الأحد، 17 مايو 2020

رمضان لكل يوم موضوعه (3)

رمضان
لكل يوم موضوعه (3)



    كل يوم موضوعه، هي سلسلة من المواضيع، يحرص الشيخ خالد بن تونس أن يلقيها في دقائق معدودات، يوميا في هذا رمضان، ويقدمها لنا ملخصة التركيب، وموجزة التعبير، مليئة بالمعاني، يستعين بها السالك الماضي في دروب سلوك التربية الروحية. فهو يسعى على إتحافنا من دره النفيس، وكلامه الغزير المعاني، القليل المباني، الذي من حقه أن يكتب بماء الذهب على صفحات الذهب، ويمثل عصارة خدمة دامت أكثر من خمسين سنة، وتدوم بحول الله، في مجال التبليغ والدعوة إلى الله، مع ما عايشه من أحداث، ومرّ عليه من أحوال وتقلبات الزمان، وتحدّ إنسانية، يحرص كل الحرص على الأخذ يدها إلى بر الأمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفطانة

السلام عليكم
    شهر رمضان هو شهر التنزيل، الشهر الذي نزل فيه القرآن على الناس، كما تصفه لنا سورة البقرة، الآية 185، "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان". جاء هدى للناس، وبمثابة اقتسام، حيث نفصل فيه بين الحق والباطل، ونستظهر بطريقة ما، الحق من الباطل، وشيء أتى مفرقا بين الحق والباطل فينا.

    هذا هو السبب، في أننا معرّضين لنظرة أكثر حدة، وأكثر باطنية، حول سلوكنا وأعمالنا في هذا الشهر. إنه الشهر الذي يستجوبنا حول هذا التفريق بين ما هو حق فينا، وما هو باطل. بالعودة إلى مفهوم الفرقان، الذي يضع حدا بين هذا الغموض الذي نعيشه بشكل مستمر، بين هذا المفهوم، في أننا في الوقت ذاته، نعيش في الحق، ونعيش اعتقاداتنا، ومع أفكارنا وخيالنا، وجانب الحق أو الغموض في كل هذا. كيف نغربل، وكيف يمكن استخلاص الحق من الواقع المعاش في سائر الأيام، والمعاش في جميع الأوقات، وجميع اللحظات؟ عرّف التقليد الإنسان، بوصفه الذي ينسى(1)، هو الموجود في حالة من اللاوعي، الذي نسي الحق الموجود فيه. ذلك الحق الذي يسكن الإنسان.

    إن الذي ابتعد عن النور الذي ينيره على الدوام، فمن خلال التنزيل، يأتي هذا النور لينيره أثناء هذا الشهر الفضيل رمضان.

(1). الفرقان والإنسان هي على وزن "فعلان"، وهي من الصيغ الدالة على المبالغة في الشيء، تضاف الألف والنون إلى الفعل، لتبين شدة ذلك الشيئ.  فكلمة الإنس، تدل على الناسي الشيئ ولا يتذكره، والإنسان هو المفرط فرطا في النسيان، ومثله القرآن، على وزن فعلان، وتعني القراءة بامتياز، وهكذا في لغة العرب، توجد أفعال المبالغة، تضفي على الفعل شدته وكثافته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطريق الوسط

السلام عليكم
    إنها الأمة الوسط، التي حدثنا عنها القرآن الكريم، لقوله تعالى، بعد بسم الله الرحمن الرحيم "وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". سورة البقرة، الآية 143. ماذا يُقصد بالأمة الوسط؟ إنها الأمة البعيدة عن الغلو، والتي تتواجد في الوسط، وأنها التي تجمع بين الزماني والروحاني، وأنها التي تمنع الإنسان من الإذعان لنزواته الحيوانية، ونزواته المتطرفة الكامنة فيه. جميعنا يعتريه ذلك الزخم المفرط،  في حب أن يكون هو الأفضل، ويفرض سيطرته، وبأمّارة النفس الأنانية، يود أن يبقى دائمًا فوق الغير. وهنا يجيئ هذا التذكير "وجعلناكم أمة وسطا".

    لا غلو، بطريقة أو بأخرى. إنها هذه الدعوة القرآنية التي تأتي في كل مرة، لتعيدنا إلى الطريق الوسط، وفي نفس الوقت تفرض علينا معيارًا. معايير الشهادة. أي، أنتم هنا لتكونوا شهودا، وليس للمطالبة بشيء، شهود على ما أنتم عليه، شهود على الرسالة التي تلقيتموها. لتكونوا شهداء على مَن؟ على الجنس البشري. علينا أن نبث هذه الرسالة، وفي نفس الوقت، نكون شهودا، وليس أشخاصا يريدون أن يفرضوها على الغير، لقوله تعالى "لا إكراه في الدين". سورة البقرة، الآية 256. لذلك، ليس علينا أن نفرض شيء، أو نفرض أنفسنا على الغير، ولكن فقط للشهادة على هذه الرسالة. وعلى هذا النحو، أراد الإسلام أن تعرّف أمته. ولكن قبل أن يعرف الإسلام انتشارا كبيرا في العالم، عرّف من خلال أول ميثاق سياسي للرسول عليه الصلاة والسلام، بالمدينة المنورة، مفهوم الأمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح

السلام عليكم
    اليوم سنتحدث عن الشرح. بالفعل، توجد سورة في القرآن تسمى سورة الشرح، جاء فيها بعد بسم الله الرحمن الرحيم "ألم نشرح لك صدرك". شَرحُ الشرح. ما الذي يعنيه؟ جاء في الروايات، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صباه، خضع لعملية، حيث جاءه ملكان وأجراها له، شقا صدره، وأخرجا منه حصوات من دم، ووضعا في مكانهم جليدا. إنها صورة رمزية للغاية، إنها صورة تدعونا... بالفعل، هذا الشرح لا يمكن القيام به إلا من خلال عملية. إنها عملية، بطريقة ما، تسمح لنا بالقيام بالتلقيم، مثل شجرة، لكي تنتج ثمارا أفضل، شجرة خوخ أو تفاح أو زيتونة، جاءت فكرة التلقيم. ينبغي تلقيمها، حتى تعطي ثمارا أكبر حجما وألذ طعما. إن شرح الصدر وعملية التلقين في الفرد، لها من الدقة، أو من البياض كبياض الثلج والجليد، وتطبعها صبغة خاصة، صفية نقية، تسمح له بتقديم أفضل ما لديه. في التقليد الروحي، إن التلقيم هو نوعا ما كيفية لتلقين الإنسان الإسم الأعظم، وهو إسم من أسماء الله الحسنى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفتوة

السلام عليكم
    اليوم سنتحدث عن هذا التلقين، الذي منذ بداية الإسلام تخلل صفوته، وجعل منهم فتيان هذه الرسالة. أما اليوم، تم نسيان الفتوة بالكامل، على الرغم من أنها ظهرت قبل الإسلام، بوقت طويل. لقن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عمُه في هذا الحلف، المسمى بحلف الفضول. كان هذا التلقين يجعل من الشباب أو يعدّهم لقيم الفتوة، تعدهم لحماية الضعيف واليتيم، ومساعدة كل رجل أو امرأة يعيش في ضائقة، والدفاع عن المظلومين، وتأمين الطرقات، وغير ذلك... وكل ما له قيمة أخلاقية و كذا شهامة. لقن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صنوه وابن عمه عليا، الذي بنفسه ومن خلاله، أعطى هذا التلقين لتربية التيقظ، تربية الفتوة هذه، فرعين، فرع انطلقت منه في الأول هيئة كاملة من الحِرف، ولهذا السبب تمكنا من الإنتاج في الأسواق الكبرى، مراكز سوبر كاركت الكبرى، هذه العولمة الأولى أو عولمة الإسلام، عبر حوض البحر الأبيض المتوسط. الشيء المصنوع ينبغي أن يتوافق مع الحال الباطني، السجاد الذي تم نسجه، والسيف الذي تم صقله، والمزهرية عند الخزاف، فكل شيء يجب أن يتوافق مع الحال والوجدان الراقي. هذا هو السبب في اعتبار الشباب في وقت مبكر جدًا كمتمرنين، نلقنهم على التمرن على فعل الخير، والتصور الحسن، والوفاء بالعهود. والمتمرن كان رمزياً، يربط بحزام من قطن، وإذا ما ارتقى وأصبح فارسا، محاربا، يمنح له حزام من جلد، يكون على حد سواء صلبا ومرنا، وعند الحكيم يحزم بحزام من الصوف، بشكل رمزي. وهكذا، كان العالم الإسلامي هو العالم الذي عرف منذ البداية كيف يوجه شبابه، ويجعل منهم لاحقًا، رجالًا ذوي قيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجوارح

السلام عليكم
    سنحاول من خلال ما يقوله التقليد عن الجوارح، أن نعرف كيف تستشعر؟ لا ننسى أن الإسلام دين طوّر عملية كاملة، حيث ينظر إلى الجوارح بعين الاعتبار، وفي الأول عددها، حيث إذا كان لدينا في الغرب خمس جوارح، وهي السمع والشم والذوق واللمس والبصر، فإن الإسلام يعدّ سبعا، وهذا يعني أننا نضيف إلى الجوارح الخمس المعتادة اثنتين، وهما البطن والفرج، تضاف إلى هذه المجموعة من الأدوات، التي تسمح لنا، بطريقة ما، أن ندرك الواقع المحيط بنا. بواسطة جوارحنا نستكشف العالم، ومن خلال جوارحنا نتوجه إلى العبادة. قبل الصلاة، يتطهر المسلمون، وما الذي يطهرونه بالماء؟ فمه وأنفه وأذنيه ورأسه ويديه ورجليه، لذلك، رمزيًا، فإن طهارة الجسد هي طهارة الجوارح، وإعطاء نطاق آخر لجوارحنا، ما دام أن من خلالها ينبغي علينا اكتشاف واكتساب الحقيقة، أو بعض حقيقة العالم، وترجمتها على مستوى دماغنا، وعلى مستوى ضميرنا. لذا، فبها وعليها ينبغي علينا العمل، فهي بالنسبة لنا مفتاحًا للاكتشاف، مفتاحًا للعلم، مفتاح للمعرفة، مفتاحا للتوعية، ولكنها أيضا تشكل حدودا وحجابا. تكشف لنا جوارحنا الحياة من ناحية، ومن الناحية الأخرى تحجبها. ماذا علينا أن نعمل حتى يُرفع حجاب الجوارح، وتتعلم الاستماع إليه، وتتعلم السمع وإلتقاط الصوت الحقيقي المنبعث من مجموع الخليقة؟ كيف نجعل البصر يدرك ما هو موجود، ما وراء الصورة المشاهدة؟ كيف نجعل من الكلام كلمة، تفيد في إنتاج المعنى وتوليد الحي؟ كيف نجعل من فرْجنا، الذي ننقل من خلاله الحياة، ننقل إلى أجيالنا الحياة، ننقل من خلاله أيضا الضمير..؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق