السبت، 16 مايو 2020

ذكرى العيش معا في سلام في زمن الإمتحان


ذكرى العيش معا في سلام
في زمن الإمتحان


"أصدقائي الأعزاء، إن لليوم الدولي للعيش معا في سلام (JIVEP)، الذي نحتفل به كل 16 مايو من كل عام، يتيح لي الفرصة للعودة إلى مختلف الأحداث التي ميزت تطوره، منذ أن انبثقت هذه الفكرة خلال مؤتمر الأنوثة في 2014 في وهران، حتى تتويجه في 8 ديسمبر 2017، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي شرعته، خلال تصويت بالإجماع للـ 193 دولة". الشيخ خالد بن تونس، في صفحته الرسمية بالفايسبوك في 13 05 2020.



   
    ندرك اليوم إحتفالية اليوم الدولي للعيش معا في سلام في طبعته الثالثة، فهو يحل علينا هذه السنة بطعم خاص، لخصوصية الظرف، وباء قد عمنا، اتخذت ضده وسائل وقائية ضخمة وضخمة جدا، دفعت أكثر من نصف الإنسانية إلى الإحتماء بالمنازل وعدم الخروج، وأغلقت جميع الحدود في العالم، وجمدت الطائرات على الارض، وألغي كل نشاط سياسي أو ثقافي، وعطلت المدارس والجامعات، على كل حال، إنه وضع لم تعرفه الإنسانية الحديثة. إن 16 مايو، يوم أريد له، أن نستحضر فيه مقومات الأخوة الأدمية، ومثلما قال الشيخ خالد بن تونس، العيش معا موجود، نحن نعيش معا، ولكن نرفقه بالسلام. إنه استشعار تلك الرابطة التي تجمعنا، التي كثيرا ما يذكرنا بها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بقوله "يا بني آدم"، ويكتنفها السلام المحل في القلوب.

    في استحضاره لأحداث سباق السعي وراء دفع الأمم المتحدة إلى إقرار يوم دولي للعيش معا في سلام، قال الشيخ خالد بن تونس  "... لا يمكن لأي شعب بمفرده، أو أي أمة أو أي دولة غنية أو قوية بمفردها، أن تمتلك الحقيقة فقط لنفسها وتنحصر عندها، فلكلّ نصيب. قد حان الوقت أن ندرك أننا بوضعنا الأجزاء مجموعة، سنتمكن جميعا من الإستفادة من عالم أفضل لنا جميعا.

    مثّل هذا الأمر لي هاجسا. هل سنتمكن بهذا المشروع، حقيقة؟ ونرى يوما الإنسانية على تنوعها الثقافي والعرقي والفلسفي والديني والروحي تتوحد وتتجمع حول مشروع يهمها، ويجعل منها كيان واحد؟ تحقق هذا يوم 08 ديسمبر 2017. فقد صوتت الأمم المتحدة ومجموع الدول 193 العضوة بصوت واحد على هذا القرار، وانظمت كلها إلى هذا العيش معا في سلام، الذي في نظري يرمز إلى هذه الإنسانية التي تصالحت مع بعضها البعض.

    يدعونا ضميرنا اليوم إلى تغيير طبائعنا وسلوكنا، ولا يمكن أن يحدث هذا التغيير إن لم نتوحد، وإذا لم نعلّم العيش معا والعمل معا لأبنائنا، ونربيهم على ثقافة السلام، وثقافة العيش معا والعمل معا، حتى يتمكنوا من التفكير جماعة في المستقبل، ويبنونه الواحد مع الآخر وليس الواحد ضد الآخر".

    كان للشيخ خالد بن تونس يوم 11 مايو لقاء مباشر عبر الفيديو، مع اللاما دينيس تيوندروب رينبوتشي، أستاذ بوذي فرنسي، من تقاليد كاجيوبا البوذية التبتية، دار موضوع الحوار "أي نصائح روحية لمواجهة الأزمة المستشرية اليوم"؟ في هذا اللقاء عرض الشيخ الكثير من وجهات نظره، فقد أشار أن "هذه الأزمة شاملة، وتمس إنسانيتنا في البؤرة الأكثر حساسية، تمس التنفس. النفَس. والنفَس هو رمز الحياة. إنهما الرئتان الذين مستا اليوم. يدفعنا ذلك إلى إعادة التفكير والعمل والتأمل". ويطرح الشيخ التساؤل، "كيف سنجد في إطار الوحدة العائلة الإنسانية حلولا جديدا للعيش معا في سلام"؟

ذكر الشيخ خالد بن تونس "أن الصدمات تكون أحيانا محمودة. تتعرض إنسانية اليوم لصدمة، صدمة لم تعرفها منذ مدة طويلة. يجب أن ندرك أن عالم الأمس، تستحيل عليه العودة، وإننا نخرج من تاريخ إلى آخر". وأضاف "للخروج من هذه الأزمة.. سنعمل بجهد وننظر إلى الجانب الإيجابي للأشياء.. فيروس بسيط موجود منذ ملايير السنين، جاء ليوقظنا ويفيقنا وينبهنا إلى وضعنا الحالي، حتى ندرك مآل وقدر جميع الإنسانية".

    وتساءل "في ماذا يمكن أن تساعد الروحانية اليوم في هذا التفكير الجديد؟ نحو هذا الإنسان المتيقظ، يجبره القدر، وترغمه الجائحة، على إعادة التفكير في أموره"؟

    وأوضح "إن هدفي هو زرع الأمل في كل إنسان... واليوم، إن العودة إلى عوائد الماضي هو انتحار، العودة إلى الإستهلاك كما كنا نستهلك، والتلويث كما كنا نلوث، وإطلاق العنان لشهواتنا ونزواتنا، وترجع همتنا في بطوننا وحب السيطرة، والإستخدام الدائم للقوة كوسيلة لحل المشاكل، كل هذا ينتمي إلى عالم مضى". وأردف " ينبغي البحث عن وسائل أخرى، فلسفية واقتصادية وروحية ومالية". وقدم مثال انهيار سعر البترول، الذي هوى إلى أقل من 30 دولار، فأضحى أصحابه يبيعونه وبخسائر فادحة، وبعبارة أخرى يدفعون مقابل بيعه، لأنهم لا يجدون مكانا لتخزينه. وأعقب "معبد الفائدة الذي عكس قيمه، وأصبح سلبا. هذا هراء. هذيان للمنطق الذي يقود العالم". 

استرسل الشيخ في كلامه وقال "ليستفيق الناس ويعلموا أنهم لم يعودوا يضمنون مستقبل أولادهم، في عالم أكثر ظلامية، وغير مضمون البتة، والمخاوف إلا في ازدياد، وهذا سيفضي إلى نشوء نظام استبدادي، إذ سيوضع كل شيء تحت الرقابة، زعما بأنه لصالح الإنسان. سيصبح معروفا الذي نقوله، وماذا نأكل وماذا نلبس وكيف نسافر.. في حين، إن الذي يجب علينا هو عمل العكس، ونقيم حصيلة نتيجة النزاع، ولنعرف ما الذي نسيناه. لقد نسينا الإنساني، نسينا القيم الشاملة، قيم التضامن والأخوة والمعرفة المتقاسمة والإقتصاد التضامني. أما إذا نزعنا الضمير من الإنسان، والقيم التي جعلت منه كائنا، ماذا سيتبقى له؟ ستجد إلا حيوان ذكي، وآلة مفكرة، لا يفكر سوى في فائدة قيد اللحظة، دون التفكير في الغد. إنه غياب للمعنى".

    خلص الشيخ "في زمن الحجر الصحي، والتفكير الذي خضته في نفسي، في كل هذا الوقت، توصلت يقينا إلى أنه ينبغي إعادة ربط الصلات، وهذا أول شيء".

شعار اليوم الدولي للعيش معا في سلام

    وحذر مرة أخرى "أعتقد أننا إذ لم نفهم هذه الأزمة، والتي تمس في الصحة، وتمس النفَس، فالمقبلة تكون أكثر خطورة"، وأضاف "لأنه يوجد ثمن يجب دفعه لتتيقظ الضمائر"، وأعقب "وذلك أن الإنسان بصفة عامة، هو حيوان غير واع وغير متيقظ، يجب نخضه". فضلا "كان جدي يقول دائما، يوجد في الإنسان جانبا من الأخوة وجانبا من الخير، تكمن فيه ككمون الزبد في اللبن، ينبغي نخضه حتى يمكن استخراج الخير المندرج في كل إنسان. وما نتعرض له اليوم هو هزة على الصعيد العالمي"(1).

    ذكر الشيخ بعدها أمثلة حية عن واقع مرّ، وحقائق يكتنفها الإستغراب، قال "حضرت في السنة الماضية في جامعة جنيف، ودعيت إلى لقاء، واستمعت إلى أحد الأخصائيين العلميين، الذي قدم حصيلة عن العصافير والحشرات والحيوانات التي اختفت من سويسرا، ونحن لدينا صورة عن سويسرا، أنه بلد متجانس ويحافَظ فيه على الطبيعة، والسويسريون أذكياء وقريبون من الطبيعة، ولم يمنع ذلك من اختفاء 80 % من الحشرات و 60 % من العصافير. ولا بلد بمنأى عن الخطر. في أستراليا بيعت مياه الوديان، وسرقت وأدخلت البورصة، ولإطفاء النيران يجب على الإطفائيين شراءها. هراء. وانتهاك حرمة الأشياء يقودنا صوب الكارثة".

    أكد "ماذا أصبح إنسان اليوم؟ أفرغ بمعنى الكلمة من روحانيته".

    رغم أن للتكنولوجيا فوائدها، مثل هذا النص، سيبلغ قارئيه، وهم على بعد المئات أو آلاف الكيلومترات، ولكن لها من الضرر، فقد كشف الشيخ أن "التكنولوجيا تقوم بتنويمنا يوميا. وتعطي ضمانات بأننا نستطيع بذكائنا وقدرتنا على حل جميع المشاكل. هنا يدخل مفهوم الأفقية لحل المسائل المتعلقة على المستوى الأفقي، ولكن على هذا المستوى نرى جليا أننا في كل مرة، عندما نحل مشكلا نخلق آخر. ينبغي التذكير أن ليس للأفقية معنى إلا إذا كان لها عمودية إعادة القيم. ينبغي أن تحوي الفائدة على فكرة العمودية، تريد أن تربح أموالا، ولكن ليستفيد معك آخرين ولا تضر بآخرين. لا أقول عن النظام الهرمي أنه غير صالح، لقد خدم، ولم يعد اليوم قادرا على الخدمة، انتهى أمره، لأن قُدّر للإنسان أن يذهب أبعد. غالبا ما نتكلم عن الديمقراطية، وحتى الديمقراطية بحاجة إلى نفس جديد، وربما غدا تكون السوسيوقراطية الفلسفة العاملة".

    وتكلم الشيخ عن ما يجب اتخاذه إذا ما اكتشف ترياق للمرض "وإذا وجد علاجا أو اكتشف مصلا، فأول ما ندعو له أن يكون المصل وهذا العلاج في متناول الجميع، ولا تستفيد منه شركة متعددة الجنسيات أو يكون حكرا على بلد، لتكون ملكيته ملكية لجميع الدول، ويمكن إنتاجه في كل مكان، ويعالج به، ومن سيجد التركيبة يكون له شرف خدمة الإنسانية".

    أظهر الشيخ في قوله "جاءت هذه الجائحة، ربما لتسمح لنا بالتحضير بشكل أفضل". وذكّر الشيخ بالحديث النبوي، الذي يحفز على الثبات في مثل هذه الأوقات، قوله صلى الله عليه وسلم "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها".



 (1). "فكرتنا هي أن تعود الإنسانية قاطبة إلى الأخوة والسلام، عن طريق ثقافة مكارم الأخلاق، وكذلك بواسطة حمل التعاليم الدينية بهمة عالية إلى أن نبلغ حقيقة الأخوة الكامنة في قلوبنا، ككمون الزبد في اللبن، ولو أن الإنسانية استعادت ولو قليلا تلك الأخوة لشملها سلام الله. ولزال كل اختلاف تاركا مكانه المحبة والأخوة، وتزول حينئذ كل الأحقاد والنزعات، ويعيشون في سعادة لا يكدر أخوتهم أي شيء؛ هذه فكرتنا". الشيخ عدة بن تونس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق