الخميس، 2 ديسمبر 2010

التصوف كبديل


 التصوف كبديل


    .... لا يعاش الإسلام إلا على المستوى الباطني، و في تناغم مع الظاهر، و هذه هي الفكرة التي نجد صعوبة في فهمها اليوم. أيضا يقال أن باب الإجتهاد قد أغلق، و لا نستطيع إعادة قراءة الوحي، الكلمة الحية، و نستخلص منه الجوهر، نسبة إلى زماننا. و الحال أن هذا الإجتهاد هو مجهود، في نفس الوقت فكري، و روحي، و إنساني. من يحق له، و لديه السلطة كي يمنع هذا الإجتهاد، و هذا التفكير؟ في عهد العباسين، و لأسباب سياسية أرادوا منع هذه الحرية، و تقرر أن باب الإجتهاد قد أغلق. و بدأ التقهقر يظهر على المستويين الباطني و الروحي، ثم بالتسلسل توسع إلى المستوى السياسي و الإجتماعي. لهذا الأندلس، على سبيل المثال، التي كانت مستقلة عن بغداد، عرفت كيف تطور إسلاما أكثر تسامحا و تفتحا، أنجب علماء، و فلاسفة، و روحانيين خارقين. كان هناك تحدي دائم، و هو التلاحظ مع أفكار أخرى لعصرهم. أما اليوم، و لخلق حركية جديدة يجب أن نتقبل أنفسنا كما نحن، و كما يدعونا ديننا أن نكون، و ليس أن نعيش مظاهر إسلام توقف في القرون الوسطى، رغم أهلية علمائه.
 
    يجب التوقف عن الكذب على أنفسنا. تطرح علينا الحقيقة اليوم تساؤلات لا نستطيع المفر منها. يجب تحضير مستقبل أولادنا، و تحضيرهم لمستقبل هذا العالم، مهما كان معقدا. لعصر المغامرة البينجمية، و التوجيهي الآلي، و نظرة جديدة للعالم، تقوده أقلية مهيمنة على حساب أغلبية مجردة، ينبغي إيجاد طريقة أخرى للرؤية و التسيير و التواصل. و خاصة، ينبغي علينا إيجاد الإحترام الذي نحن مدينون له لأنفسنا و للآخرين. ينبغي علينا أن نجد الشعور بالكرامة و قدسية الحياة لأنفسنا و لكل شعب و ثقافة، مهما كانت صغيرة.

    اليوم، ينبغي علينا أن نفتح عهدا جديدا للتفكير في العالم الإسلامي، تفكير ضروري، ليس لنا فقط ، بل حتى لباقي الإنسانية. إنها طريقة لإيجاد لإنسانية الغد قاسم مشترك، حتى لا نقع في فخ التفرقة و الكراهية، بين الغني و الفقير، و هذا شرقي و هذا غربي، والشمال و الجنوب... على المسلمين أن يعيدوا قراءة التاريخ، و إدخال من جديد في حاضرهم مفهوم الكونية. و على كل إنسان أن يشعر بوراثته لكل الثقافات، و لكل الأفكار التي سبقته، و كل الماضي المشترك للإنسانية، و يَعي أن كل هذا يُكوّن جزء من ميراثه، و أن الكثرة تعكس في تنوعها المبدأ الأساسي للتوحيد، و إنها إلا رحمة إلهية. إننا لا نحضِّر أولادنا لأن يكونوا رجال حوار، و لكن ليكونوا منافسين، و هذا ما يسير عكس التطور الإنسجامي للمجتمع. ينبغي علينا أن نبتكر تقارب جديد لإنقاد الثروة الأثمن التي نملكها، وهي هويتنا المفتوحة على الكونية.

    يضم التصوف حتى الأفكار التي توجد خارج الديانات التوحيدية. سافرت كثيرا في العالم، إلتقيت بالعديد من الثقافات و الرجال، ذوي اختلافات، قادتني دائما إلى معرفة نفسي و اكتشاف قيمي الخاصة. في الواقع، لابد من مجهود تربوي و يقظة ذات، للوصول إلى التحسس في كل شيئ، هذا الظل الإلهي. و لكن لسوء الحظ، فإن الديانات مهما كانت، هي حبيسة المجال السياسي. المُتدين المخلص هو الذي يستطيع اليوم، أن يتحرر من النطاق الطائفي و الإيديولوجي، لكي يرجع إلى المطلق و الأخوة الحقيقية و العدالة للجميع.

    إن الأنسية كونية. أن نعترف في أنفسنا، أننا أولاد مصير واحد، و حقيقة واحدة، كي نعطي معنى للإنسان، و نكرمه، كونه كائن خاص، لَهذِه هي الكونية. و لكن إنسان اليوم، طغت عليه نفسه، حيوانيته الخاصة. هذا هو العدو الذي يهددنا كل يوم. نحن نحمله فينا.

                                              مجلة " D3 " ، طنجة، مارس 1998.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق