على العالم، متفتحا على العصر. مع كل المشاكل الموجودة اليوم في المجتمع الإسلامي، لا بد أن نسعى لإعانة العلماء والأدباء و المشائخ و أهل التربية، لحلها بقدر ما أمكن، و على حسب الاستطاعة.


    جمع أقطاب التصوف، التصوف في كلمات خفيفة و يقولون: الشريعة هي "أنت و أنا ". احترام الغيرية مهما كانت الشريعة التي فرضها الله سبحانه و تعالى على جميع المخلوقات، لا يقتصر الأمر على الشريعة الإسلامية أو الشريعة الموجودة عندنا في العالم الإسلامي، و إنما الشريعة الإنسانية، و هي احترام الغيرية مهما كانت. الشريعة أنت و أنا، أي تحترمني وأحترمك، تقدرني و أقدرك، تأخذ مني و آخذ منك، المبادلة دائما. الغير مرآة لنا، حتى نعرف ما نحن عليه، لابد منه، فهو من سيعرفنا بأنفسنا، و لو كان ضدنا.

    ثم في النقطة الثانية، يقولون أن الطريقة هي "أنت أنا و أنا أنت"، أي المحبة، و الألفة و الوحدة. عند أهل التصوف هذه الدرجة ، هي القرب، والمحبة، و الأخوة الدائمة. نحث دوما على جمع الشمل، جمع شمل المجتمع، و المؤمنين، و المؤمنات و الإنسانية جمعاء، أي بنو آدم "كلكم من أدم و أدم من تراب". جمع شمل الإنسانية.

    ثم النقطة الثالثة، الحقيقة "لا أنت و لا أنا"، أي هو سبحانه و تعالى. و هذا لدعوة الإنسان إلى التواضع و خفض النفس، و أن يرى أن الفاعل الوحيد في الكون هو الله سبحانه و تعالى، هو الفاعل في ملكه بما يشاء. ثم لا ننسى أن هذا الملتقى هو تاريخيا بداية لصفحة جديدة في الجزائر لأن الزوايا كانت منسية، و لم تكن منسية فقط، بل كانت تتهم بالتخلف و الشعوذة و جميع التهم. لا يجب أن ننسى التاريخ، و إنما علينا أن ننهض و نساعد المجتمع الجزائري ونعرفه بهذا التراث الروحي الذي كان له دور و الحمد لله في جميع المجالات، لا من نضال، و لا من علم، و لا من قرآن، و لا من جميع مقومات الشخصية و الهوية الجزائرية.

    تاريخ الجزائر مبني على الزوايا، حبّ من حبّ و كره من كره، و لذلك أشكر كثيرا سيادة الرئيس الذي أزاح هذا الحاجز الذي كان بيننا و بين المجتمع، و خاصة المثقفين و الصحافة. كان لرئيس الجمهورية موقفا شجاعا حيث لم يخشى أن يقول الناس أن رئيس الدولة الجزائرية يقصد كل الزوايا و يستدعي المجاذيب ليدعوا الله له، لأن الكثير يعتبر هذا تخلف في هذا العصر. وهذه نقطة حساسة أيها الأحباب لأنها فتحت مجالا أخر حتى و لو أنتخب رئيس أخر، لا يستطيع الحياد فيها.

     للزوايا وزن في الوطن الجزائري، و غير الوطن الجزائري، لها وزن في بناء المجتمع الإسلامي، و نرى من الشرق إلى الغرب عدد المسلمين في العالم اليوم، و الوزن الديموغرافي الذي لهم، مليار و نصف تقريبا. ماذا عن الوزن العلمي، و الاقتصادي، و السياسي؟ من يعتبر المسلمين اليوم؟ و لماذا؟ لأننا بأنفسنا أغلقنا باب الاجتهاد، و نعيش في الماضي أكثر من الحاضر، أما  عن المستقبل فلا نفكر فيه أبدا. نعيش دائما في الماضي و نأخذ المثال من الأولين. نعم للأولين فضلهم، و لكن " و العصر إن الإنسان لا في خسر ". القرآن الكريم، و العصر أي في هذا العصر، لماذا نأخذ المثال دائما من الماضي، و ننسى أنه يجب علينا دوما الأخذ بعين الاعتبار العصر الذي نعيش فيه و نفتح باب الاجتهاد. لا يمكن أن يكون الاجتهاد، لأننا كلما نخطو خطوة نسميها بدعة، و كلما نهض  أي إنسان اليوم، نقول له هذه بدعة و لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، الطرقيون أهل بدعة. أي شخص يأتي و يعجزنا بكلمة بدعة، و نسينا أنه "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" و نسينا قول الرسول صلى الله عليه و سلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها". نحن لا نقبل المجدد لأنه يكون بطبيعة الحال غير مقلد. والشئ الذي يأتي به نقول عنه بدعة، و  لم يكن عند الأولين. نسينا أن المصحف الكريم بدعة، لأنه لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، فقد جمعه سيدنا عثمان رضي الله عنه، و الحديث بدعة، و صحيح البخاري بدعة، و صحيح مسلم بدعة، و الترمذي بدعة، كل هذا لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم. المذاهب "مالك، و الشافعي، و الحنبلي و الحنفي" لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، إذن هي بدعة. كان الإسلام كان دائما يتماشى مع عصره و يتجاوب مع احتياجات التجديد و مطالب العصر. فعلينا يا أهل الزوايا أن نتوجه، و لا نقول بالتابع و المتبوع، و الإتباع دائما ، بل نقول بالتجديد و التجديد دائما و أبدا.

    و لأهل التصوف المثال الحي على هذا، و هو أهل السلسلة، ماذا تعني السلسلة؟ تعني أن سر النبي صلى الله عليه و سلم يسري دائما إلى اليوم، و لا يقف عند زمان أو مكان، يسري من شيخ إلى مريد. لا ينقطع الخير المحمدي في الأمة المحمدية. هذا عند أهل الله، و عند أهل الزوايا.  أنتم تقولون به و من وجه النصيحة. نحن خدام لكم، و إياكم أن ترفعوننا إلى أعلى، فنحن إخوة. فالطريقة "أنت أنا و أنا أنت"، و عندما نرجع إلى الحقيقة، نجد "لا أنت و لا أنا"... لا يوجد هناك، لا شيخ و لا طريقة و لا مكان، إلا الله سبحانه وتعالى.

و السلام عليكم.

    جرى ملتقى الزوايا سنة 2004 بمدينة مستغانم، برعاية رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي حضر جانبا من فعالياته، و نظمته جمعية الشيخ العلاوي للتربية و الثقافة الصوفية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق