الأربعاء، 24 أبريل 2019

صوفي من القرن الواحد والعشرين

صوفي من القرن الواحد والعشرين


في حفل بيع بالتوقيع لكتابي شيخ الطريقة العلوية
صحيفة الجزائر نيوز في 13 03 2007.


خالد بن تونس ينتقد التيار السلفي


     انتقد الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلوية، التيار السلفي بشدة، قائلا أن مصطلح ''السلفية'' الذي أصبح الآن على كل لسان، وألصق بتيار ديني معيّن، لم يولد في أي مكان من العالم الإسلامي، وإنما ظهر لأول مرة سنة 1883 في مدينة باريس، على صفحات مجلة ''العروة الوثقى''، التي كان يصدرها الشيخ المصلح جمال الدين الأفغاني بمعية الشيخ محمد عبده، وقال الرئيس الشرفي لمؤسسة الشيخ العلوي وعضو المجلس الإسلامي بفرنسا، في اللقاء الذي نظمته الجمعية العلوية للثقافة والتربية الصوفية، في مكتبة العالم الثالث مساء أمس، من أجل تقديم كتابيه ''التصوف قلب الإسلام'' و''الشخص الباطني في ضوء القرآن".

     في معرض رده على أسئلة الحاضرين ''لم آت للحديث عن التصوف، وإنما عن وضعية الأمة''. ودعا إلى تجاوز العلاقة الهرمية الكلاسيكية في الفكر الإسلامي إلى علاقة حلقية. وحول سؤال لـ''الجزائر نيوز'' يتعلق بمفهوم الحلقة الذي قد يؤدي إلى ظهور فرق سرية وتشجيع السرية والانغلاق على الذات، أجاب أن الحلقة التي يدعو إليها أو الدائرة، إنما هي دائرة فضائل لا دائرة سوء. وحسبه، فإن التصوف يؤدي إلى دائرة الفضائل المنشودة تلك. وقال بخصوص علاقة الشيخ والمريد، وكيف تكون في القرن الواحد والعشرين، أنها تستلهم من علاقة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بالصحابة، ومصطلح الصحابة إنما جاء من الصحبة، التي قوامها الصدق وتبادل الآراء. وحول مفهومه للعبادة، ذكّر الشيخ خالد بن تونس بحكاية الشيخ بن عودة الغليزاني والشيخ عبد الرحمن الثعالبي، عندما أكلت بقرة الثعالبي أسد بن عودة، وقال الأول للثاني أن مفهومه للعبادة ليست بين الجبال وإنما ''بين السالف والذلال''(1).. قائلا أن العبادة المنشودة قوامها التوحيد الذي هو أساس كل شيء. وعن حال الأمة الإسلامية وكيف تخرج من محنتها الحالية، ذكّر الشيخ بن تونس بحادثة وقعت للشيخ العلوي في الجزائر العاصمة قبل الاستقلال، عندما طلبوا منه أن يدعوا الله لكي يخرج الاستعمار من الجزائر، فقال لهم بأنه مستعد للدعاء، لكن الدعاء يجب أن يرفق بالعمل من أجل تحقيق الأمل المنشود، وهو ما يجب أن يكون في الأوضاع الحالية. وعلى هامش اللقاء الذي شاركت فيه نخبة من الصحفيين وبعض شخصيات الثقافية، أقيم حفل للبيع بالتوقيع على كتابي الشيخ ''التصوف قلب الإسلام'' و''الإنسان الباطني على ضوء القرآن"، اللذين كانا محور اللقاء، الذي تم بمكتبة العالم الثالث.

الخيّر شوار


الشيخ خالد... الغلو والوسطية

     "لم آت اليوم للحديث عن التصوف، هذا الأمر سأتركه للكتب والمجلدات".. ترى ما الذي سيتحدث عنه شيخ الطريقة العلوية والزعيم الروحي لأنصارها، إذا لم يمتعنا بحديث الروح والمحبة المعهود؟ كان هذا السؤال الذي تبادر إلى ذهني، بعدما سمعت قول الشيخ، لكن الحقيقة أن خالد بن تونس كان على حق، رغم أنه لم يخرج عن الأطر المعهودة في الخطاب الصوفي، لأن ما قاله كان حديثا عن الروح التي تعيش نحبها بين براثن العالم المادي ومفاهيم الغلو والمغالاة وأزمة الأمة الجزائرية وغيرها من الأمم جراء ذلك.... كلما ألتقى أصدقائي العلاويون أفكر في سبب ولائهم وسر خضوعهم لهذا الرجل، ولكن بعد لقائه في مكتبة العالم الثالث، أمس، أشعر بالحسد، من هذا الولاء، الذي يكنه المريدون لشيخهم، لأنه يلعب دور الوسيط، والقديس الذي يصغر الهوة بين الأناتين، الأنا العلوي والأنا السفلي في دواخلهم، ربما لأنه القنديل الذي يستطيع إنارة المناطق المظلمة في ذواتهم وعوالمهم غير المرئية... فكرة المعلم أو الشيخ لدى الصوفيين، هي واحدة من أروع الأفكار التي لا تستطيع أن نعيها جيدا، فالمعلم أو الشيخ، هو اليد التي تصوب الأخطاء، وتدعم رحلة الحياة الصعبة، وفعل التعلم الصحيح الشاق، وبدون الكثير من التفلسف، فكرة السند الروحي، الذي يوجه ضرباتك نحو الوجود، ويجعلها صائبة ولو بعد حين... أمس في مكتبة العالم الثالث، وجدت بعض التفسيرات للسلوكيات العلوية، بشكل خاص، والصوفية بشكل عام، فالولاء الذي حيرني كثيرا، لم يكن نابعا من الخنوع، وإنما هو نتاج المحبة، "فالمحب لجبيبه مطيع".. ما لم نعيه جيدا في التصوف هو خطاب الروح والمحبة، ذلك الخطاب المتعالي عن الزيف، والنابع من أعماق صادقة.. مفهومان إثنان تحدث شيخ العلاويين عنهما، تمنيت لو استرسل الحديث فيهما، الغلو والوسطية، كلمة جميلة قالها عن الغلو "سيروا على قدر ضعفائكم".. كم من ضعيف في هذا الوطن، من يتذكر هؤلاء الضعفاء، وكم من فكرة إنسانية راقية راحت أدراج الرياح، وكم جزائري فقدناه في السنوات الماضية، بسبب الغلو، الغلو الذي دفعت الجزائر ثمنه غاليا.. أما الوسطية وهي نقيض الأول، فقد قال عنها بن تونس، كلمات رائعة، قال أنها تسمح لنا بسماع صوت المحيط.. كيف؟ الوسطية تخلق الإعتدال، والإعتدال هو الذي يسهل علينا رؤية الآخر، الذي يجب أن نتخذ منه مرآة، نرى بها قبحنا وجمالنا، وتنبهنا إلى وجود الآخر، علينا أن نفتح الأبواب لسماع أفكاره.. علينا أن لا نغلق قلوبنا وعقولنا عما يفكر فيه الآخرون، وهنا لابد من الإشارة إلى تجربة الشيخ العلوي الأكبر، وقبله الأمير عبد القادر، الذي نظر منذ ذلك الزمن نظرة عالمية للإسلام.. الجماعة فكرة أخرى، تحدث عنها الشيخ خالد، الذي لم يؤمن أن العبادة تكون بالإعتزال، وإنما نادى بأن نكون أكثر مسؤولية، أكثر تضامن، أكثر رحمة، وهنا تحدث عن معنى الحياة، ومعنى الإيجابية، ومعنى التغيير، والقدرة التي يجب أن نملكها في خلق علاقة قوية مبنية على "الغيرية"، وهي فكرة إنسانية، تجبرنا في التفكير خارج أنانا، بل تدمجنا داخل أنوات الغير، الغير الذي يجب أن ندعه يعيش، مهما كانت أجمل كلمات الشيخ خالد، تخيل في المتر المربع الواحد، كم يوجد من كائن "حي".. وربما علي الإشارة إلى مفهوم المحاسبة الذي تطرق له الشيخ، من قول عمر ابن الخطاب "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا"، وهنا يشدد الشيخ على هذه القيمة الدينية والإنسانية، التي يتجاهلها الكثيرون، والتي تجعلنا نكف عن إيذاء بعضنا البعض.. كلمات كثيرة وأفكار أكثر، ناقشها صاحب التصوف قلب الإسلام، تشعر المستمع أنه يستطيع بالفكر، أن يجسد الجنة على الأرض. لكن؟..

زهور شنوف.


خالد بن تونس.. صوفي من القرن الواحد والعشرين

     كانت الساعة الثانية بعد الظهر، عندما توجهت إلى مكتبة العالم الثالث، حيث ينتصب تمثال الأمير عبد القادر المسلح لا الصوفي.. بين المكتبة وتمثال الأمير بضعة أمتار.. داخل المكتبة وفي طابقها العلوي الذي كان غاصا بالحضور، كان الشيخ خالد بن تونس ببدلته العصرية الأنيقة، متدفقا كواد صاخب، لكن هادىء ومشرق، متحدثا بقلبه وبعقله في ذات الوقت، عن روح التصوف في القرن الواحد والعشرين.. عن رسالة الإسلام في ظل عالم متحول، متعولم، محاصر بسلطان المادة وروح الحرب التي تسكن النفوس المحرومة من فيض الروح ونبع المحبة.. كان الحضور صامتا وكأن على رأسه الطير، وكان خطاب الشيخ خالد بمثابة صدمة قوية، عميقة وإيجابية، وكانت الصدمة تجليا لخطاب جديد عن الوعود الحقيقية للإسلام الإنساني، الإسلام كرسالة رحمة للعالمين للإنسانية بأسرها.. عن الوجه الحقيقي المبدع للإسلام.. الإسلام الذي يحاور، الذي يتحرك.. الذي يبني ويعيد خلق الأشياء في شكلها الرحيم والولاّد.. كان خطابه رحلة في التعاليم الأساسية لمسار الإسلام الصوفي.. تحدث عن الدلالة الحقيقية للوسطية.. وعن مفهوم الإيجابية في الرسالة المحمدية، وعن الغيرية ودلالات المحاسبة، محاسبة الذات قبل محاسبة الآخرين، إن المحاسبة التي قام الشيخ بتأويل معناها، كانت دعوة إلى أن يتحرر مسلم القرن الواحد والعشرين من ثقافة السلبية والتجرد من المسؤولية.. ودعوة الى التحرر من ثقافة الهرمية التي تشجع على الصراع التدميري والإلغائي، والتي تقترن بثقافة التوحش وحب الذات الأعمى وتقديس الأنا الهدام، وأن تحل محلها ثقافة مفهوم الدائرة.. فهذا الأخير يعتبره الشيخ خالد من المفاهيم الأصلية للثقافة القرآنية، فمفهوم الدائرة يعمل على تجريد الصراع من المضمون المتوحش والتدميري، إنه يحرر الطاقات الفردية والجماعية، ويجعل من السلطة قوة بناء وخلق على مستوى كل فرد أو جماعة في الموقع الذي يكون فيه، ويرى أن الدائرة لها بعدها المطلق، الرحب والفسيح.. إن الدائرة لا حدود لها.. إنها تجعل من الفرد قادرا على تجديد ذاته، ومنحها بشكل دائم ومتجدد قوة وسلطة المعنى... وفي حديثه عن الإسلام، تناوله من حيث هو أساسا رسالة حياة.. إنه يشدد على كل ما هو حي.. هو تعبير متألق عن خصوبة العلاقة بين الحي والحي القيوم.. إن القرآن هو كتاب الحياة.. تكتسي فيه الطيف كل بلاغتها، إنه كتاب مفتوح على الإنسان، لكن أيضا على كل الحيوانات والحشرات، من النملة إلى العنكبوت إلى البقرة إلى البعوضة، وعلى هذا المستوى يكون الشيخ خالد بن تونس، قد أثار عنصرا مهما في تأويل النص القرآني...

    أكيد أن الكثير من القراء، لم تتح لهم الفرصة للتعرف على هذا الشيخ المتصوف، الذي جعل من تقديم الإسلام من خلال خطاب إنساني، منفتح ومتجذر في آن، في أصالته وحداثته المتجددة، معركته الأساسية.. طبعا الأسباب كثيرة؟! وهذا بدءا من الحصار الذي ضرب في عهد الرئيس الأسبق هواري بومدين على الصوفية بشكل عام، وعلى المهدي بن تونس تحت الإقامة الجبرية، وجردت العلوية من ممتلكاتها ومطبعتها.. واستمر الوضع على هذه الحال إلى وقت ليس بالبعيد.

     الطريقة العلوية التي هي في الأساس، امتداد وتجديد للطريقة الدرقاوية، أصبحت الآن منتشرة في العالم الإسلامي والغربي على حد سواء، في غزة، بريطانيا، سوريا، بلجيكا، فرنسا، المغرب، كما دخل بفضلها الآلاف من غير المسلمين إلى الإسلام...

    إن الشيخ خالد بن تونس، يشكل اليوم أحد هذه الوجوه القوية والبارزة، التي تسعى إلى تقديم الإسلام كقوة اقتراح، من أجل أنسنة العولمة والحد من ثقافة الكراهيات والحروب وسوء التفاهمات المشينة في العالم، ومن أجل أن تتحول السعادة البشرية إلى أرضية مشتركة بين مختلف الإرادات، التي تزيد إنقاذ ما هو إنساني من سطوة الحيواني..

كتبها:احميـــدة عيـــاشي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1). السالف والدلال: السالف هو الشعر، والدلال هو قرط الأذن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق