الاثنين، 11 سبتمبر 2017

الرحلة الأممية الجزء الثاني

الرحلة الأممية
الجزء الثاني


5- 24 ساعة دعاء للأرض

    جرى اللقاء في أول نوفمبر 2015 بباريس، بقاعة سنيما "غروند ريكس"، و كانت المناسبة لقاء استباقي، سمي بـ "24 ساعة دعاء للأرض"، نُظم في العديد من بقاع العالم، منها الجزائر، جمع مختلف أطياف المجتمع، اجتمعت من أجل الدعاء لأمنا الأرض، كوكبنا العزيز، الذي يتعرض لمخاطر كثيرة، سببها الإنسان نفسه، بجشعه و جهله، و أطماعه التي لا تفنى. شارك الشيخ خالد بن تونس مع جماعة من مريديه في اللقاء، و أقاموا جلسة ذكر و سماع، ثم ألقى مذاكرة، نوردها كاملة في الأخير.

                    الشيخ خالد بن تونس رفقة مريديه بجلسة الذكر.

    قلنا أنه لقاء استباقي، تقدم المؤتمر العالمي المسمى (محاضرة الأطراف) COP  في دورته الـ 21، الذي انعقد في فرنسا بين 30 نوفمبر و 11 ديسمبر 2015. يعرف الموتمر أيضا بمحاضرة باريس حول المناخ، و كان يصبو لأول مرة، منذ أكثر من 20 سنة، من المفاوضات بالأمم المتحدة، إلى الوصول إلى اتفاق عالمي قانوني مُجبِر، حول المناخ، ينطبق على جميع البلدان، و ذلك بهدف الحفاظ على الإحتباس الحراري، تحت أقل من 2 درجة مئوية.

    كان اللقاء فرصة للدعاء، و وسيلة ضغط موجهة لكبار العالم، كي يفكروا مليا و يوقعوا لصالح الكوكب، على حساب الأطماع الإقتصادية. في آخر المطاف، تم التوقيع على الإتفاق.

    "ذكر موقع الحدث (24earth.org)، 'إن هذه المفاوضات لن تكون ذات فائدة، إذا لم يتم تناولها من قبل الشركات والمجتمع المدني، وبطبيعة الحال، من قبل كل سكان. إن مفتاح النجاح لا يمكن أن يتحقق، إلا من خلال إحداث تغييرات في سلوك مواطني العالم، مسترشدين بضميرهم، الموجه ومحرك إلتزامهم'. هذا الالتزام يمكن أن يتجسد في الدعاء. عمل ملموس وبسيط وفوري. سواء كان علماني أو روحي، فإن العملية تجعل من الممكن، أن يتحلى كل شخص بالوعي، و يدرك رابطته بالآخرين و بالكوكب. إن لإجراءاتنا الفردية آثار بيئية واجتماعية. لا يمكن للإنسانية أن تنجو بدون الأخوة".(1)

                         حضور الفقيرات جلسة الذكر، بالمناسبة.

مذاكرته
    بعد بسم الله الرحمن الرحيم

    سيداتي سادتي، مساء الخير. إنني مسرور جدا، للمشاركة معكم هذا المساء، في هذا اليوم المخصص للدعاء و الصلاة و الأمل، الذي على كل حال، قد يفتح صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية. و أخيرا، في مقابل التحديات، التي ستعرفها الإنسانية، في السنوات المقبلة، فإنه ستحصل وثبة، و تحلي بالوعي، جديد سيمس كل كائن، بعيدا عن عرقه و دينه و لونه و معتقده، و إنه يعبئ نفسه ليكون جزءا من هذا الجسد، الذي نسميه الإنسانية، هذا الجسم الفلسفي و الروحي و النفسي. لقد حان الوقت لكي يتجسد، بإدراك و تحلي بالوعي لكل واحد و واحدة، و لكل شخص على وجه هذه الأرض. في نهاية المطاف، نفهم جميعا بأننا جميعا أجزاء لنفس الجسم و نفس الضمير و نفس الأمل و نفس القلق، و ربما سيتكلم يوما ما، أبناءنا و أحفادنا، بأن في باريس، في يوم "عيد القديسين"، رجال و نساء اجتمعوا من أجل المطالبة و الصلاة و الدعاء، في سبيل مستقبل أفضل للجميع. نحن نعلم أننا قليلون اليوم، و ربما انطلاقا من هذا المساء، و انطلاقا من هذا اليوم، الذي نشارك فيه، و يشارك حتى يوم الغد، رجال و نساء الأمل، فهم قدموا سوى لأنهم أصيبوا بالتأثر و القلق، بسبب الغموض الذي يكتنف مستقبل الجنس البشري.

    في هذا المساء، بصفتنا منهج صوفي مسلم، نتمنى المشاركة في هذا المصير المشترك للإنسانية. في أحد الأيام، طرح مؤسس المنهج العلاوي سؤالا على مريديه، المجتمعين حوله، و قال لهم هل يوجد أفضل و أحسن من الخير؟ أجابوا كلهم، لا يا شيخ، و قال لهم، نعم، إن الأفضل هو فعل الخير. أعتقد أن عملنا اليوم، هو ليس فقط الإحتفاظ بهذا الأمل لأنفسنا، و لكن علينا المساهمة، باندفاع شجاع، بدون انتظار مقابل، من أجل أن يصبح كل واحد منا، خلية فعالة في الجسم الإنساني، و إن المستقبل، يتوقف على هذا الجسم الإنساني. ربما أنه قد حان الوقت من أجل أن نتعارف مع بعضنا البعض، و في نهاية المطاف، نتوحد من أجل الصالح العام، و إن هذا الخير يخص الجميع، و ليس ثروة خصوصية تعني بلدا، أو تخص حضارة أو دولة، أو ينفرد بها دين، و لكنه الصالح العام لجميع بني آدم، و لكل هذه العائلة الآدمية.

    نحن الذين نعتقد في الأمل، و في السمو، نتضرع في هذا المساء معكم، من أجل أن تتوحّد قلوبنا، و من أجل أن تتخذ دائرة الأخوة، شكلا و حياة، و أن يقوم العمل المنبثق من هذه الحماسة، بتغيير مصير الإنسانية، و أن رؤساء الدول الذين سيطأون أرض فرنسا، في شهر ديسمبر، تمسهم الرحمة، ـ لنسميها الرحمة ـ في أعماق قلوبهم، كي يتصرفون جميعا، من أجل الصالح العام لجميع الناس.

    شكرا لكل الذين و اللواتي، ساعدوا و شاركوا في هذا اللقاء، و شكرا لكل الذين و اللواتي، توافدوا طيلة هذا اليوم، و اعلموا أن آخرين في دول أخرى، مجتمعين في نفس الوقت مثلنا، في بلجيكا و سويسرا و ألمانيا و هولندا و إسبانيا، و كذلك في الجزائر و المغرب، و أماكن أخرى، في كندا. إنهم يشاركون في هذه اللحظة معنا، يصلون و يدعون، و يأملون، أن تُتقبل صلواتنا و دعواتنا، و يأملون أن تقوم الطاقة الروحية و الأخوية، بتوحيد قلوب جميع البشر بدون إستثناء، الذين يؤمنون و الذين لا يؤمنون، الذين يقودون و يحكمون، كما الذين يتعرضون للشقاء و الآلام، الذين يعبرون كل يوم البحر كي يلتمسوا معونات إخوانهم. ينتظرون منا الكرم، و يذكروننا بأننا مربوطين بميثاق، ألا وهو ميثاق الإنسانية.

    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "كلكم من آدم و آدم من تراب". بهذا الجمع الروحي، و من خلال هذا الإجتماع للقلوب، ندعوكم معنا للمشاركة، و تبقى هذه، لحظة جريئة، فقوموا بتقاسم الطمأنينة، و السلام و المحبة.


6- القمة العالمية للعمل الإنساني

    شارك الشيخ خالد بن تونس، يومي 23 و 24 مايو 2016، في مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني، الأول من نوعه على الإطلاق، و انعقد في إسطنبول بتركيا، و أشرف عليه الأمين الأممي (بان كي مون)، و إنه يهدف إلى إصلاح جذري، لطريقة التعامل مع الأزمات الإنسانية، واعتماد إستراتيجية جديدة، تقوم على الاستعداد للأزمات والاستجابة لها. امتدت عملية التشاور ثلاث سنوات، و حددت خطة الأمين العام، للعمل من أجل الإنسانية، الإجراءات الرئيسية اللازمة، للوفاء بالمسؤوليات التي رسمت. والوفاء بهذه المسؤوليات واجب أخلاقي، وضرورة استراتيجية، لمواجهة التحديات العالمية في الوقت الراهن.

                           الشيخ خالد بن تونس بالقمة العالمية للعمل الإنساني.

    حضر اللقاء عدة شخصيات عالمية، و قادة الدول، و الفاعلين في العمل الإنساني، و وكالات أممية و أكاديميين، و سجل غياب بعض مندوبي أعضاء مجلس الأمن الدولي، و هي نقطة سوداء طبعت القمة العالمية الأولى للعمل الإنساني.

    أثناء اللقاء تم توزيع عريضة، تحمل توقيع الشيخ خالد بن تونس، يلخص نصها، العمل الذي يشغل جل وقت الشيخ، و يَجهد له جهده، و هو جعل الأمم المتحدة تقرر، يوما عالميا للعيش معا. تجدون نصها كاملا بالأسفل. و لمزيد من المعلومات عن هذا اللقاء:



                         الوفود الحاضرة في القمة.

    في لقاء حميمي مع مريديه، قال الشيخ خالد بن تونس عن القمة "أؤكد لكم، إنهم لا يملكون مفتاح الحلول و التحديات لعالم اليوم. في نهاية القمة، القرار الوحيد الذي طفا على السطح، هو أنه توجد إنسانية واحدة، و لا توجد سوى طريقة واحدة للحياة، و هي العيش معا. إنهم يرجعون إلى هذه الصورة لإنسانية واحدة، و للعائلة الإنسانية، و هذا ما نقله إلينا مشائخنا منذ قرون و أجيال. أنتم لستم سوى إنسانية واحدة".

    و كان من نتائج اللقاء، ما قاله في وقت لاحق "شاركتُ في 28 مايو الماضي، في القمة العالمية للعمل الإنساني بإسطمبول. إنها المرة الأولى، بموافقة جميع الدول الممثلة في الأمم المتحدة، أصبحت الإنسانية شخص اعتباري. إذن، إذا تم الإعتداء على الإنسانية، فإنه يمكنها أن ترد كونها إنسانية، و ليس بصفتها وطن أو دولة. إن الإنسانية جمعاء قادرة على الرد. اليوم أصبحت  كائنا إعتباريا، قانونيا، قادر على مقاضاة كل من يصيبها. كانت النقطة الثانية، هي إختيار و إدراج في سياسات الدول، العيش معا. إن أولى الدول، التي بادرت إلى إدراج العيش معا، في ديبلوماسيتها، هي كندا، قامت بإنشاء أول مرصد دولي، للعيش معا، في كل مدنها."

    وبمناسبة الذكرى السنوية للقمة العالمية، للعمل الإنساني، التي عقدت في اسطنبول في 22 و 23 مايو 2016 والتي جمعت المجتمع العالمي، للاستجابة للاحتياجات الإنسانية، العاجلة والمعقدة على الصعيد العالمي، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة، الحالي، السيد (أنطونيو غوتيريس)، يوم 23 مايو 2017، خطابا حث فيه على اتخاذ إجراءات، و أشار إلى أن أعمال "خطة من أجل الإنسانية"، ملحة أكثر من أي وقت مضى. كما نص، على أن منع المعاناة الإنسانية، هو أولى أولوياته، وأنه لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بحلول عام 2030، إذا لم نضاعف جهودنا، للوصول إلى أولئك الذين همشوا، والذين هم أكثر ضعفا: اللاجئين. وأضاف أن الالتزامات بالعمل، على المسؤوليات الرئيسية الخمس، لخطة الإنسانية، هو موضع ترحيب، وإنه رحب بالتقدم الذي أحرزته، العديد من الجهات الفاعلة، والمساهمين في الالتزامات، التي تم التعهد بها، خلال مؤتمر قمة اسطنبول.

    وبهذه المناسبة، لقد أسرّ الجمعية الدولية الصوفية العلاوية،المنظمة غير الحكومية، عيسى، التقدم المحرز في الالتزامات الأربعة، التي تعهد بها رئيسها الفخري، الشيخ خالد بن تونس، خلال القمة العالمية للعمل الإنساني، في اسطنبول في عام 2016.

    في الفاتح مايو 2016، كان للشيخ خالد بن تونس جلسة، بمركز جنيف، لتعزيز حقوق الإنسان والحوار العالمي، حيث شهد حلقة نقاش، من أجل مكافحة آفة، تعرف بـ"معاداة الإسلام". نظم الندوة مركز جنيف، بالشراكة مع البعثة الدائمة لجمهورية باكستان الإسلامية، لدى الأمم المتحدة.

    في الجلسة، قال الشيخ في كلمته "الإنسانية جسد واحد، و لا عضو هو أنبل من الآخر. ينبغي أن ندرك، أننا جميعا متحدون، بواسطة الأخوة الإنسانية".

    طالعوا تقرير مصورا عن جلسة جنيف، و فيه يظهر الشيخ بن تونس:



ملحق- نص الوثيقة

أصدقائي، صديقاتي، الأعزاء، إليكم النص الذي تم توزيعه على الهيئات الحاضرة، في القمة العالمية الأولى للعمل الإنساني، بإسطمبول (تركيا)، يومي 23 و 24 مايو 2016.

مغزى المبادرة
    في عالم متقلب، أقحمَنا فيه القرن الواحد و العشرين، تتأكد لدينا، التأثيرات المتباينة، بين التطور المبهر للعلوم و التقنيات، و بين أزمة خطيرة، للهوية و الثقافة و الأخلاق. من جهة، فإننا نشهد تصاعد بالقوة،  لعملية التجانس، و توحيد أنماط الحياة، تحت تأثير اقتصاد مريض، بفعل عملية البحث عن رؤوس الأموال لتموينه، و بنسيج إتصالات عنكبوتي ضخم، يعتمد على الرقمنة، و بضعف أجهزة الرقابة الحقيقية. و نتأكد من جهة أخرى، من ردة فعل الإنطواء الإنتمائي، التي يمكن أن تصل حتى إلى نفي الآخر، و اللجوء إلى العنف، و إلى الإرهاب الأعمى.

    أمام هذه التحديات التي تواجه البشرية، فإنه من الضروري العمل، في المقام الأول، على رفع مستوى الوعي، لاستيعاب التهديدات المتعددة، التي تواجه المجتمعات و الأفراد، و كذا الطبيعة.
    في هذا العالم، الذي يتميز بندرة المواد، وتتجلى فيه عدم المساواة، و التمييز الإجتماعي و الإقليمي، فمن الأهمية بمكان، أن ندعو بحرمة الحياة، و نؤكد على الحاجة الملحة إلى العيش معا، في وسط محافِظ، بشكل جماعي. إنه أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى نظرة جديدة، لخلق و تفعيل تحور عميق، في المجتمع. تواجه البشرية اليوم مشاكل من جميع الأنواع، ستؤدي بنا إلى القطيعة، بل حتى إلى الكارثة: كل شخص، هو شاهد يومي، على الأضرار الناجمة عن فقدان المعنى، و عن الفردانية، و انعدام الروابط الإجتماعية، و انعدام الثقة في المستقبل، و الشعور بالفراغ و العجز.

    منذ أكثر من قرن، و الطريقة الصوفية العلاوية، تعمل من أجل المصالحة و الحوار و الأخوة العالمية، بين أعضاء العائلة الإنسانية. فقد اعترفت منظمة اليونسكو، خلال مؤتمرها العام السابع و الثلاثين، الذي انعقد في شهر نوفمبر، من عام 2013 بها كـ "مدرسة للتسامح و التعايش الديني". وقد عززت اليونسكو قرارها هذا، بتذكيرها العالم، أنه منذ سنة 1914 "جعل المنهج الصوفي العلاوي، العمل من أجل الحوار بين الأديان و تشجيعه أولى أولوياته. و يبين هذا المنهج كيفية تقديم، خدمة أفضل للإنسانية، و كيفية المحاولة، لتنسيق و توفيق و تجميل العالم. إنه يتقبل و يقرّ، كل ما يمكنه جلب الراحة المادية للبشر، و لكن بعلاقة وطيدة، و اتصال و ثيق مع البعد الباطني، و بتوازن دائم مع مادية الأشياء و قدسيتها. يراهن هذا المنهاج على الأخوة المُحبة بين البشر. كما يدعو في حقيقته، إلى عدم رفض العقل، على حساب القيم الروحية، و إلا ينغلق الفرد في تدين بارد". هذا المنهج ممثل من طرف الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، كمنظمة دولية غير حكومية، تتمتع بميزة "الصفة الاستشارية الخاصة"، لدى مجلسها الإقتصادي و الإجتماعي (ECOSOC).

من ثقافة "أنا" إلى ثقافة "نحن"
    إن عالمنا اليوم مبني على هيكل هرمي، قائم على أساس التعارض، بين قمة مكونة من نخبة توزع السلطات و الخيرات، و قاعدة تمنح التفويض، فتجد نفسها عاجزة. تؤدي هذه الوضعية تلقائيا، إلى عدم المساواة و الصراعات. و كبديل عن النظام الهرمي، تقترح الجمعية الدولية الصوفية العلاوية – المنظمَة الدولية غير الحكومية، و سيلة دائرة اليقظة، للفضائل و الجود، التي تعترف بوحدة الإنسانية كموضوع حي، و قانوني و اجتماعي و سياسي، مسؤول عن توازن تنظيم العالم، من أجل مصلحة الجميع. فعِوض التنافس الذي تدعو إليه الرؤية الهرمية، يحل التعاون، و عوض النزعة الفردية المدمرة، يحل الإيثار البناء، المولد للفعل الحسن، و كذا بروز قريحة جماعية، تعزز المعرفة المتشَاركة.

    من أجل الإنتقال من، الثقافة الذي تقسم العالم، و هي بوابة الصراع، إلى قراءة إنسانية، و أخوية لعالمنا، و هي بوابة مفتوحة للحوار، و مِرحابة بجميع جوانب الحياة، و مُحِلة للسلام، قامت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة الدولية غير الحكومية، بالأخذ من الحكمة العالمية للروحانيات. جاء هذا الإعتماد و التحلي بالوعي، و هذا الإنتقال، من خلال التفكير و العمل، و المحبة التي نكنها للأقران، مما سينطوي عليه، المرور من ثقافة "أنا" إلى ثقافة "نحن"، كي يتم توحيد المجتمع البشري، حول نفس المبادئ. و لكن كيف يمكننا اليوم، من خلال تنوع رسالات الأديان، أن نفهم و نفسر وحدتهم الأساسية؟ كيف يمكن لأي شخص أن يعيش تجربة الواحد من خلال الكثرة؟ هل يوجد وراء اختلاف العقائد و المذاهب، محل مشترك، حيث الحضور الإلهي، يتجلى لكل فرد، متعطش للحقيقة و العدالة؟ هل يمكننا التعرف بشكل موضوعي، على الصلة الخفية غير المرئية، الذي تصلنا بالضمير العالمي الحي، الذي تسكنه حقيقة واحدة؟

   يجيب الشيخ العلاوي في أبحاثه في الفلسفة الإسلامية، في المبحث الثامن "إن الإنسان متحد الحقيقة و إن تعددت أفراده، بهذا يتضح أن كون الفرد في المجتمع الإنساني، هو بمنزلة العضو في البدن، و الأعضاء البدنية تختلف باختلاف منافعها، و كيفما كان العضو، لا يُستغنى عنه بعدمه أو بوجود ما هو أشرف منه .فكلُّ لضروريته يُعتبر شريفا، مهما كان عاملا فيما تعود فائدته على البدن، لأن ضرورية العضو موزعة حسب أعضاءه".

تحالف جديد
    ألا تكمن إحدى الأجوبة على هاته التساؤلات، في تحالف جديد: العمل من أجل لقاء الآخر؛ و فتح حوار بين ما هو "أفضل لديه"، و "أفضل ما لدى الآخر"؛ و الإجتماع من غير تشابه، من أجل بناء مجتمع "العيش معا"، يثري فيه كل شخص الآخر، بما لديه من اختلاف. العمل على تظافر العلوم و القدرات و المعارف، و جعلها في خدمة الجميع. مدعومين بطاقة موحدة، نقوم باستعادة الثقة و التبصر، و تحقيق توازن بين الجسم و الروح، من أجل التخلص من سراب المظاهر، و ميزان القوى الذي يعيقنا.

لماذا 21 سبتمبر؟
    لقد أثرّت مأساة 11 سبتمبر على التاريخ، و على ذاكرتنا. فمنذئذ ، رجح العالم إلى عنف غير مضبوط، يثير المخاوف، و يغذي  كل أشكال الرفض و الريبة، كما مختلف أنواع الفوبيا. إن 21 سبتمبر، لم يترسخ بعد، في مخيلتنا الجماعية، و رغم ذلك، فإنه اليوم العالمي للسلام، المُعلن رسميا من طرف الأمم المتحدة. لقد قررت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة الدولية غير الحكومية، أن تتجند و تبذل كل ما في وسعها، لتجعل من هذا اليوم، يوما عالميا للسلام و العيش معا، حيث يتم الإحتفال به في كل مدننا و دولنا، و أن تمنح من خلال تجنيد المواطنين، رؤية متقاسَمة لمصير مجتمعنا، و أن تُمكن مؤسساتنا من الإنضمام، إلى حركة معترف بها دوليا.

    بإدخال نظرة جديدة، يمكننا أن ننشئ و ننشر بشكل جماعي، تحورا عميقا، من أجل بناء مجتمع الغد، و اقتراح أداة للتعبير، بصوت عال و قوي، عن هذه الرغبة، التي تعلم العيش معا بشكل أفضل.

    يدعو اليوم العالمي للعيش معا JMVE، إلى تفكير مشترك، من خلال عمل المواطنين، و يريد أن يؤازر الضمائر، من خلال تنظيم مؤتمرات، و ورش العمل، أين يتم تسليط الضوء على الفضائل و الجود، التي يتمتع بها كل فرد. إن اليوم العالمي للعيش معا JMVE يريد ترقية الإنسانية، من خلال بناء الصِلات، و المواطنة المشبعة بالقيم الأساسية للعيش معا، حتى لا يتم ترك أي واحد جانبا.

    يدعو اليوم العالمي للعيش معا JMVE، إلى بناء جسور للأجيال الجديدة، التي هي مستقبلنا، و تبحث عن المعالم و المعنى، إذ يتوجب علينا أن نقدم لها مسارا حقيقيا، تربويا و مدنيا، يتألف من القيم و المعارف و الممارسات و السلوكيات، التي تساعد على إيجاد مساهمة فعالة و فعلية، في الحياة الإجتماعية و المهنية، و تمكنهم من ممارسة حريتهم بكامل الوعي، بحقوق الآخرين، و رفض العنف، و تعلم كيفية النقاش دون صراع.

    إن اليوم العالمي للعيش معا JMVE، يدعونا للإستفادة من التراث المشترك للحِكم الإنسانية، لإيجاد السلام و الروحانية. فمن خلال إعادة النظر في النصوص المقدسة، فإنه يسلط الضوء على طابعها العالمي. و إنه يعزز المصالحة بين ثقافات و تقاليد الأسرة البشرية. هي فرصة لتعزيز القيم الروحية الحية، التي تمنح معنى للحياة.

    إن اليوم العالمي للعيش معا JMVE، المستوحى من "إعلان وهران"، و المعتمد في المؤتمر الدولي للأنوثة – الكلمة للنساء من أجل ثقافة السلام – و الذي انعقد في أكتوبر 2014 في الجزائر، يلتزم من أجل المساواة و الوئام بين الجنسين. و يشير إلى أنه، في ظل تنوير الطاقة الأنثوية، ذلك الجوهر الحامل للسلام، يمكن أن تتحقق المصالحة و المساواة، بين رجل-إمرأة، و تتكامل وحدتهما.

    يقترح اليوم العالمي للعيش معا JMVE، إنشاء أكاديمية السلام. يكون دورها تلقين و تدريس بيداغوجية و منهجية، من أجل تطوير ثقافة السلام، لدى جميع شرائح المجتمع. و إنه يعمل على توحيد جميع المبادرات العاملة في هذا الإتجاه. و ستمنح كل عام جائزة دولية، مكافأة لمبادرات الرجال و النساء العاملين، من أجل العيش معا، و من أجل ثقافة السلام.

    لهذا السبب، بادرت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية – المنظمة الدولية غير الحكومية، مع المؤسسة المتوسطية للتنمية المستدامة في الجزائر، و برنامج ميد 21 MED (2)، بفرنسا، على إنشاء جائزة الأمير عبد القادر، من أجل ترقية العيش معا و التعايش السلمي، في منطقة البحر الأبيض المتوسط، و في العالم.

معنى التسمية
    كان الأمير عبد القادر يعمل من أجل الإنسانية، و يؤمن بتضامن بلا حدود بين الإخوة في الإنسانية، دون أي تمييز. أنقذ بكل شجاعة و حزم، خلال أحداث الفتنة في دمشق (1860)، الآلاف من المسيحيين الذين كانوا مهددين، من انتقام جماعة مغرر بهم من الناس. إن رسالة التفتح و التسامح و الإخاء و التضامن، التي تركها لنا تستحق، أن تبقى حية مستمرة، دون انقطاع، و تتجدد في إطار جائزة تحمل اسمه. لقد أوصى الأمير عبد القادر الإنسان، بأن تعتبر "روح مماثليه من البشر و روحه كأنهما منبثقتان من أصل واحد... و أن الله هو إله الجميع، و عليه، فإنه من الضروري محبة الجميع". من كتاب المواقف.

نداء من أجل الدعم  
    إن الجمعية الدولية الصوفية العلاوية – المنظمة الدولية غير الحكومية، تدعو الأمين العام للأمم المتحدة، و أعضاء مجلس الأمن الدائمين، و جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لمساعدتها على تحقيق و إدراج يوم 21 سبتمبر، كيوم للسلام و العيش معا، في التقويم الرسمي العالمي، و جعل هذا اليوم أيضا، يوم تحالف الحضارات، لأنه كما أشار السيد (بان كيمون)، الأمين العام للأمم المتحدة، فهذه الأخيرة، بصدد توطيد الثقة و التفاهم، و إن قيمتُها، لا تقدر بثمن، من أجل رفع تحديات عصرنا.

الشيخ خالد بن تونس
الرئيس الشرفي للجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة الدولية غير الحكومية ONG AISA، و الرئيس الشرفي للكشافة الإسلامية بفرنسا.



7- دار السلام و مهرجان العيش معا بألميرة

افتتاح دار السلام
    قال الشيخ خالد بن تونس، في صفحته الرسمية بالفايسبوك، يوم 03 06 2016، "بمناسبة المهرجان الأول لليوم العالمي للعيش معا، ستقوم المنظمة الدولية غير الحكومية "عيسى"، بفرعها الهولندي، و كشافة (سيركل)، رسميا بافتتاح دار السلام".(3).

               الشيخ خالد بن تونس يوقع على الكتاب الذهبي، بألميرة، يوم 03 06 2016.

    بالفعل، تم يوم 4 يونيو 2016، افتتاح دار السلام بهولندا، بمدينة ألميرة، و هي أول دار سلام، بنيت  في العالم، بحضور الرئيس المؤسس للكشافة الاسلامية بأوروبا، الرئيس المؤسس للجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة غير الحكومية AISA ONG، السيد خالد بن تونس، وممثلين عن السلطة المحلية والمجتمع المدني والكشافة المحلية و الإسلامية، و الفرع الهولندي، للجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة غير الحكومية. وقد سبقت الافتتاح مسيرة جابت أهم شوارع مدينة ألميرة. حيث كانت الانطلاقة من مقر بلدية ألميرة، في اتجاه دار السلام، و خلال هذه المسيرة، رددت شعارات و رفعت لافتات و رسومات، للكشافة تدعوا الى السلام، و نبذ العنف والكراهية، والعيش معا. وتأتي هذه المبادرة في إطار العمل على إحداث يوم دولي للعيش معا، على مستوى الامم المتحدة. للتذكير، فإن دار السلام، هي مشروع مشترك بين الكشافة الاسلامية، المسماة كشافة سيركل (الدائرة) الهولندية، والجمعية العالمية الصوفية العلاوية، ذات الإعتراف الدولي. طبع هذا المهرجان الأول لليوم العالمي للعيش معا، إلقاء محاضرات و معارض، شرحت خلالها محاور هذا اليوم، و أقيم حفل مع مهرجان الموسيقى، عند الإختتام.


    رافقت الحدث الصحافة المحلية، فقد كتبت صحيفة (almeredezeweek)، تحت عنوان "دار السلام تفتتح رسميا":

    "ستايدفايك- تم الإحتفال باليوم العالمي للعيش معا، يوم السبت 04 يونيو، و دار السلام فتحت أبوابها رسميا. جرت أنشطة المبنى بحي (أمستردامويغ)، الذي جمع الناس ببعضهم البعض. و قد أقام حفل الإفتتاح، كل من الشيخ خالد بن تونس، و نائب رئيس البلدية السيدة (فراوكي دي يونغ)". و أضافت الصحيفة "و قد كان لـ (دي يونغ) شرف الإفتتاح، و تمنت حظا سعيدا للجميع بمناسبة هذه المبادرة العظيمة".(4)
و تسترسل النشرة "وقد اتسم اليوم العالمي للعيش معا بـ 'ثقافة السلام'، و ابتدئ اليوم، أيضا مع مسيرة السلام، في منتصف النهار. انطلقت المسيرة من أمام دار البلدية، و انتهت في دار السلام. كان هناك ممثلون عن مختلف الديانات والمشارب والشباب والكشافة، من جميع أنحاء العالموبعد مسيرة السلام، تم افتتاح دار السلام، من طرف الشيخ خالد بن تونس، و (فراوكي دي يونغ). و أطلق سراح حمامات بيضاء رمزا للسلام، و لعب الأطفال بالبالونات."(4)

                      لحظة تدشين افتتاح دار السلام بألميرة.

مهرجان اليوم العالمي الأول للعيش معا
    جرى أيام 28 و 29 و 30 مارس 2017، إجراء فعاليات مهرجان اليوم الدولي الأول للعيش معا، بألميرة الهولندية، و قد حضر الشيخ خالد بن تونس المناسبة، و شهدت المناسبة إلقاء خطب و إقامة مهرجانات موسيقية و فنية، و إجراء مسيرة تعرف بمسيرة السلام، تنزّه خلالها المتجولون في شوارع مدينة (لاهاي)، و كان يضم الجمع أكثر من ألف من طلبة الثانويات و الجامعات و أساتذتهم، و شخصيات و أصحاب النوايا الحسنة، مشوا من أجل وحدة الإنسانية، و كذا من أجل نشر رسالة السلام و الوئام.

    و لتفاصيل أكثر عن حيثيات المهرجان و أهداف دار السلام.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جريدة (le monde des religions)، في 22 10 2015.
(2). برنامج ميد 21: تم تنفيذ هذا البرنامج عام 2010 في روما، وهو عِبارة عن شبكة تضم اليوم 13 جائزة، رامية إلى دعم التميُّز والتعاون في منطقة حوض المتوسط.
    تقوم الجوائز التي تتألَّف منها هذه الشبكة، بتمييز الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، الذين ساهموا بشكلٍ كبير، في تعزيز التعاون في منطقة حوض المتوسط، في مجالات عِدَّة وهي: الفلسفة، والاقتصاد، والتصميم المِعماري، والتنمية الحَضَرِيّة، والترجمة، والموسيقى، والصحافة، والأدب، والعلوم البَحتة.
    تُمنَح جوائز ميد 21 "MED 21"، حالياً في 11 دولة، من منطقة حوض المتوسط ،وتقوم عِدَّة مُدُنٍ باستضافة حفل منح الجائزة، ابتداءً من اسطنبول ووصولاً إلى طليطلة، ومن الدار البيضاء حتى باليرمو، مروراً عبر الجزائر وتونس ومارسيليا وبِلغراد وفيرونا وجَنَوة وبودغوريتسا وإلخ.
    لدى برنامج ميد 21 "MED 21"، الذي أسَّسه رئيسه الحالي، الأستاذ محمَّد نادر عزيزة،  كادرٌ تنظيميٌّ متواجِدٌ حالياً في باريس.

(3). صفحة الشيخ خالد بن تونس بالفايسبوك، يوم 03 06 2016.

 (4). صحيفة almeredezeweek، في 07 06 2016.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق