الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

حوار مع الشيخ خالد بن تونس


حوار مع الشيخ خالد بن تونس


« لماذا وصلنا إلى هذه الوضعية؟ لماذا هذا الإنزلاق نحو التشدد، نحو إسلام الذهن الضيق، في حين أن الإسلام دين المفكرين ».

    أدرك القدر الشاب خالد بن تونس في سن الـ 25 سنة، ليخلف أباه كشيخ للزاوية العلاوية التي تحتفل هذه السنة بمئويتها. لنرجع إلى المسيرة الفذة لرجل قاوم دائما الأصولية.

- إننا نعرف الطريقة العلاوية و رسوخها في العصرنة. من أين جاء هذا الإرث؟

    - بالتأكيد من الشيخ العلاوي. جدي و أبي و أنا شخصيا لسنا إلا متابعين للأمر. لنتذكر، في بدايات 1920، كان الشيخ العلاوي قد أصبح رجل إعلام. شيئ فريد في تاريخ الزوايا، أن يستشعر شيخ ضرورة التواصل. أنشأ جريدتان، و عندما قررت الإدارة الإستعمارية منع صاحب المطبعة من طبع "البلاغ" إشترى واحدة رحوية. و هي مازالت موجودة، حتى لا يرتبط بأحد، و تكون له إستقلاليته. حدثني جدتي أنها و هي صغيرة ربطها أبوها(1) بحبل حتى تستطيع السباحة بلا خطر في مسبح أعده على ساحل البحر. نحن في 1920 و لم يكن للشيخ العلاوي أي عقدة إزاء الغرب. منذ البداية كان مقتنع بوجوب التواجد في قلب العصرنة و الحضارة الغربية، و التساؤل و الإدراك أن تحديات المستقبل متعلقة بالتناغم بين الشرق و الغرب. كان يبحث عن توازن بين مادية تراعي الجانب الإنساني و روحانية متحررة من التقاليد التجريبية و الرجعية.

- كيف غمرك هذا الجو؟

    - عشت في هذا الجو وسط علماء، علموني القرآن و الشريعة، و سيدي خليل(2)... كنا نستظهر كتب بأكملها، هذا ما كان يضايقنا قليلا كأطفال، كان يجب حفظها. إلى جانب هذا، كان عندنا حكماء، يطرحون كل شيئ للبحث، و حتى للسخرية. هذا ما كان يثقف حسنا النقدي، تعليم تفتح، حيث لا توجد أي حقيقة مكتسبة. لا وجود لأي مانع (طابو)، و كل شيئ ممتلئ صدقا. 

- هذا ما يفسر خاصية هذه الطريقة. غياب الطابو (الموانع)، و إن مستغانم كانت معروفة بتشددها. بنات و أولاد منذ الحداثة يتعودون على التحادي و العمل في اختلاط.

    - هذا صحيح أن البنات و النساء مقدَّمات في نشاطاتنا، هذا ما يميز مدرسة للحياة. نحن مرسخون كلية في التقليد، و إننا كذلك في العصرنة. هذا مزيج بين تقليد ألفي و عصرنة متقلَد بها. نحن واعين بأننا لو رفضنا أن يعيش شبابنا في وقتهم، سيعيشون مختبئين. لهذا نريدهم أن يتقلدوا أمورهم بكلية في رحابة فكر، و بكل مسؤولية.

- هناك أيضا هذا الغياب الكلي للخمار (الحجاب)...

    - من المهم أن نعيش في المجتمع بدون الإختباء وراء زي مفروض. من الأفضل لإمرأة أن تلبس كما تشاء مع أو بدون خمار. نريد أن نرفع حجابها الداخلي، الذي في النفس، هذا هو الإنفتاح الذي نُدرّسه.

- كيف تفسر نجاح هذا بالزاوية، في حين أن الحجاب مفروض من طرف المجتمع؟

    - لأن بالزاوية نُعلِّم الحرية. نريد أن نرد للإنسان حريته. قال الله تعالى: « لا إكراه في الدين ». لا يفرض الله شيئا على أحد. كيف لإنسان أن يستأثِر بهذا الحق؟ لماذا تجمد مجتمعنا؟ كل الناس تعرف أن في كل مكان، الكل يشرب الخمر، و يتناول المخدرات، و المجتمع يتظاهر بعدم المعرفة، في حين أن الأمراض الإجتماعية حقيقة.

- عند وفاة أبيك كان عمرك 25 سنة، هل كنت محضرا لهذا الإرث الثقيل؟

    - محضرا؟ لا أعرف. غادرت البلد لكي لا أعود إليه أبدا. كونت حياتي في مكان آخر.

- كنت تعمل ماذا؟

    - كنت في فرنسا، كان لدي معرض للملابس الجاهزة. و كان لدي عارضي أزياء، و كنت أنتج في تركيا و أبيع في أفغانستان، و الهند، و باكستان، و المكسيك، و المغرب. تحصلت على تمثيل الماركات الفرنسية، و نويت فتح محلات بالخليج. في 1973، إلتهبت أسعار النفط، كان بإمكاني أن أنتهي «بحماقة» كرجل أعمال واسع الثروة. كنت سأربح أموالا كثيرة وأضيع حياتي.

- كان أمر صعب جدا أن تترك هكذا مشاريع...

    - في البداية كان صعب جدا. في أول الأمر رفضت أن أخلف أبي، و لكن القرار كان قد اتخذ من طرف الحكماء ( كبار الفقراء) بدون علمي، حتى قبل مجيئي من الخارج. ثم بعد ما تمت الجنازة، من المفروض تعيين خليفة بتسليم كبار الفقراء مسابيحهم. في هذه اللحظة إنذهلت و قلت لهم: « أنتم مخطئين في الشخص »، و صرخت بأعلى صوتي، كان شعري طويل، و ألبس سروال دجينز، و معطف جلدي كشباب ذلك الوقت، و قلت لهم إني لا أريد ذلك. كنت مقتنع أن ليس لي ما أفعله معهم في هذا البلد... ثم إني أتواجد بهذا الإرث على عاتقي. لم أعرف من أين أبدأ، و كان هناك هؤلاء الحكماء الذين يحيطون بي ببركتهم و محبتهم. هم من سيساعدني على فهم مهمتي الجديدة. عشت سنة بنار في صدري. أصرخ ليلا من الألم، زوجتي شاهدة على ذلك، و أتقيأ كل ما أتناوله، إستشرت عدة أطباء بدون أن يجد أي أحد علاج. ثم تدريجيا دخلت قدرا جديدا، كان كشكل ميلاد جديد أو تناسخ، ينطفئ كائن و يولد آخر في نفس الجسد. تقبلت هذا الدور رغما عني، لأني لست عالما و لا مثقفا، لست إلا ما علموني، خادم. هذا مكاني أعرفه، و الحمد لله.

- في التاريخ هل توجد سابقة، يخلف فيها مريدا شابا شيخه؟

    - نعم أبي الحاج المهدي. كان شيخا في سن الـ 24، و هو أول شيخ بدون لحية. توفي في سن الـ 47.

- سن مبكرة للموت؟

     - فعلا، بعدما عايش حرب الجزائر، و الإستقلال، ثم تكوين الدولة الجزائرية الجديدة، كان هناك الإزعاج و الإذلال، السجن و النفي إلى جيجل. بعد قدْرِ من المظالم أرادوا «تحطيمه »، و قد تمكنوا. مات في العزلة و الفاقة، بدون أن يتنازل أبدا. حافظ دائما على أمل أن يجد هذا البلد إرثه و كرامته، و يَقدِم على الرجوع إلى نفسه...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). و هو الشيخ العلاوي، في الحقيقة هو خالها، رباها هي و أخوها بعد وفاة والديهما، و كان لهما بمثابة الأب و هو الذي لم ينجب..
(2). و هو  مختصر خليل في الفقه المالكي.


من حوار مع الشيخ خالد بن تونس، أجراه ياسين عالم من جريدة El Watan ، 2009.
ترجمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق