الثلاثاء، 12 مايو 2020

رمضان لكل يوم موضوعه (2)

رمضان
لكل يوم موضوعه (2)

Ajouter une légende

    كل يوم موضوعه، هي سلسلة من المواضيع، يحرص الشيخ خالد بن تونس أن يلقيها في دقائق معدودات، يوميا في هذا رمضان، ويقدمها لنا ملخصة التركيب، وموجزة التعبير، مليئة بالمعاني، يستعين بها السالك الماضي في دروب سلوك التربية الروحية. فهو يسعى على إتحافنا من دره النفيس، وكلامه الغزير المعاني، القليل المباني، الذي من حقه أن يكتب بماء الذهب على صفحات الذهب، ويمثل عصارة خدمة دامت أكثر من خمسين سنة، وتدوم بحول الله، في مجال التبليغ والدعوة إلى الله، مع ما عايشه من أحداث، ومرّ عليه من أحوال وتقلبات الزمان، وتحدّ إنسانية، يحرص كل الحرص على الأخذ يدها إلى بر الأمان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السعي

السلام عليكم
كل واحد منا يتساءل، وكل واحد منا يشكك، وكل واحد يأمل. وهذا الذي يجعل منه إنسانًا، شخصا بينما هو سائر يتعثر، يسقط، ينهض، ويعيد السير مجددا. إن العوائق التي نلاقيها في الحياة، يمكنها أن تقوينا، وتعطينا القوة والطاقة، بشكل متزايد، حتى نكون قادرين على المواصلة، نحو هذا التحدي المستمر، الذي نواجهه في الحياة اليومية. وهذا ما يجعل منا، إما أشخاص مذبذبين، تقذفهم الصدفة والضرورة، والإمتحانات التي نواجهها، أو شخص ينظم حياته، ويجعلها سعيًا دائمًا نحو أسوة، وربما من المستحيل بلوغها، ولكنها أسوة يدعونا إليها التقليد. إن هذه الأسوة هي الإنسان الكامل، والإنسان المحقق، إنه الإنسان الذي يعيش في سلام مع نفسه، والإنسان الذي يعيش في سلام مع ما يحيط به، وإنه الإنسان الذي تخلص في نهاية المطاف من المواجهة والإعتراضات، ويبلغ حقيقة، الوصول إلى مركز الدائرة، وبالتالي يعطي معنى لهذه الحياة التي تسكننا، هذا الذكاء وهذا الضمير، الذي يجعل منا الاستثناء. نعم يمكننا موازنة الأضداد فينا، نعم يمكننا تسكين الأضداد فينا. إنه جهاد مستمر بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين الإمتحانات التي نواجهها في الحياة. يمكننا أن نجعل من هذه الإمتحانات وسيلة للاستيقاظ والسمو بالذات، مثلما يمكننا أن نجعل من هذه الإمتحانات عذاب وسجن واغتراب إلى الأبد لكياننا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجهاد

السلام عليكم
    في مفهوم الجهاد، غالبا ما تترجم هذه الكلمة في الفرنسية أو لغات أخرى بالحرب المقدسة، والذي يُنظر إليه اليوم، بين معظم المسلمين وغير المسلمين، على أنه حرب مفتوحة بين الإسلام والباقي، وخاصة الغرب، وبالتالي نتج سوء فهم تام، لهذا المبدأ التأسيسي في الإسلام. وحتى تفهم روحانيته، ويفهم، ويعاش عمق رسالت. إنه الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر، كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم. من يتكلم اليوم عن الجهاد الأكبر؟
    اليوم جميعنا مقيدين بالجهاد، وليس بحرب مقدسة، كما ندعوها غالبًا، لأن الجهاد هو جهد، ونضال، إنه جهد كياننا، سواء تعلق الأمر بانتهاك ظاهري، أو تعلق ذلك بقصورنا أو شهواتنا أو رغباتنا أو معاناتنا. نخوض الجهاد الأصغر في الظاهر، ونخوض الجهاد الأكبر في الباطن. إنه جهاد، وحتى عندما يكون في الظاهر، مقابل معتدي، لا يعني بالضرورة أنه حربا، وعلى الخصوص حربا مقدسة، هو قبل كل شيء، جهاد يمكن أن يقاد بالكلمة والقلم، وبأشكال عديدة، وإن كان جهادا على المستوى الإيديولوجي، لا يعني بالضرورة، أن الدماء ستراق بين أناس، يتقاتلون من أجل ايديولوجيات أو أفكار أو مبادئ.

    نتواجد اليوم في طريق مسدود، إذ فهمنا أن الجهاد يعني فقط حرب مقدسة، وانتقل إلى مفردات اليوم، وأقول أنها، المفردات الشعبية العالمية. الجميع يتحدث عن الجهاد أنه الحرب المقدس(1). إن ترجمة الحرب المقدسة لا علاقة لها على الإطلاق، بمفهوم الجهاد.

(1)   الحَرْبُ: القتالُ بين فئتَيْن (مؤَنثة)، وقد تُذكَّر على معنى القتال. من المعجم الوسيط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإستقامة

السلام عليكم
    لنعود إلى صيام شهر رمضان. أنتم تعلمون أن الإسلام طوّر، مع ما جلبَه من  تشريع وعبادة، طوّر ثقافة وروحانية. كثيرا ما نرى في شهر رمضان، أنه واجب شرعي، حيث يجري الصيام من شروق الشمس إلى غروبها. إذا نظرنا إلى الجانب الشرعي لرمضان، فهو أساسا الحرمان من الطعام والشراب والجماع، لكن رمضان ليس ذلك فحسب، إنه يدعونا إلى بُعد آخر، ويجلب لنا بُعد آخر، يغوص بنا في واقع، يجعلنا نعيش لحظة استثنائية في السَنة، ولهذه اللحظة الاستثنائية نكهاتها ورائحتها وألوانها، ولها أطباقها، التي تتنوع من بلد إلى آخر، ومن مطبخ إلى آخر، ولكن ما هو مؤكد، أن لها طابعها المميز. كما أنه سيطرأ تغييرا في الأجواء، وتغييرا في السلوكيات، وتكون هذه السلوكيات إما ثقافية، حيث نراه و نشعر به من خلال مجمل الأشياء والمؤشرات الملموسة، الحادثة في المجتمع الإسلامي، وأضف إلى ذلك، إن له جانبًا روحيًا، مما يعنيه، دعوة لجمع الهمة من جديد على النفس، والعيش في زمن التنزيل. القرآن ، كما نعلم، نزل في شهر رمضان، وهو زمن التنزيل، عندما نزل القرآن بشكل ما، على الناس. في علاقة الإنفتاح نحو الإستقامة. فجأة نجد أنفسنا وجهاً لوجه، أو في زمن يدعونا للإنتساب للإستقامة، والتعلق بالرسالة العميقة والروحية للإسلام، ويدعونا للمزيد من الصلاة، والمزيد من التدبر، والمزيد من الصدقات، والمزيد من الرحمة . كل واحد منا مدعو للعيش هذه اللحظة، باعتبارها لحظة استثنائية، وإذا لم يكن الشهر كله، على الأقل جزء منه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرحمة

السلام عليكم
    من ضمن الرسائل التي ركز عليها الإسلام، سوف نعود إلى ما ذكره القرآن الكريم، في معرض حديثه عن الرسالة المحمدية، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". سورة الأنبياء، الآية 107. إلى ماذا تشير كلمة الرحمة، وخاصة في عالم اليوم؟ وما معناها؟ يستعمل القرآن كلمة الرحيم. والرحمن الرحيم. وهذا التطابق الذي يربط بين مفهومين، له شيء قريب جدا إلينا، يمسنا في أعماق أنفسنا، وهو الرحم، هذا الرحيم، الذي تشبه كلمته الرحم، الذي ينشأ فيه الوليد، ومن خلاله تتم الولادة.

    قد أعطت رسالة الإسلام طابع شخصي لعلاقة هذا المبدأ الذي يربط الخلق بالخالق، وأعادته إلى صلة محبة، وصلة تراحم، وصلة وثيقة، كما لو أننا جئنا من هذا الرحم، وكما لو أن أمّا منحتنا الحياة، وفي الآن نفسه، مثل أمّ يمكنها أن تحمل طفلها. ذات يوم، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفقة أصحابه طفلا يركض نحو حافة الهاوية، وأمه التي ألقت بنفسها عليه، تأخذه بين ذراعيها، بحنان وحب غير محدود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيتم ما رأيت، فقالوا: نعم، فقال :هل يستطيع كائنا أن يحب أكثر هذا الطفل من أمه؟ قالوا: لا، قال: إن الله يحب هذا الطفل، أكثر مما تحبه أمه(1). وهذا هو مفهوم الرحمة المحمدية.

(1). بهذا المعنى روى الشيخ خالد بن تونس هذه الرواية، وفي جامع الأحكام، ذكر القرطبي، رواية توطدها، قائلا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس امرأة تغدو وتصيح ولا تستقر، فسأل عنها فقيل: فقدت بنيا لها. ثم رآها قد وجدت إبنها وهي تقبله وتدنيه، فدعاها وقال لأصحابه: "أطارحة هذه ولدها في النار؟"، قالوا: لا، قال "لِم؟" قالوا: لشفقتها. قال: "الله أرحم بكم منها". وأعقب القرطبي، خرّجه مسلم بمعناه، والحمد لله. اهـ.

وفي حديث آخر،عن عمرَ بنِ الخطاب قَالَ: قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه: أترَون هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا وَاللَّهِ، فَقَالَ: الله أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا. متفقٌ عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصير

السلام عليكم
    غالبًا ما ننظر إلى الإسلام فقط من خلال الشريعة، فقط من خلال تشريعاته، وهذا يجعل منا أفراد مرهونين في حياتهم، بدءا بالجانب الخارجي والجانب العقائدي والجانب المعياري، وما ندركه اليوم عن الإسلام. في حين أن الإسلام يدعونا بالأحرى، إلى طريق التحقيق، وأن نجعل من الحياة مسعى للتحقيق الذاتي. للتحقيق في ماذا؟ للتحقيق فيه، في الله تعالى. والتوجه فيما أراده دائما وأرضاه، وهذا قدر الإنسان، ومصيره الذي يجعل منه خليفة الله في الأرض. ذلك الذي يكتسب من صفاته وأسمائه خصال ربانية.

    تحدثنا عن الرحمة. إذا كان الله عز وجل يدعونا ويبعث إلينا رسالة رحمة، فلكي يجعل منا من متصفي الرحمة، وناشري الرحمة. نتصف بهذه الرحمة وننشرها من حولنا. إذا كان الله هو العالم، فلكي يجعلنا قادرين أن نكون من أصحاب العلم وأصحاب المعرفة، وننشر من حولنا هذا العلم وهذه المعرفة. إذا كان الله هو الحكيم، وهكذا ودواليك. إذا كان الله هو السلام، إسم من أسمائه الحسنى، فلكي نتصف ونحقق هذه الصفة الإلهية، وننشرها من حولنا، في هذا المسعى الذي تدعونا إليه، من البداية، الشريعة، لأننا في حالة من الوعي، نكون فيها بحاجة إلى عمات، وبحاجة إلى هداية ترشدنا، وتدلنا على الطريق. إذن في هذه المرحلة الأولى، وهي مرحلة الازدواجية، تكون الازدواجية بيني وبين الغير، بيني وبين القانون، بيني وبين العالم، بيني وبين تناقضات العالم، ويقال أن بداية هذا السعي، هو أنا وأنت. وتتميز المرحلة الثانية بكون أنا أنت، وأنت أنا. حيث تتواجد هذه الصلة بالغير وتتجسد هذه الوحدة. في المرحلة الثالثة يكون لا أنا ولا أنت بل هو. وهكذا يتحقق الرجوع إلى الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق