الجمعة، 1 مايو 2020

التصوف: من أجل إسلام حر

التصوف: من أجل إسلام حر


    في إطار تقديمات مؤتمر جنيف 2010، حضر الشيخ خالد بن تونس إلى القناة السويسرية TSR، وشارك في برنامج "Faut pas croire"، الذي نشطه معه الأستاذ والصحفي كريستوف بواسي، وبُث يوم 09 أكتوبر 2010.

    إنه الوجه المنفتح والمتسامح للإسلام. الصوفية تقليد صوفي قديم. إنه إسلام نتكلم عنه قليلا في الغرب. الشيخ خالد بن تونس، المرشد الروحي للطريقة العلاوية الصوفية هو ضيفنا.. بهذه الكلمات جرى تعريف موضوع اللقاء.



الصحفي: الشيخ خالد بن تونس، صباح الخير.

الشيخ بن تونس: صباح الخير.

الصحفي: أنت المرشد الروحي للطريقة الصوفية العلاوية، وعضو مؤسس للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وأيضا مؤسس الكشافة الإسلامية الفرنسية. شكرا جزيلا لكونك معنا اليوم.  جزء ممن اعتنقوا الإسلام، إختاروا التصوف. لماذا هذا النجاح، كيف تفسره، ونجاح التصوف في الحين؟

الشيخ بن تونس: لا نستطيع أن نتكلم عن نجاح الآن. لا ننسى أن في هذا البلد، سويسرا، كان المسلمون الأوائل صوفيين، بالفعل في الثلاثينات، وظهر أول محل إسلامي في 1935 في لوزان، افتتحه صوفيون. إذن فهو تقليد قديم، ولماذا التصوف؟ لأن الناس عندما يأتون إلى الإسلام، لا يأتونه للبحث عن شعائر أو عقائد، إن الذي يأتون من أجله هو تعليم يغذي ضميرهم، ويجدون في التصوف شيء، هو في علاقة مع سعيهم للحقيقة وسعيهم للمعنى. بالفعل في كل العصور جذب التصوف إليه أناس لم يكتفوا بالشعائر العقدية، ودين مورث، ولكن كانت بغيتهم إيمان حي.


الصحفي: يعزز التصوف السعي الباطني، لا أعلم إن كان بمقدورنا القيام به، ولكنه نوعا ما يشبه ما في البوذية.

الشيخ خالد بن تونس: كل التقاليد، بدون استثناء، بدأت بالروحانية. لم تظهر اليهودية في كنست، ولا المسيحية نشأت في كنيسة، ولا الإسلام نشأ في مسجد، جميع الذين حملوا هذه الرسالة الكبيرة العالمية، حتى البوذية لم تظهر في معبد، تحت شجرة تلقى الحكيم بوذا التنوير، وفي كهف تلقى محمد رسول الله الوحي، وفي الصحراء، أثناء الأربعين يوما التي قضاها فيها، التقى سيدنا المسيح بروح القدس، وسيدنا موسى عند آنست نارا. كانت بداية كل رسالة بلقاء، ومواجهة بين الكائن وبين ما نسميه بالألوهية. وهي سعي. فيما بعد ظهرت المؤسسات، ومثلها مثل أي مؤسسة بشرية، تجد لنفسها معالم، وتحدث قوانين وشرائع ومذاهب وغيرها..


الصحفي: إن التصوف الذي تقدمه لنا يتسم بالتسامح والسلام، يبدو بعيدا عن الصورة التي اعتدنا عليها أحيانا في الإعلام، هنا في الغرب.

الشيخ خالد بن تونس: للأسف، تُحدث الصورة السلبية للإسلام انعكاسا للقيم الروحية، التي نقلها هذا الإسلام التقليدي منذ القدم. للتصوف خمسة عشر قرنا من التواجد، وإنه غير طائفي. ضم في صفوفه رجالا عرفوا بلقب حجة الإسلام، مثل الإمام الغزالي وابن عربي والحلاج الذي صلب بسبب هذه الروحانية، والسهروردي والإمام الشاذلي، رجال كان منهم شعراء وفلاسفة، كابن سينا أحد أفراد هذه المدرسة، رجال قدّموا دوما بتفكيرهم وذكرهم وكتاباتهم قيمة إنسانية وقيمة روحية عالمية. وكتاب جلال الدين الرومي صاحب قونية، هو الكتاب الأكثر مبيعا في العالم.


الصحفي: كلّمتَنا عن الروحانية وإسلام روحي. من جهة أخرى، تقومون بتنظيم مؤتمرا، نهاية الأسبوع، في جنيف، عنوانه "من أجل إسلام حر ومسؤول". هل التصوف إسلام أكثر حرية؟

الشيخ خالد بن تونس: نعم. ليس أكثر حرية، بل حر، بكل بساطة، لأنه مندرج في القرآن الكريم، لقوله تعالى "لا إكراه في الدين". سورة البقرة، الآية 256. لا يمكننا أن نُكره شخصا. نزلت هذه الآية في أب، أراد أن يرغم أبناءه على اعتناق الإسلام بالقوة. لا نستطيع بأي حال إكراه شخص على اعتناق دين. نرى اليوم انعكاس الأشياء. نَكون من عائلة مسلمة، ونأخذ هذا الإرث وهذه العقيدة. يوجد فرق بين الإيمان والعقيدة. تورث العقيدة من الآباء، ولكن الإيمان شيء نبنيه بأنفسنا، بسعينا للحقيقة، وعلى الخصوص بمعاملتنا الحسنة مع القريب ومع الخليقة والألوهية. إن الذي يتخذ دينا كشكل من أشكال الممارسة الدينية سينسى بأنه هو الطريق المؤدي إلى الله سبحانه وتعالى، إلى المحبة والأخوة، إلى التحقيق الذاتي، مشروع حياته.


الصحفي:  نشعر من التأكيد الذي تخص به الإسلام، بأنه مختلف عن الإسلام التقليدي، وإنه إسلام لا يهتم أصلا بملاحظة الشرع.. أما أنت فليس هذا ألذي تقوم بتسليط الضوء عليه.

الشيخ خالد بن تونس: ليس هذا. لأن الإسلام ليس هذا. اليوم الإسلام الذي تسميه تقليدي هو بالأحرى إسلام دولة أو إسلام مؤدلج أو إسلام إيديولوجي، في حين أن الإسلام هو رسالة عالمية، جاءت للإنسانية لتعطيها معنى الأخوة العالمية، عنما يقول النبي صلى الله عليه وسلم "كلكم من آدم وآدم من تراب"، وعندما يقول "الناس سواسية كأسنان المشط"، في تساويهم أمام الله عز وجل، وعندما يشير أن معنى الإسلام ليس في الممارسة، ولكن في العمل الصالح. يوجد في القرآن سورة يقسم فيها الله سبحانه وتعالى بالعصر، وفي كل عصر، إن الإنسان لفي خُسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

الصحفي: الشيخ خالد بن تونس أنت بصدد القول لنا أننا ابتعدنا عن إسلام معين صحيح.

الشيخ خالد بن تونس: نعم. بكل تأكيد.

 الصحفي: كيف وصلنا إلى هذا؟

الشيخ خالد بن تونس: حسنا. وصلنا إلى هذا.. لقد ذكرت لك المؤسسات البشرية، ففي كل الديانات، وليس فقط في الإسلام، عندما نبتعد عن الروحانية، عندما نبتعد عن الجوهر الذي يؤسس الدين، ما الذي يحدث؟ سيجف. نصبح نعرف منه سوى الشريعة والفقه. إن الإسلام عند الكثير من الناس في أيامنا هو الشريعة والفقه. يتساءل كيف آكل وكيف أشرب، وكيف أفعل هذا أو ذاك، ناسين أن الإسلام يكمن في العمل والاتصاف بالخصال الكريمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

الصحفي: أريد أن أتكلم معك عن الوضع في سويسرا. في سويسرا، طرحت مشكلة المقابر والحجاب ثم المآذن، نشعر أنه دائما يوجد عائق وراءه عائق. لماذا نحن في هذا الوضع؟

الشيخ خالد بن تونس: يوجد أمران. في الأول، أتكلم عن المسلمين أنفسهم. إن المسلمين الذين يقطنون في أوروبا، وليس في سويسرا فقط، فالمشكل مطروح في كل مكان، أنهم يمارسون إسلاما طائفيا أو مجتمعيا، يعزلهم نوعا ما عن الواقع الإجتماعي والسياسي والثقافي للبلد الذي يعيشون فيه.

الصحفي: إسلام مستورد؟

الشيخ خالد بن تونس: أإسلام مستورد؟ بحكم الضرورة، أغلب المسلمين الذين جاءوا كانوا عمالا، ومنذ العشرينات، فمسجد باريس افتتح سنة 1926، وبشكل ما، شكّل المسلمين مجتمع الإيمان، ويعيش تنوعا، حيث يوجد مسلمين مغاربة، وآخرين أسيويين، ومسلمي أفريقيا السوداء، وكل واحد، استقدم معه عاداته وتقاليده، وفي ذكر الزي أو المظهر، فضلوا دائما إسلاما أصبح اليوم معياري ومعولم، مستورد من مكان معين.

الصحفي: على سبيل المثال الحجاب..

الشيخ خالد بن تونس: على سبيل المثال الحجاب. توجد ألف طريقة وطريقة لارتدائه. هل تعلمون أن لدينا في الصحراء الرجل يتلثم، أهل الطوارق، الذين يرتدون تقلموست ويتحجبون، وليست المرأة. كانت في المغرب تلبس الجلابة وفي الجزائر الملحفة، وفي تركيا الشرشاف، ودفعة واحدة، وصلنا شيء فشيء إلى إعطاء بدلة دينية. لا يوجد بدلة دينية إسلامية، توجد عادات، وهذا كل شيء.

الصحفي: أريد أن أقول، تقع أخطاء أحيانا في نضال المسلمين، عندما يصدرون تضييقا محددا في مسألة الحجاب اليوم..

الشيخ خالد بن تونس: والأمر الثاني، على الغرب أن يقوم بجهد، لأن الإسلام أصبح حقيقة غربية أوروبية. يتواجد الإسلام اليوم مع الأجيال الثانية والثالثة والرابعة. يجب على الغرب أن يتفهم أن الإسلام جزء من هذا البدن للأمة الأوروبية، وكيف لا، ومنذ مدة بعيدة، كانت هي من بدن الإسلام الغربي. ينبغي اليوم أن نفهم المسلمين مع احترام كرامتهم، فهذه الصورة السلبية تُحدث سلبيات، فإنها تدفع بالمسلمين عندما يرفَض إيمانهم، وعلى الإعلام أن يلعب دورا مهما هنا في توضيح النقاش وتبيين الوضعية.


الصحفي: شكرا جزيلا الشيخ خالد بن تونس، لحضورك معنا.

    بعدما قدم الصحفي كتابي الشيخ "إرث الأخوة" و"علاج النفس"، الصادرين عام 2009، دعى المهتمين بالتصوف إلى حضور المؤتمر، الذي جرى بقصر المؤتمرات باليكسبو.

TSR , Le 9 octobre 2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق