الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

يبدأ السلام معي

يبدأ السلام معي

 

 


    بمناسبة اليوم الدولي للسلام، الذي يوافق 21 سبتمبر من كل سنة، وكذا الأسبوع العالمي للعمل من أجل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، الذي يعرف اختصارا بـ (#Act4SDGs)، وهو مشروع الأهداف 17 الذي أقرته الأمم المتحدة سنة 2015، نُظم حوار بواسطة تقنية ZOOM، يوم 19 سبتمبر 2021، جمع كل من الحاخام فيليب حداد من الإتحاد الحر الإسرائيلي الفرنسي، والسيد رفاييل غينيار المدرب في برنامج "رؤية الانسجام العائلي"، وكذا سيدنا الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة الصوفية العلاوية، ومبادر اليوم الدولي للعيش معا في سلام.

    يدخل هذا الحوار ضمن اجتماعAIPD-France  الحواري الشهري، التي نظمت اللقاء، ونشط الحوار الآنسة سلين ريمون عضو جمعية "الشباب والطلاب من أجل السلام" في سويسرا، وجرى يوم 19 سبتمبر من الساعة الخامسة إلى السادسة والنصف مساءا، ونشط فقرة الأسئلة والأجوبة مع الشيخ خالد بن تونس زميلها السيد دوريان غرافروند منسق منتدى "الحوار والتحالف".

    عند تقديم محور الإسلام، استمع في مستهل العرض لقراءة لآيات من الذكر الحكيم، من سورة الحجرات، من الآية 9 إلى 13، ثم أسندت الكلمة للشيخ خالد بن تونس، الذي قدم مداخلة مسجلة، لتزامن البرنامج مع أشغال الجمعية العامة للمنظمة الدولية الصوفية العلاوية، "AISA Internationale".

 

    قال الشيخ خالد بن تونس:   

تربية السلام

     ينبغي أن نعيشها بأنفسنا، حتى نتمكن من مشاركتها مع مجموع المواطنين، مع الأقرب كما الأبعد، وكذا مع البيئة، فلأننا لا نعيش في سلام مع الأرض أيضا. ما هو إحلال السلام في الإقتصاد وفي المالية؟ وهي أمور قد نكون نسيناها، وأيضا إحلال السلام مع المخلوقات، عندما نعلم أن 70% من الكائنات قد انقرضت، ونجمت على إثرها صدمة، سندفع ثمنها حتما، وعلى كل الحال، الأجيال القادمة ستدفع ثمنا باهظا. وكوفيد متواجد معنا، هذا السيد نزل ضيفا، وعرف كيف يختار مكان إقامته، فقد اختار الهواء الذي نتنفسه، ونتقاسمه جميعا. بالتنفس نصيب بعضنا بعضا بالعدوى. لا أحد ينفلت من هذا المصير، ولا أي دولة، مهما كانت غنية أو فقيرة، لا نستطيع أن نحمي أنفسنا. لعله جاءنا ليساعدنا على الإنتباه لهذا الضمير الجديد لـ "نحن"، والخروج من ثقافة الأنا إلى ثقافة النحن، فعندما نُعبّر أو نتناول مسألة، نتناولها باستحضار ضمير نحن، ونقول أرضنا، وليس أرضي، هذا بلدنا، ولا نقول بلدي، وهذه مدينتنا، ولا نقول مدينتي. وهذا مغاير بشكل كلي. ومن أجل هذا سنرجع إلى التربية، فالتربية أساسية، وإذا زرعنا هذه البذرة مبكرا في الأطفال، ويكبرون بها، أعتقد أن هم من سيحمل بشكل جيد هذه الرسالة، ويحققون مضمونها في الحياة اليومية. هذا أملنا. أعتقد أن هذا اللقاء الذي يجمعنا اليوم، والموضوع الرئيسي، الذي هو التربية، والتربية بثقافة السلام هذه.

    إنه يتطلب مجهودا، ومجهود عالمي، لا يمكننا الإنعزال في طوق تقليد أو مدرسة أو أمة أو دين، يقوم بالعمل بمفرده، ولا حتى حكومة أو دولة، يجري تقاسمه مع أكبر عدد، حتى يمكننا على الأقل منح لهذه التربية عمقا وتجذرا في خوالج الضمير الإنساني، اليوم وغدا.

 

السلام مثل طاقة   

    لا.. إن السلام طاقة وحالة كينونة، حيث ينبغي أن يحل السلام في أنفسنا، وتحل فيها هذه الطاقة، التي تعتبر وقائية. فعندما نمتلك السلام، فإننا بطريقة ما، سنجتنب الوقوع في النزاعات، وسنحاول في كل حالة أن نجد وسائل لجعلها أقل ضررا. ولكن هل يجب الحصول عليه؟ يجب أن نكون في سلام مع أنفسنا، حتى نتمكن من مشاركته مع الغير، سواء كان ذلك مع الزوجين أو في حضن العائلة، أو في الجوار، أو في المدينة أو البلد، وفي جميع أنحاء العالم. وهذا مفهوم ينبغي أن نقيس به مجمل بيئتنا.

 

إقتصاد السلام وإقتصاد الطبيعة

    إن اقتصاد السلام هو اقتصاد الرفاه، بحيث قبل أن نفكر بمنهجية تمويلية، نفكر في الرفاه. كيف ننتج الرفاه؟ ولا نقصي المال، إذا أقصيتم المال لا يتبعكم الناس، وأقول إن سيد اللعبة، والإله الذي يعبد اليوم، بصورة أو بأخرى، والإله الأعظم هو المال. هكذا تسير الأمور حاليا. عند القيام بالتغيير، لا تُقصَ وسيلة الحصول على المال، بل الإدراك أن قبل المال يوجد الرفاه، وإن اقتصاد الرفاه يستطيع أن يحقق نجاحات على المستوى المالي. ولما لا. قبل كل شيء جلب الرفاه. لنغير النمط، ويكون ذلك في صفحات عقول الناس وخوالج الضمائر.

    يعني اقتصاد السلام الرجوع إلى اقتصاد الطبيعة. حيال غذائنا. الحفاظ على الطبيعة. ويشكل الشجر والمعدن والنبات والحيوان جزءا من الحي، ولدينا صلة مباشرة بهم، ونشكل رابطة، ونمثل آخر حلقة في السلسلة (سلسلة الخلق). إذا أدركنا أن الحي ضروري لحياتنا، فلا يسعنا إلا الحفاظ عليه. إنه الرجوع إلى اقتصاد الطبيعة. لماذا اقتصاد الطبيعة؟ فهي منذ أن وجدت لم تنتج مخلفات، كل شيء يعاد تدويره، في حين أن في الإقتصاد البشري، فكل شيء يجري بالعكس، يتزود من اقتصاد الطبيعة، وفي المقابل ينتج مخلفات، لا يمكن إعادة تدويرها، وهنا تكمن المعضلة. والمحيطات غزتها المخلفات في كل مكان، وأصبحت مزبلة العالم، وعلى الخصوص مع مادة البلاستيك، لا نحتاج أن يذكر لنا ذلك، فالأمر ملاحظ، مع جزيئاتها المجهرية، التي تلتهمها الأسماك، والأسماك تشكل مصدر غذاء لملايير الناس في العالم، وأصبحنا نجد هذه الجزيئات الدقيقة في الأجنة، ونحن على شفا تسميم أبنائنا، وأمُ تتناول السمك، حتما ستنقله إلى أطفالها.

 

السلام الروحي والسلام العالمي

    نحن نتكلم عن السلام الروحي، ولكنه أمر شخصي، لا يعني سوى الفرد، ولكن السلام ليس إلا هذا. غالبا ما نضعه في قالب الروحانية أو الدين. نخصص له جو معين، ولكن السلام الذي أتكلم عنه هو سلام عالمي.

    نفتقد إلى السلام السياسي والسلام الدبلوماسي، ولا نملك أكاديمية للسلام، ولا جامعة تدرس مادته. توجد أكاديميات لكل صنف، أكاديميات للبلياردو ولكرة القدم، وهذا جيد. وأكاديمية للسلام لم تبرز لحد اليوم. ربما علينا أن نتخيل، أنه سيأتي اليوم، ونستطيع أن ندرسها كمادة أساسية في مدينة الغد، وتصبح محور اهتمام، يجمع كل شيء، تجمع على السواء الروحانية والاقتصاد والسياسة والشؤون الإجتماعية. كيف تريدون أن تديروا هذا العنف، الذي استخف في أيامنا بوطأته، وجُعل منه يبدو أمرا عاديا، إذا لم يكن السلام محور اهتمام إدارة المدن أو بلد؟  

 

فقرة الأسئلة والأجوبة

    في فقرة الأسئلة والأجوبة، إلتحق الشيخ خالد بن تونس بالجلسة، وتواصل بواسطة الأنترنيت. قال السيد دوريان غرافروند، منشط الفقرة: نحن محظوظون بتواجد الشيخ خالد بن تونس معنا، الذي تفرغ لنا. ماهي أحسن طريقة لإيجاد أكاديمية سلام؟ وكيف نعيد الوصال بسلامنا الباطني؟

  قال الشيخ خالد بن تونس:   

    شكرا جزيلا. يومكم سعيد. أعتذر، كنت منشغلا بأحداث الجمعية العامة لمنظمتنا الدولية الصوفية العلاوية، عيسى الدولية. إذن، وهذا السؤال، ماهي أحسن طريقة لإيجاد أكاديمية سلام.

    يجب الإنطلاق من المبدأ أن التربية هي الأساس.. توجد جميع أصناف الأكاديميات، إلا أكاديمية السلام، كما لو أن السلام ليس منهاجا للتحصيل الفكري، وليس طاقة، يمكننا العمل حولها لتزكية النفس في إطار المجتمع أو من أجل رفاه المجتمع، فلأننا نعتبر السلام سوى غيابا للنزاعات ضد أمة أو ضد فرد أو يكون بين مجتمعات، في حين أن السلام طاقة عظيمة، تتيح التغيير الباطني للمرء، أي مجيئ الفتح. ما هو السلام؟ إنه طروء التناغم مع النفس ومع الغير والطبيعة. خُلقنا كلنا من الماء. توجد سورة في القرآن الكريم، يقول فيها الله سبحانه وتعالى "وجعلنا من الماء كل شيء حي". مما يعنيه، أن لكل عالم الحي نبع، (طينة) الأرض، مثل بذرة أو نطفة أعطيت لنا، ومنحت لهذه الأرض، حتى نستعيد حالة السلام هذه في أنفسنا. في إطار مؤسسات، وفي إطار إدراج تربية بالسلام في مدارسنا، من أجل أبنائنا، سنتمكن عاجلا من إعطاءهم هذه الفرصة، في الإدماج في تفكيرهم وضمائرهم أن السلام أساسي في مشروع حيواتهم، وإذا حصرتُ مشروع حياتي فقط في المظهر، وأصبو فقط للحصول على ثروات وكفاءات ومعارف، وأطلب دائما الإكتساب.. فلن أعتبر نفسي شخصيا أني قد عشت حياتي بشكل كامل، وأنها سُخرت لخدمة الغير والقريب وجميع المخلوقات. وعليه، فالسلام يفتح لنا هذا المنظور للإدماج في علاقاتنا وفي بناء شخصياتنا هذا العنصر الأساسي، الذي يعطينا توازنا.. بالضبط، إنها مضادات. كيف ننجح في عالم الثنائية، حيث يوجد المحبة من جهة والكراهية من الجهة الأخرى، والفرح من جهة والحزن من الجهة الأخرى؟ يسمح لي السلام بإيجاد الطريق الوسط في نفسي، ويتيح تسخير تلك الطاقة التي تسمى السلام.

    لا ينبغي أن لا ننسى أن السلام إسم من أسمائه تعالى، وصفة من صفاته عز وجل. فعلى المستويين الديني والروحي نحن مرتبطين بهذه الطاقة المُسكّنة، التي تسمح لنا بالإدارة الحسنة، خصوصا في الأوقات الحرجة في الحياة، عند المرور بامتحانات صعبة، وخسارة من نحب، وحلول كوارث وحتى في الحروب أو النزاعات، سواء بين كان الزوجين أو في المجتمع وبين الجيران، وكذا في العائلة مع الأطفال.

    بمجرد الإستسقاء من طاقة السلام هذه، نتوصل دائما إلى ذلك الإعتدال في العيش وإقامة علاقات،  ويسمح لنا ويؤدي إلى تلك العلاقة المثمرة لنحن مع الغير ومع كل الغير. والآن كيف نتوصل مع السلام الباطني؟ لكلِ سبيله، لا نملك وصفة. إذا توجهنا نحو أكاديمية، من خلال المدارس، وإدراج مناهج مدرسية في المستويات الإبتدائية والثانوية والجامعية، حيث يجِد السلام مكانه في علاقاتنا الإقتصادية والدبلوماسية، حينها تصفى الأجواء للتوصل بالسلام الباطني. وامرؤ لا يعيش في سلام، ولا يتعامل مع الغير بسلام، فهو في نفسه لا يعيش في سلام، ويعيش حالة توتر دائمة. كيف يمكنه في هذه الحالة أن يحرز السلام، ويحسن في قوله وفعله وعمله؟ الإحسان مع الغير، والإحسان مع أهل زمانه.

    إن استعادة التواصل بالسلام الباطني، يتطلب منا إعطاءه المكانة التي يستحقها. أترون الخزفي، عندما يصنع إناءا، وعندما يأخذ عجينة الطين ويُدور دولابه، ما الذي يفعله؟ يخلق فراغا في العجينة، حتى تستقبل الآنية السائل أو الماء أو شيء آخر أو أغذية. إذن ينبغي أن نخلق في مجتمعنا مكانا، يسمح لنا بالإنطلاق من العنصر المرئي للمادة، نحو شيء أكثر لطفا، وهو الروح. خلق مكان في قلبنا وضميرنا حتى يتمكن السلام الباطني من أن ينبت وينمو.

    قال منسق الجلسة سأطرح عليك سؤالا ثانيا، وهو الآتي: هل تعتقد أنه من المهم فصل الدين عن الدولة للوقوف ضد الاستبداد؟

    أجاب الشيخ خالد بن تونس: أقول لكم أنه حديث الساعة، وفصل الدين عن الدول هو فصل السياسي عن الديني، وهذا هو الشيء المهم في نظري، وقد توجد دول، تجد التناغم، وتدمج الدين وتعيش به في سلام. لدينا في فرنسا العلمانية، وهذا شيء رائع، مادام أنها تمنح لكل فرد الحرية الدينية، وتعتبر أن في الحرية الدينية، حسنا، يمكن أن نكون أتباع الديانة اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية أو البوذية وغيرها، ونعيش بها في المجتمع. ويتمثل الخطر في إقحام الديني في السياسي، وعندها تصبح إيديولوجية، وتشكل خطرا كبيرا، ونعود نتكلم باسم الله عز وجل، أو ما نعتقد أنه حسن. هنا يكمن الخطر. ينبغي وضع الأمور في إطارها، فالدين ما يصلنا، وأيضا قراءة جديدة. شيء خصوصي للغاية، يتعلق بالإيمان، ولا نستطيع أن نعرف ماذا يوجد في قلب كل إنسان، وقد يعتقد الكثيرون أنهم متدينين، ولكنهم لا يملكون من الدين إلا رسمه، في الواقع ورثوا إرثا، وإرثا ثقافيا، لم يعلموا أنهم لم يتعمقوا في هذا السعي، وهذا البحث الذي سينمي الدين، خاصة من الجانب الروحي، ويبقون في المستوى المظهري، المستوى الشرعي، ناسين أن الدين هو قبل كل شيء، طريق يؤدي إلى هذا الضمير العالمي، وهنا أريد القول، أن دين نمارس شرائعه، ونعيشه باطنيا، سيصبح وسيلة لمساعدة المجتمع على إيجاد التوازن، وإيجاد مركزه، ذلك المركز الذي يربطنا ببعضنا البعض، ويربطنا بذلك السمو. لزلنا نطرح السؤال، من نحن؟ من أين جئنا، ولماذا نحن هنا؟ لا أحد اختار والديه. الحياة هبة. أما الآن، كيف سنسخر هذه الهبة التي منحت لنا في عملية البناء؟ نحن مرتبطين الواحد بالآخر، ويكفي النظر إلى حبله السري، ويرى أن متصل بأمه، وأمه مرتبطة بأمها، وسنرى أن كل الإنسانية مرتبطة بحبل سري منذ غابر الأزمنة، وأن في جيناتنا نحمل جينات وكذا الحامض النووي لجميع الذين سبقونا.

     في حين، أن الدولة هي إدارة المدينة، وتوجد دول ملكية، ودول جمهورية، وهذا التنوع ناتج التطور السياسي والإجتماعي للإنسانية، التي اختارت نظاما، على سبيل المثال النظام الديمقراطي وغيره، وذلك من إنشاء الإنسان، وقد يتطور الأمر، ونتوجه غدا نحو سوسيوقراطية، ويصبح للناس ديمقراطية أكبر، مطبقة أكثر على المستوى الفردي، في قُراهم وأقاليمهم. إن التطور من هذه الناحية وتنظيم المجتمع غير متناهين. والدين شأن آخر، وذلك ما يربطنا، في الآن نفسه بعمودية وأفقية الحياة. لا أعرف إن كنت أجبت بشكل كامل على سؤالكم.

     فقال المنسق: أعتقد أنك أجبت جيد جدا على السؤال، على كل حال، كان مفصلا، والجميع اكتسب أشياءا كثيرة مما قلته. شكرا جزيلا على كل حال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق