السبت، 11 ديسمبر 2010

المرأة، مستقبل للإسلام


المرأة، مستقبل للإسلام *


    مسألة المرأة، حسب رأيي، هي واحدة من المسائل التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، على عجل. ليست من إحداث المجتمعات الإسلامية فقط، و لكنها عند كل المجتمعات. إذا كان بالغرب، تنعم المرأة بكل الحريات، فذلك لا ينفي أنها أصبحت موضوع إغراء، يستعمل جسمها كركيزة مجعولة في خدمة التسويق، لكل أنواع السلع. أما الدعارة، خصوصا عند نساء الدول الفقيرة، فهي تستورد و تباع عبر الشبكات المافوية، و تمثل تجارة جد مربحة. بعض الدول التي تنتسب إلى الإسلام، ما زالت تتجرأ حتى مطلع القرن الواحد و العشرين على رجم المرأة. آخرون يمنعونها حتى من سياقة السيارة، و آخرين يتساءلون هل يمكن إعطاءها الحق في الإنتخاب، و إن كان كذلك، هل هي مؤهلة لأن تنتخِب.

    كيف يمكن الإنتساب إلى الرسالة المحمدية، و التصرف بالطريقة التي نعرف ما الذي ستجلبه، بالنظر إلى توطيد كرامة الفرد؟

    من ناحية أخرى، لماذا هذه الضجة، حول موضوع الخمار (الحجاب)، الذي هو ليس إلا عنصرا ثانويا؟ إن الخمار كزي يميز المرأة المسلمة يعود إلى المجتمع الأول للمدينة المنورة. تاريخيا فبسبب إعتداء تعرضت له إمرأة مسلمة، فُرض الحجاب. بعدما أوقِف المعتدي، إعترف بأنه كان يعتقد أنه يواجه إمرأة ذات خلق سيئ، و لم يعرف أنها من الأمة الإسلامية. منذ ذلك الحين، و ليُتعرف عليهن، ترتدي النساء المسلمات زي يميزهن عن غير المسلمات، طبقا لما جاء في الآية 59 من سورة الأحزاب "يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن. ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين". القرآن الكريم.

    حول موضوع الزي نفسه، لم يرد أي وصف له في القرآن الكريم. و كان إرتداء الحجاب (الخمار) مختلف من بلد إلى آخر. حتى دلالته تتغير من منطقة إلى أخرى، من طبقة إجتماعية إلى أخرى. و أصبح اليوم علامة مميزة للإنتماء إلى الحركة الإسلامية. و يسمى الحجاب.

    يبين تاريخ شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط، أن كل ثقافة طورت لباس نوعي يميزها عن بعضها البعض.

    في التاريخ و الجغرافية الإسلامية، فإن الخمار بشكله، و لونه، و تسميته، و دلالة إرتدائه، يختلف من منطقة إلى أخرى. كان الحايك، و الملحفة، و الملاية، و الصفصاري، و الجلابة بالمغرب العربي، و خاصة في المدن. و بالبادية، كان تضع المرأة خمارا على الكتفين عند خروجها من البيت. في المقابل باليمن، و أفغانستان، و العربية السعودية، فإنه كان يغطي كل جسد المرأة حتى الأعين بتشبيك متقن يغطي الوجه. و يسمى الخمار، و شودار، و تشادور بإيران، غير أن بالصحراء، فإنه العكس، فالرجل من يتحجب باللثام المشهور بتقلموست الطوارق، و بتركيا، إنه ياشمارك، و بيتشي، و تشرشف، و بالباكستان البورداة.

    بالنسبة لبعض النساء الحضريات، و خاصة بضواحي مدينتي الجزائر و البليدة، كان الحجاب عبارة عن دلال، و كان النقاب، برقع من حرير مطروز بدقة يوضع على الأنف، يغطي أسفل الوجه.

    من الخمار الذي سماه القرآن بالجلباب، الذي كان في الأصل علامة مميزة مُقَيِّمة، لم يبقى اليوم إلا الحجاب الذي ينتصر إليه المتشددين، و الذين شيئا فشيئا، يسهلون إنتشاره، و يعملون على إخفاء الأشكال المختلفة لأنواع اللباس، الذي تذكّر بالثقافة النوعية، و أصالة التقاليد لكل بلد.

    في الختام، إن الإسلام يطالب بثياب الحشمة للرجل كما للمرأة.

    وصل الأمر ببعض الأصوليين، مع نكرانهم للحقوق الأساسية لنصف المجتمع الإسلامي، إلى حد منع المرأة من التعليم، و تحصيل المعرفة، اللذين أصر عليهما الإسلام دائما. جاء في حديث للرسول صلى الله عليه و سلم "إطلب العلم و لو في الصين". و في حديث آخر قال "العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة". فقد خص رسول الإسلام بنفسه يوم خاصا –الإثنين- لمناقشة مع النساء مسائل نوعية تهمهن.

    لم يقم رسول الله صلى الله عليه و سلم أبدا بضرب أو معاقبة، أو إهانة، أو قتل إمرأة. محبته للنساء، و بعدها لزوجاته يُضرب بها المثل. ألم يقل "إن الجنة تحت أقدام الأمهات". إذن المرأة؟ "عندما توقف عند قبر أمه، لما كان متوجها من المدينة إلى مكة، بكى و عندما سئل قال "هنا يوجد قبر أمي تذكرت حنوها و عطفها فبكيت"، و عندما زارته حليمة التي ربته في صغره، بعد غياب دام عدة سنوات، ضمها إليه و أفرش لها ردائه حتى تجلس".

    لنعد إلى حياة الرسول صلى الله عليه و سلم الذي كان أكثر الرجال بشاشة، و محبة، و لطفا، و ظرافة مع النساء. قال "حبب إلي من دنياكم ثلاث، الطيب و النساء و جعلت قرة عيني في الصلاة ". تأملوا المقام الذي خص به المرأة، بين المباهج المثارة بواسطة كنه العطر، و السمو الذي توفره حالة التضرع.

    في زمن سابق جدا لليوم، إعترف المجتمع التقليدي الإسلامي بحقوق المرأة و دونها، فكانت تمثل الدعامة التي يقوم عليها المجتمع، و من خلالها استمر الإيصال منذ النشأة الأولى. كما أنها جسدت التوازن العائلي، و مدت يد العون في أوقات الشدة. فبفضل حسها و رشاقتها، ومكرها أحيانا، كانت تحل العديد من  المشاكل و تسوي العديد من النزاعات.

    حقا، لا ينبغي جعل الأمر مثاليا، و لكن المرأة التقليدية التي أصفها، وُجدت حقيقة، و ما تزال. و لكن الإختلال الذي نشاهده اليوم في المجتمع الإسلامي خاصة، و في المجتمعات الأخرى عامة، بخصوص المرأة، ما فتئ يسييل الكثير من الحبر. و إذا كانت الحياة العصرية قد حررت المرأة، فإنها لم تحل المشكل المتعلق بمعناها، و بمكانتها الحقيقية في المجتمع. و هذا نقاش مفتوح يسائلنا جميعا. أ هي مطمح لرغبات الرجل، أم هي أرضية للإستقرار و الخصوبة من أجل طمأنينة النفوس؟

    من جهة أخرى، ففي المجتمع الإسلامي، كما في كل المجتمعات، فإن المرأة سجينة نظام إجتماعي، لكن الرجال هم أيضا كذلك. لقد كنا سجناء عادات محلية متوارثة و مخالفة لما هو منصوص في القرىن الكريم. من المهم إبطالها و الرجوع إلى قراءة متفتحة لهذا الكتاب المنزل، الذي يستطيع - بفضل تطبيقه- تحريرنا.

    بالنسبة للإسلام، فإن المرأة مساوية للرجل على مستوى الخلقة، كما على مستوى الكينونة. فالمرأة قادرة مثل الرجل على بلوغ أسمى المقامات الروحية، يوجد فقط إختلاف في الطبيعة. يقول القرآن الكريم بوضوح "خلقكم من نفس واحدة (عبارة مؤنثة) و خلق منها زوجها (عبارة مذكرة)". القرآن الكريم.

    أثبت العلم اليوم هذا. يكون الجنين أولا ذو طبيعة أنثوية (كروموزوم xx)، و لا يصبح مذكرا إلا بعد ذلك ( كروموزوم xy).

    يعاتب الإسلام على عدة أشياء، خاصة في عدم تساوي نصيب الميراث المخصص للمرأة. لنحلل الأسباب: كانت المرأة في الجزيرة العربية، كما في المغرب المسيحي لذلك العصر، لا ترث. جاء القرآن و بحكمة أعطى نصف الميراث للمرأة، لكي لا يصدم عقول تلك الفترة، و بدون أن يمنعها بعطاء أكثر، يكون بوصية، حتى يحضر العقليات لكي تتطور نحو عدالة أكثر. واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه و سلم كانت من أصل يهودي، فبعد موتها أورثت مالها لأخيها الذي كان يهوديا. لا يلغي الإسلام حقوق الإرث للورثة مهما كانت ديانتهم.

    تصف لنا الأحداث عادة، حالة نساء رجمن أو هددن (على سبيل المثال بنيجيريا)، متهمن بالزنى. و على كلِ، فمنذ عصر الرسول صلى الله عليه و سلم حتى القرن التاسع عشر، رجمت أربع نساء شرعيا، و بطلبهن. لإثبات فعل الزنى، يشترط القرآن وجود أربعة شهود، شاهدوا الوطأ.

    و يلام الإسلام أيضا على أنه شرع تعدد الزوجات، ناسين أن في ذلك العهد كان أمرا معهودا عند مختلف الشعوب، و يبقى كذلك اليوم، لأنه مخفي باسم علاقات خارج نطاق الزواج، من عشيق إلى عشيقة. كان لمشاهير و رؤساء دول غير مسلمين عدة زوجات، و لم يتفوه أحد. أما الإسلام، فلم يقم إلا بضبط حقيقة إجتماعية.

    نحن في الإسلام نفضل أن نعيش الأمور دائما في وضح النهار.

    حول مسألة تعدد الزوجات، فرض القرآن عدد محدد. في الشرق قبل الإسلام، و نفس الشيئ بالنسبة للغرب، كان يمكن للرجل أن يتخذ ما يشاء من النساء، مهما سمح له ماله أو وضعه الإجتماعي. و لاهتمامه بالإنصاف، حدد القرآن عدد الزوجات إلى أربع. تقول الآية، التي تخص هذه المسألة بوضوح، بأننا لا يمكننا اتخاذ أربع زوجات، إذا لم نعطي لكل واحدة منهن نفس الحقوق، و نفس الإعتبار، و تقسم الليالي بالتساوي، بدون أن تحس أي واحدة منهن بالغبن. من هو الرجل الذي يستطيع أن يعيش هكذا؟ يقول القرآن "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع. فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة". و يؤكد لاحقا "لن تعدلوا".  القرآن الكريم.

    الإسلامُ هو الطريقُ الوسط الحق، لأنه يأخذ طبيعة الإنسان كما هي. "يعيد المجتمع توازنه بخلاف وسطه البيئي. يتكون الإسلام من (نزعة طبيعية روحانية)، و هذا ما يدفع باتهامات القدرية الموجهة غالبا ضده" (1). فمثلا الطلاق، و خلافا لبعض الديانات، كان دائما مباحا في الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، حتى لا يكون ما أصبح عليه لاحقا، تعسف لدى الذكور ضد الإناث.

    يصرح الإسلام أن الزواج هو عقد يربط بين طرفين، و ليس هو إلتزام مقدس على مدى الحياة، و لا عائق مفروض من طرف الوسط العائلي. يمكن أن نكتب في هذا العقد ما نشاء. إذا ما رغبت المرأة أن تبقى هي الزوجة الوحيدة، فلها الحق أن لا تقبل مشاركة أخرى، و على زوجها أن يحترم رغبتها. ليكون الوضع منذ البداية واضحا بين الزوجين. فالأكاذيب و الغموض هي التي تولد في الغالب مناخا رديئا يمكن أن يقود إلى حالات خطيرة.

    أما بالنسبة لزوجات النبي صلى الله عليه و سلم، الأسوات في أعين كل المسلمين. فقد لعبت كل واحدة منهن دورا في المؤسسة الوليدة للإسلام. يؤاخذ على الرسول صلى الله عليه و سلم، أنه تزوج بنت صغيرة بالكاد إحتلمت، عائشة التي كان يحبها، و علّمها مبادئ الإسلام، للعلم أنها عاشت طويلا بعده (بلغ عمرها ثلاث و سبعين سنة). لقد أصبحت أحد مصادر القياس، أخذ منها علماء مسلمين أجلاء، قال عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". قام رسول الله صلى الله عليه و سلم معها بالتسابق بالجمال، و عندما سبقته هنأها بسرور. و زوجته حفصة، المتعلمة و المثقفة، كانت تحفظ بعناية صحف و ألواح مكتوب عليها القرآن. أصبحت لما أراد المسلمين جمع مختلف فصول القرآن لجعل مصحفا، الحافظة التي توجه إليها النساخ لمراجعة مصادرهم.

    هذه لمحة مختصرة عن الدور الذي قامت به زوجات النبي صلى الله عليه و سلم، و لا ننسى المسلمات الأولات اللواتي عهد إليهن، بمهمات و تكاليف في حضن المجتمع. لنا في أسوتهن ما نكتب بها عدة كتب، على غرار تلك المرأة التي عينها على رأس مؤسسة، و هي السوق الكبير للمدينة المنورة، الذي كان تتوقف عليه الحياة الإقتصادية للمدينة. و أمثلة أخرى، تُظهر بأن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يقصي أبدا النساء من وظائف ثانوية، أو منعهن من الإنفتاح، و لعب دور فعّال في المجتمع. أثناء حجه الأكبر، و في خطبة الوداع، عندما ألقى رسالته الأخيرة، وصى المسلمين بالنساء. و حدّد بالقول إن لنسائكم عليكم حقا و لكم عليهن حق (أي أن لها حقوق مساوية للرجل).

    في الختام، أقول إن الإسلام يوجد بين يدي المرأة المسلمة، لأن المرأة هي التي تطور المجتمع أو تتسبب في إنحطاطه، و إني لأدعوها أن تطالب بالحقوق التي خصها بها الله و رسوله، و التي سلبها إياها المجتمع الذكوري المتخلف. كما أني أشجعها بأن تطلع بنفسها على تاريخ وضع المرأة عبر المؤلفات المخطوطة للإسلام، و أن لا تنتظر، كعادتها،  أن يتطوع الرجل ليلقنه لها.

    لقد ولى زمن إعتبار المرأة ككائن أدنى، في الوقت الذي نطالبها فيه بتحمل أكبر عبئ داخل المجتمع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    
(1). جان بول شارناي، علم الإجتماع الديني للإسلام، أشات، باريس، 1994.

*. جواب الشيخ خالد بن تونس على سؤال، من حديث صحفي، معنون بـ "فرنسا إلى أين"، صدر بمجلة "Outre-Terre"، شهر يناير 2003، كان نصه: هل يمر مستقبل الإسلام بالمرأة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق