الخميس، 7 مايو 2020

رمضان، لكل يوم موضوعه

رمضان
لكل يوم موضوعه




    كل يوم موضوعه. في دقائق معدودات، يقدم لنا الشيخ خالد بن تونس تلخيصا موجزا لما يجلبه لنا شهر رمضان المبارك. ألقى الموضوع الأول في اليوم التاسع من رمضان، الموافق ليوم السبت 02 مايو. ومن ثم يحرص يوميا على إفادتنا من دره النفيس، وكلامه الغزير المعاني، القليل المباني، الذي من حقه أن يكتب بماء الذهب على صفحات الذهب، ويمثل عصارة خبرة أكثر من خمسين سنة في مجال التبليغ والدعوة إلى الله، مع ما عايشه من أحداث، ومر عليه من أحوال وتقلبات الزمان، وتحدّ إنسانية، التي يحرص كل الحرص على الأخذ بها إلى بر الأمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسبار


السلام عليكم

    سنقضي جميعًا لحظات في التأمل، والنظر في ما يجلبه لنا هذا الشهر المبارك من بين جميع الشهور. أود أن أشير إلى ما يعلمنا إياه التقليد ويجلبه، من خلال شهر رمضان، هل هو مسبار، يسمح لنا بقياس العلاقة بين الطابع المؤقت لأنفسنا والروحانية؟

مما يعنيه، توجيه الجسد، والحس، والفسيولوجي ليعيش تجربة حية، تقودنا طوال الوقت إلى حرمان أنفسنا من الطعام، وتغذية ضميرنا وروحنا، وهي طريقة تمكن من سبر هذا الجزء الروحي من أنفسنا، وهذا الجزء من ضميرنا، الذي يتمتع فينا بالقوة، التي تملي تصورنا ورؤيتنا وسلوكنا. وهل هي رغبات عاطفية بحتة أو رغبات غريزية، أم أنها إرادة موهوبة يكتنفها إدراك قوي، تُسائلنا في كل مرة عن المعنى الذي نقدمه لحياتنا؟

    وهكذا، فإن شهر رمضان هو زمكان، لحظة مميزة تعود كل عام، كاختبار يسبر أنفسنا تجاه هذه العلاقة التي نربطها مع جانب الخلق، والخالق، وبالتالي المطلق، ويربطها الغير مع أقراننا، والغير مع أنفسنا. لأن شهر رمضان ليس شهر الإمساك عن الطعام من شروق الشمس إلى غروبها، بل هو أيضا شهر يُحدث اضطرابا في العادات اليومية، مما يؤدي بنا إلى التفكير في ماهية حقيقة الغذاء. هل هو غذاء فقط لتغذية الجسم، وطوال العام نحن دون إمساك، يمكننا كل يوم أن نستهلك كيف نشاء، من الصباح إلى المساء، أو أنه  شكل من أشكال الغذاء يعيدنا إلى المسؤولية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسؤولية

السلام عليكم

    هل يفضي الإسلام بالمرء أن يُسير حياته، بالإضطلاع بالمسؤولية، وطروء تيقظ ذاتي، أو أن الإسلام ليس سوى دين معياري، يملي على الجميع، رجالا ونساءا، نمط عيشهم، وطريقة لبسهم وأكلهم، وأحيانا طريقة تفكيرهم؟ نحن مطالبون اليوم بطرح هذا التساؤل، كيف نتحلى بالمسؤولية، وكيف نعيش هذه المسؤولية، في تناغم ووفاق مع رسالة الإسلام؟ في المقام الأول، تدعونا الرسالة المحمدية إلى هذا الأمر. تربية التيقظ هذه، تُرى بشكل ما، في رسالة الإسلام من خلال ثلاثة نُهج. وهي الإسلام، باعتباره الشريعة، ولكن الإسلام أتى أيضا بالإيمان (ثقافة) وروحانية. بُني الإسلام على هذه الأسس الثلاثة، الشريعة والإيمان والإحسان، وهذا الأخير عرّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فإنه يراك". يدعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبودية إدراك، في رحب الرؤية الباطنية، في تلك العلاقة الدائمة، التي يصيرها ضميرنا، الذي يصلنا على الدوام بتلك الحضرة الربانية، التي تتخلل كل شيء. وبالتالي يصبح الإسلام مبدأ وطاقة وقوة وهداية ونور، يدعونا في كل مرة للدخول في دائرة التوحيد، دائرة الفضائل والجود، وذلك من خلال التحقيق الذاتي. وفي ذلك، فإن الرجل أو المرأة، مدعو في كل حين، أن يسترجع في نفسه ذلك الطريق الذي يقوده، بعيدا عن الشهوات والمخاوف، نحو السكينة والسلام الباطني والتناغم مع الوسط المحيط به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النية

السلام عليكم

    لقد تكلمنا عن المسؤولية، وهذه المسؤولية تقودنا في الحقيقة إلى ماذا؟ إلى اعتبار كل ما نعيشه، وكل ما نقوم به. وفي هذا يدعونا الإسلام إلى التفكير.

    ما الذي يدفعنا إلى التساؤل، ونسأل أنفسنا، عن النية التي تحفز عملي، وتجعل منه عملا مسؤولا؟  

    وبالتالي، في التقليد الإسلامي، إن العمل، قبل حتى إضفاء الصبغة الرسمية عليه، وإظهاره وإعطائه شكلًا مرئيًا، إما بالكلمة أو الإيماءة، أو بأي شكل من أشكال العمل، والذي بطريقة ما، سيكون له تصور عند الغير، وصادر مني؛ ما هي النية التي تحفزه؟ ما هي نيتي من خلال العمل الذي أقوم به، سواء كان هذا العمل عبادة أو غيرها؟ من ثم، هذا سيفضي دائما إلى تصور رؤية تلك النية، التي تنشط وتحفز كل عمل نقوم به في الحياة، مما سيربطنا بمفهوم الحضرة، وإن كل عمل، سيكون ضربا من الإدراك لما أقوم به، ودعوة دائمة لمزيد من التفكير، فيما يربطني بالمقدس، بهذه الحضرة، التي أؤمن بها، بحضرة الإطلاق، بهذا الإله الذي أؤمن به، الذي يزيد فضلا، ويعطي صبغة وسمة للعمل الذي أقوم به. هذا مهم جدا، لأنه في الإسلام، جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحرم

السلام عليكم

    قد نتناول اليوم مفهوم المحرم في الإسلام، أو مفهوم القدسية في الإسلام. تدعونا الفلسفة الإسلامية والروحانية الإسلامية قبل كل شيء، إلى تعريف هذا الحَرم، بأنه نبع الحياة؛ الحي، اسم الله تعالى، أصل جميع الحياة. ولذا حرمت كل نفس؛ نفس الفرد ونفس الإنسانية والخلق مطلقا، لوجود خالق، وبواقع أنها تسري من نبع واحد، من الرحم الإلهي، وبشكل ما، إنها محرمة لأنها تحمل في طياتها الحقيقة الإلهية التي تحتضن كل شيء. ينبغي أن يُدرّس عندنا مفهوم المحرم منذ الصغر، وعلى الطفل أن يفهم ما الذي شكل سبب حياته، تلك الحياة التي يحملها بين جنبيه، الحياة التي يتقاسمها مع الغير، مع إخوانه وأخواته وجيرانه وأقرانه، ولكنها أيضا الحياة التي تدب في الطيور والحيوانات والأسماك والشجر. كل ذلك جزء من هذا المحرم (المقدس)، الذي يورث إدراكا لدى الفرد، وفي ذلك أعطى الإسلام فضاءا، وهو الحرم الشريف، مكان الكعبة المشرفة، وبمجرد دخول حدوده، فذلك المكان الحرام، وعلى عكس ما لدينا عن مفهوم الحرام،  فهذا المكان هو الحرم، وبالضبط ما حُرم به، وماذا حُرّم في الحرَم؟ المساس بالحياة، لا يمكن للمرء أن يمس بالحياة، في هذا المكان المحدد، لا يحق لنا قتل حيوان، أو حتى قطع شجرة، وعندها بأعجوبة، يصبح الحرم الذي هو الحرام، المكان الذي فيه تحفظ الحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغيرية

السلام عليكم

    العلاقة بالغير والغيرية. كيف ننظر إلى الغير في الإسلام، الغير برمته، الذي ليس بشبيه، والذي لا يعتنق معنا نفس الدين، والذي قد لا يتصور الألوهية كما نتصورها. ينبغي الرجوع إلى القرآن نفسه، إلى رسالة القرآن التي تكلمت في كل مرة، عن البشر أو الإنسانية، وتقول عنها، أنها واحدة.

    وهذا التنوع جاء بمحض إرادة الله، الذي بخلقه الإنسان أو الإنسانية، يكون قد كرمها، لقوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم". الإسراء، 70. إذن، من البداية يضع القرآن الأفراد والإنسانية على نفس قدم المساواة، حتى لو كانت الأفعال تختلف، في هذه المساواة، ولكنه ليس المخلوق في حد ذاته، طيب أو شرير كان، فهو على قدم المساواة، في نظر الله، في نظر خالقه، ولذا عندما ننظر إلى الغير، علينا أن نتساءل عما يقوله القرآن "ولله المشرق والمغرب". البقرة، 115. أي الوجهان للدين الواحد. عندما يقول "فأينما تولوا فثم وجه الله". البقرة، 115.

    ومن ذا الذي ننظر إليه، إن لم يكن الذي ليس بشبيه، وكيف يمكننا أن نعرف أنفسنا، بدون مرآة الغير، لأن الغير يشير إلى صفاتنا، والغير يحيلنا إلى أخطائنا، كما قال علي ابن أبي طالب في هذا السياق "بقدر احتياجك إلى صديقك أنت محتاج إلى عدوك، صديقك يظهر محاسنك وعدوك يكشف مساويك "(1). بشكل ما، إنه يساعدنا على التحسن، وهذه الغيرية مثل المرآة، تسمح لنا، من خلال عرض أنفسنا على الغير، باكتشاف أعز ما لدينا.


(1)   يعززه قوله كرم الله وجهه "أعداء الرجل قد يكونوا أنفع من إخوانه، لأنهم يهدون إليه عيوبه فيتجنبها، ويخاف شماتتهم به، فيضبط نعمته، ويتحرز من زوالها بغاية طوقه".  من شرح النهج لإبن أبي الحديد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق