الخميس، 30 أبريل 2020

فعاليات مؤتمر جنيف 2010

فعاليات مؤتمر
جنيف 2010


    بعد المؤتمر الدولي الذي نظم بمستغانم سنة 2009 و دام سبعة أيام، نظمت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، عيسى، هذه المرة  مؤتمرا دوليا بمدينة جنيف السويسرية، اهتم بثلاثة محاور من المحاور السبعة التي نوقشت بمدينة مستغانم. ويعد مؤتمر جنيف تابعا لمؤتمر مستغانم، فهو يعيد دراسة بعض المحاور الذي سلط عليها الضوء في صائفة 2009 بمدينة مستغانم.

    جرت فعاليات مؤتمر "من أجل إسلام روحي حر ومسؤول"، يومي 09 و 10 أكتوبر 2010، بمدينة جنيف، في قصر المؤتمرات باليكسبو، حضره شخصيات عديدة، من مشارب شتى وآفاق مختلفة، شهدت على ميلاد وعي جديد وبث رسالة موحدة.



 المعارض

   جرى في اليوم الأول، تدشين المعارض ومنصات العرض، على الساعة الواحدة مساءا، فتمتع ناظر الحاضرين بمعروضات "حياة وعمل الأمير عبد القادر"، الذي أُنجز احتفالا بالذكرى 160 لانقاد مسيحيي دمشق. اكتشف الزوار إنجاز محافِظة هذا المعرض السيدة ستي سيمون خديس، التي رسمت مسار هذا الرجل الفذ، من خلال معرضها "الأمير عبد القادر: رجل ومصير ورسالة". ومن المنصات المقترحة، صور السيدة كاترين طوايبي في إبراز معرض "مقامات"، الذي كشف موهبتها في استخراج صور الصالحين بأرض الإسلام. إلى جانبه عرض السيد سامي دمو "صور" احترافية، إلتقطها إبان مؤتمر مئوية الطريقة بمستغانم، سنة 2009.

    في نفس الجناح، تفقد المشاركين معرض "القرآن الكريم"، الذي عرض قطع نادرة جدا، لمخطوطات مزخرفة جميلة لمصاحف للقرآن الكريم، بما في ذلك، إحدى أولى الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم، المتعلقة بإدنبره (1649). كما عرضت باتريسيا لاغار صورها حول "نساء طريقة صوفية إيرانية".

    في المشهد، نُصبت "القرية"، وهي عبارة عن مساحة متاحة للجمعيات والمنظمات المعنية بموضوعات المؤتمر. تتيح إمكانية، لمدة يوم ونصف يوم، اكتشاف الأنشطة والمنتجات التي لها علاقة بموضوعات المؤتمر. حتى الأطفال، كان لهم فضائهم مع أبائهم، ليشهدوا إقامة مبنى مشروع المستقبل، ويُبسط لهم، حتى يكونوا من حملته.

الجلسة الإفتتاحية

    في جلسة الإفتتاح، قدم كل من فيليب موتي، رئيس فرع عيسى السويسري، والسيد حميد دمو، رئيس عيسى الدولية، كلمتي ترحيب، حيث ضرب دمو في كلمته مثال تلك المرأة السويسرية، التي بعدما قرأت مقال جريدة "Le Temps"، التي أجرت حوار مع الشيخ خالد بن تونس، حضرت المؤتمر، وقالت "اليوم، لم أعد خائفة". افتتح صاحب الحوار مقاله بـ "على الصوفية أن يخرجوا من الظل"، وجرى في ترحيبه السيد دمو على حث الصوفية على تبديد المخاوف والخروج للتصدي. وقال "سيقوم مؤتمر جنيف 2010 هذا بدوره كاملا في هذا الإتجاه، وهو لبنة جديدة في دار السلام، التي يبنيها الشيخ بن تونس مع آخرين بصبر، عبر العالم".


المحاضرات

    بعدها جاء دور إلقاء المحاضرات، فقد تم اقتراح في المؤتمر أربعة تدخلات، تعني محاور المؤتمر. ترأس الجلسة السيد إيريك جوفروي، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة ستراسبورغ، وقدمت المحاضرات على فترتين، في مساء ذلك اليوم.

     فكان أول من اعتلى المنصة من المحاضرين السيدة باريزا خياري، عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي بمحاضرتها "النساء والعولمة: بين التقليد والحداثة".

    قالت "على الرغم من أن المرأة عاشت تحررها في القرن العشرين، فقد تأسس هذا التحرر على عدة مستويات: جسديًا – من خلال التحكم في جسدها، والمباعدة بين الولادات -، وكذا اقتصاديا وفكريا. ومع ذلك، يتبقى للمرأة غزوها، بقدر ما هو سلمي لحريتها. إذا كانت قد شهدت تحسنًا في وضعها، فيجب ألا نصدق أنها حرة الآن. لن تكون النساء حرائر، إلا عندما يسيطرن بشكل كامل على مصائرهن. آمل أن تتمكن النساء، بعد تحريرهن من القيود المادية في الحياة اليومية، من استرجاع هذا البعد الأساسي، الذي غالبًا ما تم حرمانهن منه".

    وبحسب المتحدثة، يجب إعطاء المرأة الوقت الكافي للعودة إلى أصولها، لفهم ذكاء سلفاتهن، وحيوية رسالة الحرية التي رسخت فيهن.

    وأضافت في تدخلها "هذه المصالحة مع ماضينا ضرورية، وقد تستغرق بعض الوقت. إنها تعهد بانضمام النساء إلى الحرية، من خلال إعادة إنشاء الجسر، الذي لا يمكن لسواهن إنشاءه، بين الماضي والحاضر. حول هذه الهوية الجديدة، المشكلة من جديد والسلمية، يمكن بناء مجتمع مستقبلي. يجب على المرأة بناء هوية هادئة، بين التقليد والحداثة، وليس في رفض التقليد، ولكن في فهمه، حتى تتخطاه بأحسن وجه. يجب ألا يكون التقليد عبئًا، بل قاعدة للتحرك نحو الحداثة. أيضا ينبغي فهم المبدأ والجوهر والنواة".

    وبهذا المعنى، تلخص ثلاث جمل أفكار السيدة خياري. تتوجه الأولى للمؤسسات، "ليس الدين الذي ينبغي محاربته، بل الجهل"، وكما قال ابن العربي "الناس أعداء لما جهلوا". الفكرة الثانية تلقى للرجال: "يجب أن يفارقهم الخوف". والثالثة للنساء "من أجل المضي قدما بانسجام في عالم معولم معقد، لدينا التزام قوي بحماية أنفسنا من اتخاذ ماض بلا مستقبل، وحداثة بدون جذور. ينبغي أن نكون مواطنين في البلدان التي نعيش فيها. بهذا الشكل، سنظل مخلصين للتقليد الذي حملنا. بهذه الطريقة، سيبني مسلمو أوروبا إسلامًا روحيًا وحرًا ومسؤولًا".

    أخذ الكلمة بعدها، السيد فيليب روك، المستشار المستقل، والمدير العام السابق لـلصندوق العالمي للطبيعة، الفرع السويسري، تلك المنظمة الدولية غير الحكومية، وأيضا هو المدير السابق للمكتب الاتحادي السويسري للبيئة والغابات والمناظر الطبيعية (OFEFP). أشاد في محاضرته "الطبيعة منبع روحي"، أن في مواجهة انهيار الحياة الروحية، الذي يخلق اختلالًا بيئيًا من خلال إهدار موارد الكوكب، قام بتقديم ثلاثة مسارات: التمارين الروحية (الصلوات والتأمل)، والكلام الحكيم، واحترام الطبيعة. في جميع التقاليد، الطبيعة لها مكان عظيم. في الإسلام، الكون هو قرآن متجسد. أمام وحدة وتنوع الطبيعة، يعد الاحترام والتواضع والتفاهم أمرًا ضروريًا. النمل نفسه متوازن مع بيئته، ويعيد تدوير نفاياته.

    نظرًا لأن الفراغ الذي خلفه تراجع الروحانية، يملؤه الاستهلاكية والنمو، يدعونا فيليب روك للاستمتاع بمشهد الطبيعة، الذي يخلق الفرح والهدوء، ويساعدنا على تبديد المخاوف. الطبيعة هي نموذج الرصانة والكرم، فشجرة الكرز، التي لا تحتاج سوى إلى نواة، كل خمسين سنة لتتكاثر، تفضل إنتاج الآلاف من الزهور والفواكه كل عام، من أجل سعادة الطيور والحشرات و الناس. يؤكد فيليب روك أن البيئة يجب أن تكون صوفية، وأن المحبة فقط، من يعطي معنى لحياة سريعة الزوال، وأنه علينا أولاً، أن نسعى إلى السلام داخل أنفسنا، حتى نتوجه بعدها للغير.

    وقال "إن القدرة الفكرية وحرية الاختيار المتاحة للبشر، تمنحهم دورًا خاصًا في عالم الحي. بهذه الطريقة يمكنهم الاندماج في الطبيعة أو إنشاء عالم اصطناعي، وإدارة الموارد أو استنفادها، والحفاظ على النظم البيئية، واستخراج الموارد منها، أو الإفراط في استغلالها وتدميرها، والتعاون مع زملائهم أو السيطرة عليهم، واستغلالهم واستعبادهم. بما أن الإنسان يمكن أن يتخذ هذه الخيارات، فإنه يتحمل مسؤولية خاصة عن الطبيعة. عندما نتصرف، يجب أن نفكر في عواقب أفعالنا. الحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة. في كل مرة، عندما نؤكد أو نمارس حرية ما أو حق، يجب أن نربطه بمسؤولية وواجب. حرية بدون مسؤولية، وحق بدون واجب، يؤديان إلى اختلالات ومعاناة ودمار".

    حسب البرنامج، بعد استراحة قصيرة، استأنفت المحاضرات مع السيد باتريك بوسكي، مدير وكالة "Press Futuring"، الذي ألقى مداخلة حول "وسائل الإعلام، عومل أمل". "إن نظام الإعلام هو مرآة لما نحن عليه"، هكذا رشح باتريك بوسكي في خطبته، واسترسل "وبالتالي فإننا نتحمل، مع وسائل الإعلام، مسؤولية اجتماعية كاملة في أدائها، والتي تقدّر حاليًا أخبارا،  تحكمها بشكل رئيسي الأحداث المدمرة، والسلوك الأناني، واستغلال مصائب الإنسان. على الرغم من هذه الملاحظة، إلا أنه لا يزال من الممكن بالنسبة لنا، بناء عالم مختلف معًا، إذا قررنا أن نضطلع به، من خلال الاستفادة العادلة والكاملة من هذا الجهاز الإعلامي، الذي يضفي طابعا عالميا، ويعولم ويشكل مواقفنا ونظرتنا للعالم. بهذا المعنى، من الضروري إجراء ثلاثة تعديلات، وهي:

- تغيير هيكل المعلومات.
- تحضير الضمير في أفعالنا الإستهلاكية لوسائط الإعلام.
- بناء العلاقات مع وسائل الإعلام".

    وأدرج "يجب أن تتكيف أفكارنا مع العالم، يجب أن نخرج من التحيز وأن نكون مبدعين، أو على الأقل نبني الإحتمال. عندما توفر تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة آفاقًا استثنائية لزيادة معرفتنا، فلماذا لا نتمكن من الاستفادة منها؟ قد نفاجأ بوعد التغيير، الذي يحمله هذا العالم بصمت".

    ألقى الشيخ خالد بن تونس خطبة متميزة عنوانها "من أجل إسلام سلام"، ختمت ولخصت الطرح المتوخي وراء إقامة هذا الملتقى، قال في مطلعها "إن هذا اللقاء المنظم من طرف الفرع السويسري، للجمعية الدولية الصوفية العلاوية، عيسى، هو استمرار لنضال يُقاد منذ سنوات، من أجل أن يتم إسماع صوت الإسلام الروحي و التعريف بميراثه. وهو أيضا صدى للتجمع الكبير، الذي عقد بمستغانم شهر جويلية 2009، للإحتفال بمئوية الطريقة العلاوية. يدعونا هذا الإرث الذي يصل إلى منابع الرسالة المحمدية، إلى التساؤل، عن جوهر الإسلام، و ممارسته، و رؤيته، و مساهمته في الحوار و العدالة والإخاء والسلام، وسط إنسانية أصبحت أكثر تعقيدا.


الشيخ خالد بن وهو يلقي خطبته (تصوير: كاترين طوايبي)

   وأضاف في خطبته العظيمة العميقة المعاني "... أود الآن، على وجه الخصوص، أن أتحدث إلى الكائنات التي لديها قلب، لا يزال لديها إمكانية المحبة، والتي لا يزال لديها سبب لأقنعها، لأنه عندما يهذي العقل، ترحل الروحانية. نحن بصدد الحديث عن روحانية الحي. هل نحن قادرون اليوم على استقبالها وفهمها، وخلق من روحانية الحي هذه روابط، تسمح لنا بأن نستشعر أو نأمل أو نحلم لأبنائنا وأحفادنا بعالم آخر، غير هذا، الذي  يقوم اليوم بتدمير نفسه، والذي يفقد كل معناه، ذاك العالم الذي توقعناه جميعنا في القرن الحادي والعشرين، ونأمله جميعنا، عالم أكثر عدالة، عالم أكثر سلامًا، عالم تسوده المساواة والأخوة؟

    ... ينبغي أن نأخذ مثال الحروف الأبجدية التي تنضاف لبعضها البعض، وتندمج لتعطي معنىً، حتى نطبقها في الواقع الذي نعيشه في الحياة اليومية.

    ... كلنا نكمل بعضنا البعض. وحتى أولئك الذين يعارضون ما أمثله، يمكنهم مساعدتي في التعمق أكثر، والبحث في داخلي أكثر، عن إنسانيتي وضميري وذكائي وأٌخٌوتي، وطريقة رؤية وتصميم حياتي والعالم الذي أعيش فيه. ومن ذلك المنطلق، يمكن للأصوليين، مهما بلغ عددهم، في الإسلام وخارجه، أن يساعدونني على الغوص على النحو الأفضل، في عمق التقليد، والبحث عن الرسائل التي وجهها إلينا؛ رسائل المحبة، رسائل الأخوة، رسائل الإنسانية. في هذا، فهُم يجبروننا على اتخاذ خطوة نحو الغير. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإننا سنظل نشكل تحديات، كل من هب ودب. حياتنا سوف تؤول إلى ما لا طائل وراءه، للأكل والشرب والتكاثر. ولكن لا يمكن لرجل أو امرأة أو كائن أن يجد نفسه في آخر حياته خال الوفاض. عندما تحين ساعة الموت، سنكون لوحدنا، بدون أصدقاء ودون عائلة، ودون مال. جئنا إلى هذه الدنيا عراة، وسنرحل عنها عراة. لا شيء، سوى الأثر الذي نتركه بأفعالنا، وسوى ذكرى الرفاهية التي نقدمها للغير. من هنا تأتي الروحانية لتساعدتنا على تحويل أنانيتنا إلى شيء إيجابي. لنجعل الإنسان يفهم، بكل بساطة، أنه من دواعي الأنانية ينبغي له أن يساعد الغير، لأنه لا يستطيع أن يتصور أنه يمكن أن يساعد الغير بواسطة الإيثار. لذا، بدافع الأنانية، ساعد الغير لأنه أفضل لك. الغير، يسمح لك بالعيش بشكل أفضل. نحن مترابطون ونصب في بعضنا البعض. طالما أننا لا نتمنى للغير ما نتمناه لأنفسنا، طالما أننا لا نعمل من أجل الغير كما نعمل من أجل أنفسنا، طالما أننا لا نريد للغير ما نريده لأنفسنا... قاعدة بسيطة في الحياة. وطالما أننا لا نتصف بذلك في الحياة اليومية، فعندئذ نعم، ستزداد المعاناة، وستؤثر علينا، وستأخذنا بعيدًا.

    ... انظر من حولك، كيف هو العالم. تحدثنا عن وسائل الإعلام: كل صباح، عند وجبة الإفطار، في اللحظة التي نفتح فيها أعيننا لبدء يومنا، نبدأها بأخبار القتل والصراعات والحروب والدم والظلم ... أصبحنا بشكل ما، كائنات مخدرَة، مدمنة، كما يقول الشباب، على هذه الأخبار السلبية. كل واحد منا يصدر أحكامًا، كما لو أن له رأي في إجراء إنتخابي، دون أن يفهم حقًا أي شيء حول ما يحدث. عندما نتحدث عن الإسلام اليوم، ننسى أن ربع البشرية مسلمة. وإن تجاهل ربع هذه الإنسانية، ونحيل إليها إلا صورا سلبية، هو تعزيز أكثر في رؤيتها للغير، والتي  لا يمكن أن تكون إلا سلبية.

    عندما نبني أحكامنا على التحيز، عندما يشعر المسلم بأنه تم تمييزه، وأنه ينظر إليه، ربما ليس من طرف الجميع، ولكن من قبل الكثير، مثل الإرهابي، في الظل، جاهز للعمل ويفجر قنبلة... لذا، انظروا إلى هذا التأثير النفسي على المسلمين الذين يعيشون في مجتمع يكاد يرفضهم أو لا يفهمهم. لكن عليهم هم أيضًا بذل جهد لفهم مجتمعهم. لهذا، إنها ليست مسألة كلمات، عندما يقال لي أنها الجالية المسلمة، أقول لا، وأرفض ذلك. لا ! أنا تركيبة. على أي حال، بالنسبة لأطفالي وأحفادي، إنهم جزء من إنسانية. بالنسبة لنا نحن المسلمين، يجب أن تكون الكلمة ذات معنى.

    أن تكون جزءًا من جسم، يعني أنك تشارك في حياة ذلك الجسم. وتساهم في رفاهه وتنميته. إذا انطوينا داخل طائفة انتحارية، سنترك لأبنائنا عبئا ثقيلًا جدا يحملونه، وهو الأسطورة. أسطورة الأسلاف هذه، هذه الأسطورة المدمرة التي جعلت من المسلم اليوم يبحث عن نموذجه في العصور الوسطى، متناسيًا أنه يعيش في القرن الحادي والعشرين. لأنه ليس لديه إمكانية، لا من خلال التعليم، ولا على مستوى ما يسمعه من خلال وسائل الإعلام، ولا في المجتمع، ليرجع إلى بلد أو أمة أو أرض، تقبله كعنصر مثمر ومهم، وشيء إيجابي. أما بقية العالم الإسلامي، فكيف يرى الغرب؟ حسنًا، للأسف لا يراه إلا من خلال الصراعات التي يعيشها. أخبرتكم أننا تحدثنا في يناير 2001 عن هذا الوضع. وجاء الجواب. في 11 سبتمبر، تعلمون جميعًا ما حدث. ولكن بعد 11 سبتمبر، كيف كان رد فعلنا؟ حسنًا، لقد تفاعلنا بخلق صراعات أخرى في أفغانستان والعراق... ومن ثم هذا الصراع الدائم والمحرج، الذي لا نجرؤ على الحديث عنه كثيرًا، من شدة ما تحدثنا عنه، وهو الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. من المحتم أن هذه الأماكن المكدومة، هذه الأماكن التي تشهد مظاهر الدم والمعاناة، بشكل يومي، أن تجد مخرجا. من المستحيل أن نكون قادرين على إصلاح أي شيء، في جسم الإنسانية، ونحن إنسانية، ونشكل جسما بأطراف تكون مكمّلة، إذا أصيب جزء من الجسم، فسيتداعى له سائر الجسم بالحمى. لا يمكننا أن نغض الطرْف عما يحدث على أرضنا، سواء في الشرق الأوسط أو الشرق الأقصى أو أمريكا الجنوبية أو في أي مكان آخر.

    لذا من واجبنا، وفاءا وإدراكا، أن نحترم كلمة جميع الذين مروا من قبلنا، وجميع الذين ناضلوا من أجل الحرية والمساواة وأخوة الناس، من أي دين كانوا. هذا ما تدعونا إليه روحانيتنا: عدم الخلط ، وعدم لعب لعبة النرجسية هذه، للذي يعرف كل شيء، ويعلم كل شيء، ويملك الحقيقة. عالم الغد عالم مختلف. إنه عالم، حيث انطلاقا من عالمنا، فكل واحد يعرف شيء ما، ولا أحد يعرف كل شيء. إذن، ماذا تبقى لنا؟ التبادل هو مفتاح كل تقدم. التبادل هو مفتاح رؤية جديدة للعالم.

    ... وهذا العالم، سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن أبنائنا لديهم قدم فيه بالفعل. إنهم بالفعل على الجانب الآخر. عالمهم لن يكون عالمنا. قال سيدنا علي ابن طالب، صنو النبي صلى الله عليه وسلم "علموا أولادكم لزمانهم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم". قالها منذ خمسة عشر قرنا. فكيف نعلم أطفالنا اليوم إن لم يكن إعطائهم ضمير عالمي، مواطنة عالمية، وأخوة عالمية. لا يمكن لأي دولة أن تفعل ذلك بمفردها. لا يمكن لقارة أن تفعل ذلك بمفردها. هل تعتقدون أنه بواسطة الأسلحة والحرب والتكنولوجيا يمكن أن ينتصر جزء من العالم على الآخر؟
    لم آت للإقناع أو الإهداء. فقط لأشهد، أعيش منذ 35 عامًا، محاولا التعريف بهذا الطريق الوسط، طريق العقل، وأيضًا الطريق التي تربطني بالعظيم الوصف، نبع المحبة والرحمة هذا، المجهول اليوم من قبل الجميع، بمن فيهم المسلمين أنفسهم. هذا الإرث الذي لم يضِع، بل نُسي. وهو مدرج أيضًا في جميع حِكم العالم، سواء كانت هندية أو بوذية أو صينية أو غربية أو يهودية أو مسيحية أو مسلمة".


أمسية روحية مع موسيقى صوفية

    تمتع الجمهور في مساء ذلك اليوم من المؤتمر بسهرة روحية متنوعة، فقدمت فرقة رازبار الإيرانية، عرضها الموسيقي الكردي الطابع، وهي موسيقى روحية، ظلت حتى وقت قريب، غير متاحة  لعامة الناس. اكتشف الجمهور هذا الفن، وأخذ فكرة عنه. اختارت رازبار المتشكلة من موسيقيين ممتازين، التعريف به، ليس بقصد تقديم عرض، ولكن لمشاركة تجربتهم الروحية. إن احترامهم للأشكال الأصلية والروح الأصيلة لتقليدهم الموسيقي والشعائري، أقل ما يشير إلى منهج جمالي، مثلما أنه يمثل إحساس ينبض بالمقدس. كما كان لمجموعة الديوان، فرصة لتمتيع الحضور بأغانيها الحية العيساوية الطابع، مع ما يتخلل أناشيدها الروحية الإيقاع الممتزج بصوت الآلات التقليدية، مثل البندير والدف والغايطة.

    أطربت المجموعة الصوتية للطريقة العلاوية القاعة بقصائدها الرنانة التي تأخذ بالألباب، وهكذا شارك المنشدون والموسيقيون في التعريف بهذا التراث الروحي العالمي، المندرج في سياق الموسيقى العربية الأندلسية العظيمة. في نهاية السهرة، انضم مريدو ومحبو الطريقة العلاوية بالإضافة إلى الجمهور المشارك إلى الجمع الروحي، وأطنبوا في ترتيل السماع الصوفي وذكر أسماء الله الحسنى.


الورشات

    في اليوم الثاني، أجريت أعمال الورشات صباحا، فسجلنا إقامة خمس منها.

   المرأة في قلب العولمة: ورشة نشطتها المتخصصة الاجتماعية واللغوية سلاماتو سو، من النيجر، التي سلطت الضوء في دراستها على شعب الفولاني الأفريقي، الموجود في العديد من الدول الأفريقية، ويمتد استيطانه من السودان شرقا إلى السنيغال غربا. من خلال دراستها اختارت سو معالجة موضوع المرأة في ذلك المجتمع من خلال المرور بالعملية من الروحية نحو وسع العالمية، ووضعت طاقة المرأة في صميم هذا التحول. وصورت في طرحها الحياة الاجتماعية للمرأة في شعب الفولان، وقدمت أمثلة عن الدور الذي تحظى به في مجتمعها.

    من أجل إسلام حر ومسؤول: بدأ أستاذ العلوم الشرعية في جامعة ستراسبورغ، في فرنسا، السيد ايريك جوفروي ورشته بالتساؤل التالي: ماذا جاء يفعل الإسلام في الأرض؟ نشط الأستاذ جوفروي حصته مع باتريك هيني، من مؤسسة Religioscope. تبقى في الإسلام حرية الإنسان محورية، ما دام لا تتدخل أي مؤسسة دينية في علاقته بالله عز وجل. تميز التدخل بالتنويه بروحانية الإسلام، وإشارة إلى عرى الإسلام الثلاث، وخص بالذكر الركن الثالث منه، مقام الإحسان، وإن السعي إلى مقامات الأنس والقرب، يتطلب اضطلاع بمسؤولية كبيرة، ولا يزال من الضروري أن يكون لدى الإنسان الشجاعة لاغتنام هذه الحرية التي، كما ذكرها القرآن مراراً وتكراراً ، تنطوي على مسؤوليته. يمكنه تحقيق ذلك من خلال الروحانية، طريقة التيقظ بامتياز، ليصل إلى التحرر الوحيد المجدي، الذي يخلصه من الأوهام.

منطق الطير: وهي قصة للصوفي الفارسي فريد الدين العطار، الذي عاش في القرن الثالث عشر. في ورشتها ضمن موضوع إيقاظ الضمائر، فصلت الإيرانية منجية نوري في  القصة، وهي تروي مسعى جماعة من الطيور في تخطي الأودية السبعة، بغية بلوغ ملكهم سيمورغ. وترمز هذه القصة إلى الإنسان ومسعاه الروحي في الوصول، مع ما يعتريه من سلوكيات وما يميزه من تنوع، وما يجده من امتحانات في الطريق، وعبوره المقامات السبعة، المشار إليها في القصة بالأودية.

يقظة الضمير: قام بها ألان ميشال، مدير مؤسسة "رجال وكلمة"، وهي مؤسسة مستقلة، لا ينتمي إلى أي حركة أو هيكل طائفي أو سياسي أو فلسفي أو أيديولوجي أو اقتصادي. تسعى المؤسسة في الجمع بين الأطراف، وأولئك الذين لا يستطيعون الالتقاء في السياقات التقليدية، لمنحهم الفرصة للتعرف على بعضهم البعض، واكتشاف النقاط المشتركة، والاحتياجات المشتركة، لحل الخلافات، والبناء والعمل معا.

المستقبل يبنى اليوم: من خلال مثالين، مثال الكشافة الإسلامية الفرنسية وأريغاتو الدولية، كانت ورشة العمل لحظة تبادل واكتشاف حول قضية التعليم من أجل السلام. كانت ورشة العمل تفاعلية وحيوية، وفقا لمبادئ التربية الشعبية، وهي "التعليم من خلال العمل". لذلك تم اقتراح عدة نشاطات. قدمت الكشافة الإسلامية الفرنسية أعمالها من خلال مسرحية هزلية، سمحت لهم بالعرض، بطريقة ممتعة دوافع الكشافة الشباب، وكذلك الصعوبات المتعلقة بعدم فهم الإسلام. أما عن أريغاتو الدولية، فالأمر يتعلق هنا، ببيداغوجية تربوية للعيش معا لتعليم السلام. قدمت في الورشة ألعاب، المرجو منها التحسيس بالتنوع، وتعلم الإستماع إلى الآخر.

الأرض الأم – يقظة الضمير: أهداف ورشة نشطتها رئيسة مؤسسة "الأرض والإنسانية بالمغرب"، السيدة فطومة بن عبد النبي. قالت الحضور حضارة. دار المعنى، بأن لا سلام في الأرض، بدون إحلال السلام مع أمنا الأرض.


المائدة المستديرة

    طبعت الندوة جلسة نقاش، جرت في مرحلتين في مساء اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر، دار مغزاها حول "نظرة أخرى عن الإسلام، المواطنة للجميع، وولاء كل شخص". نشطها السيد غي ميتان، المدير التنفيذي لنادي الصحافة السويسري، وعالجت ثلاثة مواضيع، وهي المرأة واشراك المواطنين ومستقبل الشباب.

المائدة المستديرة (تصوير كاترين طوايبي)

    نشط النقاش عدة شخصيات حضرت الندوة، وشارك الشيخ خالد بن تونس في الجلستين، وفصّل مع جلسائه في المواضيع الثلاثة المختارة.

    الشيخة نور أرتيران، من تركيا، في عرضها الموجز عن المرأة ، وضعت نفسها كقائدة مسلمة وروحية، من خلال تشجيع النساء على أن يدركن بشكل كامل دورهن في المجتمع. منذ بداية الإسلام، حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراف السابقة التي لم تحترم حقوق المرأة. أنهت الشيخة عرضها بنصيحة للرومي، الذي قال "إذا أزعجك شيء في الغير، ابحث في نفسك عما يمكنك أن تغيره".

    كانت جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في سويسرا حاضرة في المائدة المستديرة. وشدد كل متحدث، في موضوع اشراك المواطنين، بطريقته الخاصة وبحساسيته، على أن الحرية تنطوي على مسؤولية اجتماعية. قد تجد الشرور الحالية لعالمنا جزءًا من حلولها في الإيثار واحترام الآخرين والمعاملة بالمثل. ليس الشأن أن نكون خائفين من خلافاتنا، ولكن الشأن رؤية التنوع الثقافي كفرصة.

    في مسألة المستقبل والشباب، اصطف جميع المتحدثين وراء كلمات الشيخ خالد بن تونس، الذي يتمنى للجيل القادم مستقبلًا يسوده السلام والعدالة. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق السلام والعدالة إلا من خلال التزام الجميع بحل المشاكل التي تواجه مجتمعنا. يدعو الإسلام الروحي الرجال والنساء، بصفتهم الشرعية كمواطنين اليوم، للمشاركة في عالم ينعم بالأخوة والسلام.


الختام

    في ختام الندوة، جرت قراءة ثلاثة نداءات، أضفت على اللقاء، طابع الأخوة العالمية، وكشفت عن زخرفة التنوع في مختبر الأفكار الجديدة، التي عايشها المشاركون في اليومين.

    يجب أن تجعلنا هذه الدعوة ندرك أن الجميع يعرف شيئًا ما، لا أحد يعرف كل شيء، وهذا التبادل هو مفتاح التقدم. وكانت المناسبة، أن قدمت رئيسة مؤسسة l’Entre-Connaissance لجنيف، السيدة نمات مردام باي، ونائبة رئيسة المنصة البيدينية لجنيف، للشيخ خالد بن تونس جائزة l’Entre-Connaissance، وهي جائزة كرّسها الشيخ لجميع الشباب، من خلال دعوتهم إلى أن يحملوا في قلوبهم المحبة، وأن يكونوا في الخدمة. ثم اتبع بقراءة النداءات الثلاث.


قراءة النداءات

النداء الروحي لجنيف
    إنها دعوة أطلقها عام 1999 العديد من الشخصيات المحلية والدولية لصانعي القرار الكوكبيين، لاحترام ثلاثة مبادئ، حتى لا يتم استخدام أي قوة دينية أو روحية، لتبرير العنف والتمييز والإقصاء والسيطرة أو استغلال الآخرين. قرأه كل من حفيظ ورديري مدير مؤسسة l’Entre-Connaissance لجنيف، والقس ويليام كامكوميش.

قراءة مشروع الميثاق الأخلاقي للأديان
    قرأه ألان ميشيل، المدير العام ومؤسس مؤسسة "رجال وكلمة".
    إن ميثاق الأخلاقيات الدينية لا يمثل موعدًا نهائيًا، بل هو نقطة انطلاق. إنه مبدأ العمل المشترك لمختلف الأديان والتقاليد الروحية حول التحديات الرئيسية لمجتمعات اليوم. ويقترح توسيع النقاش بين الأديان بشكل ملموس، من خلال إعادة التركيز على العلاقة مع الغير، والتحديات الأساسية للديانات.

قراءة نداء منتدى زوست
    قرأ من طرف توماس دريسن، رئيس مجلس المعهد المركزي لأرشيف الإسلام في ألمانيا- مؤسسة أمينة عبد الله. تأسس هذا المركز سنة 1927 ببرلين، وسنة 1981 حول مقره إلى مدينة زوست. إنه نداء أطلقه منتدى المعهد المركزي لأرشيف الإسلام في ألمانيا- مؤسسة أمينة عبد الله حول الشباب. يضم المنتدى خبراء أكفاء يفكرون في مستقبل مثمر للإسلام في ألمانيا.

الوقفة الختامية.

    بعد هذه الدعوات إلى عالم من الحوار والعدالة والسلام، وبعد يومين من العمل المكثف، مرت الكشافة الإسلامية الفرنسية، أمام الجمهور، أثناء حفل الختام، حاملة مشعل الأمل، وقدمته للكشافة الإسلامية السويسرية. في تلك اللحظات، لم يتمالك الكثير أنفسهم وأذرفوا الدموع، وهم يرون الكثير من التوقعات والوعود لعالم متحرر من مخاوفه وانقساماته. حتى سيدنا الشيخ خالد بن تونس، بدى متأثرا، وهو يلقي آخر الكلمات "بشغف كبير، نأتمن أبنائنا على الشعلة الموقدة، الشعلة التي تدمر، وأيضًا الشعلة التي تنير. شعلة الحياة. إنه كنز لجميع الذين لهم قلب يحب وعقل يفكر، وأيضا مسؤولية كبيرة تلقى على العواتق. أتمنى لهم أن يحملونها طوال حياتهم، ويسلمونها بدورهم إلى الأجيال المقبلة". غنت خلالها الكشافات الإسلامية لعدد من الدول الإسلامية قصيد "الله محبة الله سلام، انشروا السلام يا أهل السلام".




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق